اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

أبجديات الفتوى السياسية// بهاء النجار

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

أبجديات الفتوى السياسية

بهاء النجار

 

كبداية للبحث لا بد لنا من تعريف الفتوى السياسية حتى يتسنى لنا توضيح ما نهدف إليه ، فالفتوى السياسية وتفرعاتها هي الفتوى التي يصدرها مرجع ديني عارف بأمور زمانه وله رؤية سياسية للمنطقة التي له نفوذ ديني فيها ويستطيع أن يصدر فتوى فيها فتنفّذ في تلك المنطقة ، والغاية من الفتوى هو توجيه الناس نحو وجهة يرى فيها مصلحة للمجتمع أو البلد أو الدين مستنداً على رؤية مبتناة على استشاراتٍ لثقاةٍ مختصين بالواقع السياسي والأمني والاجتماعي ، فيرجع المرجع الديني هذه الرؤية الى الأسس الشرعية التي يعتمدها فيصدر الفتوى التي يراها مناسبة لحل مشكلة أو أزمة معينة ، أما ما يصدر من فتواى من بعض أشباه العلماء بل من الجهّال أمثال التكفيريين وغيرهم فلا حاجة لنا بمناقشتها في هذا المقال .

وحتى لا تكون الفتوى جزءً من المشكلة بعد أن أريد لها أن تكون جزءً من الحل تقوم بعض المرجعيات الدينية بوضع آلية لتنفيذ الفتوى الصادرة كي لا يرى المؤمنون هذه الفتوى انتقاماً عليهم بدل أن تكون رحمة ، فالفتوى وسيلة وليست غاية وبمجرد إصدار الفتوى من دون وضع تلك الآلية سيجعل الأمور فوضى وستُعرقَل تنفيذ الفتوى والاستفادة منها ، بل قد تكون الفوضى سبباً لأزمات أخرى كان المجتمع في غنى عنها . ويمكن توضيح أهمية هذه الآلية المقرونة بإصدار الفتوى بمثال : فعندما يريد الأب أن يرشد ابنه لأداء الصلاة مبكراً يقوم بتوفير الماء والجو المناسب لأداء الصلاة ففي أيام الشتاء يوفر الماء الدافئ والمكان الدافئ وفي الصيف يوفّر الماء البارد والمكان البارد ، أما إذا لم يوفّر هذه الأجواء المناسبة لإبنه فستكون تلبية واستجابة ابنه ضعيفة وقد يكره تأدية الصلاة في أوقاتها وقد يترك الصلاة من الأصل ، وبالتأكيد فإن الأب في الحالة الأولى أكثر عطفاً منه في الحالة الثانية .

ومن التعريف السابق نرى أن الفتوى السياسية تتألف من شقين : الشق الأول هو رؤية الواقع والشق الثاني تطبيق الواقع على الأسس الفقهية كي تصدر الفتوى ، ومن الناحية الواقعية فإن مهمة المرجع الديني هو الشق الثاني ، أما الشق الأول فتقع مهمته على عاتق المختصين الذين تثق بهم المرجعية الدينية ومن دون هؤلاء المختصين في المجال الذي يراد إصدار الفتوى بخصوصه لا يمكن للمرجع أن يورّط نفسه ويورّط الآخرين بفتوى تدخله النار على منخريه كما في الحديث .

فنظرة بعض العوام من أن المرجع الديني يصبح عارفاً بكل الأمور بمجرد بلوغه مرتبة الاجتهاد أو تصديه للمرجعية نظرة خاطئة ، فليس من المعقول أن يكون المرجع طبيباً ومهندساً وسياسياً وقانونياً وتاجراً واقتصادياً وإدارياً وفيزيائياً وكيميائياً و ......  بمجرد تصديه للمرجعية ، فنحن نرى مثلاً بعض الفتاوى الطبية - أي المتعلقة بمجال الطب - أن الفقيه يعتمد على شهادة الأطباء الأخصائيين المتمرسين العارفين بمجال اختصاصهم ، ولا يعتمد على نفسه في إصدار تلك الفتوى لأنه ليس طبيباً وليس مختصاً بالطب وليس عارفاً بهذا المجال ، بل حتى لو كان في الأصل طبيباً ثم أصبح مرجعاً فهذا لا يتيح له إصدار فتوى معتمداً على معلوماته التي قد تكون قديمة أو غير دقيقة أو أنها بعيدة عن الواقع ، وكما أن الفتوى الطبية لا يمكن أن تصدر من الفقيه من دون الاعتماد على الأطباء المختصين والخبراء في مجالهم فإن الفقيه والمرجع الديني لا يمكنه أن يصدر فتوى سياسية من دون الاعتماد على خبراء سياسيين ثقاة ينقلون له الواقع .

بل حتى الخبراء السياسيين لا يمكنهم الإحاطة بكل جوانب العمل السياسي رغم أنهم مختصون به لأن السياسة بحر واسع لا يمكن تغطيته بصورة كاملة من مجموعة صغيرة من الأشخاص مهما كانت خبرتهم في هذا المجال ، لذلك نجد في الدول الكبرى الآلاف من مراكز البحوث يعمل فيها عشرات الآلاف من المختصين والباحثين كي يحيطوا بهذا المجال الواسع ، وبالتالي فإن الفقيه في اعتماده على المختصين يحتاج الى كل فرد يعمل في هذا المجال ويحتاج الى كل مقالة أو بحث أو دراسة أو استطلاع للرأي في القضايا السياسية بل وحتى غير السياسية فالفتوى السياسية لها تأثيرات وتبعات على الوضع العام إذ تؤثر السياسة - وبالتالي الفتوى السياسية - على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بصورة مباشرة ، وبالتالي فالمرجع بحاجة الى منظومة بحثية متكاملة كي يستند عليها في إطلاق فتواه .

بناءً على ما تقدم فإن الفقيه - كما قلنا - يحتاج الى كل عامل أو باحث في مجال السياسة كي يصدر فتواه السياسية بمعنى أن الفقيه لو تمكن من الناحية العملية أن يأخذ بنظر الاعتبار جميع آراء الباحثين والمختصين في السياسة ومتعلقاتها مثل الاقتصاد وغيره لأخذ بها ، وبما أن الأخذ بآراء جميع الباحثين أمر غير ممكن عملياً فإن الأخذ بالقدر المستطاع من هذه الآراء سيعكس صورة واضحة للمرجع كي يصدر فتواه بدقة ، وبالتالي فإن الانتقادات التي توجه لفتوى سياسية معينة أصدرها مرجع ديني ليس بالضرورة أنها موجهة للفقيه أو المرجع الديني الذي أصدر تلك الفتوى ، نعم قد تكون بعض الانتقادات موجهة للمرجع الديني وهي التي تصدر من بعض الخبراء السياسيين ممن يعتقد أن الدين لا مجال له في السياسة ومكانه في المساجد وأن علماء الدين وظيفتهم الإرشاد والنصيحة فقط وفتاواه تكون في العبادات التقليدية وليست في السياسة ، أما إذا صدرت الانتقادات من أشخاص أو جهات تحترم المرجعية الدينية وتعلم أن الراد عليها كالراد على الله وهو بمنزلة الشرك - كما في الحديث - فهذه انتقادات للشق الأول الذي ذكرناه من الفتوى وهو ما يتعلق بالمختصين الخبراء في السياسة الذين يعتمد عليهم المرجع في إصدار الفتوى ، فهؤلاء وإن كانوا ثقاة بالنسبة للفقيه إلا أنهم معرضون للخطأ ومحتمل أنهم غير محيطين بكل الأمور السياسية ، وبالتالي فتوجيه الانتقاد إليهم هو من باب اختلاف وجهات النظر ، وربما تكون وجهة نظر المنتقدين أصوب من وجهة نظر الخبراء الذي يعتمد عليهم المرجع وهذا يفسّر احتياج الفقيه لكل آراء المختصين حتى ممن لا يرى للفقيه دوراً في الحياة السياسية ، أما الرد على العلماء المذموم إذا كان الرد عليهم باعتبارهم يمثلون جهة التشريع وليس الرد على من صوّر الوضع السياسي لهم .

أضف الى ذلك فإن المنتقد هو جزء من المجتمع الذي سيتأثر بالفتوى السياسية للمرجع وبالتالي فإن من واجبه الشرعي قبل أي واجب آخر أن يبين للمرجع أن المبنى السياسي الذي بنى عليه فتواه غير صائب وينبغي أن يأخذ بنظر الاعتبار وجهات النظر الأخرى التي يمكن أن تغير الفتوى أو ربما تلغيها إذا اقتنع المرجع بذلك ، أما إذا لم يقدم المنتقدون انتقاداتهم فإن الصورة عند المرجع الديني ستبقى غير واضحة لأنه اعتمد على خبراء ولم يعترض على ارائهم أحد ، أما إذا انتقد خبراء آخرون الفتوى السياسية انتقاداً لرأي الخبراء الذي اعتمد عليهم الفقيه فإن الأخير قد ينظر بهذه الانتقادات وقد يغير فتواه طبقاً للمتغيرات المطروحة .

 

وعليه فإن من يتصور أن انتقاد الفتاوى السياسية هو انتقاد للمرجعية الدينية وأن هذا الانتقاد بمثابة الرد عليها وهو بمنزلة الشرك فهو خاطئ وقد بينّا السبب ، وما يدعم هذا الرأي أننا لا نجد انتقادات من قبل غير العلماء على الآراء الفقهية العبادية التقليدية مثل الصوم والصلاة لأن المنتقد يعتقد أن هذه صادرة من جهة التشريع التي لا تسمح عقيدتنا بنقاشها وعلى هذا الأساس كان الراد على الفقهاء راد على الله وهو بمنزلة الشرك .

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.