اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

سيطرات ...!// بهنام شابا شمني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 

سيطرات ...!

بهنام شابا شمني

 

(سيطرة).. وهو المصطلح الذي يطلقه العراقيون على نقاط التفتيش التي تقام في الطرق الرئيسية وفي مداخل المدن ومخارجها بغية السيطرة على أمن البلاد وابعاد الخطر عن مواطنيه. هذا ما هو متعارف عليه في كل دول العالم، وربما تقتصر نقاط التفتيش هذه في البلدان التي تشهد استقرارا أمنيا عاليا على الحدود الخارجية للبلاد فقط، ولكن الصورة تختلف في العراق الذي اصبح الأمن فيه حلما يراود أهله، فتوسعت لتشمل نقاط التفتيش هذه حتى الطرق الداخلية والاحياء السكنية والطرق المؤدية الى المراكز والمؤسسات المهمة وغير المهمة ودور العبادة وملحقاتها وسكن المسؤولين واشباه المسؤولين ومقرات الاحزاب، بل باتت نقطة السيطرة والحواجز الكونكريتية اشارة مهمة لوجود مسؤول او شخص مهم في هذا المكان، بل الاكثر من ذلك أصبحت اقامة نقطة التفتيش ووضع الحواجز الكونكريتية اشارة مهمة على قوة ذلك الشخص او الحزب وما الى ذلك التي لا تتمكن كل اجهزة الدولة الامنية من المساس بها او محاولة رفعها، وتقاس قوة الشخص المسؤول او الحزب بعدد سيطراته وحماياته والرجال المحيطين به.

وبالرغم من كل هذا العدد الهائل من نقاط التفتيش الا ان الارهاب والخروقات الامنية لا زالت تفتك بارواح المواطنين الابرياء مما يدل دلالة واضحة على ان كل هذه السيطرات ما هي الا استعراض للقوة امام المواطن البسيط فقط ولا تمتلك ابسط مقومات العمل الامني في مهمتها، ناهيك عن الخروقات التي تشهدها مؤسسات البلد الامنية، هذا اذا ما استثنينا نقاط التفتيش المقامة ضمن وعلى حدود اقليم كوردستان. هذا بالاضافة الى ما تسببه هذه السيطرات من هدر في وقت المواطن وتأثير على صحته واستهلاك لالياته (وسائط النقل) بسبب الانتظار أمامها لاوقات طويلة.   

سنحت لنا الفرصة لزيارة برطلة المحررة. تطلب منّا الوصول اليها من منطقة سكننا كمهجرين في اربيل من الوقت ساعتان ونصف، قضينا أكثر من نصفها في الانتظار في السيطرات. تفتيش دقيق لكل المتوجهين نحو المناطق المحررة، تختلط سيارات المدنيين مع السيارات العسكرية وسيارات الشحن الكبيرة، صفين وثلاثة من السيارات تنتظر دورها للمرور من السيطرة. يتكرر المشهد لاكثر من ثلاث واربع مرات لتعدد السيطرات. وفي كل مرة تُتخذ نفس الاجراءات دون زيادة أو نقصان تقدم بطيء نحو الامام دون أن تضمن لنفسك المرور لان هذا يعتمد على مزاجية العنصر الامني الذي يلعب دورا مهما في ذلك، ولكن ما يثير انتباهك بين الحين والاخر وانت تنتظر دورك في الطابور الطويل، مرور سيارت بسرعة على جانبيك من اليمين واليسار غير ملتزمة بدورها في المرور كباقي السيارات الاخرى. هي سيارات لا تختلف عن سيارتك، لا تحمل علامة تميزها ولوحاتها كما هي للبقية، ولا هي أفخم من سيارتنا، راكبوها أناس محليون رؤوسهم ليست شقراء. ومع ذلك فهي لا تلتزم لا بالدور ولا بالنظام.

المشكلة هنا في العراق هناك قاعدة تقول كلما كنت ملتزما بالنظام تكون من الخاسرين. اخترنا المجازفة واتخذنا الطريق خلف تلك السيارات، فعلى الصياح من المسؤولين في السيطرة، البنادق ترتفع نحو الاعلى، أصوات الضرب براحات اليد على السيارة من كل الجهات، توقفنا في مكاننا وتوقف النَفَسُ فينا. يتقدم شخص من الواقفين نحو السيارة، يُدخل برأسه فيها، يتفحص ركابها، أخرجنا له كل الوثائق التي نحملها وبجميع اللغات علّها تشفع فينا، لكنها لم تنفع. ثم علت الابتسامة وجه المتحدث وهو يحدق في الصليب المعلق في مرآة السيارة الداخلية ناطقا (مسيحي)؟ نعم. سلمنا الوثائق مع اشارة المرور دون أن يقول شيئا. عندها شعرت بالافتخار لانني علمت حينها انني الوحيد الذي لازلت ارفع غصن الزيتون في هذا الوطن، ولا زلت الوحيد الذي يمثل عنوان السلام فيه. في زمن بات الامن والسلام عملتان نادرتان. الانسان يفتك باخيه الانسان، انعدمت الثقة بينهما. لكن لا زلنا نحن المسيحيين نمثل صورة السلام والامان، حتى تركت أثرا في نفوس من يشاركوننا في هذا الوطن. نفس الصورة تتكرر عند الجهة الاخرى من الساتر الفاصل بين القوتين العسكريتين.

المجازفة أفلحت هذه المرة ولكن ربما لن تنفع في المرات القادمة. ولكن السؤال الى متى تبقى السيطرات ترافقنا في حياتنا حتى أصبحت ظاهرة بل جزءا من تاريخنا. منذ ثمانينيات القرن الماضي هذا ما سنح لعمرنا أن نراه ونحن نتعرض للتفتيش في السيطرات، أوقات طويلة قضياناها في الانتظار أمامها، وكم من مرة تعرضنا فيها للتهديد والتعنيف والاهانة وأحيانا الحجز. ومزاجية المفتش كانت تلعب دورها في الكثير من الاوقات.

لم تقف السيطرات في العراق عند الرسمية فقط فالوضع الامني الغير المستقر في هذا البلد سنح لكل شخص أن يفرض قانونه الخاص وينصب سيطرة وقت ما شاء ومكان ما شاء، إما لخلخلة الامن أوللانتقام أو الابتزاز أو التسليب وخصوصا على الطرق الخارجية. وفي هذه الاخيرة قصص كثيرة منها التي رواها لي زميل جنوبي من ناحية الهوير في اهوار الناصرية في جنوب العراق أيام العسكرية وقت الحرب العراقية الايرانية.

يقول زميلي. وصل عمي من سفرة له الى بغداد، أطلّ علينا ومعالم وجهه متغيرة، شفتين متورمتين تكاد تُخفي معالم فمه. خُيّل لنا أن حادثا مروريا قد تعرض له خلال الطريق، لكن الامر لم يكن كذلك بل تعرض والمسافرين الذين معه الى عملية تسليب من قبل عصابة نصبت سيطرة على الطريق ما بين بغداد والناصرية. يقول والحديث لزميلي نقلا عن عمه. صعد أفراد من العصابة الى الباص (المنشأة) بينما انتشر الباقون حول السيارة يراقبون الطريق. وقف قائد المجموعة في مقدمة السيارة مؤشرا الى سيدة هي الوحيدة في الباص تجلس خلف السائق ومناديا على الجميع. نحن سنختطف هذه السيدة من منكم يدّعي الرجولة ليأتي وينقذها، يقول عمه إن كانت مقاعد الباص قد تكلمت فلم ينطق أحدٌ من الرجال ببنت شفة. ظل ينادي الشخص ولا جواب يأتي من الركاب وجميعهم من الرجال. بعد حين قرر المسلح العفو عن المرأة لان هذه ليست من شيمه بحسب قوله، وليسوا هم الا مسلحون يبحثون عن المال فقط. بينما كان هذا اختبار للركاب وقد فشلوا فيه وعليه فهم يستحقون العقوبة مع تسليم كل ما بحوزتهم من أموال. وكانت العقوبة أن تقوم المرأة بالضرب بكعب حذائها ثلاث مرات وبقوة على فم الراكب، وكلما كان المسلح لا يقتنع بالضربة تعيد الكرة عدة مرات. فكانت هذه قصة تورم شفتي عم زميلي.

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.