اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• حذاري من الوقوع في هذا الفخ المميت من جديد يا سيادة البارزاني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كاظم عبد الحسين الشمري

حذاري من الوقوع في هذا الفخ المميت من جديد يا سيادة البارزاني

إن الأزمة السياسية الحالية في العراق قد لا تشبه الأزمات التي مر بها العراق منذ الخلاص من النظام الديكتاتوري في البلاد. فهي أشد عنفاً وخطورة، ومما يعمقها تلك الأيادي الخارجية التي تسعى إلى الفوضى والمواجهات الطائفية والقومية بعد أن فشلت في أعوام سابقة في جر اللعراقيين إلى حرب مواجهة طائفية خطيرة. ومما يثر القلق هي تلك الاصطفافات المريبة التي لا تمهد إلاّ الطريق أمام تخريب فلول االنظام البعثي السابق واستغلال الفرصة للقفز على السلطة في ظروف تشتت القوى الحريصة على العملية السياسية والمواجهات بينها رغم ما لحق من عزلة وإدانة بالنظام السابق. ولنا في مصير ثورة 14 تموز والتضحيات التي تكبدها شعبنا بفعل الأخطاء الفادحة للقوى الحريصة على الثورة ومنجزاتها، مما يستدعي التحلي بالمرونة والصبر وتأجيل ما لم يتحقق الآن لفرصة أخرى من أجل تفويت الفرصة الآن على القوى الشريرة التي تحيك المؤآمرات ضد الشعب.

إن القواعد الديمقراطية ومعاييرها وممارساتها، ومن ضمنها ممارسة الحقوق القومية والحقوق الأخرى، هي قواعد معقدة لا يمكن أن تترسخ إلاّ تدريجياً وفي ظل دولة موحدة، وليس في ظل كانتونات عائلية وعشائرية وقومية، ولا في ظل تعدد القوات المسلحة والميليشيات وتعدد المراكز المالية وتضارب التشريعات والقوانين بين محافظة وأخرى أو بين الدولة الاتحادية والإقليم، كما هو جار في عراق ينص الدستور على أنه دولة اتحادية ديمقرطية الهوى. ولعل أبرز مثل على ذلك هو ما يجري في إقليم كردستان العراق من ممارسات تتناقض مع قواعد الديمقراطية التي يكرر جميع قادة الإقليم تبجحهم وتمسكهم بها. ولكن المسؤولين في إقليم كردستان يتجاوزون على الدستور العراقي عند قيامهم بالاتفاق مع دول اوربية لشراء دبابات وصواريخ "ارض ارض" بتواقيع مزورة للحكومة المركزية، والتي كشف عنها عندما خاطبت الدول الاوربية رئاسة الوزراء الاتحادية العراقية بشأن صحة هذه التواقيع. وهناك تعدد في الأجهزة العسكرية والأمنية بين مدينة السليمانية ومدينة أربيل، ناهيك أن القوات المسلحة في الإقليم لا تخضع لقيادة القوات المسلحة الاتحادية. وهذا ما لا يمكن أن نجده في أية دولة اتحادية في العالم المتحضر.

أما الجانب المالي فحدث ولا حرج، فهو يتوزع بين طرفي الإقليم "السليمانية وأربيل" وبين الدولة الاتحادية التي تتحدد مهمتها فقط في تقديم 17% من الميزانية الاتحادية للإقليم. فلا تعلم السلطة الاتحادية ولا ديوان الرقابة المالية فيها كيف تصرف أو إلى أين تذهب الموارد المالية للإقليم. فكمارك الإقليم تتوزع بين مسؤولي المنافذ الحدودية للمدينتين الرئيسيتين. ولا تعلم الحكومة الاتحادية ولا حتى السلطة التشريعية في الإقليم عن حجم الموارد التي ترد إلى الإقليم من واردات المنافذ الحدودية ولا من بيع وتهريب النفط إلى تركية وإيران وحتى إلى أفغانستان. ويتسلح الإقليم، وخاصة حكام أربيل، بأنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة دون رقابة السلطة الاتحادية، وهو ما يهدد بخطر المواجهة العسكرية بين الإقليم والدولة الاتحادية في حالة وقوع أي خطأ أو تصرف طائش أو مغامرة تصدر من المتطرفين في كلا الطرفين أو من قبل عناصر مندسة في الأجهزة الرسمية الأمنية والعسكرية، خاصة في ظل التوتر المنذر بالخطر في العلاقات بين المسؤولين في الطرفين. وتجاوز المسؤولون في الإقليم على صلاحيات السلطات الإتحادية بفتح قنصليات للدول الأجنبية في الاقليم لا علاقة لها بموافقة وزارة الخارجية ودون علم الحكومة الاتحادية وهذا يخالف بنود الدستور. فمن غير المعقول أن تتستر سلطة الإقليم على عتاة الإرهاب من الذين يهددون مصير العرب والكرد على حد سواء في الإقليم كما حصل لطارق الهاشمي وشخصيات أخرى. ما هي مصلحة الأكراد في ذلك؟ وهل يخدم هذا الانتهاك للسلطة القضائية الاتحادية قضية الديمقراطية التي يحتاجها الكرد أكثر من غيرهم في العراق لحل مشكلتهم القومية؟.

ويسعى حكام الإقليم إلى فرض احتكارهم الحزبي وحتى الاعئلي على كل مرافق الحياة الاقتصادية والمدنية، فمن يريد أن يفتح مرفقاً اقتصادياً هناك فما عليه إلاّ أن "يستشير" أو يقوم باشراك عوائل ومقربي المسؤولين هناك في هذا المشروع، وإلا فسوف لا يرى ذلك المشروع النور بالطبع. ويسطو متنفذون فاسدون في الإقليم على أراضي وقصور ومنتجعات دون الخضوع لنص قانوني ولا تشريع من قبل السلطة التشريعية في الإقليم أو في بغداد. ولا يسمح لأحد أن يمس الذات الحاكمة في الإقليم أو معارضتها، فذلك يعد من الكبائر و "العداء للقضية القومية الكردية"، وقد تؤدي إلى انهاء وجود من يرتكب هذا "الذنب". ولكي لا يذهب القارىء بعيداً ويفسر الأمور بغير ما يقصد الكاتب أو أن يتهم بالشوفينية، فإن نفس الحالة المرضية تسري بأشكال مختلفة في كل أنحاء العراق وفي كل نواحيه وأقضيته وقراه، ومن قبل كل الكتل المتنفذة المشاركة في "حكومة الصراع الوطني". وهي أحد أسباب التضارب والتناحر على الغنائم والسلطة بين الكتل السياسية المتنفذة. وهو طريق محفوف بالمخاطر يهدد مصير العراقيين بدولتهم الاتحادية وبإقليمهم الكردي.

لقد كان آخر مظاهر انتهاك للديمقراطية هو ما صدر عن رئيس الإقليم من طلب لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بطرد السيد عادل مراد رئيس المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني من الحزب، وهو حزب آخر لا يخضع لضوابط الحزب الديمقراطي الكردستاني. ويأتي هذا الطلب كرد فعل على تصريحات السيد عادل مراد بأفكار تتناقض مع ما يطرحه السيد مسعود البارزاني وسياسته أزاء الصراع الجاري بين شركاء "حكومة الوحدة الوطنية"، وهو حق ديمقراطي كفله الدستور العراقي وقوانين الإقليم. علماً إن كل ما صرح به السيد عادل مراد إلى صحيفة الشرق الأوسط هو مطالبته "بتغيير التحالفات السياسية القائمة حاليا وتوسيع إطارها على مستوى العراق وعدم إبقائها ضمن الأطر القومية أو الدينية أو المذهبية". وهي تصريحات تندرج في باب الحرص على الخروج من الأزمة الخطيرة التي تعصف بالبلاد "، و "إجراء الانتخابات المبكرة وفقاً للسياقات الدستورية الواردة في نص المادة 64 باعتباره الحل الواقعي والأمثل للخروج من هذه الأزمة السياسية العاصفة

http://www.alitthad.com/userimages/adlmo.jpg

عادل مراد رئيس المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني

والأزمات القادمة، لأن من شأن ذلك أن يقود إلى تشكيل حكومة الأكثرية والخلاص من حكومات المحاصصات الطائفية، ولكي نضع العراق على السكة الديمقراطية ونحقق له الاستقرار السياسي أرى أن هناك حاجة لتغيير التحالفات السياسية القائمة حاليا". ويستطرد السيد عادل مراد في تصريحه لصحيفة الشرق الأوسط قائلاً:" يجب أن لا تقتصر تلك التحالفات على فئات طائفية أو دينية أو قومية، فأنا أرى أن هناك حاجة لتوسيع أطر تلك التحالفات في المراحل الانتخابية القادمة، كأن يسعى الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى التحالف مع حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية والقوى الديمقراطية الفاعلة الأخرى في عموم العراق لتشكيل قائمة عراقية ديمقراطية تخوض الانتخابات القادمة، عندها من الممكن أن نخرج من إطار التحالفات الطائفية والقومية، وما إلى ذلك من الاصطفافات الضيقة الحزبية والطائفية".

وحذر السيد عادل مراد من المساعي المريبة لخلق تحالفات جديدة لا تخدم الأكراد ولا العملية الديمقراطية في العراق عندما قال:" أن القوى والكتل العراقية التي تتجمع حول هذا الحزب الحليف ( يقصد الحزب الديمقراطي الكردستاني) لا تريد الخير لشعبنا الكوردي، بدليل العديد من المواقف السلبية التي وقفتها تلك القوى من حقوق الشعب الكوردي في مقدمتها موقف إئتلاف العراقية من انتخاب الرئيس طالباني وخروجهم من القاعة أثناء عملية التصويت بالبرلمان، وترشيحهم طارق الهاشمي ليكون رئيسا للعراق، وكذلك موقف نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك الذي أطلق تصريحه الشهير ضد الكورد حينما أشار إلى أن (ما أخذ بالقوة سيسترد بالقوة)، ناهيك عن الموقف السلبي من التيار الصدري من مسألة تنفيذ المادة 140 من الدستور....وهو يؤدي إلى التفريط بالتحالف مع من شاركونا النضال ضد الديكتاتورية واختلطت دماؤهم بدمائنا في جبال كوردستان وفي سجون النظام الديكتاتوري السابق... فالواقع الراهن يستدعي منا الوقوف بوجه كل المحاولات الرامية إلى استبدال الحلفاء بأشباه الحلفاء الذين يتصيدون بالماء العكر ويستغلون الخلافات السياسية لمصالحهم الحزبية والفئوية وحتى الشخصية".

إن جوهر ما صرح به السيد عادل مراد يمثل رأي الكثير من القوى السياسية والشخصيات الوطنية السليمة القلقة على مصير البلاد بسبب ما خلقه خيار الطائفية والتعصب القومي والتناحر على الغنائم من كوارث للعراقيين تدميراً وقتلاً وركوداً. وبدلاً من أن تستقبل مقترحات السيد عادل مراد بالترحيب من قبل السيد مسعود البارزاني وقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلاّ أنه للأسف نجدهم قد اختاروا طريق االتدخل في شؤون الأحزاب الأخرى والتكفير والتهميش وإثارة النزعات القومية المتطرفة واللجوء إلى العامل الخارجي والتهديد ودق طبول الحرب بدلاً من الحوار السلمي مهما طال.

إن أمام القيادات القومية الكردية على وجه الخصوص دروس وعبر وتاريخ وتجارب غزيرة ينبغي أن تتعض منها على طريق احقاق الحقوق المشروعة للمواطنين الأكراد. فلغة التهديد والاحتقان والتلويح بالقوة والاستعداد للمواجهة العسكرية هو طريق سبق أن جربته قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في السابق ولكنها لم تجني إلاّ الضحايا المريرة للمواطنين الأكراد الأبرياء. وعاد هذا النهج بالخراب على أرض كردستان الشماء، علاوة على الارتهان للعامل الخارجي من أجل الحصول على السلاح والمال. فحمل السلاح في عام 1961 جلب الكارثة للعراقيين من عرب وكرد وسائر المكونات. فهذا الخيار الخطير الذي جاء نتيجة لتحريض خارجي، وبضغط من متطرفين قوميين في القيادة القومية الكردية بذريعة رفع الظلم القومي عن الأكراد، والذين عملوا باتجاه المواجهة مع السلطة الوطنية آنذاك بدلاّ من التريث والحوار معها، والتي كان المرحوم مصطفى البارزاني يتبنى هذا الموقف الأخير. وهذا ما أشار إليه أحد المشاركين الأكراد في مذكرات له قائلاً أن :"الزعيم بارزاني كان متردداً منذ البداية عن إعلان الثورة الكردية المسلحة في جبال كردستان، ويرى أن يعطى المزيد من الوقت للحوار والتفاوض بدلا عن اللجوء إلى السلاح، ولكن الغلبة كانت في صالح القيادات السياسية الأخرى التي سارعت بالالتحاق بالجبل وإعلان الثورة هناك". ومما يلفت الانتباه أن حتى السيد مسعود البارزاني قد ذكر في كتابه "البارزاني والحركة التحررية الكردية" ما يلي: "كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبد الكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبد الكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً...". وهذا ما أكده السيد عادل مراد" المهدد بالطرد من حزبه" في رسالة أخيرة له بمناسبة ثورة 14 تموز حين أشار:"لقد انتصرت قوى الشر على ثورة 14 تموز لأسباب عدة وأقولها بصراحة إن مواقف بعض القوى الوطنية من الثورة في حينها وتخليها عن مساندتها وتحالفها مع القوى المضادة للثورة كانت في مقدمة الأسباب التي أسقطت الثورة وأدخلت العراق في فترة مظلمة من تاريخ شعبنا".

وهكذا دفعت الحركة القومية الكردية في العراق بهذا الخيار الخاطىء الشعب العراقي بكرده وعربه إلى نفق مجهول، عمّقه الخيار الخاطىء للحكومة العراقية أيضاً في التمسك بخيار المواجهة العسكرية. ونتيجة لذلك ارتهنت إراداة القضية الكردية في العراق وهي قضية ديمقراطية بيد شاه إيران وأمريكا وكل أعداء الديمقراطية واعداء القضية الكردية والشعب العراقي من الرجعيين والمنطرفين القوميين العرب. وأدى ذلك إلى تعاظم التدخل الخارجي في الشأن الداخلي العراقي بشكل خطير وحصول كارثة وطنية عصفت بالعراق في انقلاب 8 شباط 1963 المشؤوم عندما مدت أطراف في القيادة الكردية الجسور مع مدبريه. هذا الانقلاب ما لبث مدبريه أن قاموا بحرق أراضي كردستان العراق بعد أسابيع من سيطرة الأنقلابيين.

الخطأ الفادح في حل الخلافات بين الأطراف السياسية عن طريق الاستعانة بقوات صدام حسين

لقد مهدت هذه الكارثة لاحقاً الطريق أمام صعود موجة التطرف القومي العربي الذي قدم لنا كارثة أشد وطأة في انقلاب آخر عام 1968 صدام حسين ليتفنن في ارتكاب مآسي استخدام الأسلحة الكيمياوية ومجزرة حلبجة والتغيير السكاني. ويبدو أن هذا الدرس لم يكن كافياً ببشاعته كي يعلم السيد مسعود البارزاني خطأ الرهان على حكم البعث، فقد استعان به في 1 آب عام 1996 في أخراج قوات الاتحاد الوطني من أربيل واشعال نار الحرب الكردية- الكردية. كما أن هذا الدرس وارتهان القضية الكردية للعامل الخارجي وما جره من فشل وأذى للأكراد بحيث قامت القيادة الكردية في الستينيات بتسليم مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الموجودين في جبال كردستان العراق إلى الساواك وحكم الشاه. وقتل واعدم من اعدم من هؤلاء، وزج آخرون في غياهب سجون الشاه، مما أثار النقمة ضد القيادة القومية الكردية العراقية لدى أكراد إيران على هذا التصرف غير الانساني للقيادة المرتهنة لشاه إيران.

ويعود اليوم السيد مسعود البارزاني ليقع في نفس الخطأ ليمد الجسور مع حكام تركيا، وهم الاعداء الاشداء لتطلعات الأكراد في تركيا وخارجها وذلك من أجل بيع بضع براميل من النفط وبأسعار زهيدة ومن أجل الحلم بدعم تركي مشكوك فيه في المواجهة مع الحكومة العراقية، أو تنفيذ إرادة حكام تركية في خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في العراق وصولاً إلى مواجهات مسلحة بين الحكومة الإتحادية والإقليم، أو حتى بين الحزبين المتحالفين قي الاقليم. وهو منحى خطير سيعود بالكارثة على المواطن الكردي البسيط قبل حكومة بغداد. وليس من باب الصدف أن ينبري النائب المستقل عن القائمة الكردستانية في مجلس النواب العراقي السيد محمود عثمان ليشير على موقعه الألكتروني إلى أنه:" يدعو الى عدم الإنخداع بوعود رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مبينا ان تصرفات الحكومة التركية تكشف زيف ادعاءاتها بتحقيق اصلاحات، مشيراً الى ان حكومة أنقرة ليست صديقة للكرد وإنما تبحث عن مصالحها "غير المشروعة"، هذا التصريح الذي جاء عقب جرح أكثر من 100 كردي في مظاهرات في كردستان تركيا للمطالبة بالحقوق والحريات وإطلاق سراح عبدالله أوجلان.

إن خطورة ما يروّجه السيد مسعود البارزاني في الأزمة الحالية هو تلويحه بالقضية القومية ومن منطلق ضيق أفق قومي يؤدي بالنتيجة إلى مواجهة كردية عربية فشلت الحكومات الديكتاتورية السابقة في تأجيجها. وهذا منطلق خطير يؤدي إلى أن يخسر السيد البارزاني ذلك التعاطف من قبل العرب العراقيين مع اشقائهم الكرد العراقيين في محنهم السابقة والوقوع في فخ لا يخدم حقانية القضية القومية الكردية ورفع الغبن عنها بقدر ما يخدم مشاريع إقليمية وخارجية. وهو تكرار للخطأ الذي ارتكب في عقد الستينيات. وهذا ما حذر منه الدكتور سردار قادر، الأستاذ بجامعة السليمانية، قائلاً: "لا شك أن الأزمة السياسية الحالية في العراق أصبحت جزءاً من الصراع الإقليمي الدائر حاليا في المنطقة، وتركيا وإيران لاعبان أساسيان في العراق بحكم مصالحهما وعلاقاتهما المتشعبة.. وتسعيان بالطبع إلى تقوية الجهات الموالية لهما". ويعترف شوان داوودي رئيس تحرير جريدة «هوال» الكردية التي تصدر في كركوك بأن: "هناك فعلا صراعا إقليميا قويا بين إيران وتركيا، أخذ في الفترة الأخيرة طابع تقديم كثير من الإغراءات للقيادة الكردية بهدف جرها إلى أتون هذا الصراع، فالعقود النفطية التي وقعتها حكومة الإقليم مؤخرا مع تركيا، يقابلها مساعي إيران لإجراء المصالحة بين الاتحاد الوطني وحركة التغيير، هي بمجملها محاولات استقطاب إقليمي للقوى الكردية، وأعتقد في البداية أن انجرار القيادة الكردية إلى هذا الصراع الإقليمي سيضر كثيرا بمصلحة الشعب الكردي، وأعتقد أن المكسب الأكبر للشعب الكردي هو توحيد الخطاب السياسي لقيادته وليس الانجرار إلى أطراف الصراع الإقليمي الحالي".

إن تطورات الأزمة الحالية الخطيرة في خلفياتها لا تخلو من صراعات إقليمية بين تركيا وإيران ودول الخليج، بل وحتى أطراف دولية تسعى أيضاً إلى الإجهاز على ما تحقق في العراق من خطوات على طريق بناء دولة اتحادية ديمقراطية على انقاض الديكتاتورية المنهارة. في ظاهرها هو الصراع على العقود النفطية والمناطق المتنازع عليها وغيرها من المشاكل والألغام التي زرعها نظام البعث في البلاد، والتي يمكن حلها عن طريق تكريس ثقافة الحوار وإرساء وتعميق العملية الديمقراطية وليست المواجهة والتهديد. فالأمر يشبه إلى حد ما، مع الفارق في الشخوص والظروف، عندما وقعت القيادة الكردية في فخ الصراع الإقليمي والدولي ولعبة الحرب الباردة في بداية الستينيات. ولم تحصل القيادة الكردية إلاّ على الموت والدمار والفشل عند أول توقيع لاتفاقية الجزائر المشينة بين صدام حسين وشاه إيران على الغدر بالقضية القومية الكردية العادلة. وهنا ينبغي أن يتم تحذير السيد البارزاني وغلاة التطرف القومي الكردي من الوقوع في شرك هذا المخطط حرصاً على الشعب الكردي المظلوم وعلى العراق المنكوب والاستماع إلى صوت الحكمة والسلم والحوار وبعد النظر والبصيرة والصبر في حل المشاكل. كما يجب تحذير الساسة العراقيين وهم الأطراف الأضعف من مغبة الوقوع في فخ هذه الصراعات الإقليمية العبثية واللجوء إلى أطراف إقليمية ودولية التي لا تخدم القضية الوطنية العراقية والاستقرار والأمان في العراق وبناء البلد، وتفير الأمن لشعبه بعربه وأكراده وتركمانه ومسلميه ومسيحييه وكل مكونات هذا الشعب الكريم.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.