اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

صدام والفخ الأمريكي, غزو الكويت وحرب الخليج الثانية (13)// حامد الحمداني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

صدام والفخ الأمريكي, غزو الكويت وحرب الخليج الثانية

الحلقة الثالثة عشرة

حامد الحمداني

   13/ 2/2018

 

سادساً: نظام صدام في حيرة!

أصبح النظام العراقي واقعاً في حيرة لا يعرف كيف يخرج منها، فهو في الوقت الذي كان يراقب عملية الحشد العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة تتسارع يوماً بعد يوم، ولهجة التحدي الصارمة للرئيس الأمريكي بوش وهو يعلن تصميمه ليس على طرد القوات العراقية من الكويت فحسب، بل ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتقليص قواته العسكرية، وهذا ما أعلنه بوش، ولكن ما كان قد أخفاه كان أعظم، فلقد صمم وخطط لتدمير البنية التحتية للاقتصاد العراقي، وإعادته إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية، كما قال وزير خارجيته جيمس بيكرأثناء لقائه بطارق عزيز في جنيف.

 

لقد جعل الموقف الصارم للولايات المتحدة النظام العراقي يصعّد من تحديه، وإصراره على موقفه، فقد كان خوف صدام حسين من أن يقدم العراق على تقديم تنازلات للولايات المتحدة دون مقابل يمكن أن تؤثر على الموقف العام له، ويثبط همة القوات المسلحة، دون أن يحصل في المقابل على أي شئ.

 

 كما كان خوف صدام من نوايا الولايات المتحدة تجاه العراق حتى لو أقدم على سحب قواته من الكويت، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى أن بوش قد ذهب بعيداً في خططه لضرب العراق مهما كانت الظروف، ومهما فعل النظام العراقي، لأنه قد وجد فرصته التي ربما لا يستطيع الحصول عليها مرة أخرى، لإزاحة ما سماه خطر النظام العراقي على الخليج.

 

لقد حاول صدام حسين، عن طريق الاتحاد السوفيتي، ووسطاء آخرون الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة فيما إذا أقدم على الانسحاب من الكويت، بأن لا يتعرض العراق وجيشه إلى الهجوم، وحرص صدام على أن لا يتحدث عن الانسحاب بصورة علنية، بل ويعلن إصراره على ضم الكويت، وهذا ما أراده بوش بالضبط.

 

 لقد أراد بوش أن يفهم العالم أن لا مفر من استخدام القوات العسكرية ضد العراق، ولذلك فقد أعتبر صدام حسين أي حديث عن ضرورة الانسحاب عمل خياني يرمي إلى إضعاف معنويات الجيش، وأصدر إلى تعميماً إلى كافة أعضاء ومؤيدي حزبه بالامتناع عن الحديث عن الانسحاب. (7)

 وهكذا كتمَّ نظام صدام أفواه الشعب العراقي، ومنعه من إبداء رأيه في أهم مسألة تتعلق بوجوده ومستقبله، فقد كان الشعب العراقي مدركاً تمام الإدراك عمق الكارثة التي ستحل به، بسبب إصرار صدام على سياسته المتهورة، لكنه لم يكن يملك  حولاً ولا قوة، وسيف نظام صدام مسلط على رقابه، وهو ينتظر اللحظة التي يسوقه فيها الجلاد إلى المجزرة.

 

ورغم وجود عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لحكمه إلا أن أساليب القمع الوحشية، وحملات الاعتقالات والتعذيب، والإعدامات بالجملة، جعلت معظم قيادات الأحزاب المعارضة تختار المنفى مجالاً لعملها السياسي، تاركة جماهير الشعب العراقي دون قيادة فعالة، قادرة على تعبئتها والسير بها نحو إسقاط النظام هذا بالإضافة إلى عمق التناقضات في توجهات الأحزاب المعارضة، وكل ما استطاعت عمله هو عقد ميثاق دمشق، وإصدار عدد من القرارات التي لم تستطع أن تفعل شيئاً، وبقيت مجرد أوراق في مهب الريح.

سابعاً: المبعوث السوفيتي بريماكوف يقابل صدام:

في الوقت الذي كانت حرارة الأزمة تتصاعد، والحشود العسكرية تتوالى على السعودية، ظهرت في صفوف القادة العسكريين السوفيت اعتراضات شديدة على سياسة وزير الخارجية [شيفرناتزا]، تلك السياسة التي أصبحت متطابقة مع السياسة الأمريكية، وسببت قلقاً لهم، مما  دفع الرئيس [غورباتشوف]، بعد أن شعر أن العراق قد أعطى السوفيت إشارة حول إمكانية الانسحاب من الكويت إذا ما حصل على ضمانات بعدم تعرضه للعدوان الأمريكي، ليرسل مبعوثاً خاصاً له إلى بغداد، هو السيد [بريماكوف] العضو المرشح للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، وكان اختياره لهذه الشخصية بسبب العلاقة الوثيقة التي تربطه به من جهة، وعلاقات  بريماكوف وصلاته القديمة بصدام حسين، وطارق عزيز، حيث كان بريماكوف يقوم بزيارات متكررة للعراق عندما كان مندوباً لصحيفة البرافدا في الشرق الأوسط.

 

وصل بريماكوف إلى بغداد يوم 5 تشرين الأول، حيث عقد مساء ذلك اليوم اجتماعاً مع صدام حسين، وتباحث معه حول سبل الخروج من الأزمة، وأبلغ بريماكوف صدام حسين، وجهة نظر غورباتشوف، والتي تتلخص بكون الموقف قد بات خطيراً، وإن إصراره على مواقفه سوف يزيد من خطورة الوضع، وإن عليه أن يبادر بأسرع وقت ممكن إلى الانسحاب من الكويت.

كان صدام حسين يبدو عليه التردد والحيرة لكي يعلن عن رغبته بالانسحاب وهو يحدث لبريماكوف: { إنك تطلب مني أن أعلن الانسحاب، وكأن  هذه الكلمة السحرية التي يمكن أن تحل كل المشاكل دفعة واحدة، وأنا لن أقول هذه الكلمة ببساطة، وأضاف صدام قائلاً: وحتى لو انسحبنا من الكويت فإن ذلك لن يكون كافياً لجعل الولايات المتحدة تشعر بالرضا، وانتم ليست لديكم الضمانات التي يمكن أن تقدموها لنا ضد أي هجوم أمريكي}. (8)

وأخيرا أعرب صدام حسين عن قبوله بالانسحاب إذا ما حصل على الضمانات اللازمة بعدم الاعتداء على العراق، وعدم المساس بالنظام القائم. إلا أن بريماكوف أجابه بأن طلب الضمانات سينظر فيها الرئيس الأمريكي بوش، كشرط للانسحاب، وهو الذي أصر على أن يسحب العراق قواته من الكويت دون قيد أو شرط، ويشاركه في إصراره الكونجرس الأمريكي، وكذلك كافة الحلفاء الغربيين.

 

لم يستطع بريماكوف أن يحقق أي تقدم باتجاه حل الأزمة، فقد كان الغرب بزعامة الولايات المتحدة مصراً على ضرب العراق، و كان صدام حسين يخالجه نفس الشعور بأن الولايات المتحدة عازمة على تحطيم القدرات العسكرية والاقتصادية للعراق، وربما استغلت انسحاب الجيش من الكويت لتوجه له الطعنات في ظهره.

 

ثم انتقل بريماكوف إلى الحديث مع صدام حسين حول مسألة الخبراء السوفيت في العراق والبالغ عددهم [7830 خبيراً]، وضرورة السماح لهم بمغادرة العراق، وقد وافق صدام على مغادرة 1500 خبير كل شهر، وبعد انتهاء الزيارة، غادر بريماكوف العراق، ليقوم بزيارة الولايات المتحدة،  ويقابل الرئيس بوش، ويطلعه على ما دار في المباحثات التي أجراها مع صدام حسين.

 

 إلا أن الرئيس بوش لم يعر أي أهمية لتلك المباحثات، وكان جلّ اهتمامه ينصب حول معرفة شخصية صدام حسين وتصرفاته، ولم يزد على ذلك شيئاً، وكان في حقيقة الأمر لا يريد أن ينسحب صدام حسين من الكويت فلا يستطيع عندئذٍ تنفيذ السيناريو الذي أعده لتدمير العراق. وعندما ألح عليه بريماكوف ليسمع رأيه في سبل حل الأزمة، أجابه بوش بأنه سوف يلتقي بمستشاريه، ويتباحث معهم، وكان يريد بذلك التهرب من إعطاء أي جواب لبريماكوف، وعاد بريماكوف بخفي حنين دون أن يحصل على أي نتيجة من زيارته لواشنطن. (9)

 

 وفي طريق عودته إلى موسكو، توقف بريماكوف في لندن، حيث التقى رئيسة الوزراء  ماركريت تاتشر لإجراء مباحثات معها حول الأزمة، لكنه وجد تاتشر أكثر بأساً وصرامة وإصراراً على تدمير العراق من بوش، فقد ردت بعنف على بريماكوف قائلة:

{ نحن لا نريد لأي طرف أن يتدخل الآن لعرقلة هدفنا، وليس هناك خيار آخر غير الحرب}.

وعندما حاول بريماكوف أن يشرح لها رأيه في حل الأزمة، أجابته مقاطعة إياه: {لا، لا أريد أن اسمع شيئاً}.(10)

غادر بريماكوف لندن عائداً إلى بلاده، حيث قدم تقريراً للرئيس غورباتشوف عن  نتائج مباحثاته التي أجراها في كل من بغداد، وواشنطن، ولندن، واستمرت دقات  طبول الحرب بالتصاعد في الغرب، وأخذت الحرب تقترب شيئاً فشيئاً، ورأى غورباتشوف أن يبعث بريماكوف إلى بغداد مرة أخرى للالتقاء بصدام، وحثه على الانسحاب بأسرع ما يمكن، وبالفعل وصل بريماكوف إلى بغداد في أواخر تشرين الأول، والتقى بصدام حسين، ونقل له وجهة نظر الرئيس غورباتشوف بضرورة أن يعلن العراق انسحابه من الكويت، قائلاً له: {إن الأيام تمر في غير صالح العراق، وكل  يوم يمر تتغلب كفة المتشددين في الغرب، الذين يلحون على توجيه الضربة للعراق}.

 

لكن صدام حسين أصّر على موقفه بالحصول على ضمانات بعدم الاعتداء، وبتزامن الانسحاب مع انسحاب القوات الأمريكية والحليفة، ورفع الحصار عن العراق، والحصول على منفذ على الخليج. غادر بريماكوف بغداد متوجهاً إلى باريس لمقابلة الرئيس غورباتشوف الذي كان في زيارة رسمية لفرنسا، وليطلعه على نتائج رحلته إلى بغداد، وقام غورباتشوف بدوره بإطلاع الرئيس الفرنسي [فرانسوا ميتران] على تطورات الأزمة، ومحاولات بريماكوف نزع فتيل الحرب، وقد أكد ميتران  أن انسحاب القوات العراقية من الكويت دون قيد أو شرط، هو السبيل لتفادي الحرب. 

 

تاسعاً:صدام حسين،ومسألة الرهائن:

 ركزت الدول الغربية الكثير من اهتمامها لمسألة الرهائن، الذين أحتجزهم نظام صدام، وهدد بتوزيعهم على كافة المراكز العسكرية والاقتصادية، كدروع بشرية ضد أي هجوم محتمل من قبل القوات الأمريكية والحليفة. وقد سارع مجلس الأمن بإصدار القرار 664 في 1990 والذي دعا النظام العراقي إلى السماح للرهائن بمغادرة العراق، وحمله مسؤولية الحفاظ على حياتهم، لكن صدام أصر على احتجازهم مدعياً بأنهم ضيوف على حكومة العراق!!.

وإزاء هذا الموقف المتعنت من صدام حسين، باشرت الدول الغربية بإرسال العديد من الشخصيات السياسية، غير الرسمية إلى العراق، لمقابلة صدام حسين والتباحث معه حول مصير الرهائن، وكان من أبرز الشخصيات التي زارت العراق والتقت بصدام كل من[كورت فالدهايم] رئيس جمهورية النمسا، والأمين العام السابق للأمم المتحدة، و[ولي برانت] المستشار السابق لألمانيا الغربية، وزعيم الحرب الاشتراكي الألماني، و[إدوارد هيث] رئيس وزراء بريطانيا السابق و[ناكاسوني] رئيس وزراء اليابان السابق، وغيرهم من الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً، يوماً ما في السياسة الدولية، وفي حقيقة الأمر، كان مجيء هؤلاء الزعماء إلى بغداد يرمي إلى تحقيق هدفين في آن واحد:

 الهدف الأول:

 السعي لإطلاق سراح الرهائن الغربيين، والسماح لهم بمغادرة العراق، قبل أن تقع الواقعة، وتنشب الحرب، وهم يدركون أن الحرب واقعة لا محالة، وبالفعل استطاع هؤلاء أخذ أعداد كبيرة من الرهائن معهم، عند مغادرتهم العراق، بعد الزيارة.

 الهدف الثاني:

 كان يرمي إلى التعرف عن كثب عما يدور في ذهن صدام حسين  وتكوين فكرة دقيقة عن شخصيته، وقد بذلت تلك الشخصيات جهوداً كبيرة في محاولة إقناع صدام بالسماح للرهائن بمغادرة العراق، محذرين من أن وجود هؤلاء لن يمنع الحرب، فأمام المصالح الاقتصادية الغربية في منطقة الخليج، يهون كل شيء.

 

كانت تلك الشخصيات تستغل وجودها في العراق ولقائها بصدام حسين لتثير معه مسألة الغزو العراقي للكويت، وخطورة الوضع بالنسبة للعراق  مؤكدين على ضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت فوراً لنزع فتيل الحرب. لكن صدام لم يكن مطمئناً إلى كل النصائح التي قُدمت له، وكان إحساسه أن الحرب ستقع سواء انسحب من الكويت أم لم ينسحب، وأراد صدام أن يخفف من غلواء الغرب حول مشكلة الرهائن، فأخذ يطلق سراح أعداد منهم عند كل زيارة للشخصيات السياسية العالمية، ويسمح لهم بمغادرة العراق بمعيتهم.

وفي نهاية المطاف قرر صدام حسين في 17 تشرين الثاني أن ينهي مسألة الرهائن لعلها تساهم في تهدئة الموقف، فأصدر قراراً بالسماح بمغادرة الرهائن جميعاً قبل حلول عيد الميلاد، وبذلك أسدل الستار على هذه المشكلة. لكن بوش وحلفائه الغربيين قابلوا خطوة صدام بكل برود، ولم تؤثر الخطوة على تصميمهم على توجيه الضربة القاصمة للعراق.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.