اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حُواةُ الموروث وبَكَشُ الثلاث ورقات// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 

حُواةُ الموروث وبَكَشُ الثلاث ورقات

الموروث البشري في التدين– مقاربة نقديه (15)

د. سمير محمد ايوب

الاردن – 24/6/2015

 

التَّغَير السريع، في عالم المعرفة المُرَكَّبَةِ وأدواتها المعقدة، هو الحقيقة الأبرز، ذات التأثير في حياة الانسان بلا جدال. العرب في كل هذا، في حالة انقطاع مؤقت، عن قوافل الحضارة المعاصرة، وإن كانوا محاطين بكثير من مظاهر الحداثة المُسْتَهْلِكَة. في فجوة التخلف مقيمون متزمتون. يخشون الركوب في اي من عرباتها. هم أقل إستعدادا لقبول التغيير. وأكثر ميلا الى المخاوف والشكوك.

 

بسبب ركام هائل من موروث بشري في التدين، يعج بحساسيات مذهبية تطفح بالأوهام. تشكل في مجموعها ثقافة لم تعد صالحة. يقتات من الأستثمار فيها سَدَنَةٌ وكَهنة وحُواةٌ. يعيشون في عالم خاص من صنع مصالحهم وامتيازاتهم. جَوقةٌ تُحاول جاهدة، بالتهييج والتجييش الطائفي والمذهبي والفِرَقِي العبثي، المُغَلف بثقافةِ الكراهية والتنافر العنيف، أن لا تفهم الماضي، ولا تستوعب الحاضر ولا تكترث للمستقبل. يعملون عبر الكثير من المنابر، لابقاء أتباعهم داخل قوقعة الماضي، دون قدرة على رؤية الزمن والفعل فيه. فيحاولون عبثا، إعادة توليد مجتمع، لا يملكون أيا من مقومات وجوده.

 

مراجعة بسيطة منصفة للماضي وللواقع المعاصر، تظهر بوضوح، ان القول بعظمة الموروث، ما هو إلا ترف ذهني عقيم. يُزَيِّفُ وعي الناس. فإذا كان الموروث الذي يَدَّعونَ عظيما، فلماذا كل هذا التعثر الذي نعيش؟!

 

الحاجةُ ماسةٌ وملحةٌ لِتَطهيرٍ، يتخلص مما في هذا الموروث، من اعباء ثقيلةٍ تُعانِد الكثير من مقاصد الله سبحانه. وتَرتطم بجاهليةٍ، مع الزمن والعلم والعقل.. مثل هذا التطهير لا يقع صُدفة كالكوارث، ولن يجئ كالموتِ المحتوم. بل يُبْنى لَبِنَةً لَبِنَةً. وبِحرص شديد ينطلق من:

= مراجعة تحرره من أعباء اساطير الماضي ومحاذير الحاضر. بعيدا عن الصراع المذهبي، وحساسياته ومماحكاته العابثة بعقول الناس وفطرتهم. مراجعة تعنى بمستقبل الأمة، كوحدة ايمانية قادرة على رؤية التنوع في إطار وحدة، لا تعترف بمذهبية متخاصمة، ولا بتكفير ظالم، او عصمة مُتَوَهَّمَةٍ.

 

= مراجعة لا تجعل رفض بعض الموروث كُفراً، وتَخَلِّياً عن هوية. بل إدراكاً واعيا، يكشف عن وجود وحدود وحقيقة المشكوك فيه، مما ليس مؤهلا لمواصلة دوره المجتمعي، ومسايرة روح العصر.

 

ولما كانت الوسائل تُختارُ اساسا بناء على اهداف محددة ومعرفة مسبقة، وحتى لا تقع المراجعة في فوضى المرجعيات. لا بد من جهد جماعي، للتعامل مع الموروث علميا. وفق التزام إيماني صارم. مرجعياته حقائق الأيمان الثابتة في القرآن والسنة العملية والقولية، والعقل العارف، والفطرة السليمة، ومنجزات العلم العصري، ومصالح الناس وأعرافهم الجماعية.

 

ولكن، كلما حاول باحثون النهوض بهذه المهة، يجابهون بجوقات من الحواة تلعب معهم بورقاتٍ ثلاث:

تتكئ الورقة الأولى منها، على قامات كبيرة من السلف الصالح. أغْنَت الموروث بنتاج عقولها، وفق قدراتها الأدراكية ومُعطيات عصرها آنذاك. بالطبع نُجِلُّ ونشكر الكثيرين منهم.

 

أما الورقة الثانية، فتتوسل عِصْمَةً مَوهومَة، لكتب خطها مُتوالياتٌ من أفراد. جعلوها مُوازيةً للقرآن الكريم او بديلة له. ونحن نُصِرُّ على أن لا قدسية لأي كتاب مع كتاب الله سبحانه، لا قبله ولا بعده. فكل الكتب صِحاحاً أو غير صِحاحْ، بما إحتوت من صوابٍ أو من أخطاء، هي مَناط مُراجعةٍ مُؤسَّسِيَّةٍ عاقلةٍ مُنْضَبِطَةٍ بالأيمان ومعاييره.

 

ولكن تجار الموروث، يسارعون بعصبوية ذات ضجيج وجعجعة جاهلية، الى سرقة حقنا في إتمام مراجعة تستنير بهدي الايمان والعقل المعاصر. عبر ورقتهم الثالثة، يحاولون عبثا اختطاف أفهامنا بالأدعاء كذبا، بان المعاصرين لا يمتلكون شيئا من قدرات السلف الصالح ولا إخلاصهم.

 

بِشكل قاطعٍ لا لبُسَ فيه، ولا غموض ولا تأتأه، نقول لِلاعِبي الثلاثْ ورقات:

بما انعم الله به علينا من إيمان، فإننا لا نقل عمن سبقنا من قامات، ايمانا وحرصا واخلاصا. أما بالنسبة لفهم مباني ومعاني القرآن الكريم والسنة النبوية، فنحن بالضرورة وبالحتم وبالقطع، اقدر من السلف الصالح بكثير، لاننا نملك اليوم:

1- ادوات بحث ومناهج وطرق للجمع والتصنيف والضبط والتحليل اكثر دقة مما كانوا يملكون.

2- معارفنا في كل علوم الدنيا وتطبيقاتها أكثر تنوعا واعمق وأدق، مما كانوا يعلمون.

3- الاختراعات المعاصرة تمكننا اليوم، من الاستفادة القصوى من المسافات في الزمن الأقصر. في لحظات يدلف الباحث المعاصر الى أرفف وخزائن كل مكتبات الأرض، ليطل بحرية بالغة، على ما احتوت من موسوعات ومراجع ووثائق، من كل مناحي الدنيا وعصورها. ليطبق على ما ينتقي كل اختبارات التحقق العلمي، وهو مسترخ في امن وأمان ودعة واطمئنان، اكثر ممن كان يركب الحمار او الحصان او البعير او مشيا على الاقدام، ليستمع الى انسان من فطرته النسيان، ناهيك عن الغرض والمصلحه.

4- تعتمد ثقافة عصرنا في الأساس على القراءة والكتابة، والتوثيق كتابة وبالصوت والصوره. اما بحث السلف، فهو الى حد كبير نتاج ثقافة سمعية. مما اضطرهم للأتكاء كثيرا، على علم الرجال اكثر من علوم الدراية في المضامين.

5- يضاف الى كل ذلك، ان الكثير من الباحثين اليوم في الموروث، هم في تخصصهم مسلحون، مع ما حباهم الله من ملكات ومهارات وخلق العلماء وصبرهم وخبراتهم، بشهادات تخصص تثريهم بالمعارف العصرية المركبة أكثر بكثير مما اتيح لمن كان يا دوب يفك الخط من السلف.

 

وفي النهاية اقول لجوقة المتنطعين من الحواة: كفاكم عَنْطَزَةً. فمن لا يرى منكم نفسه كفؤا بما فيه الكفاية، لمهمة المراجعة المستنيرة بهدي العقل، فليبتعد مفسحا لمن يملك الدراية والصدق، ولْيُحسن الأستماع والتبصر، بأدبٍ جمٍّ يليقُ بالقولِ المُفيد، مِمَّنْ يملك الدراية والصدق وحق القول.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.