اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الرأسمالية ببساطة – منشورات// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الرأسمالية ببساطة – منشورات

صائب خليل

 

 

16- ما هو قانون العرض والطلب وكيف يعمل؟

لكل سلعة في السوق الرأسمالية لدينا فريقان: باعة "يعرضون" بضاعتهم ومستهلكين “يطلبونها"، او يشترونها. مصالح هذين الفريقين متناقضة تماما: الباعة يريدون عرض بضاعتهم بأعلى سعر ممكن، والمستهلكون يريدون شراءها بأدنى سعر ممكن. ويمكننا ان نقول إنه كلما انخفض سعر البضاعة زاد عدد المستهلكين الذين يريدون شرائها، أي زاد "الطلب" عليها. والعكس صحيح طبعا فكلما ازداد سعر البضاعة، هرب المشترون الأقل ثراءاً أو حاجة لها فانخفض "الطلب" عليها.

في الجانب المقابل نرى العكس طبعاً. كلما انخفض سعر البضاعة في السوق، انسحب الباعة وأخذوا بضاعتهم التي كانوا يعرضونها، أو على الأقل يتوقفوا عن انتاجها مستقبلا، أي انخفض "عرض" البضاعة، وكلما ازداد السعر، جاء المزيد من الباعة ليعرضوا بضاعتهم تلك، أي يزداد "العرض".

ولكي نختصر بشكل يسهل حفظه فان العرض يتحرك مثلما يتحرك السعر، فيزداد بزيادته وينخفض بانخفاضه. أما "الطلب" فيتحرك عكس السعر، فينخفض الطلب بزيادة السعر ويزداد بانخفاضه.

17 كيف ستحدد هذه الحقائق سعر السلعة في السوق؟

 بما أن كل سلعة تباع من جانب، يجب ان تشترى من الجانب المقابل، فمن الطبيعي أن كمية المباع من أية سلعة في السوق هي نفس الكمية المشتراة منها. فالكمية المتداولة من السلعة في السوق، هي تلك الكمية التي يتساوى فيها العرض والطلب.

 كيف يصل السوق إلى هذه الكمية وإلى السعر الذي يتساوى فيه العرض والطلب؟ طبيعي ان السوق ليس كائنا عاقلا ليقرر ذلك، إلا أنه يعمل بالطريقة التالية: لنفرض أن سعر كيلو البطاطا ابتدأ غالياً جداً. هذا سيغري الكثيرين ليأتوا ويبيعوا البطاطا ويكون هناك "عرض" كبير جدا من تلك السلعة. لكن المشكلة أن القليلين جدا من المتسوقين سوف يريد ان يشتري بذلك السعر، أي "الطلب" قليل.

عندئذ يدرك الباعة انهم لن يستطيعوا ان يبيعوا كثيرا بهذا السعر، فيخفضونه. وهذا سيؤدي إلى انخفاض في عدد من يريد ان يبيع منهم، أي ينخفض العرض، لأنه كما قلنا يتبع السعر. وبالمقابل يتشجع البعض من المستهلكين المترددين فيشترون المزيد، أي يزداد الطلب. لكن ربما لم يهبط السعر بما يكفي ليشتري المتسوقين كل البطاطا، فيضطر البائعون إلى خفض السعر مرة أخرى، وتتكرر العملية فيهرب بعض الباعة من السوق ويزداد عدد المشترين، وتقترب كمية العرض من الطلب. وتتكرر العملية إلى ان تتلاقى الكميتان وتتساويان عند سعر معين للبضاعة.

ماذا لو استمر انخفاض السعر عن ذلك الذي يتساوى فيه العرض والطلب؟ عندها سيهرب المزيد من البائعين ويقل العرض مرة أخرى، بينما يزداد عدد المشترين ويزداد الطلب. لكن بعض هذا الطلب الجديد، لن يجد بضاعة يشتريها، فيحاول منافسة الآخرين على طلبها، فيزداد سعرها عائداً إلى السعر الذي يتساوى فيه العرض والطلب.

 وهكذا نرى أن نقطة التساوي تلك، ليست ثابتة مستقرة، إنما يتأرجح العرض والطلب حولها. فما ان يبتعد السعر عنها حتى يعود اليها بفعل هذه الموازنة التي تسمى "قانون العرض والطلب".

هل يحدد سعر البضاعة إذن من خلال قانون العرض والطلب، أم من خلال كمية العمل اللازم لإنجازها؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال في حلقة قادمة ونوضح دور كل من "كمية العمل" و "العرض والطلب" في تحديد سعر البضاعة.

#_صائب_خليل_الرأسمالية_ببساطة_مفاهيم لمتابعة سلسلة المفاهيم الرأسمالية

#_صائب_خليل_الرأسمالية_ببساطة لمتابعة منشورات "الرأسمالية ببساطة" ككل

#_صائب_خليل منشوراتي ومقالاتي بشكل عام

 

 

17- ما تأثير قبول الرأسمالية كواقع، على أخلاقنا وعلاقتنا بالآخرين؟

هناك فكرة شائعة حول الرأسمالية، تتكون من جزئين متناقضين اخلاقياً، مما يسبب توتراً اجتماعيا كبيراً لحملتها، وهم كما يبدو أغلبية البشر. الجزء الأول يقر بأن الرأسمالية "غير انسانية" و "غير عادلة" وأنها تسبب التخمة والرفاه والسلطة الكبيرة لعدد صغير من الناس، والكثير من الألم والجوع والحرمان لنسبة عالية ومتزايدة من البشر.

أما الجزء الثاني فيقول انه ليس هناك مفر من الرأسمالية، وأن لا سبيل للخلاص منها، أو انه لا يوجد ما هو أفضل منها، وإن تواجد فليس بإمكاننا أن نختاره وأنها بالتالي قدر البشرية رغم كل مساوئها.

هذان الجزءان يحتويان تناقضاً خطيراً بالنسبة لأنفسنا ويسببان توتراً شديدا في علاقتنا بمنظومتنا الأخلاقية ومصداقيتها، ويفقدنا الثقة بأنفسنا وبالمجتمع والعالم، ويشرعن أو يسهل على الضمير أن يتجاوز تلك المنظومة ويقبل بالأخلاق الجديدة التي تفرضها الرأسمالية.

يكتب عامر محسن: "الفكرة هي أنّك حين تقبل بالرأسماليّة كواقعٍ مكرّس، لن يتغيّر ولا يمكن ايجاد بديلٍ له، تحت أيّ تبريرٍ كان (لأنّه النظام الأفضل الممكن، لأنّه «طبيعي» ويناسب «الفطرة البشرية»، لأنه الأفضل لي شخصياً، الخ) سيصبح من العقلاني والمنطقي لأيّ فردٍ أن يصبح انساناً نذلاً.

 حين تقبل بالرأسمالية وبحتميتها، فأنت تستسلم ضمناً لفكرة أنّ المجتمع سيكون فيه دوماً فقراء وأثرياء، وأناسٌ عاطلون عن العمل، وأناسٌ جياعٌ ومشرّدون في الشّوارع، و(تسلم بأن) هذه (هي) «طبيعة الدنيا» وهي لن تتغيّر.

 في هذه الحالة، فإنّ الخلاصة المنطقية الأولى، لك كفرد، هي في أن تسعى لأن تكون ممّن هم «فوق» وليس من هم «تحت». من يملك المنازل والرفاهيات ويعيش على طريقة العالم المتقدّم (أو فيه)، وليس من يعرف التشرّد والبطالة والجّوع، ويعيش في أكواخ الفقراء. في هذا العالم، كلّ نجاحٍ لفردٍ آخر، حتى أقرب النّاس اليك، هو ــــ حرفيّاً ــــ فرصةٌ تاهت منك وذهبت الى غيرك. عليك، في هذا السّياق، أن تبذل جهداً وأن تذهب ضدّ العقل والمنطق (أو أن تكذب على نفسك) حتّى لا تكون حسوداً وكارهاً للآخرين..."

عامر محسن: «يوتوبيا»

http://www.al-akhbar.com/node/278401

 

هل الرأسمالية أقرب الى طبيعة الإنسان أم الأنظمة الاجتماعية؟

أكثر من نقاش ينتهي بالاعتراف بأن النظام الرأسمالي سيء وخطر، ولكن قبل ان يختتم، كثيراً ما يضيف أحدهم الجملة التالية: ".. ولكن الرأسمالية أقرب للطبيعة البشرية... الإنسان يحب المغالبة والصراع... هذا قدرنا.. للأسف".

 لكن هل هذا صحيح؟ أم لأننا تعودنا العيش داخل الرأسمالية فتصورنا انها النظام الوحيد أو الأقرب الى الطبيعة الإنسانية؟ كيف كان يعيش الإنسان قبل الرأسمالية التي لم "تخترع" إلا قبل 500 عام؟ هل كان الإنسان أثناء الفترة الإقطاعية التي استمرت ألف عام قبل ان تأتي الرأسمالية يعيش المعاناة بانتظار الرأسمالية؟ أم انه كان يتصور أيضا أن "الإقطاعية هي النظام الطبيعي للإنسان"؟ لو عدنا الى الفترة التي كانت الاقطاعية فيها تعاني، مثلما تعاني الرأسمالية الآن، لوجدنا سياسياً معروفا مثل الألماني جوزيف هاينه يدافع عن الإقطاعية ويرى بأنها النظام المناسب للمجتمع.

 كذلك لن نعدم ان نجد من يرى ان نظام العبودية هو النظام المناسب للبشرية، والذي امتد بضعة آلاف من السنين قبل اليوم. فنرى "سانت بول" يقول بأن: "لا يمكن لمملكة الله في الأرض أن تستمر، ما لم يكن هناك بشر أحرار وبشر من العبيد".. بل ان الفيلسوف الكبير ارسطو، كان يعتقد ان الإنسان خلق بنوعين بيولوجيين مختلفين، أحدهما للأحرار وآخر للعبيد!

 ومن المستبعد بأن كل من هاينه وسانت بول وأرسطو كانوا يكذبون، إنما كانوا يعبرون عن شعورهم بصدق كأناس يعيشون ظرف تلك الحياة، كما نفعل نحن حين نتصور ان الرأسمالية هي الطبيعة المناسبة للإنسان دون غيرها. ونحن نعلم ان كلامهم هراء، كما برهن التاريخ بكل وضوح. وبالتالي فقد لا يكون شعورنا هذا إلا هراء مماثل ينتظر المستقبل ليدحضه. فما هو النظام الأقرب إلى الإنسان إذن؟

 لا نستطيع الجزم تماما، لكن هناك بعض المؤشرات المهمة. وأولها حقيقة ان الإنسان قد عاش الغالبية الساحقة من حياته، التي يمكننا ان نقدّر انها بدأت قبل حوالي 100 ألف عام، في حالة "مشاعيه"، يسودها التعاون، وليس فيها من التنافس إلا قدر بسيط نسبياً.

 والحقيقة الأخرى هي اننا كائنات اجتماعية. وأن جميع "إخوتنا" من هذا النوع من المخلوقات يسودها التعاون أكثر من المنافسة بكثير. حيث ينظر كل فرد إلى بقية الأفراد كمصدر قوة وآمان له، وليس العكس كما تدفعنا الرأسمالية التي تدفع الفرد إلى النظر إلى المقابل كمنافس على الفرص والثروة. ولو راقبنا طريقة تصرفنا مع اصدقاءنا وعوائلنا، لشاهدنا ذلك الإحساس بالرغبة بالتعاون والعطاء وليس المنافسة لسلب الفرص والأفضليات. فالرأسمالية حطمت الكثير من الحياة الاجتماعية وقلصتها، لكنها لم تصل (بعد) إلى حدود العائلة. ويبدو أن ما نشعر به تجاه افراد عائلتنا، هو الجزء الذي مازلنا نحتفظ به من مشاعرنا القديمة تجاه القبيلة والمجتمع، والذي يعبر عن أقدم أجزاء طبيعتنا وأشدها عمقاً وأصالة. ولا أدل على ذلك إلا حقيقة شعورنا بالسعادة المتبادلة والرضا العميق والاطمئنان حين نتبادل العطاء، بينما تقتصر السعادة في حالة المنافسة، على الجانب الفائز، ولا تكون إلا سعادة متوترة قلقة.

 كل هذه المؤشرات، إضافة إلى تزايد التوتر في المجتمع الإنساني، تؤكد لنا أن إحساسنا بأن الرأسمالية هي النظام الأقرب الى الإنسان، قد لا يكون إلا وهم من نتاج انغماسنا في محيطنا الرأسمالي، كما كان وهم ارسطو عن العبودية قبل أكثر من الفي عام.

 صائب خليل

 

هل سقطت الدول الاشتراكية بسبب نظامها الاقتصادي وثورة شعبها عليه؟

 

الرواية القائلة بأن الاشتراكية حرمت دول أوروبا الشرقية من ان تكون متطورة مثل أوروبا الغربية، وأن الشعوب ثارت على ذلك النظام وغيرته لتلتحق بالغرب، رواية منتشرة وتبدو منطقية.. حتى ننظر إليها بتمعن أكبر. فتلك الدول لم تكن أصلا متقدمة ولا يمكن مقارنتها بفرنسا وبريطانيا مثلا. وحتى المناطق الشرقية ممن المانيا كانت الأكثر تخلفا بما لا يقاس من المانيا الغربية، هذا فضلا عن دعم الدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية معافاة وتمتلك نصف ثروة العالم.

لقد كانت الثورة في الحقيقة على الدكتاتورية التي رافقت النظام الاشتراكي، والتي هي ليست بالتأكيد جزءاً منه. ولا شك ان تلك الدكتاتورية لعبت دوراً لاحقا في عرقلة التقدم الاقتصادي، إضافة إلى الحصار الذي مارسته الكتلة الغربية واليابان، والتي تضم جميع الدول المتقدمة في العالم.

لقد كانت البلدان الاشتراكية تعاني من ضائقة اقتصادية في نهايتها، لكنها لم تكن بشكل رئيس من نتاج نظامها الاشتراكي، بل من حقيقة كون معظمها قد انفتح في السبعينات على الغرب، وحاول دمج اقتصاده معه، واقترض الأموال من صندوق النقد الدولي (كانت رومانيا عام 1971 عضوا كاملا في صندوق النقد الدولي)، الذي فرض عليها تقشفا و "إصلاحات" وتسببت الديون وارباحها في انهيار اقتصادها بسرعة.

والحقيقة الأخرى المهمة هي ان شعوب هذه الدول، حين أتيح لها ان تنتخب، انتخبت ذات الشيوعيين الذين كانوا يحكمونها منذ أوائل التسعينات، كما تقول الباحثة الفرنسية كاثرين ساماري في دراسةٍ عن الإصلاحات في شرق اوروبا، أما لأن تلك الشعوب تذوقت مرارة اقتصاد السوق سريعا، او انها لم تكن معترضة أصلا على النظام الاشتراكي. فعلى سبيل المثال، أنخفض الناتج القومي لروسيا بمقدار 40% بعد انهيار السوفيت وخصخصة الموارد. إضافة إلى ذلك بزغ عدد كبير من الأثرياء الذي استولوا على تلك الثروات. وهذا يعني ان ما يحصل عليه المواطن الاعتيادي انخفض بشدة. ولم يكن الحال مختلفا كثيرا في بقية البلدان.

وتسبب انتخاب الحكومات الشيوعية في ذعر الغرب، حيث ان اشد ما يخيفه هو دول اشتراكية أو شيوعية ديمقراطية، لأنها إن نجحت فستكون نماذج مغرية جداً للشعوب الأخرى، فسارع باختراع "الثورات الملونة" التي تقودها أجهزة مخابراته كما تبين بشكل واضح لاحقا، ونصبت حكومات موالية للغرب في كل الحالات. وعادت شعوب أوروبا الشرقية تتخلى عن حكومات تلك الثورات في اول انتخابات، لتعود بعض تلك الحكومات او مثيلاتها عن طريق العنف بعد ان عجزت عن الحكم بالديمقراطية، كما حدث في أوكرانيا.

 إذن لم يسقط النظام الإشتراكي في تلك الدول، ولم ترغب شعوبها في اقتصاد السوق، إنما تطمر الحقائق من قبل المنتصرين.

للمزيد، أدناه مقالة مهمة لعامر محسن حول الموضوع

صندوق النقد في بلغراد: سقوط اوروبا الشرقيّة

http://www.al-akhbar.com/node/276497

#_صائب_خليل_الرأسمالية_ببساطة_تساؤلات

 

18- ما هي "اليد الخفية" للسوق، وكيف تنظم الاقتصاد الرأسمالي حسب منظريه؟

استخدمت عبارة "اليد الخفية" كثيرا في الأدب الرأسمالي للإشارة إلى طبيعة مفترضة في السوق الرأسمالية لتصحيح نفسها بنفسها، وكأن "يداً خفية" تقودها وترتب أمرها. وقد أطلق آدم سميث العبارة مرة واحدة في كتابه الأساسي، "ثروة الأمم"، لكنه أشار الى الفكرة بعبارات أخرى في أكثر من مكان.

 والفكرة الأساسية هي أنه لو أن أحد المنتجين، قدم بضاعة سيئة، فإن الناس سوف ينفضون عنه، ويضطر أما لتحسين بضاعته أو ترك السوق. وإن حاول أحدهم ان يبيع بضاعته بثمن فوق قيمتها، فلن يشتريها أحد منه، وسيضطر إلى تخفيضها إلى السعر المناسب. وإن غش أحدهم زبائنه فلن يشتروا منه ثانية، وسيضطر إلى ترك السوق.

 وهكذا يفترض أن يتمكن السوق من أن "ينظف" نفسه من العناصر الخاطئة ويستمر في عمله، بدون الحاجة لأن يتدخل أحد ليفرض عليه قوانين خارجية أو تحديد أسعار أو شروط.

لماذا أعطيت فكرة "اليد الخفية" هذه الأهمية من قبل المنظرين الرأسماليين؟

 لأنها القاعدة الأساسية التي يستند إليها دعاة الرأسمالية وحرية السوق، في دعوتهم إلى عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد وتركه يعمل بنفسه، ودعم الفكرة (الغريبة بالتأكيد) بأن أي تدخل في حركة السوق هو تدخل ضار دائماً. ويستند إلى هذا، موقفهم المضاد لتدخل الحكومة وللاقتصاد المخطط، ولذلك فأن فكرة "اليد الخفية" لها أهمية حاسمة في النظرية الرأسمالية، وتفنيدها يسقط من الرأسمالية واحداً من أهم اعمدتها، وينهي فكرة "حرية السوق" تماما.

لكن هل تعمل "اليد الخفية" فعلا؟ هل يمكن الاعتماد عليها لتأمين سوق تصحح نفسها بنفسها، وتحت أية شروط؟ وهل ان تلك الشروط متحققة في الوقت الحاضر؟ سنناقش ذلك في حلقة قادمة.

 

19-اليد الخفية للسوق... هل تعمل حقاً؟

شرحنا في الحلقة السابقة أن نظرية “اليد الخفية” التي أطلقها آدم سميث تقول بأن السوق قادرة على ان تصحح مسارها بنفسها، إن تركت حرة بدون تدخل خارجي، وأن على الحكومة ان تتركها لتقوم بعملها. لكن هل قامت هذه النظرية بعملها المؤمل، على أرض الواقع ؟

في زيارة لي إلى اللكسمبرغ سألت صاحب الفندق أن يدلني على محطة بنزين، قريبة ورخيصة، فقال لي أن البنزين مسعّر من قبل الحكومة، وجميع محطات البنزين تبيع بنفس السعر! دهشت لذلك، فاللكسمبرغ ذات اعلى دخل للفرد في العالم الغربي واقتصادها رأسمالي يعتمد على المصارف العالمية، ورغم ذلك تلجأ إلى "التدخل الحكومي في الأسعار" المناقض تماما لحرية السوق؟ ألا يفترض حسب نظرية اليد الخفية أن يؤدي هذا التدخل إلى زيادة اسعار البنزين في النهاية؟ لكني دهشت بأن سعره كان في هولندا التي تعتمد على "اليد الخفية" لتحديده، أغلى بـ 50%! إذن فـ "يد سميث الخفية" لم تكن تعمل هنا لإعطاء المستهلك أدني سعر ممكن!

انتظر العالم "اليد الخفية" لتخرجه من الكساد الكبير منذ عام 19299 سبع سنوات دون جدوى، حتى جاءت يد كينز تحمل "التدخل الحكومي" فتسد النقص الشديد في السلع وتوفر فرص العمل لملايين العمال العاطلين.

وفي المانيا بعد الحرب العالمية الاولى، لم تشتغل اليد الخفية، وتسبب الغضب من طول انتظار العمال لها ان صعد هتلر الى السلطة. وأول ما بادرت اليه النازية هو سيطرة الحكومة على الاقتصاد، فخلقت خلال سنتين، رغم سوء النظام السياسي، 6 ملايين فرصة عمل وانتعش الاقتصاد!

وفي عام 20088 وقف العالم ينتظر كيف ستعاقب اليد الخفية البنوك التي تسببت بسبب سياستها غير الأمينة في ازمة العقارات في اميركا ثم العالم وكلفت ترليونات الدولارات. لكن اليد الخفية لم تأت، وتدخلت يد الحكومة فكافأت البنوك المذنبة بـ "تعويضات" بمئات المليارات من الدولارات، وصارت أكثر ثراءاً وقوة، ولم يعاقب سوى المواطن الذي دفع الثمن من ضرائبه.

والحقيقة أن "اليد الخفية" لم تنجح في يوم من الأيام. أنظروا الى البلدان التي تترك لتلك اليد أن تحدد الحد الأدنى للأجور، فنراها تسحق الفقير وتضطر الحكومة للتدخل في معظم بلدان العالم. أنظروا الى القوانين التي توضع للبيع والشراء، أليس كل قانون هو إعلان فشل لتلك اليد؟ لماذا تحتاج الرأسمالية إلى أي قانون لمعاقبة الغشاشين في السوق إن كان السوق كفيل بعقابهم وطردهم؟ لماذا لا توجد دولة واحدة في العالم جربت ان لا يكون لديها اية قوانين اقتصادية؟

هل هناك يد خفية حقاً، أم انها، كمعظم الأشياء "الخفية"... مجرد خرافة مناسبة لجهة ما؟

في الحلقة القادمة: لماذا تفشل "اليد الخفية" في أداء عملها؟

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.