اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

أن توجه غضبك قبل ان يوجهه آخرون// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أن توجه غضبك قبل ان يوجهه آخرون

صائب خليل

13 شباط 2018

 

من السهل ان نغضب، ولكن ليس سهلاً ان نوجه غضبنا. فالغاضب يشعر بالاختناق ويريد أن يضرب، والتوجيه يتطلب منه ان يهدأ ليفكر... ليس هذا سهلا، لكنه إن لم يفعل، فقد يقضي الوقت يتقافز كالسمكة خارج الماء، حتى يختنق.

 

هذه دعوة للتفكير رغم الغضب، وهي ذات الغاية لمقالاتي القليلة السابقة التي حاولت فيها أن اطرح بعض الأسئلة الأساسية لكشف مصدر الخلل الذي أوصل العراق الى ما وصل اليه، ولعل الحل يتضح من بين سطور تلك الأسئلة والحقائق التي تكشفها. لكن الأمر لم يكن سهلا، لأن تلك الحقائق كانت تحطم مفاهيم صارت شبه ثابتة. كانت ردود الأفعال غاضبة وبشكل خاص عندما نبين أن الكثير مما كان الجميع يوجه سهام اللوم اليه، لم يكن المشكلة الحقيقية، مثل سانت ليغو أو كون مفوضية الانتخابات مقسمة بين الكتل أو غيرها، وأن المواطن وإهماله سبب رئيسي في الفساد السياسي والمالي الذي حل ببلده.

 

إن كماً من الغضب ضروري للحركة، وشعب بلا غضب على الظلم شعب ميت لا رجاء فيه. لكن كماً من الهدوء اللازم للتبصر، ضروري لرؤية الخارطة وتوجيه ذلك الغضب. فإن فشلنا في تحقيق الغضب متنا، وإن فشلنا في تحقيق الهدوء ضعنا وانتهينا ايضاً. المعركة ليست بسيطة لكي يحسمها الغضب وحده، والطريق ليست واضحة ليمكن رؤيتها بنظرة سريعة، والتشويش والتمويه المتعمد يملأ الجو بسموم إعلام تم تأسيسه لهذا الغرض بالذات. وهذا يزيد من الصعوبة ويتطلب المزيد من الجهد وبرود الأعصاب ووزن الاحتمالات وما يمكن تحقيقه. لكن الغاضب يريد أن ينتقم ويأخذ حقه كاملا، ولا وقت لديه ليسمع.. الغاضب يريد ان يضرب. إنه مصمم أن يقتلع أية شجرة أو صخرة توضع في طريقه، لكنه لا يدرك أن بعض المعارك لا تحسم بالاندفاع وحده، ولم يحسب أن صياده ربما يكون قد اعد له بدلا من الصخور والأشجار.. حفرة!

 

الشعارات البسيطة المريحة والمناسبة للغضب المنفلت مثل "الكل فاسدون" ... "شلع قلع" وأمثالها، لم ولن تؤدي إلى شيء. صحيح أن فيها ما يكفي من الغضب للحركة، وفيها من اللذة والشعور بالقوة ما يضمن إدامتها، لكن فيها من العمومية والتعمية ما يكفي لمنعها من أنجاز أي شيء. وكل ظني أن من أطلقها، إنما أطلقها لأنه يعلم أنها لا تؤدي إلى شيء، ثم تلقفها الغافلون والغاضبون. وإلا، فهل هو صعب أن نرى أنه بعد سنين من ترديد هذه الشعارات لم نر فاسداً يحاكم بالأدلة ويحكم؟ ولا “شلع” أحد بتهمة محددة مثبتة أو “قلع”؟

 

هل أن مرددي هذه الشعارات الغاضبة لم يتمكنوا حقا من تثبيت تهمة على أحد؟ لدينا وزير الدفاع مدان في البرلمان بتزوير صفقة بنادق وإبدال العقد إلى نوع من البنادق الرخيصة والفاشلة في الفحص، حسب لجان متتالية، ولنترك القضايا الأخرى. لماذا لم يقم عليه أحد دعوى؟ هاهو يعود إلى الانتخابات وفي كتلة رئيس الوزراء العبادي نفسه! وعلى ذكر رئيس الوزراء، لماذا لم يقدمه أحد من الهاتفين بالفساد للمحاكمة على صفقات الجوال التي كشف حتى الأمريكان فسادها بوثائق رسمية؟ وهل كان أيهم السامرائي الذي قام الجيش الأمريكي بإخراجه عنوة من السجن وتهريبه، سيجرؤ على التفكير بالعودة الى العراق لو أن لأصوات الغضب العام والعارم هذه أية مصداقية؟ أليس هذا كافيا لرؤية الخدعة؟

 

ليس كافيا كما يبدو، فما زالت ذات الأبواق تجرؤ على تكرار نداءاتها المزيفة، ومازال الناس مستعدين للهتاف وراءها. لكني احذر أن الوقت لا ينتظر من يتأخر كثيرا في الفهم... وان الفرص قلما تعود.

 

لكن لماذا يريد أحد إغضابنا؟ ما الذي يستفيده من ذلك؟ إنه يأمل أنه إن تمكن من إغضابنا بشدة، فسوف يتعذر علينا التفكير، فيسهل على أدواته المتمركزة في الاعلام توجيه غضبنا نحو ما يريده هو! وما يريده هو، نعرفه جيداً.

ولم يكن ذلك صعباً فالجميع مصدوم مما وصل العراق إليه، ويشعر أنه تم خذلانه وخداعه من قبل الذين ائتمنهم وأنه أخذ على حين غرة. لكن الحقيقة أن أحداً لم يؤخذ على حين غرة، فقد كان امامنا كم هائل من الحقائق الصارخة التي تكفي وتزيد لرؤية ما ينتظرنا لمن يريد أن يرى. حقائق لا يمكن لمن يتجاهلها إلا أن يدفع ثمنها غاليا في المستقبل، وها قد جاء المستقبل، وحل يوم الحساب.

 

هل نبدأ بتعداد تلك الحقائق؟ سنفعل بالتأكيد، حين نشعر بجدواها. أما اليوم فسنكون سعداء بأن نخطو الخطوة الأولى: أن نتذكر أن الغضب لا يكفي، وأن استمرار القدرة على التفكير في نفس الوقت، ضرورة لا مفر منها. علينا ألا ننسى أنه رغم أن الاندفاع ضروري، لكن زخمه الزائد يقلل المرونة والقدرة على تغيير الاتجاه إذا تطلب الأمر.. العاطفة هي الدافع الأساسي للحركة، لكن العقل هو المقود الذي بدونه، لا تنتهي الحركة إلا بالكوارث.

 

إن تذكرنا ذلك ونحن في حالة الثورة والغضب هذه نكون قد خطونا الخطوة الأولى الكبيرة الى الأمام، عندها يصبح الباقي اقل صعوبة وأقل كلفة. أنا لا اريد أن أوجه اللوم لأحد، فلكل شيء سببه وتفسيره. ما آمله هو شرح قلقي، ليس فقط من وضع العراق المخيف في كل شيء، وإنما أيضا في الاتجاه الذي يبدو أنه يتجه اليه والضياع الذي يحيط بنا من كل مكان واختلاط المهم مع ما هو غير مهم. لقد دفعنا الأمور، بأخطائنا وخطايانا إلى وضع لم يعد فيه منافذ عظيمة. علينا أن نهدأ قليلاً لنفكر بحقيقة وضعنا وأين هو الخطر الأكبر وعلى اية عروة يمكن ان نستند لزيادة فرصنا في الإفلات منه. ما الذي أدى الى الحالة التي نجد أنفسنا اليوم فيها. هل المشكلة في نظام انتخابات القوائم وأن الحل في الانتخاب الفردي؟ أم اننا أسأنا اختيار الأشخاص فقط؟ أم أننا انتخبنا شرفاء لكن الأصوات زورت؟ أم أنها لم تزور بل ازيحت جانبا وجيء بأناس لم ننتخبهم ولم نسمع بهم؟

 

لماذا هي مهمة هذه الأسئلة؟ لأنه إن كان التزوير هو المشكلة فعلينا ألا نتظاهر ضد سانت ليغو وإنما ضد التزوير، وأن نبحث عن الطرق التي نمنع التزوير بها أو نقلله إلى اقصى حد ممكن، وإلا كانت جهودنا بلا معنى. وإن كنا فشلنا لأننا نسيء الانتخاب وننتخب اللصوص، فلا فائدة من تغيير نظام الانتخابات أو بذل الجهد لمنع التزوير، أو منع التدخل الأجنبي في تشكيل الحكومة. وإن كان الأمر أن هناك من يضع لنا حكومتنا باختياره تعيينا بغض النظر عن اصواتنا وعمن ننتخبه لمجلس النواب، فلا معنى لبذل الجهد لاختيار النواب الجيدين ولا معنى لمنع التزوير، وسيكون علينا أن نركز جهودنا للبحث عن طريقة تجعل من هذا الأمر مستحيلا أو صعبا ومكلفا على من يفعل ذلك في المرة القادمة!

 

لا شك طبعاً أن المشكلة ليست مفردة وإنما أمامنا خليط من التزوير والتدخل والجهل والكسل، لكن رغم ذلك يجب فرز المشكلة الأساسية التي تتسبب في تسليم البلد لهذه الحثالات التي نراها، وتوجيه الجهد إلى تلك المشكلة لاستئصالها هي بالذات. لأنه بدون حلها لن نكون ابداً في حال أفضل بل لن نوقف الانهيار إلى الأسوأ مهما نجحنا في تحسين بقية العوامل.

لقد شبهنا الحال بالسمكة خارج الماء تضرب يمينا وشمالا، لكن حالنا في الحقيقة أسوأ منها إن لم ننتبه. فالسمكة تضرب عشوائيا، وقد يساعدها الحظ فتسقط في الماء. أما نحن فلدينا عشرات الآلاف من الإعلاميين الذين يستلمون رواتبهم خصيصاً، لتوجيه سمكتنا بعيدا عن الماء. ففي عالم الصراع السياسي الشرس اليوم، لا مكان للتائهين مهما غضبوا. ومن لا يعرف كيف يوجه غضبه لمصلحته وهدفه، قام غيره بتوجيهه لمصالحه وأهدافه هو، مهما كانت النتائج مدمرة لهذا التائه. وهذا ما ينوون فعله بالضبط.

سنحتاج كثيرا في الأيام القادمة إلى غضبنا لنكسب الشجاعة منه ولنضرب به بعزم، لكن قبل ذلك سنحتاج إلى رؤوسنا لنوجهه إلى رأس الثعبان، قبل ان يوجهه الغير إلى رؤوسنا نحن. 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.