اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

عندما يُغيّرُ الطريقُ العالَمَ// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عندما يُغيّرُ الطريقُ العالَمَ

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

يتغيَّرَ العالَمُ ولا نَعلَمْ. في 19 يوليو 2015 استقبل ميناء روتردام في هولندا أول قطار يحمل حاويات شحن من الصين عبر حدود روسيا، وبيلاروسيا، وبولندا، وألمانيا، رحلة 11 ألف كيلومتر كانت تستغرق 60 يوماً بحراً قطعها القطار في 14 يوماً. وهذه أولى خطوات، وليس أهم خطوات، مشروع «طريق الحرير الجديد»، الذي سيربط نحو 70% من سكان العالم، الذين ينتجون نصف إجمالي المنتوج العالمي، ويملكون ثلاثة أرباع احتياطيات الطاقة العالمية، وبالمقارنة مع الشحن الجوي والبحري يفوز القطار، ليس لأسعاره المتهاودة فحسب، بل لأن «طريق الحرير الجديد» ينشئ مشاريع عمرانية وتجارية واقتصادية وثقافية في 60 دولة.

 

الباحثة الأكاديمية الألمانية «هيلغا لاروش»، وهي من أشهر الإخصائيين في «طريق الحرير الجديد»، ذكرت في تقرير نشرته مجلة «الاستخبارات» EIR، أن «الرئيس الصيني وضع خلال زيارته العام الماضي للسعودية ومصر وإيران، أسس دخول المنطقة في «طريق الحرير الجديد»، والذي يمهد لإنهاء النزاعات بين الشيعة والسنة. وحسابات الصين التي ضَخّت تريليون دولار في المشروع، اقتصادية استراتيجية وجيوسياسية، فهي تسعى لإنشاء «نطاق صحي» للاستقرار الأوروآسيوي، ويؤمن قادتها بأنه الأساس الوحيد لرفاه بلدان «طريق الحرير». والمشروع، الذي تُسميه الصين «الطريق والحزام»، شبكة جغرافية عملاقة تمتد براً عبر آسيا الوسطى وباكستان وتركيا والوحدة الأوروبية، وبحراً عبر المحيط الهندي والخليج العربي وأفريقيا والبحر المتوسط وأوروبا، والهياكل الارتكازية التي يقيمها تحقق الازدهار للطبقات الوسطى، و66% من أفرادها سيعيشون في الصين عام 2030، حسب «الفاينانشيال تايمز».

 

وعندما يتغير العالم في الصين يتغير العالم، «فصعود الصين ليس مجرد صعود بلد آخر، بل صعود خُمس سكان الأرض»، يُذّكرنا بذلك الباحث الصيني «تجانغ ويوي» في كتابه «موجة الصين»، الذي يتضمن المعلومات التالية: سرعة تراكم ثروات الصين خلال ثلاثة العقود الماضية لا مثيل لها في التاريخ، وذلك ليس عن طريق حروب النهب التي قامت بها الدول الاستعمارية عبر أكثر من قرنين، وسقط فيها ملايين القتلى، كثير منهم صينيون، فالصين التي بدأت عام 1949 من الصفر، فاق «إجمالي إنتاجها المحلي» إنتاجَ اليابانَ عام 2010، وفيما كان «إجمالي إنتاج» بريطانيا ضعفي الصين عام 1997 أصبح ثلثه. ويعادل «إجمالي» الصين حالياً نحو سبعة أضعاف بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ مجتمعة، ويتوقع أن يتجاوز الولايات المتحدة عام 2020، وفي عام 2040 سيبلغ «إجمالي إنتاج الصين المحلي» 123 تريليون دولار، ويعادل هذا 40% من المجموع العالمي، فيما تنخفض نسبة إجمالي المنتوج الأميركي إلى 14%.

 

و«طريق الحرير» حرير السياسة الصينية الناعمة، فهذا الطريق الذي مهدّته قوافل تجارة العرب والمسلمين عبر التاريخ، وشهد صعود وسقوط الدول والإمبراطوريات، بَعَثته «سكة حديد برلين بغداد» مطلع القرن الماضي، وكان ذلك من أهم أسباب الحرب العالمية الأولى، التي فتكت بحياة الملايين وشرّدتهم عبر العالم. عمَّتي «منيرة» هربت مع أطفالها وزوجها «خِضر»، مهندس «سكة حديد برلين بغداد»، إلى تركيا، وسرعان ما توفيت العمة، وتوفي زوجها، فوضعت السلطات التركية أولادهما الثلاثة في «الميتم»، وأخفقت في استعادتهم المحاولات المستميتة للأسرة، وكان معظم رجالها آنذاك أسرى حرب. وفي يونيو عام 1996 التقيتُهم مصادفة لحظة دخولنا سوية الفندق في إسطنبول، حيث كنتُ أغطي «قمة المستوطنات البشرية» HABITAT، وكانوا هم يحتفلون باللقاء السنوي للعائلة، وكما في المسلسلات التركية بكت نساؤهم، وهُنّ يروين كيف أصبح الأشقاء اليتامى الثلاثة مهندسين مرموقين، وأنشؤوا مجموعة شركات للإنشاءات، تحمل اسم أبيهم «خِضر أوغلو»، ويعني «ولد خضر»، وأجهشتُ دون دموع على «سكة حديد برلين بغداد».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.