مقالات وآراء
التاريخ والثار...// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 30 تشرين1/أكتوير 2024 21:06
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 779
خديجة جعفر
التاريخ والثار...
خديجة جعفر
غالبا ما يكتب التاريخ، من زاوية ما يسرده المنتصرون، فيتشكل في اللاوعي الجمعي قيم واهداف وأساليب وانماط نموذجية للفكر المنتصر، او الرابح كما ونوعا وأساليب تفاعل، ليساهم التاريخ في خلق النموذج المقياس لمعايير الربح والخسارة، وحصرها بالكم ( الكم من المساحات، الكم من البشر، الكم من الاليات،الكم من الثروات المادية..)، والكم ،جملة من المقاييس الموضوعية، المادية والتي يعبر عنها بالماديات القابلة للملاحظة والقياس كالثروات والموارد والمساحات اكثر مما تتوجه نحو المعايير الشعورية والفكرية والتي لا يمكن قياسها بالمباشر لللتحصيل المكتسب الا انها اكثر تأثيرا على مستوى التحول الفكري لمراحل القادمة مجتمعيا.
التاريخ ينقل ويرسخ الانتصارات، يؤسس النموذج للرابحين، فيتحول التفكير لركب المسار نفسه من أجل تحقيق ذواتها وانتصاراتها، فيما يتم اغفال ويلاتها ومآسيها رغم بعض الاقلام الجانبية التي تحاول عرض المآسي من المهزومين والتي يتم تناولها في السيارات الأدبية والفنية اكثر منها تاريخية، الامر الذي يسهل التفسيرات المؤامراتية للاحداث لان وعينا الجمعي، لا يتمكن هضم وقائع الهزيمة والاعتراف المباشر بالخسارة والضعف، فنحيلها نحو مفاهيم مؤامراتية، خارج الارادة والسيطرة، تحفظ منا حدود احترام الذات،والحقد المؤهل للثأر مما يعيد الاعتبار ولو جزئيا للفئات المهزومة، نقول فئات، لانها واقعا، بعد انهزامها، تفقد أوطانها، جغرافيتها، تتغير مرتكزات روابط افرادها، تاريخها، لغتها وصولا الى فقدان هويتها.. فينخلع عنها مفهوم المجتمعات وتتحول الى فئات متفرقة وألسُن متناثرة يجمعها، ويوحد افرادها عصبية جديدة خارج اطر الاجتماع، لتصبح الفكرة: "الثأر" مرتكز الاتحاد والتفاعل تعويضا شعوريا عادلا عن التشتت. فالهزيمة تستبدل الارض بالفكرة .... الشعوب تقف امام التاريخ وقفة انتمائية، عصبية، عاطفية غير تأملية، غير نقدية، بل انها تتجه اكثر لتكوِن عصبية ثأرية، فالأرض مكون جغرافي، سياسي، بشري تفاعلي، تحتضن تاريخ وثقافة، وفقدانها سوف يغير الثقافة والتاريخ تباعا، فلا يتبقى للفئات المهزومة سوى العصبيات الثأرية دفاعا عن تاريخ خوفا من الاندثار...
لا بد من قراءة وفهم التاريخ بالمنطق العلمي الموضوعي والتأملي، ففي هذه القراءة ينبض التاريخ بالدم البشري، رغم الحصرية السردية للمنتصرين، فالتاريخ، المكتوب سيرا واحداث عرض متصل للحروب المترابطة، وليست منفصلة، بالتالي حكاية الارباح المتواصلة..
قديما، قيست الارباح بالماديات، كم الاراضي، الثروات، الادوات، المساحات.. لم تكن الأفراد او الشعوب الكنز الاهم في المكتسبات بين المتقاتلين. فالتاريخ منذ بدء الخليقة، بني على فكر الاغارة، البعض يغير على آخرين بهدف السبي والاستيلاء والاستفادة من موارد الاخرين والغاءهم لبناء حضارته الخاصة، حضارة الاقوى، لحين الضعف وظهور بشائر الآخر المستقوي، تنهار حضارات، وتتغير ثقافات وتمحى حدود لتبنى غيرها وفقا لمنطقة القوة والاستعلاء والقدرات والامكانات. وهناك الكثير من الشواهد التاريخية على ذلك. وبما ان التاريخ لا يذكر اغارة وسطوة جماعة على اخرى دون اظهار الابداعات الاجرامية المرتكبة تجاه الاخر، هذا منطق الحروب ومبررها بالتالي لا بد من ولادة الفكر الثأري والذي يفسر الامور مؤامراتيا، الا لو حاولنا التذاكي على التاريخ واعتبار التحالفات لغة مؤامراتية..
تبدو المفارقة الان في عصرنا الحالي في تغير مفهوم ومعنى الموارد المستحقة، بات الانسان قيمة إنتاجية فكرا ومعرفة، هو المورد الاصل، وهو المطلب، والهدف، وباتت الموارد تسخر لخدمتك وتفوقه، فكافة المكتسبات والموجودات والخيارات تدور حول بناء مستوى اعلى من الوعي والفكر والطموحات المجتمعية ( بغض النظر عن كيفية توظيفه في عصرنا)...
فحاليا، وفي الوقت الذي ينقسم فيه العالم بين معسكرين منهجيين، جزء يهتم بالانسان كقيمة فكرية ثم إنتاجية، لكنه قيمة وارسمال، بحد ذاته، فيرسم له السياسات ويضع له البرامج ، يرفع مستوى وعيه نحو إنتاجية افضل في اي بقعة جغرافية كان، مقارنة بالمردود الذي سيحققه ... وفكر انشغل بتداعيات الهزيمة ثأرا وعصبية، فاعتمد الإرث التاريخي منطلقا، بما يحتويه من مسلمات دينية وثقافبة وادواتية.. بالتالي فنحن في هذا السياق ،امام مشهد تعظيم الموروث، على حساب الانسان المنتج، فنتخطى الانسان كرأسمال لنصرة غول الماضي ( الثأر والعصبية).. بالتالي فقد التاريخ وظيفته السردية لانعدام المرتكزات المادية من العداء والسطوة ،فأي الاحداث سوف يؤرخها الحاضر للمستقبل؟ سوف يقرا التاريخ الاتي سير المجازر والفظائع على الانسانية، دون مقابل مادي واضح المعالم اذا استثنينا الانسان كقيمة.
تكرس حروب اليوم فكرة الانسان القيمة و الرأسمال،فكرا ومعرفة لخدمة الانتاج، رغم كل ما يرتكب بحقه من مجازر، فالانسان الثأر، التاريخي، لم يعد ذو منفعة وقيمة في عولمة الحاضر بل اصبح اعاقة في وجه الانتاج وجب غسله فكريا ، او القضاء عليه، والمفارقة المعاصرة، انجاز عملية الغسيل بمعايير القوة لاثبات احقية وجوده .. فالحروب الان ليست على الموارد المادية كما كانت سابقا بقدر ما هي واقعا حربا على الافكار وحامليها...
لتبقى الاسئلة راهنا مؤلما حتى اشعار اخر ..
كيف يمكن احتساب قيمة ومقادير الربح والخسارة وسط هذا التناقض في منهجيات التفكير؟
كيف يمكن للفكر المقتحم للمجرة وكشف المجهول، التقاءً مع الثوابت العصبية التي تشدنا للمكان، كثقل متوارث ؟
فاين اللقاء الممكن بين هذين الفكرين المسيطرين على الكوكب ؟
خديجة جعفر
29 /10 /2024