مقالات وآراء
هاتف في زمن حرب// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2024 21:43
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 759
خديجة جعفر
هاتف في زمن حرب
خديجة جعفر
نحمل في أيدينا هواتفنا النقالة، اي أننا نحمل العالم في قبضة يد، وهذا ما صدقناه، فابتُلينا بغرور معرفي قادنا نحو التشوش والغموض الى حد كبير ، ها نحن لسنا باكثر من ابواق تردد ما يسري داخل تدفقات هذا الجهاز الذي يفترض به ان يعرض علينا عبؤ مواقعه، شتى الاصناف المعرفية، وبالرغم من انه بالفعل يقوم بواجبه كاملا ، لكن الظرف يختصر الكثير من مهامه.
هواتفنا في زمن الحروب، على أهمية خاصة، ودور متميز، فليست كل هواتف العالم متشابهة في هذا الظرف، في الوقت الذي تقوم هواتف العالم بنقل المعارف، ترى هواتف البلدان المنكوبة تنقل خصوصية معرفية مختلفة...
هواتفنا في زمن النكبات، تخدم هدفين اساسيين :
التغييب، واثبات الوجود... فأي تناقض يقوم به هذا الاختراع الان؟
هواتفنا ، محطات بث مباشر للاحداث في عملية نقل مباشر وفوري لنقل الخبر ، وتوثيق تفاصيل الحرب ..
بالتالي فهي تصبح آلة نقل باتجاه واحد: ( من - الى) ...فنستخدمه للتلقي وليس للتحقق او للبحث، انت لست حاضرا، انت متابع، متلقي، غير فاعل..
حتى تواصلك مع العالم قد فقد ميزته التفاعلية ليتحول الى تواصل هادف ايضا باتجاه واحد، اطمئناني بالدرجة الاولى، تريد ان تعرف، ويريد العالم ان يعرف ما اذا كنت حيا، حتى لو لم تكن حياة ترزق، او انك خارج التغطية التنفسية...
هو تواصل امني بالدرجة الثانية، يوثق مناطق الاشتباك، ينقل صور المعارك ومناطقها،دون الالتفات الى منطقيتها، حدة وقوة المعارك، اطراف القتال، عدد الشهداء والجرحى... بالتالي، عليك التنبه لضرورة الانتقال، وحمل اوراقك الثبوتية، مستندات ملكياتك، ما خف حمله من ضروريات عيشك وملابسك والمفاتيح...فها انت كشخص، كوجود فاعل، تختفي اكثر فأكثر ،انت مجددا ذاك المتلقي بدوافع الحيطة والحذر وحفظ التعداد من الايام حياةً، ولست بالفاعل، انت في منطقة غموض فيماةيخص الاطمئنان عندما تفتقد مبررات الحياة، انت على خطوة من التراجع المعرفي والتفاعلي، فها انك تتعلم بآلية التلقي والممارسة غير الواعية، مقومات الانزواء والعزلة ، تحت مختلف المسميات والحجج الامنية لتحفظ ما تبقى لك من حياة تتلقاها فيما تعيش الوهم المعرفي الزاما احادي الجانب لكل مايحدث في محيطك وعالمك المتوتر خدمة لاهتمامك وموضوع انشغالاتك اللحظوية زمن الحروب...
هاتفك، رفيقك الدائم، ليلا ونهارا، والذي يفترض به ان يطلعك على اخر الاكتشاف والعلوم والمناطق واخبار العالم، وسياحتها، وثقافاتها، وسياساتها، وانظمتها، وتحولاتها.. فاذا به يوجهك بدقة الحامي نحو مزيد من العزلة دون الاعتزال..
هاتفك في زمن الحروب، يفقد تدريجيا دوره الترفيهي..ففي زمن الحروب مخجل سماع الاغنيات، مخجل ان تضحك، مخجل ان تتلهى بتفاهات تخفف من حدة توترك...
انت العنصر المتلقي، كيف يمكن ان يسمح لك باوجه الانفعال؟ ونعرف ان الانفعال وجه من اوجه التفاعل؟ وفي التبادل، اقله من زاوية الفعل ورد الفعل..
هاتفك في زمن الحروب، وسيلة اخرى لقتلك، لتغييبك، لتبعيتك، لكنك لا تتمكن الاستغناء عنه، فهو آلية تناقض كافية لتحوي مقومات اقناعك بانك موجود ، وهو دليل لذاتك على وجودك.
فها انت تؤرشف الاحداث تباعا، لتسقط ذاكرة من الذاكرة، لتقتل مشاعر الفقد من ارث المغادرين، ليس من متسع للحزن، لا تملك هذا الترف، الترقب والانتظار هو كل ما تملك ..
تؤرشف الاحداث ،لتوثق الافعال بناء لذاكرة الانتظار ، والانتظار دلالة مقنعة على الوجود...
ففي زمن الحروب، يتكتل الزمن في ساعة الان، يُفَسر التاريخ بناء على تقلبات اليومي من التقويم، وفي ذلك إحالة قصرية نحو محوك، فانت تخرج نقيا، خفيفا، مهملا، خالصا من ماضيك، مختزلا لادراكاتك الآنية، فتخذل مخططات واحلام غد، تعدم كل آت محتمل .. فتُختًصر بالتعداد، التعداد المترفع عن التفاصيل.
في زمن الحروب، هاتفك ، مُغيبك، هو صديقك الابرز، تصبح الاحداث الاليمة، تفاصيلها، تكرارها، اشخاصها، مواقعها وسردها دليل وجودك الابرز، في الترداد تكرارا تسمع صوتك، فتوقن بانك حي...
خديجة جعفر
14 /10 /2014