اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• لتتجدد في ساحات التحرير مأثرة شباط العام الماضي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

داود أمين

لتتجدد في ساحات التحرير مأثرة

 شباط العام الماضي

 

تمر بعد أسابيع قليلة الذكرى السنوية الأولى ليوم الخامس والعشرين من شباط، حيث نزل، قبل عام من الأن، وفي ذلك التأريخ المجيد، عشرات آلاف العراقيين، لساحة التحرير في بغداد، ولساحات التحرير في مدن العراق الأخرى، وهم يهتفون للحرية والعدالة، ولإيجاد فرص عمل للعاطلين، ولتوفير الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء ومفردات البطاقة التموينية، كما تصاعدت أصوات أؤلئك الثائرين ضد المحاصصة والطائفية وضد الفساد ونهب المال العام، ولم يكن ما فعلته تلك الحشود الغاضبة، تقليداً أعمى للإنتفاضات العربية في تونس ومصر وغيرها من البلدان، كما إدّعى النظام وكتبته ومأجوروه، بل كان وعياً طبيعياً وأصيلاً لواقع مُرْ، عاشه العراقيون، منذ سقوط نظام الطاغية صدام حسين، وقد تجسد هذا الوعي في سلمية التظاهرات، وفي وطنيتها الواضحة، حيث ضمت كل أطياف شعبنا، ورفعت شعارات، كانت تطالب بالإصلاح وليس بإسقاط الحكومة، وقد قابلت الحكومة العراقية ورئيسها، ذلك الحق الدستوري والقانوني، في التظاهر والتعبير الحر عن الرأي، بحملة إعلامية مبكرة ومسعورة، إتهمت فيها المتظاهرين بأنهم من بقايا البعث، ومن مؤيدي القاعدة والإرهاب! كما حشدت في يوم التظاهر، آلتها العسكرية الضخمة، وقوات جيشها وشرطتها ورجال مخابراتها، مطوقة المتظاهرين بالأسلاك الشائكة، ومستخدمة ضدهم العصي والهراوات والكلمات البذيئة والمستفزة، وقاطعة كل الطرق والجسور التي تؤدي لأمكنة التظاهر، ومتوجة كل تلك الأعمال اللاقانونية واللادستورية، بإختطاف وإعتقال وتعذيب عدد من ناشطي التظاهرات، ناسبة لهم تهماً بائسة ومفضوحة، حوّلت مخترعيها وناطقي إعلام عمليات بغداد، المروّجين لها لإضحوكة ومهزلة.

إن الإستعداد المسبق والتنظيم الجيد والحماس الكبير، الذي رافق تظاهرات الخامس والعشرين من شباط العام الماضي، والإستخدام المثمر والمتقدم لتكنولوجيا المعلومات، ومواقع التواصل الإجتماعي على الشبكة العنكبوتية، أرعب الطبقة السياسية الحاكمة وفاجأها، ودفع رئيسها لإعلان مدة المئة يوم، لتكون مهلة وإختباراً لجدية السلطة ووزرائها ورئيسهم، وكان هذا الإعلان، رغم خوائه وبؤسه، دليلاً على أثر وفاعلية النضال الجماهيري، وقدرته على إجبار الحاكمين على الرضوخ والإستجابة لفكرة التغيير، وكانت الأسابيع التالية لتلك المأثرة الجماهيرية، مناسبة للسلطة لكي تسترجع أنفاسها، وتتهيأ بشكل أفضل لمجابهة التظاهرات والإحتجاجات التي أخذت طابعاً إسبوعياً، فزجت السلطة بعناصرها ومرتزقتها وأزلامها بين المتظاهرين، ليخربوا التظاهرات ويعتدوا على المشاركين فيها بالضرب والشتائم، وخصوصاً مع النساء، كما مارست السلطة عمليات الإختطاف والتعذيب والإعتقال، ثم كانت كاتمات الصوت حاضرة لإسكات عدد من الناشطين، كان آخرهم الإعلامي والفنان الشهيد هادي المهدي.

إن عاماً يقترب من نهايته، منذ تظاهرة 25 شباط الماضي والوضع في العراق يزداد سوءاً وتردياً، فالعملية السياسية التي بنيت على التقاسم والمحاصصة الإثنية والطائفية، وتغذت بالطبخة غير الناضجة التي أعدت على عجل في مطبخ أربيل، هذه العملية السياسية، تعيش الآن أكثر لحظات مأزقها تعقيداً وإستعصاءاً، فالعراقية تقاطع البرلمان وجلسات مجلس الوزراء، ونائب رئيس الجمهورية متهم بالإرهاب ولا يريد أن يواجه القضاء إلا بشروطه، لذلك هو يحتمي بكردستان الأن، ونائب رئيس الوزراء ممنوع من الوصول لدائرته! وتسع وزارات للعراقية شاغرة الكراسي، والتصريحات النارية ، من جميع الأطراف، تشغل جميع وسائل الإعلام وتلهب الشارع العراقي، الذي بدأ يلتهب فعلياً بالمفخخات والتفجيرات وعمليات القتل اليومية التي غطت العاصمة ومعظم مدن العراق، وحصدت المئات من بنات وأبناء شعبنا الأبرياء.

 وعلى الطرف الآخر يبدو أن رئيس الوزراء إستأثر ببلع كامل الطبخة التي أعدت في أربيل، دون أن يفكر أو ينتبه لمشاركيه في الطبخة، أو لتفاصيل ما تم الإتفاق حولها، إذ إغتنم الفرصة النادرة التي سنحت له للتربع مجدداً على كرسي رئاسة الوزراء، ليحولها لمناسبة لا تُعوض لكي يرسخ مواقعه الشخصية، ولكي يهيمن ويستأثر بمعظم مفاصل الدولة الهامة والمحورية كوزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني، وإن يربط أجهزة المخابرات والإعلام وغيرها من الأجهزة المستقلة بشخصه وبمكتبه، وأن يتحول، من خلال سلوكه وفرديته لمشروع دكتاتور، بدأت ملامحه تتوضح ويعلن عنها حتى المحسوبون على تياره الوطني.

إن سنة مرت منذ تظاهرات شباط المنصرم، لم تحمل لشعبنا بصيص آمل في تحسن مستوى الخدمات المقدمة للجماهير، رغم الميزانيات الفلكية التي تجاوزت ال100 ترليون دينار عراقي، كما لم تتراجع وتيرة الفساد ونهب المال العام، ولم تخف وتيرة العنف والعمليات الإرهابية أو يتحقق الأمن والسلام، كما لم يتم أي توافق أو إنسجام داخل الطبقة السياسية، وبين الأطراف المتصدية لقيادة دفة الحكم في البلاد، بمعنى أن الأسباب التي دعت شباب الخامس والعشرين من شباط  الماضي للتظاهر والإحتجاج، لم تزل هي نفسها، بل يمكن القول أن تلك الأسباب قد تفاقمت وتعمقت وإشتدت، فالحال في العراق الآن، وعلى جميع الأصعدة السياسية والأمنية والإقتصادية والخدمية، هو أسوأ بما لا يقاس مما كان عليه قبل عام، لذلك فإن الدعوة تبدو ملحة الآن لكي تعود الجماهير مجدداً لساحة التحرير في بغداد ولساحات التحرير في مدن العراق الأخرى، من أجل أن تُسمع الطبقة السياسية اللاهية بنهبها وخلافاتها ومصالحها الأنانية، أن تُسمعها صوت الشعب وصرخات غضبه وصبره الذي أوشك أن ينفذ.

إن عودة شباب شباط لساحات التحرير في العاصمة ومدن العراق الأخرى، يوم الجمعة الرابع والعشرين من شباط القادم، هو تجديد لروح الحركة الجماهيرية الصاعدة، والتي توّهم الحاكمون أنهم أسكتوها وأطفأوا شعلتها وأسكتوا ناشطيها بكاتمات الصوت وبالقمع والإرهاب، فلتكن الشعارات التي يرفعها المتظاهرون رافضة للعنف والطائفية والمحاصصة والفساد ونهب المال العام، ليكن الوطن وليس غير الوطن هو ما نُنشد له ونسعى لسموه ورفعته، لننتبه للعناصر المخربة، ولأزلام القوى المتخاصمة على كعكة السلطة، أؤلئك الذين سيحاولون الصعود على أكتاف الجماهير، من أجل مصالحهم الأنانية وطموحاتهم المريضة، لتكن الجماهير بعيدة عن أي ميل لهذا التكتل أو ذاك، فكل الراكبين في مركب السلطة، مسؤولون عما لحق بوطننا وشعبنا من مآسي وويلات.

إن شبيبة العراق ليست أقل قدرة وتضحية من شبيبة تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا التي إجترحت ولا تزال تجترح المآثر والمعجزات، وفي تأريخ وطننا ومسيرة شعبنا سجل حافل بالتضحيات والبطولات، فليبادر الشباب لتكرار مأثرة شباط الماضي، وليكونوا في ساحات التحرير، في تظاهرة سلمية حضارية، ترتفع فيها صورة الوطن الآمن المستقر، والشعب الطامح للحرية والعدالة والسلام.  

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.