مقالات وآراء
ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟- الجزء الثالث// ترجمة حازم كويي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 05 تشرين2/نوفمبر 2024 13:05
- كتب بواسطة: حازم كويي
- الزيارات: 650
ترجمة حازم كويي
ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟
عناصر الأشتراكية الثلاثة عشر - الجزء الثالث
بيرند ريكسنغر* وراول سيليك**
ترجمة حازم كويي
تاسعاً: التخطيط البيئي والديمقراطي للإقتصاد.
نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع بهدف تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية وعدم تجاهل الحدود البيئية بشكل منهجي. ويجب التخطيط لعملية التحول لهذا النطاق. وخلافاً لإشتراكية الدولة، فإن هذا التخطيط لا ينبغي أن يكون إستبدادياً وبيروقراطياً، بل يجب أن يتم تنظيمه بطريقة ديمقراطية جذرية. وبهذا المعنى فإن التخطيط الاشتراكي يعني إتفاق المجتمع على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
في الرأسمالية، تتبع العمليات الاجتماعية مبدئاً واحداً فقط: المصالح الربحية للجهات الفاعلة في السوق. تخلق المنافسة بين الشركات الفردية ديناميكية كبيرة وقد عززت في الماضي التطور السريع لقطاع السلع الاستهلاكية والرأسمالية. لكن على مدى العقود القليلة الماضية، أصبحت هذه الديناميكية مُدمرة بشكل متزايد. إن الحاجة إلى النمو تدمر الأسس المادية لوجودنا، وتتحول الديناميكيات الاقتصادية - الكلمة الرئيسية: التمويل- بشكل متزايد إلى مجالات المضاربة التي لا يتم فيها إنشاء قيم الاستخدام، ولكن يتم إعادة توزيع الثروة الحالية.
وعلى هذه الخلفية، فإن إعادة الهيكلة المخططة للاقتصاد أمر ضروري. ومع ذلك، لا ينبغي فهم التخطيط على أنه توسيع لسلطة الدولة. بل يتعلق الأمر بعملية تداولية (تداول، مشاركة، خطاب عام) يتفق فيها المجتمع معاً على أهدافه ويسعى لتحقيقها بطريقة مُنسقة، كما هو موضح في النقطة الثامنة، من الممكن عموماً تحديد الشكل الذي يجب أن تبدو عليه أهداف مجتمع ما بعدالرأسمالية. إن تزويد كل الناس بالسلع الأساسية والبنية التحتية الاجتماعية، والحد من الانبعاثات وإستهلاك الموارد إلى مستوى مستدام، وإعادة توزيع العمل والثروة، وتعزيز علاقات التضامن، كل ذلك يشكل جوانب أساسية لإقتصاد جديد غير موجه نحو الربح.
ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه الأهداف العامة ينطوي على إحتمال كبير للصراع. ما هي إحتياجات المستهلك الضرورية وأيها غير ضرورية؟ ما هي القطاعات التي يجب أن تتقلص، وماذا سيحدث للعاملين هناك، وما هي القطاعات الاقتصادية التي يجب أن تنمو بسرعة؟ وكيف نتعامل مع المشاكل البيئية الجديدة التي تنشأ عن ذلك؟
ماذا نعني على وجه التحديد عندما نتحدث عن "التضامن" و"التعاون"؟
هذه مجرد أمثلة قليلة من الأسئلة العديدة التي قد تنشأ في عملية التخطيط. هناك حاجة إلى عمليات تداول قوية لهذه الأنواع من النزاعات. ونحن نشير إلى عملية التفاهم المُعرضة للصراع (والتي لا علاقة لها بالإجراءات المركزية في "الاشتراكية القائمة فعليا") على أنها تخطيط ديمقراطي. وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن التخطيط في حد ذاته ليس بعد أداة للتغلب الرأسمالية أو الحكم الطبقي.
حتى في إطأر إقتصاد السوق الحُر"هناك تخطيط مستمر: تعتني الحكومات والمنظمات مثل وكالة الطاقة الدولية أو صندوق النقد الدولي بتوريد المواد الخام أو إمدادات الطاقة والقدرات المالية للدول المطلوبة مديونياً. وبفضل التطورات التكنولوجية، حققت الشركات الكبرى مثل أمازون أو إيكيا مستوى من التخطيط لم يكن من الممكن أن تحلم به الدول الاشتراكية في القرن العشرين.
لذا فإن السؤال ليس ما إذا كان الأمر كذلك،بل بالأحرى كيف ولأي غرض: أستبدادي أم ديمقراطي، بمعنى المساهمين أو غالبية السكان؟
ولكن حتى لو كان بوسعنا أن نقول كيف يختلف التخطيط الديمقراطي بشكل أساسي عن التخطيط الرأسمالي.فإن المشاكل المركزية للإقتصادالمخطط الديمقراطي لايمكن الإجابة عليها من منظور اليوم. على سبيل المثال، حتى في ظل ظروف الملكية المشتركة، فإن موظفي المنشأة الصناعية والمقيمين المباشرين سيتبعون مصالح مختلفة يجب مقارنتها ببعضها البعض. وعلى هذا فمن المؤكد أن الاقتصاد الاشتراكي المُخطط ـ على النقيض من ما يصوره العديد من اليساريين في القرن العشرين ـ ليس عملية متناغمة. بل يجب أن يتعلق الأمر بتطوير أدوات ديمقراطية يمكن من خلالها التوصل إلى تفاهم بين المصالح المتضاربة.
إن الديمقراطية الأقتصادية في الشركات،ولكن أيضاً "مجالس التحول" كما ناقشها عالم الإجتماع (كلاوس دووره) في ضوء الأزمة الأجتماعية البيئية،يمكن أن توفر مقاربات لهذا الأمر. نحن نرى التخطيط كعملية ديمقراطية تناقش فيها مجموعات وممثلوا المجتمع المدني (النقابات، الجمعيات البيئية، السكان، المستهلكون، إلخ) تنمية الاقتصاد والمجتمع على مختلف المستويات (البلدية، الإقليمية، الوطنية).
عاشراً: مجتمع بأشكال مختلفة من الملكية.
الاشتراكية هي إقتصاد مجتمعي ديمقراطي يقرر فيه المجتمع معاً الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. ولإجل أن لايقع كل شئ في يد دولة قوية، فسوف تتعايش أشكال مختلفة من الملكية والإستخدامات (خدمات) إجتماعية والفردية أيضاً.
إن كيفية تفاعل هذه الاشكال المختلفة مع بعضها البعض،وماهو الدورالذي تلعبه علاقات السوق في ذلك،لايمكن تحديده إلا في العملية الإجتماعية.
بعد ثورة عام 1918، ناقش المنظر اليساري كارل كورش السؤال الملموس آنذاك حول كيفية إضفاء الطابع الديمقراطي على الإقتصاد، بالإضافة إلى السياسة. وكما تم إنتزاع السلطة السياسية للحكومة من سيطرة النبلاء، أرادت الشركات أن تتحرر من الحكم الحصري للمالكين. كتب كورش (1919): "إن هدف الشراكة الاجتماعية بروح الاشتراكية ليس الرأسمالية الاستهلاكية ولا رأسمالية الإنتاج، بل الملكية المشتركة الحقيقية لجميع المنتجين والمستهلكين".
ماذا يعني ذلك؟ في مقالته، تناقض كورش في البداية مع الافتراض الذي كان شائعاً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ذلك الوقت، والذي مفاده أن المجتمع يمكن أن يسيطر على الاقتصاد فقط من خلال القوانين الاجتماعية وقوانين العمل. ووفقاً لكورش، فإن مثل هذا التدخل "في صلاحيات الملاك الخاصين" هو في البداية مجرد سياسة إجتماعية.
لكن كورش اعتبر أيضاً أن النهجين الآخرين اللذين تمت مناقشتهما في ذلك الوقت غير كافيين. يؤدي نقل الشركات إلى أصحاب البلديات أو الدولة إلى نوع من "الرأسمالية الاستهلاكية". ومن وجهة نظر العمال، يتم ببساطة إستبدال المالك القديم ببيروقراطية الدولة التي تعمل (في أحسن الأحوال) لصالح السكان المستهلكين ككل.
ووفقاً لكورش فإن ذلك ليست شراكة أجتماعية،بل تغيير في المُلكية،حيث كانت مشكلة في الدول الإشتراكية: المرافق الإنتاجية مملوكة للدولة،وكان العمال ينظرون الى العمل في المصانع الإشتراكية كمغتربين عنها كما هم العمال في الشركات الرأسمالية. ولكن أيضاً تحويل الشركات إلى الإدارة الذاتية للعمال لم يكن حلاً لكورش. هذه هي حالة "رأسمالية الإنتاج"، حيث تضع الشركات المُدارة ذاتياً في المقام الأول مصالحها الخاصة في الاعتبار، وليس مصالح المجتمع ككل.
توقع كورش في وقت مبكر عام 1919أن :
1.التأميم لايتطابق مع التنشئة الإجتماعية وتستمر السيطرة الخارجية (على العمال من قبل إدارة الشركة).
2 .الشركات والتعاونيات ذاتية الإدارة تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة وبالتالي إستمرار العلاقات السلعية بين الشركات. ولا ينبغي المساواة بين ملكية الدولة ولا الإدارة الذاتية للعمال وبين الاشتراكية.
إستنتاج كورش هو أن الشراكة الإجتماعية كانت عملية إرساء ديمقراطية وان الإقتصاد يجب أن يتغير بطريقة مماثلة لما حدث في مجال السياسة عام1918.مثلما يتم إنتخاب الممثلين في المناطق لإتخاذ القرارات السياسية،يمكن لجميع العاملين في صناعة ما إنتخاب مجلس إقتصادي لإدارة وتنسيق إنتاج تلك الصناعة.
وسيتم إستبدال المالك الخاص بالملكية العامة أو التعاونية، وإستبدالها بإدارة شركة مُنتخبة من قبل العاملين، وإستبدال السوق بمجلس إقتصادي منتخب بالتساوي والذي يتولى تنسيق التبادل بين الشركات.
حدد كورش شكلاً من أشكال الشراكة الاجتماعية، حيث لا يمكن لبيروقراطية الدولة أن تسيطر بمفردها. يجب أن تؤدي الأشكال المختلفة للملكية المشتركة والإدارة الذاتية للمؤسسات والإدارة المنتخبة ديمقراطياً للقطاعات الاقتصادية إلى تحريك عملية يمكن للمجتمع من خلالها السيطرة على الحياة العملية والاقتصادية.
كان كورش أقل إهتماماً بالنماذج النهائية منه بالعمليات الاجتماعية الحقيقية.ورأى من وجهة نظره المسارات الثلاثة:
أ) نقل قطاعات الإنتاج إلى أيدي الدولة أو البلديات، ب) الارتباط التطوعي للأشخاص في التعاونيات و ج) توسيع مشاركة الموظفين في الشركات الخاصة من خلال الاتفاقيات الجماعية (التي كانت لا تزال جديدة آنذاك) وحقوق تقرير المشاركة - ينبغي متابعتها في نفس الوقت.
بالنسبة لكورش، كانت الشراكة الاجتماعية الاشتراكية عملية ديمقراطية تطورت فيها الملكية العامة والإدارة الذاتية ومشاركة الموظفين في الشركات الخاصة القائمة بالتوازي.
وحتى لو كان وضعنا الحالي لا علاقة له بواقع 1918/1919، فإن فكرة كورش الأساسية تظل وثيقة الصلة إلى حد كبير: الشراكة الاجتماعية هي تعزيز الملكية المشتركة بالإضافة إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة الاقتصادية.
الملكية المشتركة يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة جداً. البلديات، والمؤسسات العامة والتعاونيات، والشركات المملوكة للدولة، وأيضاً أنظمة المشاعات ذاتية التنظيم، مثل تلك الموجودة تقليدياً في المجتمعات الزراعية، وكما هو اليوم أيضاً في المجتمعات الرقمية من الندِ للند (ما يسمى بحركة البرمجيات الحرة ) ، قد يكون الشكل الأكثر ملاءمة للملكية الجماعية حسب السياق.
وبهذا المعنى، تجمع الاشتراكية بين الإدارة الذاتية الديمقراطية في مكان العمل وبين السيطرة الاجتماعية على الاقتصاد والرغبة في التنمية الفردية ويجب أن تحقق التوازن بين المصالح المتضاربة أحياناً.
وفي هذا الصدد أيضاً، لا يمكن للاشتراكية أن تكون نظاماً اجتماعياً متناغماً، كما أفترض اليساريون في القرن العشرين. على العكس من ذلك: المجتمع الذي يتفق على أهداف ومحتوى العمل والإنتاج والاستهلاك وإعادة الإنتاج سيتعين عليه أن يتعامل باستمرار مع الصراعات. وكما هو الحال في المجال السياسي، فإن هذا يتطلب ديمقراطية نابضة بالحياة حيث يعتبر التناقض والانتقاد ذا قيمة.
حادي عشر: علاقة جديدة بين السوق والخطة وبين الأشكال المختلفة للملكية.
لا يمكن وصف التضامن والشعور بالمسؤولية الاجتماعية، ولكن يمكن تشجيعها.إن التغلب على العلاقات السلعية والمنافسة، وهو ما سيكون من سمات الشراكة الاجتماعية الحقيقية، هو عملية تعلم إجتماعي أكثر من كونه إجراءاً سياسياً. يمكن للسياسة الاشتراكية أن تخلق الظروف الإطارية التي تزدهر في ظلها الشراكة الأجتماعية الديمقراطية، لكنها لا تستطيع ببساطة "إدخال" هذه الشراكة الاجتماعية.
إذا كانت هناك أشكال ديمقراطية مختلفة للملكية (وليس فقط ملكية الدولة)، يطرح السؤال حول كيفية تفاعل الشركات ومرافق الإنتاج ومقدمي الخدمات وما إلى ذلك مع بعضها البعض. لقد إعتدنا على فرضية أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال السوق والمنافسة.
لكن هذا ليس صحيحاً حتى في الرأسمالية: فالأقسام المختلفة في نفس الشركة عموماً لاتحافظ على علاقات السوق مع بعضها البعض.حتى في ظل الرأسمالية يقوم موقع الإنتاج أ بتسليم كمية معينة من البضائع الى موقع الإنتاج ب، لأنه قد تم طلبها بهذه الطريقة من قبل الإدارة.
طالما أن كِلا الموقعين ينتميان إلى نفس المالك، فهذه ليست مشكلة على الإطلاق. داخل الشركة، تبدو "روح المجتمع العامة" واضحة بذاتها، حتى في ظل الرأسمالية (حتى لو تم تقويضها بفِعل "مراكز الربح" التي أصبحت الآن منتشرة على نطاق واسع وشائعة أيضاً داخل الشركات).
لماذا نعتبر التعاون ضمن "عائلة" شركة سيمنز أو فولكس فاغن أمراً معقولاً، ولكن لا يمكننا أن نتصور تعاوناً مماثلاً بين بلدية وتعاونية ومخبز عائلي في المجتمع؟
كارل كورش طرح أطروحته: إن إدخال أشكال مختلفة من الملكية المشتركة ليس سوى الخطوة الأولى. أما الخطوة الثانية نحو مجتمع "يساهم فيه الجميع حسب إمكانياتهم" و"يتلقى الجميع وفقاً لاحتياجاتهم" فتعتمد على ظهور شعورإجتماعي قوي بالمجتمع، لأنه في العلاقات الودية والتضامنية لا يتوقع المرءأي شئ في المقابل.
ومع ذلك، لا يمكن وصف مثل هذه الروح الجماعية حسب كورش، هذا ليس إجراءاً للسياسة الاقتصادية، بل يجب أن ينمو في عملية ثقافية. ويقول كورش إنه طالما لم يكن الأمر كذلك، فإن المبدأ الفردي سيستمر في الوجود. ومع ذلك، في ظل ظروف الملكية المشتركة، يمكنها تطوير تأثيرها الإيجابي بشكل أفضل بكثير مما كانت عليه في ظل الرأسمالية، لأن حرية تنظيم المشاريع تظل امتيازاً للرأسماليين.
طورت الاشتراكية النسوية الأمريكية نانسي فريزر فكرة مماثلة: «[...] لا توجد أسواق في الأعلى، ولا توجد أسواق في الأسفل، ولكن ربما بعض الأسواق بينهما. […] وباعتباره ملكية جماعية حقيقية، فلابد من توزيع الفائض من خلال عمليات صنع القرار والتخطيط الجماعية ــ التخطيط الذي يمكن، بل ويجب، تنظيمه بشكل ديمقراطي. ولا ينبغي لآليات السوق أن تلعب دوراً على هذا المستوى. والقاعدة هي: لا الأسواق ولا الملكية الخاصة «في القمة».
كما يجب ألا تكون هناك أسواق "أدنى"، على مستوى إشباع الاحتياجات الأساسية مثل السكن والملبس والغذاء والتعليم والصحة والتنقل والطاقة والثقافة وغيرها، لأن المجتمع الاشتراكي يعتبر السلع تلبي الاحتياجات الأساسية. أن تكون المعاملة عامة.
ولكن في المنتصف، كما تقول فريزر، يمكن أن تكون هناك بالتأكيد أسواق:<<يجب على الإشتركيين أن يتخيلوا مابين الوسط كمساحة يمكن فيها تجربة مزيج من الإحتمالات المختلفة:مساحة يمكن للأسواق أن تجد فيها مكاناً، وكذلك التعاونيات، والمشاعات، والجمعيات ذاتية التنظيم، والمشاريع ذاتية الإدارة>>.
وبهذا المعنى، يجب تطبيق مايلي: إن السؤال حول مقدار السوق والمصلحة الذاتية التي سيستمر وجودها وربما يعتبرها كمجتمع ذات معنى على المدى الطويل،يجب أن يجيب عليه أولئك الذين سيؤثر عليهم هذا المجتمع ذات يوم. الإشتراكية ليست نموذجاً يمكن فرضه على المجتمع. ولكن تجدر الإشارة الى أن السعي وراء الميزة الفردية ليس بإي حال من الأحوال المصدر الحاسم لتحفيز الكثيرين، حتى في ظل الراسمالية، وبالتالي فإن علاقات التبادل غير القائمة الأساسية،تمارس بالفعل اليوم بشكل مستمر:موسوعة ويكيبيديا على الإنترنيت، والبرامج المجانية مثل (Linux) والعديد من المشاريع المجتمعية الموجهة نحو الصالح العام يتم إنشاؤها وصيانتها والإشراف عليها من قبل متطوعين. الأشخاص الذين يقومون بذلك هو بدافع المصلحة العامة وليس الحافز المالي، وجزء كبير من العمل، وتحديداً معظم الأنشطة في بيئة أجتماعية مباشرة، يتم تنفيذه خارج السوق، والسؤال هناليس ما إذا كان من الممكن تصور إقتصاد يتجاوز المنافسة في السوق، بل بالأحرى ماهو حجم المساحة التي يرغب المجتمع في منحها للأسواق.
ثاني عشر:حركة عولمة عالمية مناهضة للنزعة العسكرية.
الاشتراكية مشروع تحرر عالمي؛ فهو يسعى لإلغاء الحدود القومية والعرقية، كما تعمل على نشر الحركات النسوية والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام.
فالمساواة والتضامن لا يمكن أن يوجدا إلا معاً ومن أجل جميع الناس. ولذلك فإن هدفنا ليس مجرد إلغاء المجتمع الطبقي داخل حدود الدولة، ولكن أيضاً إلغاء عدم المساواة الإمبريالية والاستعمارية الجديدة وعلاقات الاستغلال بين الشمال والجنوب.
ومن المهم بنفس القدر بالنسبة لنا أن نُدرك أن الأشتراكيين ليس لديهم ما يكسبونه في الحرب بين الدول القومية .ينطبق علينا تصريح النائب الديمقراطي فيلهلم ليبكنشت عام 1887: لاتوجد مصالحة بين الديمقراطية الإجتماعية والنزعة العسكرية،التي تعد نتاجاً ضرورياَ للدولة والنظام الإجتماعي السائدين، أكثر من المصالحة مع النظام نفسه [...] لا رجال أو قرش للنزعة العسكرية.
قامت الرأسمالية تأريخياً على الاستعمار الدموي للجنوب والاستعباد الجماعي. لقد واصل هذا الاستغلال بشكل منهجي حتى بعد نهاية الأنظمة الاستعمارية القديمة، ولم ينتج نظاماً إقتصادياً عالمياً فحسب، بل أنتج أيضاً علاقات طبقية عالمية. ومع إستمرارعمليات المصادرة والتسليع، يُحرم الناس أولاً من فرصة العيش من عملهم المعيشي، ثم يُجبرون على المشاركة في نظام لا مكان لهم فيه.
في هذه الرأسمالية، تكون عدم المساواة دائماً مُتدرجة ومُترابطة في نفس الوقت: توجد علاقات جندرية وعنصرية وأستغلال داخل مجتمع الدولة القومية. وتستهلك بلدان الشمال الصناعية نحو سبعة أعشار الموارد العالمية، على الرغم من أن نحو خمس سكان العالم فقط يعيشون فيها.
وفي الوقت نفسه، فإن الجنوب العالمي يعيش فيه - عمال غير شرعيين - تماماً كما يتواجد في الشمال العالمي وأيضاً في الجنوب عاملون من النخبة الإقتصادية. ويجب في نفس الوقت على كل مشروع تحرري أن يحارب علاقات عدم المساواة (بين الطبقات والمجتمعات). ونظراً للبُعد المعولم للرأسمالية، فلا ينبغي أن تكون هناك إشتراكية تقتصر على الدول القومية، وفي ضوء علاقات رأس المال الدولية، فإن "الاشتراكية في بلد واحد" بكل بساطة مستحيلة.
ولكن في الوقت نفسه، من الواضح أيضاً أنه يجب النضال من أجل إدخال تحسينات ضمن الأطر المؤسسية القائمة. ولأن هذه المؤسسات في ظل الرأسمالية منظمة بالضرورة على أساس الدولة القومية ـ فإن الاتحاد الأوروبي لا يمثل توسعاً إقليمياً لنموذج الدولة القومية ـ فإن نضالاتنا تهدف دائماً إلى إحداث تغييرات داخل الحدود القائمة.
من أجل التغلب على هذا التناقض جزئياً على الأقل، من الضروري أن تقوم السياسة الاشتراكية بصياغة الإصلاحات التي تحارب عدم المساواة والقمع بين المركز والأطراف، وترسي أسس نظام اقتصادي عالمي جديد قائم على التضامن.
تمويل صندوق دولي للتعامل مع عواقب تغير المناخ، وتعزيز الهياكل المتعددة الأطراف للصحة والإمدادات الغذائية (كما كان المقصود أصلاً عندما تأسست منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة) إن مكافحة الهجرة العنصرية وقوانين سلسلة التوريد التي تعمل على تحسين الظروف التنظيمية للنقابات العمالية في الجنوب العالمي تُظهر كيف يمكن تطوير البُعد الأممي لمشروع تحرري على أساس سياسات الدولة القومية.
وفي نهاية المطاف، فإن نتيجة أمميتُنا هي الإقتناع بأن الاشتراكيين لا مكان لهم في الحروب بين الدول. وقد تكون مقاومة الاحتلال العسكري مشروعة أو حتى من بلا بديل (وهو ما سينطبق بعد ذلك على مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية وكذلك على أوكرانيا والعكس صحيح). لكن "حرب التحرير الوطني" أثبتت أكثر من مرة في القرن العشرين أن منظورها التحرري محدود.
وينطبق هذا بشكل أكثر وضوحاً على الحروب التي تشنها جيوش الدول. في رأينا، لا يتم القتال من أجل الحرية من خلال معارك المدفعية والطائرات المقاتلة وطائرات بدون طيار، بل من خلال مقاومة السكان المُنظمين. الذين يروجون للنزعة العسكرية والمنطق العسكري في مجتمعهم، يقفون في طريق التحرر الذي نسعى إليه نحن الاشتراكيين الى تحقيقه.
ثالث عشر: الاشتراكية – مناهضة الفاشية بلا شروط.
أي شخص يريد إيقاف الفاشية لايمكنه الإعتماد على الليبرالية، وحدها الحركة التي تحارب منطق الإستغلال والإقصاء لرأس المال هي القادرة على إيقاف اليمين المتطرف. ترمز الاشتراكية إلى الحقوق الاجتماعية العالمية والبنى التحتية التي توفر لجميع الناس إمكانية العيش الكريم.
في النقاش السياسي المعاصر، تُفهم الفاشية عموماً على أنها قطيعة مع الظروف الليبرالية البرجوازية، لكنها في الواقع تمثل المزيد من تفاقم هذه الظروف التي رافقت المجتمع البرجوازي دائماً: في الأنظمة الاستعمارية الأوروبية أو الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة الأمريكية الفتية، سارت أيديولوجية "التفوق العنصري" جنباً إلى جنب مع عنف الإبادة الجماعية؛ وفي البلدان الأم للديمقراطيات الأوروبية، أجبرت البرجوازية الفقراء الذين كانوا غير راغبين أو غير قادرين على الأداء في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي ملاجئ العمل التي لم تكن أقل من المعسكرات الفاشية. وعندما يتعلق الأمر بفكرة الداروينية الاجتماعية (البقاء للأصلح)، أو إضفاء المثالية على "النخب المنجزة" أو عبادة المنافسة بين الدولة القومية، فإن الليبرالية والفاشية أقرب بكثير مما يُفترض عموماً.
لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن يصف الحزب النازي نفسه بأنه "حزب العمال الاشتراكي"، لكنه يُجند ناخبيه في المقام الأول من البرجوازية المحافظة والليبرالية الوطنية (وليس من مناطق الطبقة العاملة). وذلك تماشياً مع السياسات الليبرالية التي إرتبطت إرتباطاً وثيقاً وعلى مدى العقود الماضية. لقد خلقت النيوليبرالية مناخاً من إنعدام الأمن العام، حيث أنتشر جو الحرب الأهلية في أذهان الناس. فإذا أصبحت الموارد أكثر ندرة بسبب الدمار البيئي والمنافسة الوطنية، فلابد من إحتلالها باستخدام القوة العسكرية المتزايدة وهذا هو المنطق المُبهم الذي يتبناه اليمين العالمي.
إذا كان اليسار يريد وقف هذا التطور، فيتعين عليه أن يُظهر منظوراً للأمن الحقيقي، أي ليس "أمن" الشرطة وأجهزة المراقبة المُجهزة تجهيزاً عالياً، بل أمن الخدمات الاجتماعية الأساسية للجميع. عندما تصبح الكوارث الطبيعية أكثر تواتراً، نحتاج إلى أنظمة أمنية عالمية لدعم المتضررين. وعندما تصبح البنى التحتية في حالة سيئة، تنشأ الحاجة إلى إعادة توزيع الثروة من أيدي القطاع الخاص إلى أيدي القطاع العام والاستثمارات في نفس هذه البنى التحتية.
وبهذا المعنى، فإن الاشتراكية تمثل مستقبلاً يستحق النضال من أجله. إنها حركة تدافع عن الحقوق الاجتماعية العالمية بدلاً من الأعمال الخيرية، وتمارس الديمقراطية بدلاً من الاستبداد. إنها تخلق البنى التحتية لإمدادات المواد الأساسية وتواجه الجنون القومي والعنصري، الذي يؤدي عاجلاً وليس آجلاً إلى الحرب، ومن منظور التضامن في مواجهة الأزمات العالمية، يدعو إلى حلول عالمية. وفي ضوء تزايد إنعدام الأمن، فهو يناضل من أجل أنظمة الضمان الاجتماعي الجماعية التي لا تنتهي عند الحدود الوطنية. لا يوجد سوى ترياق واحد لسُم القومية و"الحرب العرقية": الحقوق الاجتماعية والتضامن الأُممي.
أنتهى.
بيرند ريكسينغر*: سياسي ألماني،وعضو سابق في البرلمان الألماني (البوندستاغ) عن حزب اليسار، والمدير الأداري في نقابة فيردي (ver.di)، وعضو مجلس إدارة مؤسسة روزا لوكسمبورغ، والرئيس المشارك السابق مع كاتيا ليبينغ لحزب اليسار.
راؤول زيليك**: كاتب ومؤلف وصحفي ومترجم.من مؤلفاته "الوحوش والاشتراكية الخضراء"