اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

قانون.. قرار.. فوضى بيانات؟// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 

قانون.. قرار.. فوضى بيانات؟

سعد السعيدي

 

محاولات تمرير قرارات غير دستورية على الرأي العام

 

مع الاحداث المتسارعة هذه الايام لا يبدو بان احدا يريد تمكين الرأي العام من فهم ما يجري حوله من محاولات فرض خروقات دستورية في مجلس النواب مع فوضى بيانات ومبادرات لتشكل سوابق خطرة في النظام الديمقراطي المعمول به. ويتعمد السياسيون على اختلاف اشكالهم اللجوء الى الصمت والمراوغة لضمان تمرير هذه السوابق.

 

لن نعيد طرح الامور الجانبية في تفاصيل ما سمي بقانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات الاخير الذي اصدره مجلس النواب غير الموقر مثل محتوى مواده او موضوع الجلسة المفتوحة ولا موضوع النصاب. فلا نريد إلا جذب الانتباه الى النقطة الرئيسية التي تهمنا هنا.

فقد رأينا من الاخبار قيام رئيس مجلس النواب بالقفز بنص قانون التعديل الثالث هذا رأسا وبغضون بضعة ايام من مرحلة المقترح الذي اتى من القانونية النيابية الى مرحلة القراءات فالتصويت النهائي دون التقيد بالآلية التي حددها الدستور ، ليطلقوا عليه في النهاية تسمية القانون عند النشر على موقع مجلس النواب. وآلية سن القوانين قد حددها الدستور في المادة (60 \ اولا وثانيا) بشكل واضح. فذكر فيها بان مقترحات القوانين تقدم في مجلس النواب، ومشاريع القوانين تقدم من قبل مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية. اي انه لا يمكن الذهاب الى المراحل اللاحقة لتشريع أي قانون ما لم تطلع هاتان الجهتان على المقترح وتعيده موقعا عليه الى مجلس النواب ليصبح مشروعا يمكن قراءته والتصويت عليه. عدم التقيد بهذه الآلية لن يجعل من اي مقترح قانونا ، بل يبقيه مجرد... قرار. والفرق بين القانون والقرار هو ان الاول يكون ملزما في التطبيق ، على عكس الثاني.

 

وهذا هو ما تأكد لنا من خلال البحث في تواريخ مقترح القانون على موقع مجلس النواب. إذ وجدنا بانه لم يجر إرسال مقترح القانون الى الجهات المخولة دستوريا لتعيده الى المجلس غير الموقر مشروعا لاكمال قراءته ليصبح قانونا بعد التصويت. إنما احتفظ به رئيس المجلس بشكل المقترح حتى لحظة التصويت. وسمي لاحقا بالقانون بعد التصويت عليه ونشره بهذه التسمية على موقع المجلس. وهذا هو خرق دستوري ومحاولة لتمريره على الرأي العام!

 

وطريقة اصدار القرارات هذه هي احد ابتكارات مجلس النواب التي دأب على القيام بها لسنوات مع صمت وتواطؤ من جميع السياسيين. وهو طريقة الفاسدين لاصدار قوانين مزاجية في التفاف على الدستور وتجاوزا عليه، وحيث ان هذا هو من سمات الانظمة الفاسدة.

 

الامر الثاني الذي اثار انتباهنا هو حصول فوضى في اطلاق البيانات المتضاربة من قبل الرئاسات الاخرى في فترة اقل من اسبوعين. فمع قرار مجلس النواب اعلاه حصلنا على بيانين باهتين من رئاسة الجمهورية (في 26 ايار و 9 حزيران) يتكلم عن التوقيتات الدستورية ولا من كلمة حول الخرق الدستوري اياه ، وبيان آخر حكومي حول توصيات اللجنة الوزارية الخاصة بالتحقيق في الخروقات الانتخابية (5 حزيران) سارع مجلس الخاسرين الى المصادقة عليه في نفس اليوم ، قبل يوم من اصداره لقراره غير الدستوري اعلاه! ومن بيان رئاسة الجمهورية الثاني علمنا بتصويت مجلس النواب على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن الانتخابات والخروقات التي رافقتها ايضا لم يوضح احد للرأي العام علاقته مع كل البيانات الاخرى!

 

لا يخرج المرء إلا بانطباع الفوضى المختلقة لدى قراءة كل هذه البيانات والمبادرات غير المترابطة في سياق قانوني ومنطقي واضح. فمصادقة مجلس النواب الخاسرين على توصيات اللجنة الوزارية قبل يوم من تصويته على قراره لا يغير من خرقه الدستوري بشيء. ولم يوضح لنا احد هدف تشكيل نفس المجلس للجنة لتقصي الحقائق بالاتفاق مع رئاسة الجمهورية بعدما قام بالتصويت على خرقه الدستوري وبعدما صادق على التوصيات الوزارية التي لم يبدُ من علاقة لها بالخرق اياه !! فما تكون هذه الفوضى والتضارب ؟ وكان الاجدر بجميع الاطراف الاتفاق اولا على إلغاء قرار المجلس غير الموقر لازالة الالتباسات. إلا ان مجلس الخاسرين وباقي الرئاسات هم كما يعرف الجميع آخر من يهتم بالمواطن والناخب ووضوح العمل السياسي الذي يقومون به.

 

ومع تناغم رئاستا الوزراء والجمهورية مع تصرف المجلس غير الدستوري نرى اضافة اخرى وهو صمتهم عن مباشرة مجلس القضاء الاعلى بتنفيذ بنود القرار النيابي غير الدستوري في استبدال مجلس المفوضين بقضاة... على الرغم من وجود طعن للمفوضية بذلك القرار وغياب اي امر قضائي بوجوب تنفيذ اي قرار! تدخل القضاء هنا في توفير الغطاء على خرق هو سابقة خطرة على النظام الديمقراطي. فاية فوضى وضحالة تكون هذه؟

 

والآن قد علمنا من الاخبار ارسال مجلس الخاسرين لقراره غير الدستوري الى رئاسة الجمهورية (وقبول هذه له) للتوقيع ليحصل على الشرعية. إلا ان مثل هذا الترتيب المراوغ ايضا لن يغير من خرق الدستور شيئا. ولم يخرج احد ليوضح لنا سبب هذه الدماثة والعناية الرئاسيتان ! وكان من الاجدر بمعصوم إقناع المجلس بإلغاء قراره غير الدستوري بدلا من كل هذه الخروقات. لكن اليس نواب حزب معصوم هم من المشاركين في صياغة وتمرير القرار غير الدستوري في المجلس بداية؟

 

بالمقابل ، فالامر الآخر المثير في هذا الموضوع هو موقف تحالف سائرون الفائز في الانتخابات والمشغول فيما زلنا نعتقد بتشكيل الحكومة. فقد قام هذا التحالف في يومين (7 و 8 حزيران) باصدار بيانين متناقضين لا يمكن الاعتماد عليهما في فهم موقف هذا التحالف حول هذه الخروقات للدستور. فالبيان الاول الصادر عن الامانة العامة لتحالف سائرون بدا وكأنه يضفي الشرعية على المبادرة النيابية غير الدستورية. والثاني الذي كان مقابلة لرائد فهمي مع العربية نت بدا وكأنه محاولة لابعاد الشكوك والاعتراضات التي يمكن ان تظهر نتيجة البيان الاول! وما زال هذان البيانان المتناقضان منشوران على الصفحة الرئيسية لموقع الحزب الشيوعي في تشويش كامل للقاريء والمتابع! وهذا لا يشير إلا الى تخبط وارتباك وسوء تقدير باهمية الاعلام. ولن نسأل عن موقف التحالف من محاولات فرض قرارات غير دستورية ومن مباشرة القضاء بتطبيق بنود القرار النيابي غير الدستوري. فلن نحصل على اية اجابة وحيث نرى في هذه النقاط تشابه تحالف سائرون في صمته مع باقي الاحزاب المشار اليها هنا. وكنا نتوقع من هذا التحالف حكمة وبعد نظر في التصرف مع هذه الاحداث ، إلا انه قد خيب املنا فيه وبجدارة في هذا الامتحان الاول الذي يراد فيه تمرير الاعيب وخروقات على الرأي العام وحيث يبدو بان الاحداث تتجاوزه. ولا ندري على ضوء هذه المواقف الضعيفة كيف سيتدبر امره في ادارة البلد إن نجح لاحقا في تشكيل حكومة.

 

تواطؤ الرئاسات مع تصرفات مجلس النواب في تحويل خرقه للدستور الى قانون دستوري يهدف الى ايهام المواطنين بان لاعضاء المجلس غير الموقر وإن خسروا الانتخابات قدرة واوراقا يستطيعون التأثير بها على مجرى الاحداث رغم انف الجميع. فإن استمر المجلس بهذا التدبير الذي ينقصه الذكاء فربما سيحصل على تكرار للهبة الشعبية التي حصلت خلال احداث ما سمي باعتصام مجلس النواب.

هذا التصرف النيابي (والرئاسي لاحقا) هو تجاوز صارخ على الدستور ويتوجب عدم الاخذ به وإلغاؤه. فلا نريد منح الفاسدين سابقة ينجحون من خلالها بمصادرة ارادة الناخب بالتجاوز على القانون. وعلى الفاسدين الخاسرين الانتباه الى انكشاف محاولة ايهام الرأي العام بهذه اللعبة النيابية. ونتوقع من الاحزاب السياسية التصرف بحكمة وعدم الانجرار الى اية مسايرة للخروقات الدستورية. فما نريد رؤيته هو سوابق قانونية تخدم النظام الديمقراطي ، لا العكس.

 

ختاما نقول ونؤكد بان الهيئة القضائية للمفوضية هي الجهة الوحيدة حسب القانون التي لديها صلاحية النظر في الطعون والشكاوى بشأن الانتخابات. وتكون لقراراتها الكلمة الاخيرة الملزمة للجميع.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.