اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

متى تكون الزيارات مدانة؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

متى تكون الزيارات مدانة؟

صائب خليل

16 آب 2017

 

هل زيارات مقتدى الصدر للسعودية وثم الإمارات، نشاط سياسي طبيعي أم أمر مدان؟

الآن وقد هدأت الفورة حول تلك الزيارات، ربما يمكننا ان أن نقيمها ببعض الهدوء والمنطق ولكن دون اللجوء الى "الوسطية" المميعة للمبادئ والمصالح. وسنهمل هنا الردود الانفعالية الجاهزة لمثل هذه الحالات، مثل عرض زيارات قامت بها شخصيات محترمة إلى دول تعتبر مشبوهة أيضا، مع عبارات من نوع: لماذا لهم حلال وعلينا حرام؟ ... لأنها حجج "لا أخلاقية" في طبيعتها. فمن ينبش الماضي سيجد دائماً ما يمكن ان يعتبر خللا مماثلا ولو بالشكل، لاستخدامه كمبرر لأي عمل مدان. وإن قبلنا بهذا النوع من الحجج، فسينتهي بنا الأمر إلى إلغاء كل القيم والأخلاق وقبول كل الرذائل.

بعيداً عن هذا، يدافع من يتبع السيد مقتدى عن تلك الزيارات بأنها زيارات طبيعية كغيرها من الفعاليات التي يقوم بها الساسة والقادة لبلدان اجنبية، وأن الإنسان يجب ان لا يبقى متقوقعا وأن ينفتح على الجميع (مرفقة عادة بعبارات تعبر عن التعب من استمرار الصراع) الخ. ويذهب الأكثر حماسا منهم إلى إن مقتدى "يعيد العراق الى حضنه العربي"، وآخرون رأوا فيها “إعادة لم الصف الإسلامي الشيعي والسني”، وامثالها.

 

هذا النوع من الجدل يدور بشكل متزايد على الساحات الثقافية والسياسية العربية لكثرة "الحركات" المثيرة للجدل والمقلقة هذه الأيام. وأذكر واحدة منها جرت داخل فريق الشطرنج العراقي على الإنترنت، حيث كان السؤال المطروح: إذا كان على فريقنا أن يلعب مقابل الفريق الإسرائيلي، هل نقبل ام ننسحب؟ إضافة إلى الحجج أعلاه، طرح المؤيدون للّعب، أن الفريق الإسرائيلي سيستفيد من انسحابنا فيكسب نقطة مجانية، فلماذا نرتكب هذه الحماقة وننسحب؟

 

كيف نحسب المكاسب والخسائر؟

المكاسب التي حققتها زيارة مقتدى حسبما وردنا، مكاسب أفضل ما توصف به أنها “لا قيمة لها” ويمكن ان تلغى في اية لحظة دون ان تثير انتباه أحد، بل وأن بعضها مؤذ للعراق أكثر مما هو مفيد. إنها بالتأكيد ليست ما يحتاجه العراق أو ينتظره أو يهتم به. فما هي الخسائر؟

 

لدينا خصم يرتكب جرائم ضد اخلاقنا وضد مصالحنا، ويوجه إلينا الإهانة المباشرة بالكلام والاعتداء ويعلن احتقاره لنا، دون ان نستطيع ان نردعه بالقوة. الطريقة الوحيدة الباقية أمامنا، إن أردنا ان نحتفظ باحترام أنفسنا أمام أنفسنا والآخرين، هي ان نبادله الاحتقار ونصفه بالانحطاط ونسعى للبرهنة على ذلك الانحطاط من خلال مقارنة تصرفه بالقيم الإنسانية. فعندما يهيننا إنسان محترم، فستكون تلك إهانة حقيقية لأن هذا يعني أننا فعلا كما يصفنا به من سوء. أما إن كان هذا "منحطا" في نظر الناس ونظرنا نحن، فلن يستطيع إهانتنا حقاً، لأننا نرفض أخلاقه أصلا، بل ربما تتحول اهانته لنا الى شيء يدعوا للاعتزاز، على مبدأ "إذا اتتك مذمتي من ناقص". فالطريقة الوحيدة للاحتفاظ باحترامك لنفسك مقابل من يهينك، هي ان تبين لنفسك وللعالم أنه شخص منحط الأخلاق ولا قيمة لرأيه.

الزيارة للخصم او العدو المهين والمعتدي، هي أما زيارة مطالبة ومفاوضات لتصحيح خلل واستعادة حقوق وتعديل ميزان أعوج، أو هي زيارة مجاملات وملاطفة وتطبيع. وتتميز زيارة المفاوضات بالانطلاق من مصالح مشتركة، وبوجود برنامج معلن لإصلاح الخلل، ونرى الخصم قد وافق مسبقا من حيث المبدأ على ما نريد، واتخذ الإجراءات والاستعدادات اللازمة لإزالة ما يعيق خلق علاقة صحية تزدهر فيها تلك المصالح المشتركة. وقبل ذهاب الوفد المفاوض يعقد مع حكومته اجتماعات لتحديد المحاذير والطموحات من الزيارة والاثمان المتوقع دفعها، وحدود التنازل المسموح بها، لأنها تنعكس على الجميع. وان يكون الوفد بقيادة شخص له خبرة تفاوضية، تم تخويله من قبل بقية الأطراف على التفاوض، يصحبه ويدعمه فريق استشاري كي لا يقدم تنازلا لا مبرر له عن طريق الخطأ. وتسبق الزيارة تحول ملحوظ في الخطاب السياسي وبعض الإجراءات المناسبة كعربون حسن نية لاستقبال الوفد المفاوض بجو ودي... عندها فقط تكون زيارة الخصم أمراً مفهوماً ومقبولا ويمكن ان ينتظر منها نتائج ايجابية.

 

أما زيارة المجاملة فلا يتحقق منها سوى مكاسب تجميلية، مقابل خسارة الضحية الزائرة قدرتها على الادعاء بأن هذا الخصم "منحط"، فلا يمكنك ان تقنع أحداً باحتقار شخص ما وأفكاره، حين تقوم أنت بمعانقته والضحك معه. وحين تكسر الشعور العام بانحطاط من يهينك، يكتسب رأيه في إهانتك قيمة ومصداقية، ويمكنك ان تتوقع ان ينظر الآخرون أليك بمنظار الاحتقار الذي قبلته.

فمن أي من النوعين كانت زيارة مقتدى للسعودية ومثال الآلوسي ونادية مراد لإسرائيل؟ لا أظن أن احداً، حتى الصدريين الذين يفخرون بأنهم يطيعون قائدهم بلا تفكير، يمكن ان يجرؤ على تسمية زيارته للسعودية بأنها زيارة مفاوضات لتصحيح الخلل، فليس فيها أي من صفات تلك الزيارة. فلا السيد مقتدى رجل مفاوضات، ولا هو مخول بالتفاوض عن العراقيين أو حتى الشيعة، وليس هناك برنامج واهداف محددة للزيارة المفاجئة ولا كانت هناك أية علامات على استعداد السعودية لتغيير سياستها تجاه العراق أو اثارة الطائفية أو برنامج تدمير سوريا واليمن التي مازالت تحت الضغط والوحشية السعودية المصرة على تقسيمها. ولم تسبق تلك الزيارة أية علامات على حرص السعودية على علاقة صحية سليمة، بل العكس، فأن أحد كبار رجال الدين السعوديين كان يصرح في اليوم السابق للزيارة بالضبط، ببعض من أسوأ تصريحاته التكفيرية للشيعة. وبشكل عام فأن مجرد التصور بأن السعودية تقوم بما تقوم به وتخسر من اجله عشرات ومئات المليارات، وكراهية الشعب العربي، لأسباب تافهة تكفيها زيارة من السيد مقتدى لتغييرها، ضحك على الدقون.

 

إذن فكل تلك الزيارات، حتى إن وصفناها بحسن النية، كان زيارات مجاملة لجهة عدوانية مهينة، وتطبيع معها، وتبادل مجاملات إن لم يكن وقوفا في خندقها بشكل مباشر. ما المشكلة في ذلك بالضبط؟ قلنا قبل قليل إننا نخسر بذلك قدرتنا في تحقير من يميز ضدنا ويعاملنا بدونية، ونفقد حقنا في النظر إلى أنفسنا كبشر مساوين لغيرنا، حين نبتسم ونصافح معتديا يهيننا علناً.

 

من الغريب ان لا يشعر الضحايا بالمهانة ويقبلونها في الوقت الذي تثير حتى غير المعنيين بالأمر. فهذه الطبيعة الإنسانية هي ما يدفع بالشعوب للتضامن، فالإنسان الحقيقي يثور ضد الظلم حتى إن كان من جماعته.

أحد الناشطين الإسرائيليين من منظمة "كسر الصمت" التي تسعى إلى فضح الممارسات الإسرائيلية ضد العرب في فلسطين، عبر عن هذه المشاعر بشكل جميل. ففي شرح له لصور معرض أقامته المنظمة لتلك الممارسات السيئة وصل إلى صورة لفلسطينيين يبتسمون وهم يأخذون صورة ودية مع جنود إسرائيليين. فسألته الصحفية المرافقة: ما هي المشكلة في هذه الصورة، فلا يبدو فيها أي عنف أو إهانة؟ لماذا تعرضونها هنا؟ 

أجابها الناشط: هذه الصورة هي أهم صور المعرض! إنها تبين لحظة استكانة الضحية مع مغتصبها، وتطبيع الإذلال. هؤلاء يبتسمون مع الجنود الذين قاموا باغتصاب مساكنهم ويعاملونهم بتمييز شديد واحتقار مهين. إنها اشد الصور تعبيراً عن الاضطهاد والإهانة. إن الصور الأخرى مهما كان فيها من إهانة مباشرة، إلا ان الغضب والاحتجاج الذي تواجه به الضحية من يهينها، يرمز إلى رفضها لمعاملتها بتمييز، أما الابتسامة فهي تسليم بالظلم وقبول به".(1)

 

إن كان مشهد تلك الابتسامات لبضعة اشخاص عاديين مع الجنود تعبير قبيح عن قبول للظلم وتثبيت له، فمن المؤكد أن زيارة مسؤول أو قائد لمجموعة، إلى دولة عنصرية معتدية، ستفهم من الجميع كقبول بسياستها وظلمها وتثبيت له. وهو تخل عن الضحايا من أهله ومن غيرهم. ولكي نتخيل إحساس ضحايا اليمن أو سوريا، بزيارة مقتدى للدول التي تقصفهم بأسلحة في منتهى الوحشية، يكفينا ان نتذكر مشاعرنا حين كان أي سياسي أجنبي يأتي لزيارة صدام حسين. كنا نشعر أننا طعنّا في الظهر من العالم الذي كنا نأمل أن تكون مقاطعته لظالمنا انتقام لنا، وأمل بإسقاطه. ما زلنا نذكر احتقارنا والمنا، حتى اليوم، وبعد ربع قرن، للزائر وإن لم يكن محسوباً علينا، فكيف حين يكون؟!

 

لقد تمكن السود في جنوب افريقيا من إسقاط النظام الذي عاملهم بدونية وعنصرية وإهانة، بأن وقفوا موقفا مبدئيا واضحاً وكشفوا للعالم خسة ذلك النظام برفضهم لتطبيع ظلمه، حتى صار التعامل معه وصمة عار أجبرت حتى اميركا وإسرائيل على وقف تعاملها مع نظامه. وقد رفض ديغول حتى مفاوضة حكومة فيشي التي عينها هتلر رغم انها كانت تحكم فرنسا، ولم يكن هو سوى ضابط يقود حركة مقاومة من الخارج، لأنه أدرك أيضا ان خسارته في معنويات المقاومين للظلم وفي دعم العالم له، ستكون أكبر من أي مكسب مباشر يمكن ان يحققه. ووجد أن أي كلام مع المعتدي اعتراف به، وتطبيع لسياسته التي تضعه المقابل في موضع أدنى. 

صحيح ان التطبيع يريح المرء بإزالة التوتر، لكن التوتر المرهق، هو الرد الطبيعي الصحي على الظلم والأمل بإزالته. وعندما يأتي التطبيع مع بقاء الظلم فأنك تخسر ذلك الأمل وتخسر قضيتك كلها. لإن التطبيع مع من يظلمك ويراك دونه، يعني ان ترى دونيتك أمراً طبيعياً! وإن كان الظلم مداناً، فما يثبته مدان أيضاً. وإن كانت الكرامة الإنسانية من حق الجميع، فما يحرمنا منها، ظلم كبير وعمل مدان أشد إدانة!

 

(1) نشاطات ومعرض لمنظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية تقام في استوكهولم

http://sverigesradio.se/sida/artikel.aspx?programid=2494&artikel=4394322

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.