مقالات وآراء

ما زال القاتل الاقتصادي واصدقاؤه يعملون وبنشاط// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ما زال القاتل الاقتصادي واصدقاؤه يعملون وبنشاط

سعد السعيدي

 

هذه هي المقالة الثانية حول القاتل الاقتصادي. وهو ذاك الذي تتلخص مهمته في تدمير الاقتصادات ودفع البلدان نحو الاستدانة وذلك تمهيدا لابتزازها لاحقا من قبل قوى دولية.. نذكّر بأن القاتل الاقتصادي هو عنوان لفلم امده ساعة يتحدث المقدم فيه بالتفصيل عن الطرق التي يتبعها هؤلاء في دفع البلدان نحو المديونية. في العراق يوجد لدينا احد هؤلاء : انه ذاك الذي يحتل موقع رئاسة الحكومة.

 

في مقالتنا الاولى المعنونة (هل تطوع العبادي للعب دور القاتل الاقتصادي) اثرنا بضعة من الامور التي يعمل بها القاتل الاقتصادي في بلدنا مما توفر لنا وقتها من امثلة واقعة. فابتدأنا بذكر احد اسباب استشراء الازمة المالية الذي كان تعمد بناء اساس الموازنة المالية لتتضارب مع اوجه الصرف المعتمدة. ثم تعمد الحكومة بمعية مجلس النواب تكرار هذا التصرف لسنتين متتاليتين بشكل لا يدل إلا على الاصرار على خنق الاقتصاد وتدميره. بعدها ذكرنا امثلة للطرق المتبعة المتعلقة بقطع الموارد عن خزينة الدولة وإضاعة اية اموال تكون بمعيتها وذلك لدفعها نحو الافلاس التام. وفي النهاية ذكرنا النتيجة النهائية المذكورة في بداية المقالة والتي يهدف اليها القاتل الاقتصادي.

 

لقد انجلت امور كثيرة منذ ان نشرنا مقالتنا الاولى العام الماضي. إذ قام الاعلام - وإن بخجل شديد - بكشف بعض الامور الخافية مما لم يكن يقوم به سابقا. فتوضح لنا بعض ما كان يدور في مجلس النواب حول مواضيع الحسابات الختامية المغيبة والهاتف النقال التي اثرناها كمثال في مقالتنا تلك. وهو تطور جيد وإن كان غير كامل كونه لم يتوسع الى اشكال الفساد الاخرى في الدولة.

 

فقط في موضوع هذه الحسابات اطلعنا على ارقام مخيفة تدلل على مدى الاستهتار الحكومي والنيابي في التحري حول التفنن في سرقة الاموال العامة. فقد قام مجلس النواب (مشكوراً!!) بمراجعة الحسابات هذه لجميع السنوات ال 12 الماضية. فذكر النائب مسعود حيدر عن اللجنة المالية في مقابلة له (برنامج عشرة دعش بتاريخ 15 آذار 2016 ، لكن نشر بتاريخ 7 تشرين الثاني 2016 الجاري) ، عن ان لجنته قد عثرت على 140 مليار دينار (117 مليون دولار) مركونة في امانات لوزارة الكهرباء. كذلك فقد ذكر رقما آخر وهو 10 مليار دولار ايضا مركونة في الامانات في الوزارات !! ولم يرد التوضيح لمقدم البرنامج عما تكون هذه الامانات على الرغم من الحاح الاخير. هذا عدا عن المبالغ "الضائعة" والتي لم يجدوا لها اثرا من مثل مبلغ 50 ترليون دينار عراقي (42 مليار دولار).. ضائع بين عامي 2005 و 2007 ، او حتى 100 مليار دولار امريكي اخرى "مختفية" من 2004 حتى 2014 ... فقط لا غير !!! ولم يرد الافصاح عما كانوا ينوون القيام به في البرلمان وقتها ولا عن سبب تقاعسهم في المالية النيابية (التي كان رئيسها الاسبق القاتل الاقتصادي الحالي) عن النظر في امر هذه الحسابات لكل تلك السنوات حتى نشرنا لمقالتنا الاولى العام الماضي. ولم نسمع اي رد فعل من القاتل الاقتصادي اياه مما يشير الى ان التمثيلية توقفت فقط عند حدود هذا البرنامج. وفي مشروع قانون موازنة العام 2017 لم نرى من ذكر لمبالغ الامانات هذه التي كان يستوجب استرجاعها بعد القراءة الاولى على مشروع القانون والتي لا نعرف كيف جرت المناقشات حوله حتى بعد مرور سنة تقريبا على الاكتشاف النيابي اعلاه. مجموع الاموال المركونة هذه التي يمكن استردادها هو اكثر من 10 مليار دولار !

 

نقطة ليست في صالح النائب مسعود حيدر. فقد تناسى الكلام عن الديون التي بذمة إقليم كردستان للحكومة الاتحادية منذ 2005 ولنهاية 2014 فقط والتي مقدارها 36 مليار دولار (التي ذكرناها في مقالتنا الاولى قبل مقابلته في البرنامج اعلاه) ، وهي ما تزيد عن المبالغ المخصصة سنوياً للاقليم بثلاث مرات. وهذا المبلغ يمثل مجموع ما صرف للإقليم من قبل الوزارات زيادة عن حصته المقررة في الموازنة وهي ايضا حسابات ختامية. وهذا عدا عن اموال النفط المسروق من حقول كركوك التي استولى عليها الاقليم بعد حزيران 2014 وهو ما يجري التستر عليه. والصمت عن ايقاف الحكومة للملاحقات القضائية بحقه لسرقته للنفط وبحق تركيا التي تسهل مرور هذا النفط المسروق من خلال اراضيها. فكل هذا هو تضييع لموارد الدولة والسكوت عليها هو تشجيع لهذه السرقات وبالتالي الامعان في استنزاف مالية البلد.

 

في ما يتعلق ما بذمة شركات الهاتف النقال من ديون للحكومة ذكرنا في مقالتنا الاولى بانها تقدر بأكثر من مليار و400 مليون دولار ، وإن ديون شركة كورك العائدة للبارزاني وحدها تبلغ 375 مليون دولار ، وهي اخبار لما قبل السنتين. اما الآن فقد وصلت هذه الديون الى 4 مليارات دولار حسب عضو القانونية النيابية حسن الشمري. لم يجر فرض عقوبات مالية على كل هذه الشركات سابقا او لاحقا عن مخالفاتها المتكررة ولم تجر جباية ايا من الضرائب على الارباح التي تحولت الى ديون متراكمة. وما زالت الحكومة تتناسى المطالبة بها لكن تريد اللجوء الى الخصخصة بحجة العجز المالي ! في هذا الموضوع لم يرد مجلس النواب تجاوز مرحلة التمثيليات علما بأن من واجباته التأكد من ان الدولة تحتوي على المال الكافي لدفع الرواتب وإدارة شركاتها وخدمة البلد ولن تقترب بأي حال من العجز المالي ولن تضطر بالنتيجة للجوء الى الاستدانة. إلا انه اختار سلوك طريق القاتل إياه في تناسي الموضوع لكن مع فرق اللجوء الى بعض المسرحيات بين آونة واخرى. مجموع هذه الاموال التي يمكن استردادها هو 4 مليارات دولار.

 

فيما يتعلق بالوزارات الاخرى كشفت العضو الآخر في المالية النيابية ماجدة التميمي عن فضيحة مجلجلة في وزارة التخطيط. فقد ذكرت بأنها قد انفقت اكثر من 92 مليار دينار عراقي من موازنة عام 2015 لتنفيذ مشاريع بمناطق يحتلها داعش في نينوى والانبار وتشهد عمليات عسكرية !! حقيقة نعجز عن وصف هذا التفنن في السرقة. فهل ذهبت اموال هذه المشاريع الوهمية الى جيب الوزير ام لتمويل الدواعش ؟ فقدان هذه الاموال بهذا الشكل يجب ان يحاسب عليه الوزير ورئيس الحكومة. فمبالغ الصرفيات والجهات المستفيدة تناقش كلها في اجتماعات مجلس الوزراء ، وتوثق في محاضر يوقع عليها الجميع. لذلك لا يمكن ان يكون رئيس الحكومة جاهلا بها.

 

وهذا عدا عن المقالات السابقة التي نشرناها حول تصرفات السارق وزير الكهرباء في تعمده إهمال جباية اجور الكهرباء للسنوات السابقة وفي إنشاء شركات الجباية الوهمية لمناطق زيونة في بغداد. وهو بسرقاته تسبب بعجز مالي في وزارته ادى الى شللها بحيث اضطر الدولة الى شراء الكهرباء من دول الجوار !!! وهذا يعتبر نجاح باهر في خنق مالية الدولة خصوصا إذا وضعنا جنبها نكتة الامانات المنسية المذكورة اعلاه. تصرفات هذا السارق تحظى بدعم من القاتل الاقتصادي حيث يجلسان سوية في لجنة الطاقة الوزارية التي تنظر في امور الكهرباء والنفط (التي كتبنا عنها وعن فسادها وعن التشريعات غير القانونية فيها والنواب المتواطئين معها) !!!

 

لن نأتي على ذكر كل الوزارات الاخرى. فوزراء النقل السابقين مثلا قد تعمدوا جميعا تدمير النقل البري والجوي والبحري خدمة للشركات الخاصة. اي ان موارد الدولة التي صرفت على هذه الوزارة تذهب الى جيوب اصدقاء اؤلئك. وإن طبقنا سوابق إهمال جباية الضرائب والغرامات التي تتقنها حكومة القاتل الاقتصادي ، نكون مرة اخرى عند اعتاب تدمير الاقتصاد الوطني. ولن نذكر السرقات الاخرى التي يأتي ذكرها لماما في طرق النهب في الكمارك مثلا. فموارد هذه من المليارات تذهب الى جيوب المفسدين الذين لابد ان جزءا منها يفيد اعضاء في مجلس النواب نفسه.

 

توضح لنا موازنة العام 2017 التي تجري مناقشتها حاليا الكثير من الامور. فهي تبين لنا مثلا مقدار مصداقية مجلس النواب ومصداقية الحكومة كذلك. إذ نرى فيها مذكورا مجموع القروض الدولية التي حصلت عليها الحكومة في هذه السنة المنصرمة لسد العجز البالغ اكثر من 18 مليار دولار المذكور بالدينار في الميزانية. وهي قروض مصدرها البنك الدولي وجهات مصرفية ودولية كثيرة. بجانب هذه القروض المذكورة نرى في موازاة ذلك في الموازنة غياب تام لكل ذكر لمبالغ الحسابات الختامية التي لا ندري ما الذي جرى حولها. وموارد الهاتف النقال والكمارك كذلك حيث جرى الاكتفاء بالاشارة لها بجمل تشير الى "الجهد" الذي بذل في سبيل استردادها. فالحسابات الختامية اتى ذكرها بشكل مقتضب من ضمن المادة 9 \ رابعا بشكل يشير الى انها اهملت بعدما اعلن عن جزء منها ولم يجر العمل على استرداد اي منها من قبل المجلس مطلقا. وديون شركات الهاتف النقال في المادة 21 \ ثانيا واضح منها الى انها لم ولن تجبى ويجري نسيانها. اما الكهرباء فأشير لها بالمادة 22 اللاحقة بجملة تمثل قمة المهازل والاستخفاف. فالفقرة تطلب الى الوزارات والهيئات ذات العلاقة "بتفعيل جباية الكهرباء والهاتف والماء والمجاري". وهي مما لا يحتاج الى تعليق ! ولم نجد اي ذكر لواردات الكمارك. وفقط للاشارة الى تأثير هذه الاموال على الميزانية نذكر بأن جل عجز الميزانية سيختفي إن جرى احتساب مجموع الاموال الممكن استردادها البالغة اكثر من 14 مليار دولار مما ذكرناه اعلاه !! وإن احتسبنا اية اموال اخرى يمكن استردادها رأسا مما لزم مجلس النواب الصمت حولها وتقاعس عن ملاحقتها نكون قد قضينا على كامل العجز ! وقطعا ستتوفر ايضا الاموال اللازمة للاستثمار الحكومي في البنية التحتية وباقي المشاريع المختلفة. لكن هل سنرى تحقيق مثل هذا الكلام ام هو الاستمرار في إضاعة وتشتيت موارد البلد واستمرار التغطية على سرقات الوزراء واصدقائهم ؟

 

لا حاجة لنا للكلام اكثر. فرئيس الحكومة الحالي هو من يقوم بإضاعة اموال وموارد البلد بالتواطؤ مع المفسدين من وزرائه وهو ما اثبتته الاستجوابات التي اجريت لنفَرَين اثنين منهم فقط. وحكومته هي حكومة السراق والمفسدين وجهات التغطية على هؤلاء من الذين مهمتهم تدمير الاقتصاد ودفع الدولة نحو الاستدانة خدمة لاجندات دولية. وهو ما نراه في المديونية المتحققة ونتائجها من تدخلات دولية.

 

لكن السؤال الاهم هو هل اثبت مجلس النواب مصداقيته في كونه جهة رقابية ، ام ان له هو ايضا اجندات خافية ليكون بذلك قاتل اقتصادي آخر يعمل بنشاط بجانب رئيس الحكومة القاتل الاقتصادي الرئيسي ؟ الجواب مما نراه هنا هو لا...