اخر الاخبار:
قانون فيدرالي جديد في سويسرا: لا للنقاب! - الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2024 19:12
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

لكي لا يكون التاريخ فرجه ما بين القيادة المركزية واللجنة المركزية للشيوعي العراقي// أحمد الشيخ أحمد ربيعة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

عرض صفحة الكاتب 

لكي لا يكون التاريخ فرجه

ما بين القيادة المركزية واللجنة المركزية للشيوعي العراقي

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

تبنت صفحة بلا زحمة للرأي الاخر ضمن مشروعها في القريب العاجل فتح ملف القيادة المركزية وانشقاقها في 1967. يرى البعض إن فتح ملف كهذا لا يعدو سوى طرق أبواب الجحيم، حيث يعتقد أن أمرا كهذا يستهدف هيبة الحزب الشيوعي العراقي ( حشع ) ويثير الماضي الأليم، وكأنه تناول تاريخ حشع والكثير من تفاصيله الغير موثقة، أصبح سبة واستهداف للأوضاع اليسار والقوى الديمقراطية التي تتقاذفها أمواج الخيبة من شاطئ لأخر وبالذات بعد 2003 بعدما كانت تمثل أملاً بهذا الشكل أو ذاك لقطاعات واسع من الشعب العراقي. 

 

لقد كان الانشقاق محاولة للخروج من عباءة او بنى فكرية وسياسية وتنظيمه مرتبطة لحد كبير بتاريخية تلك الفترة والتي اكدت الحياة فشلها والحقت الهزيمة باليسار العراقي وعموم المشروع الوطني منذ افول اشعاعات ثورة تموز المجيدة منذ. 1960.

 

هذا المنعطف والذي شكلت أساسه خلافات اجتماع اب 1959 والعجز عن إيجاد حلول مثمرة واللجوء الى حلول توفيقة ووسطية في معالجة الازمة الناشئة آنذاك في قيادة الحزب إضافة للازمة ما بين الحزب والسلطة الجديدة في الوقت الذي كان الحزب يشكل أكبر قوى جماهيرية على الساحة وأكبر الداعمين لسطلة تموز. تعمقت مسارات الازمة وبشكل دراماتيكي مع نجاح انقلاب شباط 1963 الدموي وجاءت معالجة خط اب 1964 لتعمي أي بصيرة في تحديد طبيعة السلطة القائمة ونهجها الديكتاتوري وغربة التنظير وعديمة التبعية الفكرية في تناول الواقع العراقي. الحق هذا الامر لاحقا بمشروع او بالأحرى فكرة العمل الحاسم 1965 الذي افسدها النقاش و(الفذلكة الفكرية ) والصراع والتنافس بما فيه الشخصي والفهم الجامد والترديد لمقولات ومفاهيم اقل ما يقال عنها بانها تمثل عقلية جامدة وفهم تبسطي وميكانيكي في تفهم الواقع العراقي.

 

ينظر من انظم او دعم القيادة المركزية الى انها انتفاضة للخروج من معطف اليمين الشيوعي والوسط المتذبذب المساند لها في المنعطفات والأزمات في قيادة حشع ويرى فيها محاولة لبناء يسار عراقي جديد قادر على اخراج حشع من ازمته وله القدرة على انجاز المهام المطروحة وقتها وابرزها الموقف من السلطة. علما انه جرت محاولات سابقة في هذا الاتجاه كما في مجموعة الكادر او الشيوعيون الثوريون وغيرهم. أي ان وحدة الحزب لم تعد مقدسة من اجل تحقيق البرنامج او بالأحرى المهام الانية المطروحة أنذاك. واقع الامر انه لم يكن هناك برنامج واضح بقدر ما كان من سرديات بعيدة عن الواقع وطريقة عمل تُفشل أي محاولة جادة لتصحيح مسارات ما بعد خط 1964 سواء كان ذلك بوعي او بدون وعي. اعتقدوا رغم ان هذا الاعتقاد لم يكن وليد صدفة بقدر ما هو محصلة جملة من العوامل، ان الانفصال لخلق وليد جديد لتحقيق المهام المطروحة هو مهمة الساعة المطروحة، استنادا لتجربة لينين والبلاشفة وتجربة فهد، وفي ظل أوضاع فقدت قواعد الحزب في معظم مفاصلها، الثقة في قيادة الحزب وتزايد القناعات بصعوبة واستحالة حل الازمة المتفاقمة ضمن الأطر الداخلية وتحت اشراف القيادة القائمة آنذاك وانعدام الجدية في تحليل أسباب الازمة وتحمل المسؤولية من قبل الأطراف التي قادت  لهذه الازمة والتي قادت الحزب من كارثة الى أخرى وهذا ما شهدته لاحقا سياسية فترة تحالف السبعينيات، وبتقديري كان هذا اهم الأسباب التي فجرت الصراع وجملة أخرى من الأسباب وابرزها هو انعدام او ضعف في خلق رؤية ماركسية تتناسب مع الواقع العراقي. ظل الشيوعيين اسرى الشعارات والسياسيات الغير واقعية والمنجرة للمدرسة السوفيتية والتي ظهر لاحقا ان من كان يصيغها لم يكونوا سوى موظفون بيروقراطيون قلما تنفسوا هواء الواقع خارج مكاتبهم والتزاما بسياسية الدولة السوفيتية ومصالحها.

 

لقد توفرت مقدمات لظروف جديدة في فترة الحكم العارفي الثانية بعد 1965 واستطاع الشيوعيين استعادة بعض من مصادر قوتهم الا إن الثقة كانت شبه معدومة بقيادة الحزب وامكانيتها لاستعادة زمام المبادرة والعمل على رسم سياسية جديدة تمكن الحزب على تجميع قواه، بما يمكنه من الاستعداد لشن الهجوم. لاحقا اظهرت الاحداث وتطور الأوضاع وبالذات في 1967 هذا الاتجاه في إمكانية تغير ميزان القوى وإمكانية استعادة المبادرة ولكن قيادة الحزب بقيت تدور في اطر صراعات مغلقة تهربا من التفاعل مع الواقع العراقي والحزبي الداخلي متجاهلة عمق الازمة الداخلية. 

 

لقد قال التاريخ كلمته بحقة كلا الطرفين اللجنة او القيادة المركزية ومسار تطورهما المأسوي ولم تزكي الحياة سياسية أي من الطرفين رغم كل تلك البطولات والتضحيات التي قدمها الشيوعيين بما يعجز عن وصفها والتي كانت وستبقى محاولات لم تنفك يوما ما، لاقتحام السماء كما يقال ولم يشهد التاريخ العراقي الحديث قوى سياسية مثلهم، اخلصت وتفانت لحد العدم للوطنية العراقية ومبادئ العدالة والسلام وحق العراقيين في العيش الكريم. لكن هذا التاريخ المأساوي ترك وسيترك كما هي عادته جملة من الأسئلة المفتوحة للنقاش، خاصة حين يتقارب واقع الحال الحالي او بعد 2003 في بعض أوجه من ذلك التاريخ المر.

 

من هذا المنطلق تبلور موقفان في التعامل مع فكرة أعادة فتح هذا الملف، فهناك من يرى فيه او يريد من هذا التاريخ ان يبقى مجرد فرجة واستعراض وبين فكرة او موقف بإعادة رؤيته بعين نقدية، ربما ذلك يفتح الأبواب للبحث عن أجوبة لأسئلة تدهور حشع بعد 2003 وعموم اليسار والقوى المدينة والعقلانية. ربما يقود ذلك للبحث عن جامع لليسار لا يكتفي بالشعارات بقدر امتلاكه سياسية تعكس مصالح الناس وتعارضها مع النظام القائم غير القابل للإصلاح او التغير ولا بديلاً الا بكنسه، معززاً ذلك بامتلاك بنية تنظميه قادرة ان تتوافق مع هذه السياسية ودمجها مع طموحات الناس المنكوبة بهذا النظام الفاشل.  

 

أن تاريخ الشيوعية وعموم اليسار في العراق ليس ملكا لاحد او لجهة معينة، انه جزء هام ومشرف من التراث الثوري للشعب العراقي والحركة الوطنية العراقية التي هي اليوم بأمس الحاجة لإعادة تقيمه واغناء المحاولات القائمة في البحث عما ينقذ العراقيين من هذا النظام. لقد كانت دماء ونضالات تشرين وغيرهم من تصدى لهذا النظام حافزا للبحث والتنقيب في ظل أوضاع لم تتوفر يوما ما في تاريخ العراق الحديث كما هي الان من رفض واحتجاج ومعارضة يومية لقطاعات غير قليلة من أواسط شعبية وفي ظل نظام فاقد صلاحية وجوده وتلجا قوى النظام لتنويع اساليبها في التحكم في المجتمع، رغم ادراكها محدودية تأثير هذا الامر. ومما يؤسف له هو انعدام وجود قوى وطينة او يسارية قادرة ان تتصدر المشهد السياسي ونضالات الناس. ومما يعطل هذا الامر هو التغيرات التي رافقت تفكير وبنية القوى التي تعتبر نفسها معارضة لنظام المحاصصة وتعويلها ومنذ 2003 ولحد الان بإمكانية تغير النظام في ظل اليات النظام وفي ظل عمليات تفريغ الحركة الوطنية من محتواها الوطني والديمقراطي.

 

في ظل كل النقاشات والحوارات السابقة أو المنتظرة يجب ألا يغيب عن البال وعن بؤرة النقاش ولو للحظة واحدة، دور البعث الاجرامي والدموي في تحطيم اليسار العراقي وعموم الحركة الوطنية العراقية. لقد كان البعث المستفيد الأكبر من انشقاقات وتمزق معارضيه ومكنه ذلك من توجيه ضربات قاتلة لطريفي الصراع، مبتدأ بالقيادة ثم اللجنة وليشمل لاحقاً كل القوة الأخرى. لقد خسر الشيوعيون كوكبة لامعة من خيرة رفاقهم، سواء بالإعدامات والاغتيالات او التقسيط السياسي وغيرها. لقد كان البعث وبقى موبوء بالعداء للشيوعية العراقية ولعموك اليسار والحركة الوطنية والديمقراطية. أن تجاهل هذا الامر وقتها، قاد لاحقاً الى تسيد نظام اذاق شعبه الذل بلا انقطاع. 

 

إذا كانت القيادة المركزية هي انتفاضة للبحث عن يسار جديد خارج إطار الشيوعية التقليدية، فهل استطاعت القيادة تمثيل او تجسيد هذا الاتجاه؟ هل يكفي مثلا ان يكون رفعها لشعار اسقاط السلطة وتبنيها الكفاح المسلح والبحث عن قيادات ثورية وغيرها كافية للخروج من معطفها القديم؟. صحيح أن القيادة المركزية لم تأخذ حقها في الممارسة، فقد اجهض البعث الدموي وبشكل مبكر نشاطها، تقديرا منه لمخاطرها ومخاطر توجهاتها وربما الطبيعة البرغماتية لتوجهاتها والطريقة المغامراتية في تفكيرها وأسلوب عملها وقدرتها على التحدي وصدى ذلك بين الجماهير التي كانت تنظر بقدسية وتبجيل لهذا الامر. بدون شك ساهم الانهيار المخزي لسكرتيرها وسرعة القاء القبض على قيادتها الأساسية وصولا لقيادة لجان القاعدة والاقضية ( كان عدد المعتقلين 350 من اعلى الى اصغر كادر)  وتجاهلها قواعد العمل السري والاستهانة به والطريقة الضبابية أو البهلوانية للتعامل مع الاخر والاندساسات وغيرها، قاد  كل هذا وغيره الى وضعها المأساوي. يترافق ذلك مع النهج السياسي الذي طرحته القيادة ومدى واقعيته وتطويره ليكون جامع لأكبر قوى ممكنة. هناك العديد من الأسئلة التي لم تجد لها تفسرا مبرراً بتوصيف القيادة باعتبارها كانت اتجاها او بديلا للبنية القائمة او المتعارف عليها للحزب الشيوعي (اللجنة). مثلا كان اكثر المتحمسين للانشقاق وراسه الأساسي، سبق وان كان من اكثر المتحسسين لخط اب 1964.

 

أما على صعيد اللجنة المركزية والتي يحلو لها على الدوام ان تصف نفسها في اغلب مراحل سياستيها بالاعتدال وتمثيل الماركسية وامتلاك ادواتها لتحليل الواقع وتتهم الطرف الاخر بالتطرف وغيرها، فقد أظهرت الحياة لاحقاً حنينها وانشدادها المريض الى خط اب والتي قادت الى سياسية الجبهة 1973، متناسين ما كانوا قد اتفقوا عليه في المؤتمر الثاني في 1970. اقصد بذلك هو الصور المتنوعة لخط اب والتي أحد مضامينها التعويل على قوى أخرى في تحقيق مهام يطرح برنامج الحزب والسير في الطريق اللارأسمالي بقوى الديمقراطية الثورية. هذا المفهوم الذي اُفرغ من محتواه في الممارسة لأسباب سياسية. ذلك النهج الذي شكل كارثة أخرى، كما أظهرت الاحداث، لكارثة 8 شباط 1963. من مفارقات الحياة او مهازلها ومن اجل تجسيد النهج السائد في تحولات الوسط الى اليمين داخل حزب اللجنة المركزية، ان يتولى لاحقا، احد اهم مبشري خط أب، اهم واخطر مركز في الحزب وهو سكرتارية التنظيم المركزي وليتحفنا في سنواته الأخيرة بان اكبر أخطاء الشيوعيين هو النضال من اجل  استلام السلطة في العراق. لقد اغلقت قيادة الحزب منافذه او ضيقتها الى اقصى حد ممكن امام أهمية تقيم ما جرى واسباب نكسة الحزب في 1963 وخط اب واعادة النظر في بنية الكادر وقيادة الحزب والعمل بصدق للانتقال الى سياسية جديدة، ذلك الامر الذي لم تستوعبه قيادة الحزب وقتها ولم تدرك نتائج المخاطرة بفقدان هيبتها والتهرب من مسؤولية اخطائها. ربما لو عدنا للقضية العمل الحاسم ودراسة في كيفية جرى التعامل معها، بعيدا عن التضخيم لهذه الفكرة ومدى حجمها، فمن الممكن ان يعطي ذلك صورة لكيفية إدارة الأمور وطريقة التفكير السائدة وعبثة التعامل معها والتي أدت بالنتيجة الى التخلي عن الفكرة بعد وصلت الى أجهزة الامن. 

 

لقد ساد بين الطرفين، العنف بأشكاله والإساءة والتخوين والاتهامات المتبادلة باليمين والتطرف وحتى افشاء الاسرار والاسماء ولم يجر البحث علاج للمعضلة القائمة وردء الخطر القادم وانتظر وترصد كل طرف نهاية الطرف المقابل، حيث تولى البعث لاحقاً هذا الامر بشكل مباشر او على شكل خطوات متلاحقة. كان ضرب اليسار الشيوعي هي البداية لخنق الانفراجات في الوضع القائم في نهاية فترة الحكم العارفي الثاني والمقدمة لصعود الاستبداد والديكتاتورية لاحقاً. غاب عن الطرفين رؤية عقلانية للبحث ما يرتق الشق وساهمت الرؤية الأيدلوجية المعلبة التي لا ترى في وجود حزبين شيوعيين في بلد الا ان يكون أحدهم ثوري والأخر خائن.

 

كيف رأى رفاق الدرب الواحد وسنوات التحدي والسجون ومشتركات النضال الصعبة والقاهرة، انفسهم على طرفي معادلة متناقضة؟ ما الذي دفع رفاق الدرب الواحد ان ينظروا بلامبالاة لسحق الطرف الاخر على ايدي العدو المشترك. هل كان بالإمكان احتواء الازمة الداخلية للحزب وهل كانت قيادات الحزب وكوارده الوسطية المتقدمة على هذه الدرجة من الكفاءة والشعور بالمسؤولية. كان البعض يعتقد بهذا الاحتمال، في إمكانية احتواء ازمة الحزب، فيما يرى البعض الاخر بانه لم يعد هناك رابط حقيقي بين تلك القيادات وقواعدها وطموحات الناس.  ما الذي اثبتته السنوات اللاحقة في تصويب هذه المواقف. أين كانت تكمن العلة في الأيدولوجية المعلبة، في السياسة، اليات العمل وإدارة الصراع غير الفعالة، مظاهر البيروقراطية الحزبية المتوارثة، ظهر الحزب المقسوم بعد 8 شباط، بنية كادر الحزب الأساسية من مختلف الجوانب، سكرتير المواقف الوسطية، إغراءات المواقع الحزبية والتمسك بها، خيبة الرفاق، الموقف الاممي المشوه، الاندساسات، دموية البعث وبراغماتيته وغيرها. ان أسهل الإجابات واقلها عناءً بان كل هذه الأمور مجتمعة كانت وراء ذلك ولكن لكي لا يكون التاريخ فرجة، السنا بحاجة لإعادة لفرز هذه الأمور حسب اولياتها؟

 

 ان تفحص ثنايا تلك الأيام يقود لعدة استنتاجات ربما أبرزها بتقديري:

+ ان نموذج الحزب السياسي الشيوعي المتعارف عليه منذ تأسيس الحزب 1934، قد انتهت صلاحياته ولم يعد قابل للتطور او الاستجابة لمتطلبات الحياة. لقد خدم هذا النموذج المراحل الأولى وربما العقدين الاولين لتأسيس الحزب وبعدها منذ 1958، اظهر النموذج تخلفه. هذا الامر لا يتعلق بالاسم والذي يمتلك قوة معنوية او إيحائية من بطولات وتفاني الرعيل الأول من الشيوعيين والماركسيين ودورهم التنويري والحداثي وما واصله لاحقاً من أجيال الشيوعيين، هذا الامر الذي يجري اختصاره بهذه الزاوية منذ المؤتمر الرابع 1995، والذي يتصاعد بين فترة واخري بسب تراجع دور الحزب وكأن اسم الحزب هو العائق في تراجع دوره وفعاليته،  في الوقت الذي يكمن، أن جوهر القضية هو في بنيته الفكرية وقدرته علي صياغة سياسة تتناسب مع الواقع وفي قابليته على صياغات اليات عمل وتنظيم قادر على تنفيذ هذه السياسية باقل الخسائر الممكنة وله القدرة على الانسجام مع الواقع وتجديد حياته الداخلية بما فيه قيادته وان يمتلك فرز واضح ما بين استراتيجيته وتكتيكه وغيرها، بعيداً عن الميلودية الكئيبة المعزوفة بمناسبة او غير مناسبة، باعتبارنا حزب الشهداء مع جل التقدير والاحترام لتضحياتهم ودمائهم الزكية. لقد كانت مستلزمات النضال تستصرخ الواقع من اجل يسار شيوعي او يسار جديد. وإذا كانت العبرة بالخواتم او الأمور بخواتيمها كما يقال في معظم الأحيان، فان الحياة لم تزكي برنامج اللجنة المركزية او القيادة المركزية فكلاهما كان صدى لسياسات غريبة وكلاهما لم تمتلك قيادة كفؤة قادرة على إدارة دفة الحزب باتجاه المتطلبات والطموحات الوطنية او الطبقية. لم يكن طرفي المعادلة بديلا لبعضهما كما يتصوران وربما كانا مشدودين الى بعضهم بخيط سري. ربما يمكن تفسير هذا الامر بان القيادة خرجت من رحم اللجنة المركزية ولم تتاح الفرصة امامها لصياغة نفسها كبديل حقيقي للنموذج الشيوعي المتوارث، لكن يبدو بتقديري ان هذا الامر مستبعد في ظل بنية الفكر السياسي الشيوعي السائد وقتها. لقد فشل اليسار الشيوعي وعموم اليسار في إيجاد البديل الحقيقي.

 

 تكمن قوى الحزب الشيوعي العراقي في قدرته على تحدي الانظمة القائمة رغم سعة بطشها وفي ارثه الثوري المجيد وبطولات اعضائه ودعواته في شعاراته المعرفة والتي هي ذو مضمون انساني وسياسي، رغم أن سياستيه في فترات غير قليلة لم تكن سليمة ولم يبررها الواقع. لقد كان على هناك على الدوام قوى حية من أولئك الذين مستعدين لاقتحام السماء، قادرة رغم كل الصعاب على دفع المسار الى الامام. هذه القوى التي كانت تمثل القلب النابض للشيوعية العراقية وليسارها. لم يكن هناك من يقبل بتنوع تمثيل اليسار وبقينا أسرى المدرسة السوفيتية وبانه لا يتواجد حزبين شيوعين في بلد واحد الا ان يكون احدهما خائن. كل تلك المحاولات ومنها القيادة المركزية لم تكن قادرة على خرق بينة ذلك النموذج.

 

+ فشل الأيدولوجية (المعلبة ) مقابل البرغماتية والتي كان البعث واحد من ابرز ممثليها. أن الامر يستدعي بتقديري الوقفة الجادة. لماذا فشل الحزب الشيوعي في يكون براغماتياً في بعض جوانب نشاطه السياسي والتي هي ضرورية لاي حزب سياسي بهذا المقدار او ذاك. بعيداً النظرة المعبئة بدرجة غير قليلة من الاحتقار للبراغماتية والموقف الايدلوجي المسبق منها، لكن البراغماتية ترتبط ببناء تنظمي يخدمها وقادر على استيعابها ويضمن سرعة حركتها وله الية معينة في اتخاذ وتنفيذ قراراتها وغيرها من الجوانب، بينما تفتقد أحزاب الماركسية اللينينية وقتها لهذا البناء وعجزت عن تطوير اليات إدارة عملها رغم ان الأيام اثبت فشل الكثير منها. هذا لا يعني انه لا توجد تجارب محددة وناجحة للشيوعيين في هذا الصدد ومنها تجربة سلام عادل في التعامل مع الاعداد لثورة تموز 1958 والتي لم يجر الاستفادة منها بشكل جاد. طبعا جرت لاحقاً هنا وهناك بعض المحاولات، ولكنها اُفشلت.

 

في جبهة السبعينات مع البعث وهي كاي تحالف في جوهره تبادل منفعة.  كان البعث يدرك هذا الامر جيداً وقد حدد مسبقا هدفه الواضح من التحالف وهو تدمر حشع وخاصة بعد ان دمر القيادة المركزية وكل معارضيه بما فيها الأوساط داخل البعث التي كان من الممكن تعيق صعود شخصية صدام الدموية. اما الشيوعيون فقد مسكوا بالعروة الوثقى بهذا التحالف او غيره باعتباره تحالفاً إستراتيجياً. كانت هناك لوحة كاريكاتورية تجسد صورة من هذا المشهد المأساوي.  كنا قد تنازلنا للبعث في إقرار دوره المتميز في إدارة الدولة والمجتمع واعتبارنا ذلك مناورة، ممكن تغيرها بتغير توازن القوى، الا انه في كل تقرير او مناسبة نكرر او نثبت الى حد الابتذال شروط الانتقال للاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا وان الانتقال للاشتراكية لا يتم الا تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. بمعنى بسيط كنا نقول للبعث انه في النهاية ستكون الأمور في أيدينا وكما يقول المثل المصري تخرجون من المولد بدون حمص.

 

اليوم حين تتحكم قوى الإسلام السياسي الشيعي وبالاستناد الى قوى المحاصصة الأخرى بالدولة والمجتمع. هي في واقعها لا  تقل كرهاً وعداءاً لكل قوى اليسار والديمقراطية عما سبقوهم بل يمتد هذا الامر لكل القوى المدينة او العقلانية  ولا يجمع هذه القوى المتحكمة أي جامع مع المشروع الوطني. غير ذلك فهي قوى ببرغماتية من الطراز الرفيع سائرة في دفع البلد والشعب من كارثة الى أخرى. في الوقت ذاته الذي يعاني فيه حشع وقوى اليسار والديمقراطية تراجعا خطيرا في دوره ومكانته وهيبته وتتجاهل قياداته وطيف واسع من قياداته الوسطية وقواعده واقع الحال هذا، خاصة في ظل مستجدات ربما اخطرها هو تتضاءل القوى الحية (القلب النابض ) ودورها الشاحب ولأسباب عدة في حشع. غير ذلك فان تطور الأوضاع في العراق وبسب سياسية هذه القوى واستهتارها فهو مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها التي تبدو غير منطقية.

 

 ربما يكون في تسليط الأضواء مجددا على ملف القيادة المركزية والذي لا تتوفر حوله الكثير من الوثائق والشهادات ما يمنح فرصة نستلهم منه بعض الدروس.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.