اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

النظام المالي عند المرجعيات الدينية// بهاء النجار

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

النظام المالي عند المرجعيات الدينية

بهاء النجار

 

تُعرف المرجعية الدينية الشيعية بنظام مالي خاص ومستقل عن أي نظام مالي آخر سواء حكومي أو تجاري أو سياسي ، خارجي أم داخلي ، محلي أم إقليمي أم دولي ، وذلك كي تضمن استقلاليتها في اتخاذ القرار بمعزل عن الضغوط السياسية والحكومية والاجتماعية والتجار وغيرها ، وبالتالي تتمكن - أي المرجعية - من إصدار الفتاوى والمواقف خصوصاً السياسية من دون أي تأثير خارجي وبذلك يضمن المشرِّع ما يصدر من مراجع الدين ضمن السياق المرسوم شرعاً .

وأهم مصدر لهذه الإمكانية المالية للمرجعية الدينية هي أموال الخمس طبق الآية (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى? عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ? وَاللَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) (الأنفال / 41) ، وقد أجمع العلماء الشيعة - على الأقل المعاصرون - على أن في الخمس سهمان أحدهما للإمام المهدي عليه السلام والثاني للسادة الفقراء من الهاشميين (من بني هاشم) ، وقد اتفق الفقهاء - بحسب اطلاعي القاصر - على أن يُصرف سهم الإمام المهدي عليه السلام في أمور البر والخير التي تمهّد لظهور الإمام عليه السلام ويكون ذلك حصرياً بإذن الفقيه الجامع للشرائط باعتباره الأعرف بأمور زمانه وفيما يحتاج المجتمع والمؤمنون من أعمال خير لظهور الإمام عليه السلام ، وهذا طبعاً لا يعني أن المصدر المالي الوحيد للمرجعيات الدينية هو الخُمُس وإنما هناك أموال شرعية أخرى تُصرف بإذن الحاكم الشرعي مثل الزكاة وغيرها  .

وفي تقدير أعمال البر والخير الممهدة لظهور الإمام المهدي عليه السلام اختلاف لأن لكل فقيه قناعة ووجهة نظر تختلف عن الفقيه الآخر ، إضافة الى أن هناك محددات شرعية يرى بعض الفقهاء أنها تمنعهم من التصرف بالحقوق الشرعية بينما لا يرى آخرون - من الفقهاء - تلك المحددات فيقوموا بإنجاز مشاريع خيرية ليس على المستوى الضيق مثل العلاج والزواج وغيرها بل تمتد الى أبعد من ذلك لتغطي الجانب الفكري والعقائدي .

والفقهاء يتفاوتون في تقدير أعمال البر والخير الممهدة لظهور الإمام عليه السلام ، ويمكن أن نرى ذلك من خلال الأذن الذي يُعطى للمكلف بصرف الحقوق الشرعية مثل الخمس والزكاة وغيرها ، فيحدد الفقهاء مثلاً نسبة معينة من الحقوق الشرعية ليتصرف بها المكلف بحسب تماسّه بالواقع باعتبار أن الفقيه والمرجع الديني لا يمكنه أن يتصل بكل الناس فرداً فرداً لأن هذه العملية شبه المستحيلة إن لم تكن كذلك ، ومن جانب آخر يريد المرجع أن يربي الناس على الإنفاق وتحمل مسؤولية إصلاح المجتمع وأفراده وحل مشاكلهم من خلال تقديم المعونات المالية إليهم ففي هذا تزكية للنفس ، هذا فضلاً عن أن دفع هذه النسبة من الحقوق الشرعية ستطمئن المكلف بأنها من مخصصة للأعمال الخيرية وليس المصاريف الخاصة للمرجع أو لعائلته ومكتبه وحاشيته و .......... لا سمح الله .

وهذه النسبة تختلف من مرجع الى آخر بحسب رؤيته وتقديره للواقع ، فمنهم من يعطي الإذن بصرف كل الحقوق الشرعية الى الفقراء والمساكين والمحتاجين لأن المجتمع الإسلامي - وخصوصاً العراقي - يعاني من نسبة عالية في الفقر ، ويسمح المرجع من خلال هذا الإذن للمكلف بأن يصرف حقوقه الشرعية في منطقته وبلده ، فمثلاً ينفق المكلفون العراقيون حقوقهم الشرعية على الفقراء والمساكين والمحتاجين في العراق والإيرانيون على الفقراء والمساكين والمحتاجين في إيران والسعوديون على الفقراء والمساكين والمحتاجين في السعودية والكويتيون على الفقراء والمساكين والمحتاجين في الكويت والبحرينيون على الفقراء والمساكين والمحتاجين في البحرين وهكذا ، وهذا الإذن ناتج طبعاً عن قناعة ذلك المرجع بأن نسبة الفقر العالية تحتاج الى مثل هذا الإذن وأن معالجة الفقر تعتبر من أولويات هذا الفقيه ومن دون القضاء عليه لا يمكن أن نمهّد لظهور الإمام عليه السلام تمهيداً مثالياً .

ومن المراجع من له رؤية مختلفة بحسب تقييمه للواقع ، فمثلاً يأذن بصرف نسبة معينة من الحقوق الشرعية ( مثلاً الثلث ) على الفقراء والمساكين والمحتاجين لسد نسبة من الفقر في المجتمع ، أما باقي النسبة فتصرف في أعمال بر أخرى ضرورية لا تقل أهمية عن سد الفقر في المجتمع مثل نشر الوعي الإسلامي والأخلاق الإسلامية ، لأن الفقر إذا قضي عليه بدون تغذيته بوعي وثقافة إسلامية ودينية سينقلب على المجتمع وبالاً ، لأن الفقر ممكن أن يكون عاملاً مهماً بالارتباط بالله سبحانه وتعالى لأن الفقير يشعر بحاجته الى الخالق جل وعلا ، أما إذا استغنى ورفع الفقر المادي من دون رفع الفقر الفكري سيبتعد عن الله لأنه يتصور أنه انتفت الحاجة للرجوع

لى الله جلّت قدرته .

بل إن تغذية المجتمع بالفكر الإسلامي الصحيح يمكن أن ينسي الفقير فقره وقد يستشعر لذة بفقره لأنه يرتبط بالواحد الأحد من خلاله ، كما أن الفقر مسألة نسبية الى حد ما فقد يرى البعض أنفسهم فقراء وهم أغنياء مكتفين من الناحية المادية بينما يرى آخرون أنهم أغنياء رغم فقرهم فـ( القناعة كنز لا يفنى ) ، والفرق بين الاثنين أن القسم الأول غير قنوع برزقه فيرى نفسه فقيراً بينما القسم الثاني بسبب قناعته لا يرى للفقر وجوداً ، وقد عبّر القرآن عن ذلك بـ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) أي أن الجاهل بحالهم يتصور الفقراء متعففين أغنياء بسبب قناعتهم التي تولدت نتيجة إيمانهم بالله سبحانه وتعالى ، وما يشجع الصنف الأول على قناعتهم هو التعريف الفقهي للفقير ، فالفقير شرعاً هو من لا يمكلك قوت سنته قوة ولا فعلاً ، بمعنى أن هناك أشخاصاً بنظر العرف أغنياء إلا أنهم شرعاً فقراء وبالتالي سوف يبررون قناعتهم بأنهم فقراء رغم غناهم إذا ما قيسوا بأقرانهم في المجتمع  .

 

تُقسّم الأمور حسب أولوياتها الى (عاجل) و (مهم) فقد يكون العاجل غير مهم وقد يكون المهم غير عاجل ، وهناك أمور مهمة وعاجلة وفي الطرف النقيض هناك أمور غير مهمة وغير عاجلة ، فالقضاء على الفقر ليس مهماً لذاته وإنما لنتائجه المهمة أو تأتي أهميته للقضاء على النتائج السلبية للفقر ، فلو لم يكن للفقر نتائج سلبية - وهذا ما يمكن تحقيقه برفع المستوى الديني للفقر - لما كان علاج الفقر مهماً  ، بينما رفع الوعي الديني فهو عاجل ومهم لأننا بدون هذا الوعي لا فائدة من القضاء على الفقر وغيره من الأمراض المجتمعية ، وربما يرى بعض الفقهاء أن رفع الوعي الديني مهم ولكن غير عاجل لذلك قدّم (رفع الفقر) على (رفع الوعي الديني)  .

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.