اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الشيعة في العراق يبحثون عن مصادر هويتهم خارج التأثير العربي والايراني// أ. د. عبد علي سفيح

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 الشيعة في العراق يبحثون عن مصادر هويتهم خارج التأثير العربي والايراني

أ. د. عبد علي سفيح

بروفيسور.. مستشار وباحث لوزارة التربية والتعليم الفرنسية

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

فكرة هذا البحث جاءت نتيجة حوار استمر لعدة أيام متتالية بيني وبين فلاح شمسة ومشاركة بسيطة من ثلاث زملاء آخرين (1) حول فكرة  ٌ العراقيون هم من أبدع شعوب العالم بالعمل الفردي ، الا أنهم من أصعب شعوب العالم بالعمل الجماعي ً. هذا الحوار تم على موقع الجامعيون على الهاتف النقال ، والذي هو عبارة عن جمع من أساتذة الجامعات العراقية في الداخل والخارج، وخاصة من جامعة الكوفة، والتي تضم قامات علمية مرموقة في كافة الاختصاصات . الهدف من وراء هذا التجمع هو توثيق القيم الجامعية والارتقاء بها والمشاركة بتعديل المسارات التي اعوجت في الجامعات خلال الحقب الماضية(2). ألتف حشد من خيار الأساتذة في الداخل والخارج وما يقارب 90 أستاذا وباحثا وتشرفت أن أكون واحدا منهم. وضع المؤسسون لهذا الجمع شروطا للنشر (3)، ولكن مرارا نبهوا بأدب وتلطف وبالصبر في كثير من الأحيان على احترام والالتزام بالأهداف التي شكل من أجلها هذا التجمع، لأنه كثر الحديث عن مواضيع خارجة عن المألوف، وكذلك ما ينشر من بوسترات أو كوبي بيست وكثير منها خارج اهتمام التعليم العالي ، اضافة الى نشرات التهاني والتبريكات والدعوات والصلوات والجمعة المباركة. من خلال هذا الحوار والنقاش البسيط تكونت لدي جملة ملاحظات أولوية تستحق البحث فيها، لذا اخترت هذا التجمع كعينة بحثية متجانسة من ناحية الانتماء المذهبي والمناطقي والمستوى الثقافي والطبقي. مثل هذه العينة تكون جيدة ومثالية للبحث العلمي. لماذ هذا التجانس الكبير في العينة، يقابله تباين كبير في الخطاب والرؤى؟. وعندما فحصت الخطاب أو ماينشر، وجدت أن معظمهم يعثر على شيئ سواء مقال أو فيديو ثم يقوم بنشره لأجل المشاركة وليس لأجل الحوار. يعثر ويشارك بدون حوار. عينة متجانسة مع قواسم مشتركة بالرغم من تباين الخطاب. اذن هذا التباين الشكلي غير الحقيقي يخفي من وراءه رسالة يجب فك رموزها. هذا التباين يعبر عن شيئ أيضا مشترك مع الجميع وهو المعاناة. وسبب هذه المعاناة هو اليأس من البحث عن شيئ يفقده العراقيون. وهذا الشيئ هو الهوية العراقية الأصيلة التي لا يحدها الدين و لا اللغة و لا العنصر و لا المنطقة. العراقيون يظهرون في خطابهم الدين والقومية والمناطقية وجمال اللغة، الا أنهم غير قادرين على اظهار هويتهم الحقيقية. من هنا تأتي معاناتهم وقلة أو عدم رغبتهم في الحوار. لأن الحوار لا يتم بشكل صحيح عندما تكون مرجعيته دينية أو لغوية أو قومية أو مناطقية. لذا يفضل العراقي العزف عن الحوار لأنه يعلم مسبقا عدم جديته. ولد من هذا المشوار القصير فكرة البحث عن مصادر الهوية العراقية.

  

البحث في هذا العنوان قد يجيب على أسئلة كثيرة ومحيرة بل ومعقدة فيما يخص العراق والعراقيين بصورة عامة وشيعة العراق بصورة خاصة. ليس هو بحث تفصيلي بقدر ما هو بحث في الأساسيات خارجة عن المساحة الدينية والسياسية. هذه الورقة قد تؤدي الى فتح أبواب الى بحوث تفصيلية في ما يخص علم الأجتماع وعلم النفس. يجب أن أبين ما أقصده بالشيعة وبالعراق حتى أكون واضحا فيما أقصد به حتى تتوضح الفكرة التي أريد أن أوصلها للقارئ الكريم.

  

الشيعة، لم أقصد هنا مفهوم الشيعة من الناحية اللغوية، أو الحركات الشيعية التي وجدت في العراق وخاصة الفرات الأوسط. وكذلك لا أقصد ظاهرة التشيع لعلي بن أبي طالب. وليست الروح الهاشمية والعلوية وحب أهل البيت في العراق. الشيعة هنا من الناحية الاصطلاحية، هم مجموعة من الشرائح الاجتماعية في العراق والتي تتبنى رؤية دينية وفكرية وعقائدية خاصة بها بغض النظر عن قوميتهم أو لغتهم . شيعة العراق اليوم هم الأكثرية السكانية في العراق.

 

أما ما أقصده بالعراق، فهو بلاد الرافدين، ناتج ثقافي أكثر من حربي. أي هويته ثقافية وليست دينية أو عرقية أو لغوية. الدين والعرق واللغة ماهي الا وجودات داخل هذه الهوية المتكونة نتيجة الجغرافية. يتميز العراق بوجود نهرين وروافد كلها تنبع من خارج العراق الا أنها تصب جميعها وتلتقي في العراق. مثلما تحمل هذه الأنهار والروافد معها الطين والغرين والبضائع التجارية على ظهر السفن والبواخر، أيضا تحمل معها ثقافات متعددة وعقائد مختلفة ، كلها تصب في حوض العراق. الدليل هو تفرد العراقيون عن سائر الشعوب والأقوام المجاورة بتمسكهم بأشياء من الماضي البعيد والقريب.وسببه، أن العراق بلد تلتقي وتصب فيه ثقافات مختلفة لأن العراق عبر الزمن بلد غني وذو ازدهار حضاري بلغ أوجهه في العصر البابلي والسومري والأكدي والعباسي. هذا الازدهار الحضاري ولد ثقة لدى العراقيين آنذاك بأنفسهم وبلغتهم ففتحوا الأبواب لكل شيئ غريب يدل على معنى جديد ولم يرفضوه. وجملة واحدة تفسر مما تقدم . في العامية يقول العراقي، أكو طوز هوايا فوك الجرباية. أكو سومرية تعني موجود. طوز تركية تعني غبار. هوايا مغولية تعني كثير. فوك عربية تعني فوق. الجرباية فارسية تعني السرير. أكو ماكو سومرية وبربوك أكدية. الهريسة والكليجة واللوزينة والشربت والجلاب (اي ماء بارد) كلها من الزمن العباسي. التمن صينية تعني الرز. الاستكان روسية وكذلك السماور. بالرغم من عدم وجود الانكليز في العراق بشكل فعال كما في الهند، الا أن العراقيين أخذوا بعض الكلمات منها، سرسري ولوتي وهتلي وبلشتي (4). ممكن القول أن هوية العراق هوية ثقافية مغروسة في الاوعي العراقي ومتجذرة فيه بعمق التاريخ الذي يتجاوز 6000 سنة.وهذه الهوية موجودة قبل الاسلام وقبل ان يعرب العراق لغة. لذا لا الدين ولا اللغة تحدد هذه الهوية. وما العروبة والتشيع الا عناصر داخل اطار هذه الهوية الكبيرة. فاذا تغلب الوجود العربي أو المذهبي على الهوية الأصيلة فيصبح الوجود هوية قاتلة. هنا تحصل المعاناة والعنف والتقسيم . مثال على ذلك، عندما تغلب الوجود الكاثوليكي في فرنسا على الهوية الفرنسية، حصلت حرب اهلية بين الكاثوليك والبروتستانت مما أدى الى احتلال أجزاء من فرنسا من قبل بريطانيا واسبانيا. وكذلك عندما تغلب الوجود الآري في ألمانيا على الهوية الألمانية، حصلت حرب عالمية واحتلت ألمانيا من قبل الحلفاء. وأخيرا عندما تغلب الوجود العربي في العراق على هويته الأصيلة، حصلت حروب اهلية وبعدها احتل العراق (5).التاريخ يشهد ببروز هذه الهوية بصورة واضحة عندما تتوفر الظروف الملائمة لانعاشها ومثال على ذلك بغداد هارون الرشيد والمأمون العباسي. وكذلك بعد تأسيس الدولة العراقية الفتية بالرغم من اقصاء العراقيين من فن الحكم منذ عام 1258 بعد سقوط بغداد حتى عام 1920 .خلال فترة زمنية قياسية استطاع العراقيون تاسيس اجمل دولة عصرية وبرزت خلال 30 سنة من تاسيس الدولة نخب ومبدعين لم يتكرروا منذ عصر المأمون،فالشاعر العباسي مستمرا بالجواهري،  وطه باقر، يفك رموز اللغة السومرية، ويترجم كلكامش الى العالم ومهدي المخزومي وعلي الوردي وعبد الرزاق الحسني وعلي جواد طاهر وجلال الحنفي الذي يلقب بذاكرة بغداد، ونازك الملائكة وجعفر الخليلي ومحمد مكية (6).

 

  هؤلاء الرموز هويتهم كانت ثقافية لذلك تبنوا الخطاب العالمي الذي لا يعرف الحدود. الخطاب العلمي والأدبي والفني خطاب عالمي عابر للحدود. وما ظاهرة الكرم التي يتميز بها العراقيون من جميع شرائحهم الاجتماعية والطبقية والقومية، ما هو الا تعبير واضح لهويتهم الثقافية لأن المطبخ هو نوع من أنواع الفنون. والفن لا يعرف الحدود . وقراءة الضيف بكل ما هو جميل هي لغة ليس لها حدود.  وانا باعتقادي، الشخصية العراقية الحية التي تمثل الهوية العراقية الثقلفية أفضل تمثيل وكأنها بدلة جميلة مفصلة عليه هو الأستاذ حسن العلوي الكاتب والمفكر والأديب والصحفي (7). قريب الى الشيعة بقدر قربه الى السنة. وقريب الى العرب بقدر قربه الى الكرد. وقريب الى العلمانيين بقدر قربه الى المتدينين. هويته ثقافية تحوي كل الوجودات العراقية بالرغم من انه يعتقد بأن هوية العراق عربية، وهذا خلاف تصرفه غير الارادي اليومي المعبر عن هوية ثقافية عميقة بعمق التاريخ. وهذا التناقض قد دفع الاستاذ حسن العلوي ان يتخذ موقفا ضد عبد الكريم قاسم الذي كان يمثل الهوية االثقافية العراقية أجمل تمثيل. ولم يغلب عبد الكريم قاسم الوجود العربي على الهوية الثقافية. أما الأستاذ حسن العلوي غلب في فترة شبابه الوجود العربي على الهوية العراقية الثقافية. لذا اتهموا عبد الكريم قاسم (8) بالقطرية لان الآخرين غلبوا الوحدة العربية والوجود العربي على هوية الشعوب.

  

عدم وجود نظرة سياسية متكاملة نابعة من عمق التاريخ العراقي مما أدى الى استمرار البحث والمعاناة والتقسيم. للخروج من هذه المعاناة وممارسة الهوية الحقيقية المبدعة، على شيعة العراق أن يفهموا ويتفحصوا بامعان القوى المحيطة بهم والتي تربكهم في تحديد هويتهم.

  

هناك أربعة قوى هم: العرب، الايرانيون، الانكليز والأمريكان.لا شيعة العراق ولا العرب  يعرفون ماذا يريدون وما لا يريدون في العراق. اما الايرانيون ، اذا لم يعرفوا ماذا يريدون فانهم يعرفوا جيدا ما لا يريدون أن يحصل في العراق. أما الانكليز والأمريكان يعرفون جيدا ما يريدون وما لا يريدون. حتى تتوضح لنا الصورة يجب معرفة العراق من المفهوم العربي والايراني والانكليزي والأمريكي.

  

العراق من المفهوم  الغربي، دولة عصرية لم تسبب مشاكل للعالم الخارجي.بلد يستحق الثناء.

 

أما من المفهوم البريطاني، فهو مفهوم عام حول العرب ويشمل من ضمنه العراق، أي مفهوم سلفي. منطقة محكومة برؤساء قبائل أو أعيان يمثلون المناطق. والدولة هي كيان جامع لجميع المناطق .لذا هذا الكيان يحتاج الى دولة مركزية قوية وعلى رأس هذه الدولة أقلية أو عائلة غريبة عن المنطقة أو ليس لها نفوذ قوي حتى لا تستقل المناطق عن الدولة المركزية. فنصبوا فؤاد ملكا على مصر وهو من أحفاد محمد علي باشا الألباني التركي الأصل ومن عائلة علوية. كذلك على العراق نصبوا فيصل من الحجاز وعلى الاردن عبد الله من الحجاز. وعلى ايران رضا شاه وعلى تركيا اتاتورك. وعملت بريطانيا الجامعة العربية لجمع هذه الكيانات أي الدول المركزية وهي لا تسمح ان تنفصل اي منها عن هذا الكيان الجامع ودور كل دولة ومنها العراق هو الحفاظ على المحيط العربي.

 

أما العراق من المفهوم الأمريكي هو عكس البريطاني. أعطاء دور للمناطق ولرؤساء واعيان هذه الناطق واضعاف الدولة المركزية، لأن أمريكا لا ترغب بالعراق وحتى لا ترغب في نفطه بل ترغب فيه بقدر مايمكن أن يلعب دورا في سياسة المنطقة باتجاه ايران وتركيا واسرائيل والخليج.الذي يسيطر على العراق يسيطر على العالم العربي بأجمعه. العراق أغنى منطقة ثقافيا واقتصاديا وتاريخا. اذا نجحت اية دولة في العراق، سوف تملك جميع ماحولها وتغير المحيط مثل ما تريد (9). تعطي أهمية للشيعة بقدر ما يلعبوا دورا مع ايران. وكذلك للسنة مع تركيا.والأكراد مع الاثنين.مثال غلى ذلك حلف سعد آباد عام 1937 بين العراق وايران وتركيا ، ومن ثم بعده حلف بغداد عام 1955 بين العراق وايران وباكستان. مهندس هذه الأحلاف هو نوري السعيد ، السياسي العراقي المخضرم، فاحتمال اعطاءه أولوية للعراق من المفهوم الأمريكي على البريطاني ، يكون أحد الأسباب للتخلص منه.

  

أما العراق من المفهوم العربي،حاضنة اقتصادية ذو هوية عربية، ويعتبر سند للأمة العربية ويساهم بدرجة كبيرة في أمنها وتطورها. الا أن العراق هو الدولة العربية الوحيدة ذات الأقلية العربية السنية اذا استثنينا البحرين.

  

اما العراق من المفهوم العراقي، هو عبارة عن أقليات قومية ودينية ولغات مختلفة وذو هوية ناقصة. وقد عبر عنه الملك فيصل الأول عام 1921 بقوله: أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشعبة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة...(10).

  

ليست هناك ثقافة عراقية وطنية. معظم الأعياد دينية سبقت تأسيس الدولة العراقية.. يوجد دين وطني واحد اجتمعت عليه كل الشرائح هو عيد تأسيس الجيش العراقي. هناك مناسبات مثل ثورة 14 تموز في عام 1958، والشعبانية في عام 1991 والتي تمثل أكثر من 70 في المئة من الشعب العراقي لا يحتفلون بها كأعياد وطنية حقيقية(أي تحويل التاريخ الى ذاكرة حية).

 

العراق من المفهوم الايراني، بوابة على حدودها لعبت دورا كبيرا في اللاوعي الجماعي الايراني.

  

من هذه البوابة دخل العرب حاملين راية الاسلام قبل 14 قرن وغيروا حضارة فارسية ودين زرادشتي الى دين جديد. وبعد 8 قرون من الاسلام السني تبنت ايران المذهب الشيعي الذي دخل علماء المذهب من العراق ولبنان وتغيرت ايران 180 درجة. حكمت السلالات ايران أكثر من  6000  عام وآخرها السلالة البهلوية، تغيرت ايران الى حكم جمهوري بمجيئ آية الله الخميني من العراق الذي أمضى فيها حوالي 15 سنة في المنفى. وأخيرا نشبت حرب ضروس من العراق ضد ايران واستمرت 8 سنوات. وفي عام 1941 هاجمت بريطانيا ايران من العراق. بوابة العراق هي التي سببت كل التغيرات الجذرية في ايران ، لذك تحسب ايران للعراق حسابا جديا وبيقظة كبيرة. ايران كانت مع الدولة الحديثة للعراق ذو الأكثرية الشيعية وتريد عراق هاديئ ومستقر لكن بريطانيا جلبت ملكا سنيا من الحجاز. ايران لم تعترف فيه وبحكومته الا في عام 1929.وتريد ايران عراقا غير مؤيد لأمريكا وبريطانيا وتركيا وللعرب.تريد عراقا يحكم فيه العربي والكردي والسني والشيعي والمسيحي.تريد ايران من العراق ان يعيد تجربة المأمون العباسي في بغداد الذي أزال الخلاف والصراع بين التعصب الديني والتعصب القومي. في عصر المأمون، الفكر الفارسي أزال التعصب القومي، والنصارى أزالوا التعصب الديني. فاندمج النصارى مع المسلمين مثل صاحب السيرة بن اسحاق مع بن سينا. بعد اكتشاف النفط وغنى دول الخليج مما أدى الى تقوية المذهب الوهابي، الذي لم يجعل مكانا لا للنصارى ولا للفرس أي الشيعة. فظهر التعصب الديني مصاحبا له التعصب القومي. فأتحد صدام حسين وحملة العروبة مع آل سعود. العراقيون لم يستطيعوا ان يقدموا برنامجا مقنع الى ايران لأنهم لم يدركوا ماتريده وما لا تريده  ايران من العراق، بينما العراقيون بجميع فصائلهم قدموا برنامجا مقنع الى أمريكا.

 

 كيف يبني شيعة العراق هوية عراقية أصيلة خاصة بهم دون أن يكونوا ضد العرب وايران، وليس مع العرب وايران. وهذا هو شرط أساسي لبناء هوية أصيلة نابعة من العمق الحضاري العراقي. عدم وجود هوية متكاملة هو الذي أدى الى التدخل الانكليزي والأمريكي.

 

يلاقي الشيعة تحدين أمامهم لبناء هويتهم:

  الأول هو جغرافي. العراق بلد تقع على حدوده الشرقية أكبر دولة شيعية في العالم وهي ايران والتي كانت عاصمتها طيسفون (المدائن) تقع على بعد أقل من 30 كم جنوب بغداد. كما تقع على حدودها الشمالية تركيا وهي بقية الأمبراطورية العثمانية وأكبر دولة سنية في الشرق الأوسط وكان العراق في ولاياته الثلاث (البصرة-بغداد-الموصل) جزءا منها حتى الربع الأول من القرن الماضي. اضافة الى حدوده الجنوبية الغربية تمتد أكثر من 800 كم مع السعودية وهي أكبر دولة سلفية سنية في العالم وعلى مدى 200 عام دأبت الحركة الوهابية على الاغارة على المدن الشيعية المقدسة (كربلاء، النجف والكوفة).

 

التحدي الثاني هو سياسي. شيعة العراق واقعين تحت تأثير قوتين، بين الانكليز والمحيط العربي اللذان يصران على هوية العراق العربية، و بين ايران التي تصر على الهوية الشيعية لشيعة العراق. وقد يكون قرب شيعة العراق لأمريكا هو من هذا المنطلق. أمريكا لا يهمها عروبة العراق ولا الهوية الشيعية لشيعة العراق بقدر ما يهمها الدور الممكن ان يلعبه شيعة العراق باتجاه ايران. شيعة العراق بين ضغط الهوية العربية والهوية المذهبية. أي بين العرب وايران.

  

هل يعلن بشجاعة شيعة العراق يوما العروبة  والمذهب كوجود داخل هوية عراقية ثقافية حاوية على رموز وذاكرة حية . الطائفة الشيعية في العالم بنيت حول مراكز متعددة أو ما تسمى بالمرجعيات. هم ليسوا أمة متجانسة وهذا مما ولد عندهم الاحساس بهوية عابرة للأوطان، والذي يجمعهم هو وحدة العقيدة والمعتقد. وليس المراد به هنا أن الشيعة يغلبون الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني، بل المقصود به أن هذا الاحساس ولد عندهم روح التسامح والانفتاح نحو الآخرين.

  

ظهور الجمهورية الاسلامية في ايران وفكرة ولاية الفقيه بالرغم من أنها عنوان سياسي أكثر مما هو ديني، قد أربك الشيعة في العالم وخاصة في العراق لأنها تضعف كثيرا من تعدد المرجعيات. أي هناك مرجعية واحدة تضم الشيعة وتدافع عنهم ضمن الاطار الاسلامي. هذه النظرية أو الفكرة أعطت انطباعا عند الملل المختلفة وكثير من الناس على أن ايران ترغب التوسع خارج حدودها الوطنية. ويدرك الشيعة بصورة عامة أن استراتيجية ايران ليست عمل عالم أو هلالا شيعيا بقدر ما تريد ايران أن يأخذ المسلمون ايران كنموذج يقتدى به.

 

معرفة الهوية العراقية تعتبر اليوم من أهم احتياجات العراقيين. العراق يتميز بامتلاكه هوية خاصة وقويةتميزه عن المحيط الخارجي.عبر العراقيون عن هذه الهوية عبر التاريخ، وحديثا ثورة العشرين (مهما تعددت التفسيرات)، فهي شاهدة على ذلك حيث اجتمع العرب الشيعة والسنة على مقاومة المحتل الانكليزي. تعقدت بناء الهوية العراقية بعد عام 1925، أي بعد أن أنظمت كردستان الى العراق برغبة البريطانيين. وهذه مشكلة كردية أكثر مما تكون عربية، لأن الأكراد لم يساهموا بشكل فاعل في تاريخ العراق العربي.العرب يمثلون 80 بالمئة ولذا أضطر الأكراد التباحث مع العرب العراقيين. الا أن تأسيس الدولة العراقية في 1920 الحديثة، استبعدت العرب الشيعة والكرد. الشيعة العرب الذين يمثلون حوالي 60 بالمئة من سكان العراق ، لا يمثلون الا 15 بالمئة من مشاركتهم للسلطة. هذا الوضع سهل الحوار الكردي العربي الشيعي. بعد 2003 فضل الشيعة والكرد نظاما اتحاديا بدل الحكومة المركزية الموحدة. أصبحت للمناطق ولرموزها الدينية والمحلية نفوذ وقوة. بدأت رحلت بناء الهوية العراقية الأصيلة . بدأها الشيعة وذلك عن طريق الحوار بين الدولة العراقية اللامركزية والمرجعية الدينية الشيعية. وخطا الشيعة خطوات كبيرة. هذه التجربة في طريقها الى النجاح. أي ممكن القول مثلما حدث اتفاق بين الحكومة الايطالية والفاتيكان. هذه التجربة تفتح بابا الى العرب السنة بالاتفاق بين الحكومة العراقية ومرجعياتهم. والكرد كذلك. في هذه الطريقة تبنى هوية عراقية مميزة يلعب فيها الشيعة العراقيين دورا كبيرا في تأسيسها بين المناطق والملل المختلفة وتكون هوية غير مبنية على التنافس والتناحر.

  

المصادر

1.د. فلاح شمسة: بروفسور في الطب يعمل في مركز جورجيا لعلوم السرطان في أمريكا.

 

2.د. صلاح الفرطوسي: تعقيب نشره على موقع الجامعيون، 28 نيسان 2017.

 

3.مؤسسي هذا التجمع هم كل من د. عباس الفحام، د. صلاح الفرطوسي، د. محمد القريشي، ود.ميثم الحمامي ود. حسن فياض.

 

4.اللهجة العراقية، محمد سعيد، موقع ديوان العرب 2013.

 

 5.العراق بين الهوية والوجود، عبد علي سفيح، موقع الأخبار 7 مايس 2017.             

 

6.شيعة السلطة وشيعة العراق/ صراع الأجناس، حسن العلوي ص23، 2009.

 

7.حسن العلوي: مفكر عراقي مسلم شيعي المذهب ولد في عام 1936، بمنطقة كرادة مريم في بغداد من عائلة فقيرة ومتعلمة تملك مكتبة ضخمة غنية بكتب التراث والفقه واللغة والتاريخ والتي تعود الى جده السيد سليمان فقيه الكرادة وامامها. ويكيبيديا- الموسوعة الحرة.

 

8. عبد الكريم قاسم: (1914-1963)، رئيس وزراء العراق السابق وأحد قادة ثورة 14 تموز ومؤسس الجمهورية العراقية.

 

9. Sabrina Mervin, les mondes chiites et l’Iran. Paris, 2007, p.484.

 

10.العراقيون بين مصف فيصل الأول وعلي الوردي، أكرم عبد الرزاق المشهداني 2012.

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.