اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

ولادة اليسار الجديد في تركية// ترجمة عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ولادة اليسار الجديد في تركية

الصحفي التركي  چنگیز گونش

مجلة نيو لفت ريفيو

ترجمة عادل حبه

 

حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 80 مقعداً في البرلمان التركي؛ أي ما يعادل 13% من آراء الناخبين الأتراك في انتخابات حزيران عام 2015. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ تركية يحصل فيها حزب يساري على مثل هذا الفوز، وهي نتيجة مدهشة لحزب لم يمر على تأسيسه سوى ثلاث سنوات. وتعرض حزب الشعوب الديمقراطي منذ فوزه ولحد الآن إلى حملة قمع مارسها حزب  العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه رجب طيب أردوگان. كما تعرض الآلاف من أعضاء الحزب ومن ضمنهم قادته إلى الاعتقال، وهاجم الشقاة مكاتب الحزب وخاصة في نواحي غرب تركية ، وألقوا القنابل عليها وشنوا حملات إرهابية على الاجتماعات العلنية للحزب. إن المواجهات المسلحة بين القوات الأمنية التركية وحزب العمال الكردستاني (پ ك ك) قد أثارت المشاعر الشوفينية التركية مما ترك أثراً على إشاعة الأجواء المناهضة للحزب والنشاط الحزبي. ولا يمكن معرفة تأثير هذه الأجواء الضاغطة على المواقع الاجتماعية لحزب الشعوب الديمقراطي، ولكن وبدون شك فإن الحزب قد ثبت مواقعه في الحياة السياسية التركية. ويمكن أن نفهم بأن الطريق الذي سلكه هذا الحزب يأتي في إطار المسيرة التاريخية للنضال من أجل الديمقراطية في تركية وايجاد حزب يساري في ظل هذه الديمقراطية.

 

يعود تاريخ الحركة الراديكالية في تركية إلى فترة هي أبعد من انتخابات عام 2015؛ أي إلى عام 1920 حيث بادر المبعدين الأتراك في الاتحاد السوفييتي إلى تأسيس الحزب الشيوعي التركي. وبعد سنة من تأسيس الحزب، وقع زعيم الحزب مصطفى صوفي بقبضة نظام كال أتاتورك وقتل مع العديد من رفاقه. وبالرغم من انضمام مثقفين بارزين ومن ضمنهم أبرز شعراء البلاد ناظم حكمت إلى الحزب، إلاّ أنه لم يتحول إلى قوة مؤثرة وواسعة. وبقي الحزب غير قانوني حتى عام 1946 حين أقدم عصمت إينونو، خليفة أتاتورك، على تنفيذ إصلاحات  فوقية وأصبحت الأحواء السياسية أكثر انفتاحاً. وأقبل الجمهور على الحركة اليسارية فقط في الستينيات من القرن الماضي حيث تم في ذلك الوقت بمبادرة من نقابات العمال تأسيس حزب العمال التركي (TIP). ورفع الحزب الجديد شعار تحقيق الاشتراكية عن طريق النضال البرلماني، وشارك في انتخابات عام 1965 ولم يحصل إلاّ على 3% من الأصوات جاءت غالبيتها من المناطق التي يقطنها الأكراد. وخلال فترة قصيرة استطاع هذا الحزب أن يصبح ممثلاً لمطاليب العمال والفلاحين في النظام السياسي التركي، إلاّ أنه لم يحصل إلاّ على نتائج ضعيفة في انتخابات عام 1969 مما أدى إلى حدوث مشاكل داخلية في الحزب. وبعد مرور فترة قصيرة على الانقلاب العسكري في آذار عام 1971، تم الحظر على نشاط الحزب واغلقت ابواب مكاتبه واعتقل قادته. وفي السنوات اللاحقة تصاعدت حملات القمع ضد المعارضة وخاصة اليسارية والنشطاء الكرد وتعرض الآلاف منهم للاعتقال والتعذيب.

 

وتبلورت مجاميع اليسار الجديد في السبعينيات، ولكنها تعرضت لانشقاقات  كثيرة تبعاً لتفسيرهم وفهمهم للماركسية رغم أنهم كانوا ينشطون في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد. وبادر العديد من الاشتراكيين الاتراك إلى تبني النضال المسلح ضد الحكم حيث وقعوا تحت تأثير الماوية وتراث تشي غيفارا. ولكن قدرتهم الميدانية كانت على الدوام أقل من قدرات اليمين المتطرف وتنظيم "الذئاب الرمادية"*، التي كانت تتلقى أيضا الدعم من أجهزة الدولة. ويضاف إلى ذلك، فقد كانت للنزعة القومية التركية نفوذ قوي في الحركة الاشتراكية مما أعاق الاتفاق على برنامج جامع يجتذب الاقليات القومية في البلاد وخاصة الأكراد. وفي النصف الثاني من عقد السبعينيات، تصاعدت المواجهات بين اليسار واليمين السياسي في تركية، وأصاب الانشقاقات المجاميع الاشتراكية. وفي 12 من أيلول عام 1980، استلم الجيش التركي زمام الأمور في البلاد ووجه ضربة ماحقة إلى الحركة اليسارية. وأودع العسكريون الآلاف من النشطاء السياسيين في السجون وفارق الحياة المئات نتيجة للتعذيب، مما أضطر الكثير منهم إلى اللجوء صوب البلدان الأوربية. وعندما بادر العسكر في عام 1983 إلى نقل السلطة إلى حكومة مدنية غير عسكرية، فلم يكن للحركة الاشتراكية إي رمق. ونص الدستورالجديد على أن الشرط لدخول البرلمان هو الحصول على 10% من الأصوات في مسعى لمنع وصول المعارضة إلى قبة البرلمان. وفي ظل هذه الظروف لم يستطع اليسار التركي أن يبدي تأثيراً على المسيرة السياسية بعد الدكتاتورية. وفي أواخر عقد الثمانينيات وأوائل عقد التسعينيات، أصبح حزب اليسار الوسط " الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي "(SHP) الذي حصل على 25% من الأصوات في انتخابات عام 1987 و 20% من الأصوات في الانتخابات التالية، القاعدة الوحيدة للناخبين الطامحين إلى الاصلاح. ولكن مشكلة الحزب هي أنه لم يستطع تقديم برنامج قادر على تحدي الأحزاب المحافظة الحاكمة. وبعد عام 1991، بادر الحزب إلى الائتلاف مع حزب يمين الوسط " الطريق الصحيح" بزعامة سليمان ديميريل، ثم اندمج في أواسط عقد التسعينيات بحزب الشعب الجمهوري الكمالي (CHP). وقامت مجاميع يسارية أخرى صغيرة بالنشاط في أعوام التسعينيات من القرن الماضي وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، ولكن مساعيها لم تثمر عن نتائج ملموسة.

 

بشكل عام لم يحالف التوفيق نشاط اليسار التركي. فلم تستطع أحزاب اليسار حتى قبل صدور قانون "الحد الأدنى 10%" أن تشق طريقاً مهماً لها في ميدان الانتخابات. ومن اللافت للنظر إن طاقة اليسار في التحشيد خارج البرلمان كانت أكثر وخاصة في عقد السبعينيات، ولكن الانشقاق في الحركة لم يسمح لليسار مواجهة الانقالاب العسكري، ولم يستطع الصمود أمام الضربات التي وجهها هذا الانقلاب.. وعندما برز حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوكان كقوة سياسية على الساحة التركية، انضم العديد من اليسارين تحت راية هذا الحزب بأمل أن تتيح الظروف للأسلامويين أرساء نظام سياسي منفتح وتحديد دور الجيش. هذا الموقف هو تعبير عن أفول سياسي لليسار.

 

استيقاظ الحركة القومية  الكردية

أضحت الحركة القومية الكردية تحدياً كبيراَ للغاية للنظام السياسي الحاكم في تركية، وأصبحت تمثل تعويضاً عن فشل اليسار في البلاد. يبلغ نفوس الأكراد في تركية 15 مليون نسمة (خمس سكان البلاد). وهي المكون الكردي الأكبر في بلدان الشرق الأوسط. ويمثل الأكراد في تركية ثلثي مجموع سكان 15 محافظة في جنوب شرقي تركية. ولكن لم يجر الاعتراف بالأكراد في ظل نظام أتاتورك الذي أطلق عليهم صفة "أتراك الجبل"، وقُمعت هويتهم اللغوية والثقافية. وتسكن غالبية الأكراد في المنطق الريفية، حيث تعود ملكية نصف الأراضي الزراعية إلى عُشرالعائلات الثرية، وظل خُمس الفلاحين الأكراد محرومين من ملكية الأراضي الزراعية. بعد انهيار الحكم العثماني في نهاية القرن التاسع عشر حيث سادت الانظمة الاجتماعية القبيلية بين الأكراد، حل النظام السياسي الاجتماعي الجديد محل النظام القبلي، ولكنه لم يمحو النظام القديم. ويضاف إلى ذلك سيادة الفقر الاقتصادي والتخلف في مناطق جنوب شرقي تركية الذي اقترن بالقمع الوحشي للهوية القومية، مما أدى إلى استياء عميق بين سكان تلك المناطق.

 

تنامت الراديكالية في الحركة الكردية في عقد السبعينيات، وبرزت أحزاب متنوعة حمل أغلبها راية الأيديولوجية الاشتراكية. وأدى القمع الشديد لأي مظهر من مظاهر النشاط السياسي إلى أن يقتنع النشطاء الكرد بأن الطريق الوحيد هو النضال المسلح. وهكذا جرى تشكيل ( پ ك ك) بزعامة عبد الله اوجالان في عام 1978. ولد أوجالان في قرية جنوب شرقي تركية، وتلقى الدراسة في جامعة أنقرة في اوائل السبعينيات ووقع تحت تأثير اليسار التركي. ولكن شأنه في ذلك شأن سائر الأكراد اعتقد بأن المجموعات اليسارية لا تولي أهمية للهوية الكردية. إن ما يميز پ ك ك  عن سائر المنظمات الكردية أنها قد استطاعت أن تفلت من عسف الانقلاب العسكري في عام 1980. فقد أرسل الحزب كوادره قبل الانقلاب إلى سورية واستقروا في وادي البقاع في لبنان واستعدوا لخوض الكفاح المسلح الشامل. وفي آب عام 1984، قامت الوحدات المسلحة التابعة لـ ب ك ك بالهجوم على السيطرات العسكرية  التركية قرب الحدود مع العراق.

 

واتسعت حرب الانصار التي شرع بها عبد الله أوجالان حتى عام 1999، أي بعد سنوات من قمع حرب الانصار في المدن التي خاضها اليسار التركي في عقد السبعينيات. وجه الاتهام لأواجلان بالفردية وفرض نفسه كزعيم لا ينازع لمنظمة پ ك ك، غير أن الحركة القومية الكردية والمجتمع الكردي نظرا إليه بإحترام. وبلغ پ ك ك أوج قدرته في أوائل عقد التسعينيات وضم 15 ألف مسلح لحركة تحرر قومي تحظى بالاحترام والدعم. ولقيت هذه الحركة الدعم من قبل ملايين الأنصار في مختلف أرجاء كردستان وخارجها. ففي أوربا، في بريطانيا وفرنسا وخاصة في ألمانيا، أصبحت المجموعات المدافعة عنه مصدراً مالياً مهماً لـ پ ك ك. وأصبحت المنظمة في هذه المرحلة من الانتفاضة أكثر المنظمات راديكالية واستمرارية في تاريخ الأكراد في تركية. فخلافاً لكل التنظيمات السابقة، فإن پ ك ك استطاعت المواجهة والصمود بوجه أقوى ثاني جيش في حلف الناتو خلال عقد من الزمن. وكانت الجبال موقعاً مثالياً لحرب الأنصار، فمتى ما تتعرض وحدات پ ك ك إلى الضغط فإنها سرعان ما تتراجع إلى الحدود السورية والعراقية.

 

لقد كان رد فعل الحكومة التركية قاسياً. فقد محيت القرى وقامت الميليشيات الحكومية المسماة بـ "حرس القرى" باصطياد أنصار پ ك ك. ولم تتحمل الحكومة أية انتقادات أو معارضة للعمليات العسكرية ضد الأنصار. وسعت أنقرة بشكل محموم إلى أن تستغل الفوارق الطبقية بين الأكراد، فراحت تمد يدها إلى ملاك الأراضي الكرد وتحذرهم من خطر شعارات پ ك ك المعادية للاقطاع على مصالحهم. إن القسوة التي مارستها الحكومة أدت إلى فرار جماعي صوب المدن في غربي تركية. ويقرب عدد نفوس الأكراد اليوم في هذه المدن من نفوسهم في مناطق جنوب شرقي تركية. ولقى حتفهم ما يزيد على 40 ألف مواطن في المواجهات المسلحة ومن ضمنهم أنصار پ ك ك وجنود الجيش التركي وميايشيات الحكومة والمواطنين غير المسلحين.

 

وبعد فشل مفاوضات السلام في السنوات الأولى من عقد التسعينيات، استطاع الجيش التركي بدعم عسكري مكثف من قبل الولايات المتحدة أن يتفوق على خصومه. إلا ّ أن الإنعطافة في الأحداث جرت عند إعتقال عبد الله أوجلان في عام 1999. كان زعيم ب ك ك قد استقر في دمشق، ولكن النظام السوري وبفعل الضغوط التي مارستها تركية ضده قام بإخراجه من البلد. ولم يستطع أوجالان اللجوء إلى أي بلد من البلدان، وحط به المقام في كينيا. وهنا وقع أوحالان في فخ الكوماندو التركي بدعم من المخابرات المركزية الأمريكية والاسرائيلية. وبعد حين وبإشارة من أوجالان، أعلنت منظمة پ ك ك الهدنة من طرف واحد وتراجعت الوحدات المسلحة التابعة له إلى جبال شمال العراق. وبدا إن نشاط الحركة قد شارف على النهاية، مما أثار الارتياح لدى أنقرة. وحكمت المحاكم التركية بعقوبة الموت على أوجالان، وألغي الحكم إلى المؤبد في عام 2002. ويقضي أوجالان فترة حكمه في ظروف خاصة في جزيرة "ايمراليزير" منذ عقد من الزمن.

 

أما بالنسبة لحكام تركية، فلم يكن ذلك نهاية "المشكلة الكردية"، لأن الانتفاضة المسلحة أحدثت يقضة ووعي سياسييً شاملاً. ففي ميدان الانتخابات، وعلى الرغم من حملات القمع، فإن الحركة الديمقراطية المناصرة للأكراد من الأحزاب الاشتراكية التركية قد حالفها الحظ بشكل أكثر في الأجواء السياسية التركية باعتبارها لاعب أساسي في عرض مطالب الأكراد. وكان أبرز مظهر لذلك تشكيل حزب العمل الشعبي (HEP) في عام 1990 من قبل بعض النواب الذين تم طردهم من الحزب الاشتراكي الشعبي (SHP) بسبب اشتراكهم في كونفرنس "پاريساز" الخاص بالبحث في القضية الكردية. ووضع الحزب الجديد نصب عينيه مسألتين ذات ارتباط وثيق؛ وهي دمقرطة الدولة والمجتمع التركي و والسعي لايجاد حل سلمي وشامل للحرب والمواجهات حول القضية الكردية. وضمن هذا المنظور سعى الحزب إلى حماية أفراد المجتمع من غير الأكراد وأعلن أنه يتبنى مطاليب كل أفراد شعب تركية. وبالرغم من أن أكثرية الناخبين الذين صوتوا لصالح حزب العمل الشعبي (HEP) هم من الأكراد، إلاّ أن الكثير من المناضلين الاشتراكيين القدامى انضموا إلى هذا الحزب وأتيحت لهم الفرصة للتواصل مع جمهرة أوسع بسبب تمسكهم بالانحدار الطبقي.كما أن وجود هؤلاء المناضلين يبدد الاتهام الموجه للحزب بأنه حزباً كردياً صرفاً مما يحد من تعرضهم إلى الملاحقة والتعقيبات القانونية المؤذية.

 

في عام 1991 انضم مرشحي حزب العمل الشعبي (HEP) إلى قائمة مرشحي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي(SHP) في الانتخابات وحصل الحزب على 22 مقعداً، وهذا العدد من المقاعد لم يسبق لنواب يناصرون القضية الكردية أن حصلوا عليه. ولكن بعد مرور سنة، شرعت محكمة أمن الدولة بالسعي لإلغاء الحصانة البرلمانية لنواب الحزب، وفي حزيران عام 1993 أعلن الحظر على نشاط الحزب. ومن أجل استمرار النشاط، تم تأسيس الحزب الديمقراطي (DEP) كبديلاً له. لقد اعتبرت الأجهزة الأمنية أن هذين الحزبين هما أمتداد لـ پ ك ك كي يسهل على الأجهزة قمعها باعتبارهما من أنصار الأكراد. وعلى هذا المنوال، تم اعتقال غالبية نشطاء الحزبين وتعرضوا للتعذيب في الفترة بين عام 1991 وحتى عام 1994، وقتل أكثر من خمسين منهم. وتبع ذلك إعلان الحظر على نشاط الحزب الديمقراطي كلياً. وتم الحكم بالسجن على أربعة من نواب الحزب في البرلمان لمدد طويلة، وهرب خارج البلاد ستة نواب آخرون. وفي العقد الذي تلى تلك الفترة القمعية، بدأت الحركة بالتململ بشكل هادئ من جديد وتأسس حزب الشعوب الديمقراطي (HADEP) في عام 1994، كما تأسس حزب آخر بعد ثلاث سنوات هو الحزب الشعبي الديمقراطي (DEHAP)، ولم يتسن لهما النفوذ إلى البرلمان بسبب عدم حصولهما على نسبة 10% من الأصوات حسب القانون. إلاّ أن التوفيق حالفهما في الانتخابات المحلية واستطاعا توسيع قواعدهما في المدن. لقد حصل حزب الشعب الديمقراطي على قرابة 5% في الانتخابت البرلمانية عام 1999، كما حصل على مقاعد في انتخبات مجالس 37 مدينة وقضاء في جنوب شرقي تركية ومن ضمنها مدينة آغري وباتمان وديار بكر وحكاري وسيرت ووان. وتولى حزب الشعوب الديمقراطي بعد خمس سنوات إدارة مجالس 54 مدينة.

 

وهناك تصور يشير إلى إن أحد المشاكل الكبرى التي تواجه الحركة القومية الكردية وذراعها السياسي پ ك ك هي صعوبة إقرار التوازن بين الدفاع عن حقوق ومطاليب الأكراد وبين محدودية العمل ضمن إطار الدستور الموجود الذي لا يعترف بهذه المطاليب بل وحتى يعتبرها جرماً. إن دور الحركة بإعتبارها محور نشاط الأكراد يعزز من الفكرة القائلة بأن الحركة تبدو أكثر فأكثر متعلقة بالأكراد فحسب. ولذا فإن الأعضاء الاشتراكيين الأتراك الذين يعبرون عن عدم رضاهم عن هذا التوجه للحركة ينفصلون عنها. وفي هذا الإطار جرت عدة أحداث ومن بينها إنزال العلم التركي في مؤتمر الحزب الديمقراطي الشعبي عام 1996 ، وتنظيم الإعتصامات ضد إعتقال أوجالان مما شدد من هذه الظنون وأثار القلق من إحتمال أن يؤدي ذلك إلى تعاظم الإضطرابات في تركية.

شارك حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات عام 2015 مستنداً إلى التجارب التي كدستها الحركة القومية الكردية والمنظمات اليسارية الأخرى. وفي غرب تركية اختار حزب زعماء العلويين أفراداً من أمثال تورگوت اوكر وعلي كنان اوغلو ومسليم دوغان لخوض الانتخابات في أزمير. وترشح نشطاء اشتراكيون معروفون مثل "ارطغرل كورچو في أزمير" و "سري ثريا اوندر" في انقرة. كما تم ترشيح فيليز كرستجي اوغلو الناشطة النسوية وكارو پايلان المناضل من أجل حقوق الأرامنة وهدى كايا الكاتبة الاسلامية المدافعة عن حقوق المرأة على قائمة حزب الشعوب الديمقراطي في اصطنبول. وركز الحزب في المناطق الكردية على ترشيح رموز تلقى التأييد من قبل المتدينين وزعماء القبائل مثل "آلتان تان" في ديار بكر و "مهمت دير دنگير فرات" في مرسين الذين كانوا ينشطون في الأحزاب الاسلامية. كما قام الحزب بترشيح اشخاص قادرين على الفوز في المناطق التي تسكنها الأقليت القومية مثل العرب في محافظات شانلي وأورفلي ومارين. وهكذا إزدادت مواقع حزب الشعوب الديمقراطي في المجتمع ومكنه من الحصول على 13% من الأصوات في سابقة لم تحدث في انتخابات ماضية. فقد إزادت الآراء في مناطق تقليدية يقطنها الأكراد جنوب شرقي تركية وفي المدن الكبيرة غربي البلاد التي تسكنها جالية كردية. وحصل الحزب على ما يزيد على  6 مليون صوت في المحافظات التي يقطنها أكثرية من الأكراد.

 

وخلال فترة تزيد على عقد من الزمن، أحرزت الأحزاب المناصرة للأكراد نتائج جيدة في هذه المناطق، ولكن حزب الشعوب الديمقراطي استطاع أن يزيد من حصوله على الآراء وحصد أصواتاً أكثر في ديار بكر ثم في وان وماردين وباتمان وشرناق وآغري وموش وآردهان وحاكاري وسيرت وبيتليس وقارص وايغدير وتونجلي. وعلاوة على ذلك فإن الحزب احتل المرتبة الثانية في ثلاث محافظات أخرى جنوب شرقي تركية. إن الوفاء والعلاقات المذهبية والقبلية في هذه المحافظات قوية إلى حد أنها مكنت الحزب من أن يتجاوز منافسيه. وتعاظم الدعم للحزب بشكل مثير في اسطنبول حيث يشكل الكرد خمس سكانها، وحصد الحزب أكثر من مليون صوت وأحتل المركز الثالث بين الأحزاب الكبرى. في السابق كان المرشحين المستقلين وأنصار الأكراد يتحددون في المناطق التقليدية التي يحتمل الفوز فيها، إلاّ أن هذه المرة قدم حزب الشعوب الديمقراطي مرشحين في سائر أنحاء تركية. وخاض التنافس الانتخابي حتى في خارج تركية وفي بعض الدول الأوربية وأحتل مكانة متقدمة بين الناخبين الانجليز. ووجهت حصيلة الانتخابات صفعة وفشل لحزب العدالة والتنمية وفقد 9% من الآراء التي حصل عليها في انتخابات عام 2011، وبذلك فقد الأغلبية المطلقة في البرلمان. كما أن الحزب الكمالي الجمهوري فقد مواقعه تدريجياً وأصبحت أكثر رخوة. وهكذا استقبل بارتياح كل من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية المتطرف اليميني نتائج الانتخابات. 

 

هناك عدة عوامل لعبت دوراً في فقدان حزب العدالة والتنمية مواقعه الاجتمعية بين الأكراد. فقد تلطخت بالوحل صورة الحزب الذي كان يدعي الليبرالية بعد حادثة پارك گزي**. كما أن السياسة الخارجية هي الأخرى تركت أثراً سلبياً حاداً لدى الأكراد. وفي خلال موجة الاحتجاجات الداخلية في سورية عام 2011 والتي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية، طالب اردوغان باستقالة الأسد وتسليم السلطة إلى حكومة جديدة وذلك بهدف توسيع نفوذ تركية في المنطقة. وخلافاً للتوقعات واجه الأسد التهديدات والتحديات واستغل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، تؤام پ ك ك في سوريا، الفرصة وأعلن منطقة للحكم الذاتي للأكراد بأسم "روژاوا" (غرب كردستان)، وقام بتأسيس ذراعه المسلح المعروف بأسم وحدات الدفاع الشعبية (YPG). وأصبحت الظروف غير مواتية لأردوغان.  لقد سعى حزب الاتحاد الديمقراطي وفي ظروف صعبة وغير ملائمة إلى تطبيق أفكار اوجالان  بإقامة حكم ذاتي ديمقراطي، ولكنه ما لبث أن فوجئ أنه على خط الجبهة في مواجهة داعش. لقد كان كلا الطرفين على بعد بضعة كيلومترات من الحدود التركية في خريف عام 2014. واعتبر اردوغان والناطقون بأسم حزب العدالة والتنمية إن المواجهة بين YPD وبين داعش هو صراع بين منظمتين إرهابيتين، وامتنعا عن تقديم العون إلى المناضلين في كوباني. وقد أثار الموقف الرسمي التركي احتجاجات واسعة داخل تركية وتم قمعها بقسوة من قبل الأجهزة الأمنية مما أدى إلى سقوط 46 قتيل. ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة حليفة تركية بادرت إلى دعم YPD بواسطة الأسناد الجوي. فالولايات المتحدة كانت على اعتقاد بأن YPD هي القوة الوحيدة على الأرض التي تستطيع الوقوف بوجه داعش. وقد أثار موقف الولايات المتحدة موجة من الغضب لدى حزب العدالة والتنمية. فهذا الحزب كان لا يميز بين حكومة "روژآوا" وبين "ارهابيي" پ ك ك. ولقدد أفلح YPD في حصار كوباني وسيطر على مناطق إضافية.

 

اغلقت الأحداث في سوريا الأبواب بوجه أية نتيجة ايجابية للمحادثات بين ممثلي الحكومة التركية و پ ك ك. وقد جرت المحادثات في فترة الهدنة بين سنة 2013 و سنة 2015. وقد ترأس حلسات هذه الدورة من المباحثات ممثلي الحكومة وممثلي حزب الشعوب الديمقراطي وأوجالان في سجنه وأعضاء آخرون في پ ك ك. وكان من المقرر أن يصدر إعلان من 10 نقاط حول استمرار المباحثات في شباط 2015. ولكن بعد أحداث كوباني، انعدمت الثقة بين الطرفين المشاركين في المباحثات، وأثر ذلك على النتائج التي جرت في حزيران عام 2015 حيث تدنت أصوات الناخبين لصالح حزب الشعوب الديمقراطي. واستهدف حزب العدالة والتنمية غريمه حزب الشعوب الديمقراطي، وأعلن رفضه لنتائج الانتخابات حيث كانت أصوات حزب الشعوب الديمقراطي أقل من 10%. ونتيجة لذلك تمتع حزب العدالة والتنمية بأكثرية الأصوات داخل البرلمان وأصبح بإمكانه تشكيل حكومة الأكثرية.

إن سعي حزب العدالة والتنمية لمركزة كل السلطات بيده دفع الكثير من الناخبين ولأسباب تكتيكية إلى التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، لكون الأخير هو الحزب الوحيد القادر على حماية المؤسسات الديمقراطية في البلاد. وتأمل الكثير من الناخبين أن يؤدي فوز حزب الشعوب الديمقراطي إلى تمهيد الطريق صوب الحل السلمي للمواجهات مع پ ك ك . ولكن كل المؤشرات كانت تدل على أن أردوغان سوف لا ينصاع لهذه القضية. وقدد أعلن أردوغان بصراحة في نيسان عام 2015 أن "اتفاقية دلمه باغچه" لم يعد لها وجود، وهي الاتفاقية التي وُقِّعت قبل شهرين من قبل ممثلي الحكومة التركية وممثلي حزب الشعوب الديمقراطي. وعارض حزب العدالة والتنمية مطاليب الأكراد بالحكم الذاتي والاعتراف بالهوية الكردية في الدستور التركي. وعبر اردوغان عن غضبه من نتائج الانتخابات، لأنها حرمت حزب العدالة والتنمية من السيطرة المطلقة على البرلمان التي حرم منها بعد أحداث پارك گزي وفي جبهات أخرى. ومن أجل القيام بقمع الحركة الكردية، توجه أردوغان صوب التحالف مع الحركة القومية "آغازيد". كما بادر حزب العدالة والتنمية إلى تقوية الأحزاب الإسلامية مثل "حزب مطالبه آزاد" والمجاميع المرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بزعامة مسعود البارزاني، الحليف القريب من أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

 

واقترنت هذه الإنعطافة الشوفينية ببدء الحرب من جديد بين القوات الأمنية التركية و پ ك ك بعد انهيار اتفاق الهدنة بين الطرفين. واستخدمت حكومة أردوغان كل وسائل القسوة لقمع كل كري يخالفها في الرأي. ولجأت قيادة پ ك ك إلى خارج تركية واستقرت في جبال قنديل شمال العراق بعد أن فقدت الأمل في المفاوضات مع أوجالان وحزب العدالة والتنمية، واستخدمت وسائل العنف مقابل العنف الذي كارسته الحكومة. وعادت المواجهات الجديدة بالذاكرة إلى المواجهات التي جرت في عقد التسعينيات مع بعض الاختلافات السياسية. فقد تأثر بهذه المواجهات الجديدة الأكراد القاطنين في المدن بنفس القدر الذي تأثر بها القاطنين في الضواحي. وفي منتصف عام 2016، استهدف الجيش التركي مواقع پ ك ك في المدن وأحدث دماراً عبثياً في مدينة ديار بكر. وتكرر الأمر في مدن شيرناك وجزيره ونصيبين حيث ألحقت القوات التركية خراباً هائلاً فيها. وحسب الوكالة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن القوات التركية قتلت مئات المواطنين، ومارست الإعدام الجماعي والتعذيب والاغتصاب. وأدت هذه العمليات إلى تشريد أكثر من مليون كردي من بيوتهم. وقامت منظمة غير معروفة تحت أسم "صقور كردستان الحرة"(بازها كردستان آزاد) بعمليات انتحارية ضد الجنود الأتراك والشرطة والمواطنين في غرب تركية وتصاعد التوتر في البلاد.

 

إن النهج الذي اتبعه أردوغان تجاه القضية الكردية في تركية تم تحت تأثير التحولات في سوريا. فقد خشي حزب العدالة والتنمية من أن تثبيت منطقة الحكم الذاتي (روژآوا) بشكل دائم سيؤدي إلى تغيير ميزان القوى لصالح الأكراد، خاصة وإن الوحدات المسلحة التابعة لـ YPG ضمن قوات سوريا الديمقراطية تلعب دوراً محورياً ضد داعش. علماً أن قوات سوريا الديمقراطية تضم ميليشيات عربية وتتلقى المساعدة والدعم العسكري من الولايات المتحدة مما يعرقل ويعقد برنامج ودور تركية في منع تقدم الأكراد. ومع ذلك فإن واشنطن لم تعترف رسمياً بـ YPG لأسباب سياسية وبقيت في مناطق محاصرة من قبل الأعداء. في آب 2016، قامت القوات التركية في شمال سورية في الظاهر بأخراج داعش من المناطق الحدودية، ولكنها في حقيقة الأمر كانت تسعى إلى منع الأكراد من التقدم أكثر واشغال مناطق جديدة. واستهدفت القوات الجوية التركية مناطق في سوريا وفي قرب جبل سنجار لضرب مواقع YPG كي تستعد تركية لمواجهة المجاميع القريبة من ب ك ك عبر العمليات العسكرية.

وفي مثل هذه الظروف، ومع بدء المواجهات وتصاعد الموجة الشوفينية التركية والدعاية الواسعة في التلفزة عند تشييع الجنود وأفراد الشرطة، جرت الانتاخبات الثانية من أجل الخروج من مأزق الانتخابات التي جرت في تشرين الأول عام 2015. وقد استند حزب العدالة والتنمية هذه المرة على المشاعر القومية لجذب القواعد الاجتماعية لحزب الحركة القومية كي يحصل على الأغلبية البرلمانية. وقد ازدادت أصوات الناخبين لصالح حزب العدالة والتنمية بمقدار 9%، وحصل الحزب بشكل عام على نسبة أقل من 50% من أصوات الناخبين الأتراك. أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد خسر بعض الأصوات باختلاف بسيط عن الانتخابات السابقة ليحصل على 10% من الأصوات. وتعرض الحزب إلى حملة مركزة من قبل الناطقين بأسم الحكومة ووسائل الإعلام حيث وجهت له الاتهام بأنه يمثل خطراً على الديمقراطية التركية. وفي هذا السياق جرت غارات على مكاتب الحزب من قبل شقاة القوميين. وجرى هجومين انتحاريين قبل ثلاثة أسابيع من بدء الحملة الانتخابية على مسيرة للسلام في انقرة بدعوة من حزب الشعوب الديمقراطي، وأودى الهجوم بحياة 109 مواطن. وشنت الشرطة هجوماً بالغاز المسيل للدموع على من نجا من هذه المجزرة. واتهمت داعش بالتفجيرات، ولكن قيادة حزب الشعوب الديمقراطي وجهت الاتهام إلى الحكومة التركية وأحد وزراء حزب العدالة والتنمية التركية ممن كان له علاقة بالإرهابيين والمتآمرين. واتهم بعض وزراء حزب العدالة والتنمية حزب الشعوب الديمقراطي بالمسؤولية عن الحملة، وعبر أحد مراسلي التلفزيون الحكومي إن عدد الضحايا ما هم إلاّ "بضعة" أشخاص أبرياء من ضباط الشرطة والمنظفين وعابري السبيل ومواطنين كانوا يتجهون صوب أعمالهم!!!

 

وأحيى حزب العدالة والتنمية نفس هذا الاسلوب القمعي الرسمي المتبع ضد الأحزاب المناصرة للأكراد بعد الانتخابات في الأحياء، وسعى إلى قلع جذور المنظمات والمؤسسات التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي. ورفع البرلمان التركي الحصانة عن ممثلي حزب الشعوب الديمقراطي. ويقبع الآن في السجون زعماء من الحزب من أمثال سليمان دميرتاش و فیگن یوکسکداغ وآخرين من السياسيين الحزبيين البارزين، كما إضطر نائبان أخران هما "فیصل سریییلدیز" و "طوبی هاجر" إلى الهروب خارج البلاد لتفادي الملاحقات القضائية. وفي أيلول 2016 جرت المصادقة على مرسوم يعطي للحكومة الصلاحية بإعفاء رؤوساء البلدية المنتخبين في جنوب شرقي البلاد من مناصبهم وتعيين أفراد يدينون بالولاء للحكومة. وحتى كتابة هذه المقالة ، فقد جرى ايداع 85 من رؤوساء البلدية السجن بسبب انتمائهم لـ DBP أو أنهم قريبون إلى حزب الشعوب الديمقراطي. ووجهت مختلف الاتهامات له مثل الدعاية لحزب إرهابي ( القصد منه پ ك ك) أو اتهام عضوية پ ك ك وأتهامات أخرى من أجل فرض أحكام ثقيلة على السجناء. ويوجد لحد الآن ستة آلاف سجين من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي. واستهدفت حكومة أردوغان النخب الاجتماعية والمدنية والعاملين في الاعلام الكردي. وتعرض أكثر من 1100 جامعي إلى الملاحقة بسبب توقيعهم على عريضة طالبوا فيها بالحل السلمي للقضية الكردية، وقد تم إطلاق سراح 360 منهم. وقامت السلطات التركية بتعطيل جريدة " اوزگور گوندیم" والشبكة التلفزيونية المناصرة لحزب الشعوب الديمقراطي، وجرى التهديد بالطرد من سلك التعليم لأكثر من 11 ألف معلم يساري وأعضاء نقابة التربية والتعليم باتهام علاقتهم بـ پ ك ك.  

 

بعد الانقلاب الفاشل في حزيران عام 2016، أتخذ هذا المنحى تسارعاً أكثر شدة. وانتهز حزب العدالة والتنمية هذه الفرصة كي يشدد من ضرباته ضد منافسيه وأعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، ومازال يمدها حتى الآن لعدة مرات. كما قام اردوغان بدعم من حزب الحركة القومية المتطرف من تغيير الدستور لفرض النظام الرئاسي وعرضه للاستفتاء في نيسان عام 2017. وفي ظل الأوضاع المتوترة وتصاعد العنف والرعب ومع مظاهر التزوير في الاستفتاء لم يحصل اردوغان إلاّ على 51,4 لصالح تغيير الدستور مقال 48,6 % من المعارضين. ومع النصر الذي أحرزه أردوغان في الاستفتاء، تسنى له تثبيت موقعه في رئاسة الجمهورية وتحقيق حلمه الذي كان يراوده منذ فترة طويلة، وسيؤدي ذلك إلى تشديد قمعه للمعارضين. ولكن بسبب الفارق في الآراء الذي يعزز من قناعة الرأي العام بتزوير الاستفتاء، فإن وسطاً واسعاً من المجتمع التركي سيبقى معارضاً للنظام الرئاسي. وليس من الواضح إن تركيبة السلطة الاستبدادية التي يسعى إليها أردوغان بإمكانها أن تحافظ على النمو الاقتصادي في البلاد.

 

في أثناء تراجع المواجهات، اتيحت لحزب الشعوب لديمقراطي الفرصة كي يواجه الدعوات الأمنية والقومية للحكم في تركية، ولكن مع الشروع مجدداً بدق طبول الحرب والقيود السياسية فإن رسالة الحزب للسلام سوف لم تجد لها إذناً صاغية بين أوساط الشعب. كما إن دعوة الحزب لفترة طويلة بالحل السلمي للقضية الكردية أصبحت معقدة، ولا يظن بأن الحزب في ظل أجواء العنف المقترنة بالتسلط سوف تتاح له الفرصة بأن يستعيد النجاحات التي أحرزها في الانتخابات السابقة. ومن المحتمل أن يستمر القمع لفترة معينة، وسيبقى مستقبل الحزب مرهوناً بالأفق السياسي في تركية، وهل سيستطيع الحزب أن يتحمل تبعات القمع. لقد أقام الجزب شبكة من الصلات قوية واسعة، ويستند الحزب على حركات وتقاليد سياسية لها تاريخ قديم من المقاومة. كما يتمتع الحزب بروابط متينة مع القوى اليسارية في أوربا  حيث  يصبح بإمكانه أن يحشد المعارضة الدولية ضد  أردوغان. وعلى الرغم من الملاحقات القضائية التي يتعرض لها الحزب، فإنه على عكس المنظمات اليسارية التركية الأخرى، التي لم تستطع أن تقف بوجه انقلاب عام 1980، فإن حزب الشعوب الديمقراطي سيحتفظ بدوره السياسي لمدة طويلة. لقد كان نجاح الحزب يمثل نوعا جديدا من السياسة التي لم يمارسها إلا عدد قليل في تركيا، سياسة يمكنها تلبية مطالب مجتمع يرنو إلى العدالة  والسلام  والثقافة، مجتمع ثقافي، وهي أدوات رمزية لمن يناضل في صفوف حزب الشعوب الديمقراطي.

---------------------

*منظمة الذئاب الرمادية وتسمى أيضا منظمة الشباب المثالي، وهي منظمة تركية يمينية متطرفة تعتبر الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية. هذه الحركة  تعارض أي تسوية سياسية مع الأكراد، كما أنها معادية للسلطة التركية، وقد سبق أن اتهمت بالإرهاب. م

 

* احتجاجات منتزه غيزي في تركيا. بدأت موجة من المظاهرات والاضطرابات المدنية في تركيا في 28 أيار 2013، في البداية كان التنافس على خطة التنمية الحضرية لمجمع ميدان غيزي في إسطنبول. وأثارت الاحتجاجات غضبًا جراء الإجلاء العنيف للاعتصام المُقام في الحديقة احتجاجًا على الخطة.[  في وقت لاحق، عمت الاحتجاجات والإضرابات في جميع أنحاء تركيا، احتجاجًا على مجموعة واسعة من المخاوف في جوهرها قضايا حرية الصحافة والتعبير والتجمع، وتجاوز الحكومة على العلمانية التركية. وبسبب عدم وجود قيادة مركزية تتجاوز التجمع الصغير الذي نظم الاحتجاج الأصلي. ولعبت وسائل الإعلام الاجتماعية دورا رئيسيا في الاحتجاجات، في حين قلل الكثير من وسائل الإعلام التركية من أهمية الاحتجاجات، وخاصة في المراحل الأولى. وهناك تقدير بأن ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص (من سكان تركيا البالغ عددهم 80 مليون نسمة) قد شاركوا بنشاط في حوالي 5000 مظاهرة في جميع أنحاء تركيا مارتباطاً باحتجاج حديقة غيزي الأصلية.[  وقتل 11 شخصا وأصيب أكثر من 8000 شخص بجراح، وكان العديد منهم في حالة خطيرة. تم استعادة الاعتصام في حديقة تقسيم جيزي بعد انسحاب الشرطة من ساحة تقسيم في 1 يونيو، وتطورت إلى معسكر تشبه احتلال، مع الآلاف من المتظاهرين في الخيام، وتنظيم مكتبة، ومركز طبي، وتوزيع المواد الغذائية، ووسائل الإعلام الخاصة بهم . وبعد أن تم تطهير مخيم بارك غيزي من قبل شرطة مكافحة الشغب في 15 حزيران، بدأ المتظاهرون يجتمعون في حدائق أخرى في جميع أنحاء تركيا ونظموا منتديات عامة لمناقشة سبل المضي قدما للاحتجاجات. لقد وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المتظاهرين بأنهم "عدد قليل من اللصوص" . وقمعت الشرطة الاحتجاجات بالقنابل المسيلة للدموع ومدافع المياه. وبالإضافة إلى 11 حالة وفاة وما يزيد على 000 8 إصابة، ألقي القبض على أكثر من 000 3 شخص. وقد انتقدت بعض الدول الأجنبية والمنظمات الدولية استخدام القوة المفرط من قبل الشرطة والغياب العام للحوار الحكومي مع المتظاهرين. ووصف ناطاق باسم المتظاهرين بأنه أوسع احتجاج وضم كلا من اليمين واليسار.[  وتراوحت مطاليب المحتجين قضايا البيئية وإلى قضايا مثل استبداد رجب طيب أردوغان، والحرب في سوريا. م

7/12/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.