اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

في أي عمر أنت؟// المطران د. يوسف توما

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 المطران د. يوسف توما

 

 

في أي عمر أنت؟

المطران د. يوسف توما

 

في إحدى أسفاري رأيت في الشارع رجلا شعره أبيض يمشي بعزم شبابي وتفاجأت من كتابة على قميصه من الخلف (تي شيرتT shirt)، تقول: ليس عمري 70 سنة وإنما 16 + 54 سنة من الخبرة.

 

أعجبتني روح الدعابة لديه وقرّرت أن أهديها خاصة لأولئك الذين، من أي سن كانوا، تسمعهم دائما يكررون: "عجّزنا" أو "شيّبنا"! أو "ليت الشباب يعود...". وهكذا...

 

عليك أن تتذكر أن عمرنا لا يقاس بعدد السنوات التي في حياتنا، وإنما يقاس بالحياة التي نعطيها لسنوات عمرنا، وأرى في هذا كثيرا من الأمل بالنسبة لمن يهمّهم التقدّم في السن.

 

إحدى ذكرياتي في سن المراهقة، أنني كنت أتبارى مع رفاقي في المعهد الكهنوتي، بأني قادر على حفظ قصيدة من عشرة أبيات بعد قراءتها لمرة واحدة فقط...

 

كان ذلك أيام زمان، كنا في العقد الثاني من عمرنا، يسموننا "مراهقين" لكن اللغة الإنكليزية تنفرد بتعبير آخر أقل اتهاما يسمّونهم (teen) (أي من هم بين 13 - 19)، وأذكر أنني أطلقت على فريق من شباب الأخوية، في بغداد، في ثمانينيات القرن الماضي لقب "طعش".

 

تقلبات العمر صارت تختلف بين جيل وجيل. لكن بقيت ألاحظ بالمقابل أن لا أحد يطلق علينا الآن لقب "يين" (خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، تسعين...)، لماذا؟...

 

يبدو ان هذه المراحل من العمر مضطربة قسّموها في الغرب عشوائيا، فأطلقوا عليها بالفرنسية اسم "السن الثالث" (troisième âge)، وبالإنكليزية (seniors)، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي- وبسبب ازدياد معدّل الأعمار - ظهر بالفرنسية تعبير آخر غريب: "السن الرابع" (quatrième âge)، لكن لم يحاول أحد أن يحدّده، لأن الشيخوخة تختلف بين شخص وآخر ومجتمع وآخر!

 

أحد هؤلاء "الذين بلغ بهم السنُ عتيًا"، لم يقبل أن يتفاجأ فكتب يقول:   

لديّ الآن كل ما كنت أتمناه عندما كنت مراهقا، ولكن بعد فارق 60 عاما فقط من تلك الفترة.

لم أعد مجبرا على الذهاب إلى المدرسة أو إلى العمل.

إني أحصل على ما يكفيني للعيش كل شهر.

لديّ لوحة "آيباد" لوحدي ألعب بها.

ليس لدي أي ممنوعات "الأهل" للتجوّل أينما أرغب.

لدي رخصة قيادة وعندي سيارتي الخاصة.

لا يحاسبني أحد أو يطلب هويّتي لدى دخولي الحانات.

ليس لديّ حَبّ الشباب في وجهي.

الحياة رائعة، أليس كذلك!

 

مع ذلك، لا يمكن للجميع أن يقول الشيء عينه خصوصا مع مشاكل السن والصحة والنسيان ومخاوف أخرى مثل أمراض الذاكرة:

 

الدكتور مايكل رامسكار (Ramscar) من جامعة توبنغن الألمانية، مختص بعلم الشيخوخة (gérontologie)، يقول: إن عملية التباطؤ هذه ليست مجرد انخفاض معرفي، وإنما الدماغ البشري يعمل بشكل أبطأ في سن الشيخوخة. ويؤكد هذا العالم: "إن دماغ الإنسان المسن رائع لأنه قد خزن الكثير من المعلومات مع مرور الوقت". لذا فأدمغة كبار السن لا يحصل فيها ضعف، بل على العكس إنهم ببساطة يعرفون أكثر من الماضي.

 

أعني:

تصبح أدمغة كبار السن بطيئة، وهذا لا يهم، فهم يعرفون الكثير وهو متراكم لديهم.

 

المسنون لا يتراجعون عقليا مع التقدّم في السن، لكنهم مجرد يحتاجون وقتا أطول ليتذكروا الحقائق!

 

سبب البطء هو أن لديهم مزيد من المعلومات في أدمغتهم، يضاف إلى المعلومات الخبرة أيضا.

 

إن دماغ المسن يشبه إلى حد كبير جهاز الحاسوب عندما يمتلئ القرص الصلب فيه بالكامل، يصبح بطيئا، وهم يصيرون مثله!

 

حتى لدى بقية الأعمار عندما تكون أدمغتهم مليئة يستغرقون وقتا أطول للوصول إلى المعلومات.

 

قد يحدث لكبير السن أن يذهب من غرفة إلى أخرى ليأتي بشيء ما، وعندما يصل إلى هناك، يقف ويتساءل: "لماذا جئت إلى هنا يا ترى؟".

 

هذه مشكلة الذاكرة إذن، قد تحدث لمن هم في سن أصغر، لا داعي للقلق، المسألة طبيعة جدا، وهي مؤشر لكبار السن أن يقوموا بمزيد من التمارين لتقوية الذاكرة، فالذاكرة أشبه بالعضلة، قد تصبح ضعيفة بسبب عدم الاستعمال أو سوء الاستعمال.

 

لكن ما أريد أن أشير إليه هو أن المؤشر المقلق على مستقبل الأجيال الأخرى، تلك التي صارت تعتمد بإفراط على الأجهزة الالكترونية، وهذا سيسهم في إضعاف ذاكرتهم بشكل أكبر مما لدى المسنين. اليوم مثلا لم يعودوا يحفظون في الحساب جدول الضرب بل الكل يستعمل هاتفه ... وكذا الأمر مع أمور أخرى كثيرة تجعل "عضلة الذاكرة" في موقف لا يُحسد عليه.

 

اذن، هنالك مع التقدم في العمر أشياء مهمة يجب التفكير بها منذ الآن يا شباب، وأنصحكم أن تتعاونوا وتستعدّوا جيدا وجديًا.

 

أخيرا:

لديّ كثير من الأصدقاء أفكر الآن بهم، وبودّي أن أشجّعهم على تقوية ذاكرتهم، ولكنني لم أعد أتذكر أسماءهم!

 

لذلك، أرجوكم خبّروهم عن هذه المقالة، أو إقراؤها لهم عوضا عني وشجّعوهم أن يحاولوا...

 

مع تحيات واحد منكم ومثلكم يقترب من السن الثالث أو الرابع، لست أدري، فقد نسيتُ كيف أسمّيه...

 

كركوك 4 آب 2018

التعليقات   

 
0 #1 naya way 2022-09-21 05:25
مبدع كعهدنا بك دائما سيادة المطران يوسف توما
اعتقد اننا بحاجة الى حاوية كبيرة لرمي كل ما هو مشوش لفكرنا و كل ما يعيق تقدمنا. شكرا والله يباركك
 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.