اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• التواصل مع جذورنا القومية من خلال أدبنا القديم

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

سالم كجوجا

التواصل مع جذورنا القومية من خلال أدبنا القديم

 

   إن كل طوائف شعبنا(الكلداني السرياني الآشوري) تتفق في تسمية نفسها : سورايا، وهي كلمة لها مدلولات دينية عند البعض ومدلولات قومية عند البعض الآخر، بيد أننا لانريد الخوض في هذه التفاصيل، فالتشظي والتفتت لاينفعنا، بل ما ينفعنا هو الوحدة والتآلف، وعليه نقول كتحصيل حاصل: كلنا سورايي بمختلف طوائفنا، وهذا يقودنا الى القول نحن شعب واحد، ولما كان هذا الشعب يسكن على أرض واحدة ولغته واحدة، تراثه واحد في الحقبة ما بعد المسيحية  وما قبلها، ومصيره اليوم واحد، فهو إذن قومية واحدة،  والفوارق الموجودة اليوم بين شريحة وأخرى لا تتعدى أن تكون  فوارق مناطقية أو طائفية أو لهجوية، وهو شأن كل القوميات في العالم. فمن غير المعقول أن تكون قومية أهل قرية شرفية هي غير قومية أهل القوش أو كرمليس، أو قومية أهل برطلة هي غير قومية أهل تللسقف أو تلكيف، أو قومية أهل بروار وصبنا وزاخو هي غير قومية أهل قامشلي أو أورمي.. ولما كان هذا الشعب واحداً  و سليلاً لصانعي حضارة بيث نهرين، أليس من المهم عزيزي القارئ أن نتعرف على  جانب من حالته الإجتماعية أو الفكرية من خلال بعض نتاجاته الأدبية القديمة؟..

 

       من المهم أن نعرف أولاً،  بأن تاريخنا النهريني(في كل أدواره وحلقاته) ليس تاريخ غزوات وفتوحات وحروب قبلية ونزاعات عشائرية  محلية أو دولية، وهو الأمر الذي يشغل أهتمام الكثيرين، بل هو تاريخ حضاري يتناول كل جوانب حياة الإنسان، فالقوة العسكرية لوحدها لاتصنع حضارة، كما كان شأن قوة جنكيز خان أو أتيلا،  فقوة العسكر  ليست إلا جزءً  من البناء الحضاري، لأن البناء الحضاري يتناول الجوانب المختلفة لحياة الإنسان بالإضافة إلى بناء الجيش وتسليحه، وتلك الجوانب هي: الإنجازات المعمارية، والفنية والأدبية بكل فروعها، والقانونية والتنظيمية والحرفية والعلمية والدينية والزراعية، وغير ذلك ...لأن الإلتفات إلى تلك النواحي يساعدنا على تقويم تلك المجتمعات وتحديد موقعها في سلم التطور بشكل أكثر دقة، وحضارة بيث نهرين غنية بما ذهبنا إليه، فتنامي معرفتنا بمجتمعاتنا القديمة سيقوي من إرتباطنا بجذورنا، ويعمق من وعينا القومي،  فنحن لانستطيع فهم الوضع الإجتماعي والثقافي للمجتمعات مالم نطّلع على بعض الجوانب الحياتية فيها، وقد أخترت لك عزيزي القارئ شيئاً من أدب "حضارة بيث نهرين" والمتعلق بالأمثال المتداولة آنذاك، مما يلقي الضوء على المفاهيم العامة السائدة بين مجتمعات معظم أرض النهرين وحواضرها المهمة كنينوى وبابل. لابل لازالت بعض الأمثال التي مر عليها آلاف السنين  متداولة بيننا إلى  اليوم  بشكل أو بآخر. فنتساءل:  ما هو المثل؟ وماذا تعكس معانيه؟

 

   أمثال من الواح الطين:

        يُشير كتّاب كثيرون إلى أن المثل نتاج فكري يأتي من تجربة فردية أو جماعية، أو هو موروث تتناقله الألسن عبر الأزمنة. وتشكل الأمثال المتداولة صورة عن المجتمع في جوانب حيوية عديدة. فالمثل صورة لواقع ما: فهناك صور تربوية ومواعظ حكمية، و ُأخرى إجتماعية ذات صلة بالمفاهيم والعادات، و صور من الحياة اليومية تتعلق بالتجارة والعمل والصداقة والزواج والقرابة وغير ذلك، فنستطيع بواسطة الأمثال التعرف على واجهات عديدة لمجتمع ما، في حقبة زمنية معينة. لابل قد تشكل تلك الأمثال أيديولوجيا وفلسفة حياة.

     قيل ايضاً: "المثل عبارة موجزة بليغة شائعة الإستعمال، يتوارثها الخلف عن السلف، وتمتاز عادةً بالإيجاز وصحة المعنى، وسهولة اللغة وجمال جرسها". وقيل أيضاً :المثل هو "إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه".

    الأمثال مرآة الشعوب وصورتها، نرى  من خلالها تجربتها وحكمتها. وليست الأمثال مجرد أقوال قيلت في زمان ما وولت معه، وإنما قد يكون تأثيرها فاعلاً في حياة الناس إلى زمن بعيد.

    من المفيد أن نرسم صوراً عن مجتمع  "بيث نهرين"  من خلال الأمثال المحفورة على الصخر أو ألواح الطين، التي ترجمها باحثون عديدون. ويجب أن نعرف أن إمكانية الحفاظ على الفكرة  متاحة خلال عملية الترجمة، ولكن يجب أن لايغيب عنا، أن الترجمة قد  تُفقد  العبارة رونقها من حيث البلاغة اللغوية، مما  ُيضعف ذلك من قوة المثل وشدة وقعه على السامع.

 

        ما يهمنا الآن هو معرفة  شئ عن الصورة الأخلاقية لمجتمع الحضارة النهرينية في حقبها المختلفة من خلال الأمثال. فنأخذ جانباً من تلك الأمثال  التي جرت على ألسن الناس في العصور السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية، والتي تلقي الضوء على العلاقة الواجبة بين الإنسان وأخيه الإنسان فتدعو الى التسامح واحترام حدود الغير وإنسانيته، وهو الصدى المقبول إلى اليوم عند الإنسان المعاصر من خلال أخلاقياته وأديانه وفلسفاته.

 

    نقرأ في كتاب "إنجيل بابل" للدكتورخزعل الماجدي ص298 بعضاً من الأمثال المترجمة من الألواح:

*(لاتسيء إلى أحد عندئذٍ لن يدخل قلبك الأسى).

*(لا تفعل شراً فلن يتملكك الحزن عندئذٍ).

   يعلمنا هذين المثلين كيفية إحترام الآخر وعدم التجاوز عليه، فالتجاوز على حق الناس يسبب في خلق حالةٍ  من تأنيب الضمير عند الشخص المعتدي، فيعالج هذين المثلين جانبين: أخلاقي ونفسي، فمن أجل أن يعيش الإنسان مرتاح الضمير يجب ان يستبعد الإساءة إلى الناس.

 

 ومن المكتبة العظيمة للملك الآشوري آشور بانيبال، أمثال في الصدد نفسه(عن كتاب ديوان الأساطيرج3 صفحة352):

*(لا تُعامل بسوء من يسعى لمخاصمتك)

*(بادل بعمل الخير،من أساء إليك)

*(إبقَ عادلاً تجاه من عاملك بشر)

*(استوليت على حقل عدوك، والان يأتي عدوك،ويستولي على حقلك)     

 

   أليست هذه الأمثال تعبيراً لصورة مجتمع يؤمن بقيم إنسانية راقية، وتدعو إليها الى اليوم التعاليم والفلسفات الإنسانية ناهيك عن أهم الأديان؟  قد يعتبر البعض أن تلك المجتمعات الضاربة في القدم متخلفة في مفاهيمها الإنسانية وتطورها الأخلاقي، ولكن الحقيقة  ُتشير إلى غير ذلك، فالتمعن في قراءة تلك الأمثلة ينكشف لنا رُقي إنسان النهرين في ذلك العصر، وتطور أخلاقياته والكشف عن العلاقات المثالية بين الناس، إذ لولا ذلك الرقي لما استطاع بناء إنسان صانع جبار بنى مدناً عامرة،ونظاماً مدنياً و حضارة مستمرة لآلاف من السنين. والأمثلة كثيرة التي تبين العلاقة الناضجة المطلوبة بين الإنسان وأخيه. وهذا ما يفسر التقبل السريع لأجدادنا للتعاليم المسيحية التي عرفوها قريبة من منظورهم الثقافي والأخلاقي، فآمنوا بها واندفعوا في نشرها بين الناس حتى بلغو الهند والصين وسلاحهم الكلمة والحب بدلاً من السيف والقتل.

 ويمكن الأستزادة بأمثال حكمية أخرى من كتاب "إنجيل بابل":

 

*( من تحبل دون نكاح مثل التي تسمن دون اكل): لكل سبب مُسبب

*(إنه محظوظ في كل شيء طالما يلبس حلة جديدة): المظاهر

*(هل تضرب وجه الثور الذي تضرب بالسوط): تجنُّب المخاطرة

*(ألستُ حصاناً أصيلاً؟مع ذلك أنا مسرح مع بغل وعلي أن أجر عربة محملة بالقصب):عدم الإنصاف

*(لو وضعت في البحر لأنتنت مياهه ولو وضعت في البستان لأفسدت ثمره): الشرير

*(لن تصد العدو أمام باب المدينة التي عدة حربها ضعيفة): عدم التخطيط

*(تدخل الذبابة في الفم المفتوح)...الثرثرة

*(انت كالبقرة العقيم تبحث عن عجلها الذي لم يولد):الجري وراء السراب

      وإلى أمثلة إضافية من مكتبة آشور بانيبال عن كتاب ديوان الأساطير:

*(الصديق الحقيقي يتذكر من ينساه)

*(من يموت جوعاً، لايشبعه صندوق فضة أوذهب)

*(لِبذر سيّئ، حصاد سيئ)

*(عد إلى خرائب الماضي وانظر حولك، ترى جماجم المتواضعين وجماجم العظماء، أي منها لرجل شرير، وأي منها لرجل خيّر).....المساواة أمام الموت

 وفي موضع آخرنصوص أكدية لحكيم ينصح تلميذه، وكان للنص شهرته حتى أنه تمّ ترديد مضمونه خلال الفترات اللاحقة:

*(من يعاشر الأشرار ُينظر إليه بازدراء وتسوء سمعته)

*(لا تتلفظ بسخريات ولا بآراء غير صادقة)

*(قم بأعمال إعانة وقدم الخدمات كل يوم)

*(لاتترك العنان لفمك، وراقب ما تقوله شفتاك)

*(نفذ ما وعدت به)

        وهناك الكثير الكثير من هذه الأمثال القيمة، سيما في كتاب أحيقار، لكن لضيق المجال نكتفي بما أوردنا من أمثال عسى ان تتكون فكرة عند المتابع عن الرقي الروحي والأخلاقي الذي إتسم به المجتمع الآشوري الكلداني البابلي السومري. إن قوة تلك الأمثال تُعطينا اليقين عن قوة مجتمع إزدهرت حضارته آلافاً من السنين وأعطى للبشرية الحرف والعجلة والحكمة. تلك جذورنا نحن "السورايي" سكان العراق ومابين النهرين الأصليين. فهل نتواصل مع التاريخ والتراث ونندفع نحو المستقبل بروحية الجدود؟ وهل سنسعى لبناء "ذات نهرينية" معاصرة، أم نذوب في المجتمعات الأوسع، منشغلين بالنقاشات العقيمة: هل أن البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟ إنه حقاً إمتحان  الأرادة، ومقدار  عمق الوعي  بالمصير  المشترك.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.