اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الحجاب "الديني" شمل حتى طفلات الابتدائية، القمع الناعم؟// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

 

الحجاب "الديني" شمل حتى طفلات الابتدائية، القمع الناعم؟

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

بداية، ولتفادي سوء الفهم والظن أقول إنني "ضد الفَرْضِ والرَّفْضِ": ضد فرض الحجاب بالقوة على النساء وضد رفض حجاب المرأة ومنعه بقانون. بمعنى أنني مع حق المرأة في ارتداء الحجاب الديني وحتى النقاب الذي يرفضه بعض الإسلاميين، وأيضا مع حقها في ارتداء جميع أنواع الملابس العصرية وحتى أكثرها تحررا إذا كانت تلك رغبتها الذاتية الصادقة هي، وليستْ رغبة الشارع المدجج بالسلاح ومنابر المحرضين الدينين والطائفيين أو رغبة الأسرة الذكورية ومدير المدرسة أو المؤسسة الحكومية الذين يمارسون مجتمعين نوعا من "الإكراه غير المباشر"!

 

 *ففي دولة تهيمن عليها القوى السياسية الدينية الطائفية، والجهات المسلحة وغير المسلحة، وتتفاقم فيها حالة الاستقطاب والتنافس الطائفي بين الطائفتين الكبيرتين، وفي مجتمع تهيمن عليه ثقافياً ونفسياً وإعلامياً الأحزاب والفصائل الدينية والطائفية ورجال الدين والإعلام الطائفيون، لن يستطيع أحدٌ إقناعي بأن النساء لجأن بشكل جماعي وكثيف، وفي وقت واحد لارتداء الحجاب الديني طوعا وبدافع إيماني، بعد استثناء النوادر التي تؤكد القاعدة. بل أن الإسلاميين الشيعة والسنة دخلوا في حالة تنافس غير معلنه على تحويل مدنهم ومدارسها ومن شمال العراق إلى أقصى جنوبه الى مناطق مغلقة للمحجبات وتستثنى من ذلك مناطق إقليم كردستان لعدم سيطرة الإسلاميين على الحياة اليومية هناك وهيمنة سلطة الحزبين الأوحدين حدك وأوك على السلطة منذ تسعينات القرن الماضي!

 

*تصلح التجربة الإيرانية ذاتها لتفحص هذا المعنى فمنذ انتصار الثورة وهيمنة رجال الدين عليها، فقد كانوا بدايةً في منتهى التشدد والتعصب مع مَن يخالف تعليماتهم وأوامرهم، وخصوصا من النساء بصدد موضوع الحجاب. آنذاك كانت دوريات الزهرات "نوع من المليشيات النسائية المؤدلجة" تجوب شوارع طهران وتهين وتضرب وتذل النساء السافرات والمتبرجات حتى لو كن يضعن قليلا من حمرة الشفاه. بل وحتى الرجال – كما روى شهود عيان وضحايا - كان يُمنع عليهم ارتداء قمصان النصف كُم، ويجبرون على ارتداء أقمصة بكم طويل لدى دخولهم للدوائر الرسمية حتى لو كانوا في مراجعة لها. كل هذا انتهى تقريبا الآن، وأصبح الحجاب الديني "التشادور" اليوم مجرد رمز لذكريات قمعية محزنة لا ترتديه إلا المرأة المقتنعة أو التي لها أسبابها العائلية، وهؤلاء أصبحن أقلية ضئيلة جدا في المجتمع. أما غالبية النساء الإيرانيات فلا يتعدى الحجاب عندهن منديلا خفيفا على مؤخرة الرأس.

 

 *أما في الدول الخليجية كالسعودية فالحجاب هناك مثال آخر على تجربة النساء مع القمع. وقد شهد الكثير من الكتاب والمهتمون وشهود العيان بأن النساء المحجبات من هذه الدول يسارعن لخلع حجابهن بمجرد مغادرة الطائرة التي يسافرن فيها الأجواء السعودية، ويرتدين ما يشأن من ملابس، تبقى غالبا محتشمة وأنيقة.

 كل هذه الأمثلة والوقائع تؤكد لنا بالملموس أن القمع والإجبار الديني سواء كانا مباشرين أو غير مباشرين لا يجتمعان مع الحرية والاقتناع الذاتي. وإن الحجاب والنقاب المفروض حتى على طفلات المدارس الابتدائية وحتى الجامعات لا علاقة له بالإيمان الحر والخيار الشخصي. وفي العراق هناك المئات من القصص والأمثلة المحزنة وبعضها دموي ومأساوي، والتي يعرفها الجميع ويسكون غالبا عنها خوفا من بطش الباطشين في مؤسسات وأحزاب وفصائل وشخصيات طائفية دينية. وقد شاهدت بعيني في شارع ببغداد وكنت في سيارة أجرة "نفرات" قبل سنوات قليلة مجموعة من الشباب تتحرش بفتاة وتهيناها في شارع فلسطين لأنها لا ترتدي الحجاب، ولم يتدخل أحد في الشارع لمساعدتها وحين أبديت استغرابي في السيارة مما يحدث رد عليَّ أحد الركاب وقال "الشباب عندهم فتوى تبيح لهم التعرض للسافرات" ولا أدري إن كان الرجل جادا أم هازلا، صادقا أم كاذبا!

 

*وفي مثال آخر تعرضت سيدة معروفة في مدينة الناصرية للاضطهاد والتضييق وطالب بعض الأشخاص بطردها من المدينة لأنها ليست محجبة وفبركوا ضدها بعض القصص الكاذبة. وهذه السيدة هي الآن نائبة في البرلمان وقصتها معروفة، وأنا هنا أذكر حادثتها كمثال فقط ولا أدافع عن توجهاتها السياسية الموالية لواشنطن والرياض، تلك التوجهات التي عبرت عنها بعد انتخابها نائبة في البرلمان. 

 

*وأخيرا ينبغي التذكير بالآتي: لقد حاول نظام الحكم السابق لعدة سنوات قبل الاحتلال الأميركي القيام بحملات شاملة وقاسية لما يسمى "التبعيث القسري" أي إجبار الناس على الانتماء الى حزب البعث الحاكم، ولكن التجربة فشل وكفَّ عنها النظام نفسه بعد انتفاضة ربيع 1991 التي شارك فيها عشرات الآلاف من أعضاء الحزب المجبورين على الانتماء. كما قام النظام السابق بحملة سماها " الحملة الإيمانية" التي تلتها ظاهرة انتشار الحجاب الديني والإيمان الطقوسي الشكلي والمفروض ولكن النظام فشل إذ أن: فرض الإيمان بالقوة كفرض الحب والكره بالقوة ليس أكثر من خرافة وغباء وتخلف وأنانية وظلم أو مزيج من كل هذا وذاك!

 

وأخيرا، وبخصوص الطفلات اللائي نرى صورهن محجبات في المدارس الابتدائية: ترى ماذا تفهم طفلة في السابعة من العمر من الحجاب والدين في هذا العمر؟ لماذا تُحرم هذه الطفلة من أن تعيش وتتمتع بطفولتها بعيداً عن أنانية وبلادة وعنعنات الكبار؟!

*فكر وممارسات داعش ليس حكراً على الدواعش!

*كاتب عراقي

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.