اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حقائق وقحة تزعج أحلاماً لذيذة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حقائق وقحة تزعج أحلاماً لذيذة

صائب خليل

18 ت1 2017

 

أعلم أن وقت "النشوة" بالانتصار، ليس أفضل وقت للدعوة للانتباه، خاصة لمن اشتاق طعم الكرامة مثلنا لطول ما أحس بالمذلة من حكامه، دكتاتوريين أو تابعين. لكننا لا نختار توقيتاتنا وليس لنا سوى ان نحذّر في أي وقت نشعر فيه بالقلق. فهذه الانتصارات للجيش العراقي وانسحابات البيشمركة في هذا الظرف وبلا معارك، فيها رائحة تثير الشك وتستوجب التوقف والتمعن لتفسيرها.

 

فالعبادي لم يتخذ أي قرار حاسم في حياته السياسية، (وهو السبب الأساسي كما يبدو لاختيار الأمريكان له لرئاسة الوزارة). وقد كانت هناك احداث واعتداءات ومواقف أكبر بكثير من عملية الاستفتاء، ولم يتحرك رغم توفر الدعم الشعبي والسياسي الكامل له في بعض المراحل. ولا هي انتفاضة مفاجئة من أجل بلده، وقرار بإقامة علاقة عادلة سليمة للعراق مع كردستان أو غيرها. فلم يشوه العلاقة بين المركز وكردستان رئيس حكومة، كما فعل العبادي، والتي بدأها سلفه المالكي وأكملها هو بالمزيد من التنازلات المهينة. ومثلها زاد الابتزاز الأردني للعراق وألغى الضرائب على البضائع الأردنية (الإسرائيلية) ولم يكتف بـ "مساعدة" الأردن بشاحنات النفط، بل سارع لبناء أنبوب استراتيجي لكي يكون النهب على مستوى آخر، ولكي تأخذ إسرائيل أيضا حصتها من نفطنا، وحصتها دائما، حصة الأسد.

ولا علاقة للإحساس بمهانة الوطن وسيادته بالموضوع فهو لم يقم حتى بمحاولة لطرد القوات التركية من القاعدة التي احتلتها واهانته مباشرة من خلالها، ومازالت فيها، ومرت قواته بالقرب منها هذه المرة دون ان تتحرش بها.

ولا هو الحرص على وحدة العراق. فقد جيء بالعبادي محملاً بمشروع "الحرس الوطني"، الذي يوزع لكل محافظة جيشها الخاص! ولم يفشل المشروع الخطير إلا بروز الحشد. ولا يغضب العبادي من الاستفتاء كإهانة شخصية له أو لمنصبه، فهو ليس معروف بالحساسية للكرامة. فلم يتجرأ حتى على المطالبة عن طريق القانون، بالأسلحة التي استولت كردستان عليها اثناء احتلال الموصل وكركوك، دع عنك الحقول النفطية والأراضي، ولا احتج على بيعها 3 ارباع حاجة إسرائيل من النفط.

 

إن البساطة الغريبة التي استعاد بها الجيش كركوك وبدون أي اعتراض امريكي، أو مقاومة كردستانية، امر يستحق الانتباه. صحيح ان غالبية كرد كركوك من الطالبانيين، لكن كركوك صوتت لصالح الاستقلال، والعملية العسكرية هذه موجهة ضده بالذات، فلماذا لم تقاوم؟ لماذا لم تدافع البيشمركه عن كركوك وهي "قدس الأقداس"؟ إن الفرضية بأن البيشمركه جبناء، فرضية فارغة يمكن للمنتشين بالنصر ان يخدعوا أنفسهم بها. إن احتلال مدينة لا يتم بدون تدميرها، ولا يجهل الكرد هذه الحقيقة، كما لا يجهلون انه من غير المعقول أن يقدم الجيش العراقي على حرب مثل هذه. لذلك كان إبداء الاستعداد للاشتباك الفعلي كافيا لردع الجيش العراقي، فلماذا لم يفعلوا؟

 

كل هذه "الغرائب" تترك لنا تفسيرا منطقياً وحيدا هو ان أميركا، لسبب ما، قد دفعت بالعبادي إلى هذا الاتجاه وأنه ينفذ تعليماتها، أو لنقل مراعاةً لمن مازال يحسن الظن، “اعطته الضوء الأخضر للتحرك”، فتحرك، وأمرت قيادات البيشمركه بالصمت فصمتوا، كما أمرتهم سابقاً بالانسحاب من سنجار أمام داعش، فانسحبوا. 

لقد اثبتت سنوات حكم العبادي، أن التزام الرجل بطاعة "ناخبيه" الأمريكان الذين جاءوا به الى الحكم، التزام لا حدود له. وقد تحمل من اجل ذلك مخاطرات كبيرة بسمعته وشرفه كرئيس لحكومة البلد، حين أصر على إعادة الجيش الأمريكي الى البلاد، وهي جريمة خيانة اضاعت التضحيات الكبيرة التي ذهبت لإخراجه. ارتكبت هذه الجريمة بحجة محاربة داعش، رغم ان كل عراقي يعرف ان أميركا تسند داعش والأكثرية (وأنا منها) ترى انها هي التي خلقتها. ثم أكمل جريمته بإعادة "بلاك واتر" (بعد تغيير اسمها) ووقع لها عقود السيطرة على الطرق الغربية، والتي يحتاجها الأمريكان كما يبدو لتأمين التواصل بين فصائل داعش في سوريا والعراق ومنع الحشد من قطع طريقها. وسخر العبادي من الشعب العراقي بادعائه بأن تلك العقود كانت "استثمار" للطريق وبناء المطاعم فيه!

ولو قبلنا ما ليس معقولا وتخيلنا شركة أمريكية لا تجد مكاناً تضع فيها استثمارات مطاعمها سوى منطقة من أسوأ المناطق امناً في العالم، فما أهمية هذا "الاستثمار" بالنسبة للعراق، ولماذا أصر العبادي عليه رغم الشبهات التي أكدها به على نفسه كتابع أمريكي، ورغم الاعتراض الشديد من قبل الحشد ومن مواطني البلد؟ أيمكن ان يفعل رئيس حكومة ذلك، إرضاءاً لشركة تريد فتح مطاعم في طريق خارجي؟

ولكن ما الغرابة؟ أليس هذا نفس الرجل الذي وضع نفسه سداً ليحمي “حلفاءه” حينما افتضحت حقيقة إنزاله المعونات لداعش "بالخطأ" ورغم صدور التحقيق النيابي الذي أكد العملية. وكرر العبادي موقفه عندما قصف الجيش الأمريكي الحشد والجيش العراقي فرفض اتخاذ أي اجراء، ولا حتى طرح أي تساؤل. وقد شجع ذلك الموقف، الجيش الأمريكي على تكرار تلك الجريمة مرات عديدة، وكان آخرها تلك المجزرة التي أقامها طيران التحالف لأربعين فرداً من الحشد كانوا مشتبكين مع داعش، بعد ان اطمأن إلى أن القائد العام للقوات المسلحة العراقي، ملتزم بتغطية جرائمهم. ولم يعد الحشد او أفراد الجيش يتحدثون عن الحالات الجديدة من المشاهدات المتكررة للمساعدات الأمريكية وإنقاذ قيادات داعش بعد أو قبل كل معركة، ليس لأنها توقفت، وإنما لأنهم فهموا اين يقف رئيس حكومتهم وأن عليهم ان يرضوا بهذا الواقع.

 

هذا هو العبادي الحقيقي، الذي ربما تفضلون نسيانه وتتسلون بقصص العفاريت عن "بطل فقس فجأة من بيضة الإذلال". الحقائق عنيدة ووقحة في الحاحها، لكن أحلام "البطولات" اللذيذة التي تغمض عينها عن الحقائق ستنقلب إلى كوابيس، كما انقلبت أحلام "الإصلاح". والحقيقة التي يجب ان نواجهها هي أننا فشلنا حتى اليوم في إيصال رجل يمثلنا إلى السلطة، وقبلنا بإزاحة من نختاره، فمن أين لنا الحق بالتفاؤل؟

 

لذلك فما حدث لا علاقة له بأي انتصار او بطولات أو كرامة هبطت على الرجل من السماء، إنما هي "مسرحية" وراءها ما وراءها. فيكفي أن نلاحظ ان الرجل لم يبادر بهمته الجديدة ليمنع الاستفتاء غير الدستوري، وكان ذلك ابسط بكثير، مع تفويض البرلمان والمحكمة الدستورية. ولا هو قام بالإجراءات القانونية البسيطة ولو شكلياً، لمحاسبة من قاموا به، وانتهكوا القانون والدستور، وإصدار أوامر بإلقاء القبض عليهم أو طلب رفع الحصانة عنهم قبل اجراء الاستفتاء، ولن يفعل ذلك، مثلما لم يقم لا هو ولا من سبقه بمحاسبة الضباط الذين تسببوا باحتلال المدن العراقية.

 

إذن لقد ترك الاستفتاء ليتم، وأعلن الشعب الكردي رغبته في الاستقلال، ولا شيء يمكن ان يغير هذه الحقيقة. أما الحديث عن "الغاء نتائج الاستفتاء" بعد إتمامه، ليس سوى كلام سخيف. لقد كنا نقول للكرد المطالبين بالانفصال أن لا أحد يمنعكم، أما اليوم فقد صارت قضية نضال أقلية تضطهدها أكثرية! رغم ان هذه "الأكثرية" منهوبة مسلوبة الأرض والمال والسيادة، ولا حول لها ولا قوة! وسوف تفسر كل الإجراءات التالية للحكومة على أنها قصة "قهر "عربي" لإرادة الشعب الكردي" ومنعه من "تقرير مصيره". وستكون مقارنتهم مع الموقف الإسرائيلي الذي استغل الموقف بدقته المعروفة وقدم نفسه باعتباره المدافع الوحيد عن الكرد (دون ان يغير الأمر شيئا حقيقيا من مجريات المسرحية)، معركة خاسرة للعرب حتى في نفوس أقرب اصدقائهم من الكرد. ويبدو ان هذا أحد اهداف مسرحية الاستفتاء، والأدوار التي وزعت على ممثليها.

 

لو كان لدى العراق من يمثله في بغداد، وكان الشعب قد استلم مسؤوليته كـ "مواطن حاكم" يعين ممثليه ويراقبهم ويتصرف بشجاعة ومسؤولية، وكان في بغداد من نثق بأنه سيمثلنا في أية مفاوضات أو مراقبات إحصاء، لقلنا إن أفضل ما يمكن عمله اليوم هو تنفيذ المادة 140 وبأقصى ما يمكن من الدقة والأمانة في المناطق المتنازع عليها، وتحديد الحدود، وعدم معارضة انفصال كردستان على حدودها الجديدة، بل تشجيعها، بعد محاسبة دقيقة حول الأرض والأموال والديون. لكننا لم نقم بواجبنا، لذلك لا ندري اليوم ما هو الحل. ورغم ذلك نرقص فرحاً بانتصارات وهمية اعدت للغافلين.

 

لقد مارس الشعب الكردي هذه الغفلة قبلنا، حين اخذته النشوة متصوراً أن قادته يمثلونه وأنهم يقومون بنهب العراق من أجله وإهانة العرب ودولتهم انتقاماً لإهانته وأن البيشمركة تنتصر في كل مواجهة مع بغداد، لشجاعتها الأسطورية وجبن العرب الذين كانوا سبب اضطهادهم لـ "شوفينيتهم" الشديدة وجلفهم الصحراوي ... الخ من مشاهد هذا الحلم الوردي اللذيذ المدرع ضد الحقائق! وفجأة يستيقظون على "قدس الأقداس" وقد سلمتها "بيشمركتهم" الأسطورية الشجاعة إلى حاكم بغداد "الطرطور" وبلا قتال، مثلما سلمت سنجار لداعش، ودون أن يفهموا سببا لا لهذه ولا لتلك! لم يفهموا حينها، ولن يفهموا اليوم أن البيشمركه ليست "بيشمركتهم"، وقياداتها ومراكز السلطة فيها، لا تعود إليهم. ومثلهم لم نفهم حين سلم الجيش الموصل لدعش ان الجيش ليس جيشنا تماما، وأن قياداته لا تعود الينا. ولم نفهم ذلك في الفرصة الثانية والثالثة والمدن تتساقط.

لم يفهموا ولم نفهم أنها مسرحية نلعب بها أدواراً مختلفة حسبما يصدر المخرج من تعليمات، ليس لأننا لا نملك الدليل، وإنما لأن الأمر ثقيل على القلب. لقد اختار المخرج له في البداية دور الذليل “المخربط”، لأن هذا الدور يناسب مهمته في ترك البلد تحت تصرفهم ولإشعار الشعب بالمذلة واليأس، وليس الغضب، فالإنسان لا يغضب كثيرا من الذليل الطرطور، وإن كان يحتقره. وهكذا ضحك الناس بدلا من ان يغضبوا حين كان يربط ازرار بنطلونه وحين يقف كالخادم في صورة مع ترامب.... بدلا من الغضب!

أما الآن فالدور يتطلب شكل "الحازم" الذي يمكن الثقة به والسير وراءه، فقام المخرج بتبديل ملابس الممثل. ولم يكلف المخرج نفسه ان يقدم حتى تفسيراً لتغير شخصية ممثله المفاجئة، لأنه أدرك بخبرته أن مثل هذه الهنات المسرحية الفاضحة، ستمر دون اعتراض من الجمهور المخدر بنشوة الذروة. وأنه حتى لو صرخ أحدهم منبها، فسوف يسكته الجمهور السعيد ذاته. لقد كانت المقالات التي حاولت تنبيه الشعب الكردي إلى حقيقة ما يجري، ومنها مقالاتي، تجابه بالشتائم والمسبة، وتُحتضن المقالات التي تتبنى "الحلم الوردي".

 

ليست هذه أول مسرحية، فقد تخيل المالكي أنه بنى اسواراً من الفاسدين تحيط به من قوات مسلحة واعلاميين ونواب ولصوص، لكنه حين أزيح عن منصبه، اكتشف فجأة ان لا أحد حوله! انقلب الجميع فجأة عليه واكتشف ان ولاءهم كان لـ "المخرج". فكانت اول مقالات "عراق القانون" التي كانت منصته الإعلامية تكتب: "لماذا لا نعطي العبادي الفرصة قبل ان نحكم عليه؟"!!

وأنا واثق لو ان مقتدى قرر غدا أن يوجه تظاهرة ضد السفارة، لاكتشف ان جميع منظمي تظاهراته واتصالاته قد اختفوا وأن "ادواته" قد "قطع عنها التيار"، ولاكتشف جمهوره الواسع المخلص، أنه لا يعرف كيف ينظم نفسه! وحينها سيكتشف مقتدى انه لم يكن سوى ممثل يؤدي دوره وينتشي به، ربما دون ان يدري.

 

كان الكرد في الفصل السابق من المسرحية، سكارى بدور "البطل المظلوم"، وكنا نحن نندب حظنا على دور السجين لهذا "البطل الظالم"، وها نحن اليوم سكارى بدور "بطولة" أسند إلينا فجأة وتقمصنا الدور وكأننا صرنا الأبطال فعلا، وبقيادة قائدنا الجديد المغوار، كما ينشط الإعلام اليوم لتصويره من خلال الجد والسخرية، صار “سجاننا” المبتز، تحت سلطتنا، دون ان نسأل كيف ولماذا تبادلنا الأدوار ومن يبدلها.. الدور الجديد لذيذ وكفى.. فلتستمر المسرحية.

 

ليس أخطر ما في الامر انفصال كردستان، فلقد خسرناها منذ زمن طويل مثل الكثير في مسلسل خساراتنا المستمر، عندما رضينا بسلطة كل من يضعه الأجنبي المعادي لنا ورضينا ان يصنع إعلامنا فيستولي على حق احتكار خلق صورة العالم في رؤوسنا. لكن لعل الأخطر هو أن هذه النشوة، منحت للعبادي، بالحق او الباطل، دعماً شعبياً وزخماً يمكن ان يستخدم لتمرير إجراءات فشل في تمريرها في الماضي، لحساب من جاء به. ونحن نعرف ما يريد الأمريكان، رغم أننا لا نعرف وسيلته.

 

كيف ستنتهي؟ لا أتصور اننا سنكون اقل انغماساً في دورنا اللذيذ، مما كان الكرد، وستستمر المسرحية القاتلة. أرجو ان أكون مخطئا، ولكن لا تستبعدوا أن تتبدل الأدوار مرة أخرى في الفصل التالي، فما انقلب فجأة بلا سبب مفهوم، قد ينقلب مرة أخرى فجأة وبلا سبب مفهوم. فلا تتفاجأوا وتندهشوا كما تفاجأ واندهش الكرد اليوم. أتمنى لكم أحلاماً جميلة، وتصبحون على خير.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.