مقالات وآراء

عشية ذكراها الثامنة.. تونس على خطى الاحتجاجات و«الثورة» مرة أخرى!// فيصل علوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

فيصل علوش

 

عشية ذكراها الثامنة..

تونس على خطى الاحتجاجات و«الثورة» مرة أخرى!

فيصل علوش

كاتب فلسطيني

 

قد تكون تونس نجحت في عملية «الانتقال الديمقراطي السياسي»، إلا أنّ ذلك لم يترافق مع نهوض اقتصادي واجتماعي؛ في ظل ارتفاع نسب البطالة والتضخم وانخفاض القدرة الشرائية لدى الطبقات الفقيرة والمتوسطة

عشية الذكرى الثامنة لثورتها، التي أطاحت خلال أسابيع قليلة (14 كانون الثاني/ يناير 2011)، بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تبدو الأجواء في تونس مشحونة على كل الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على وقع احتجاجات متواترة ومتعددة الأبعاد والمعاني؛ منها ما هو مرتبط بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعيشها غالبية فئات الشعب التونسي، ومنها ما هو متصل بالوضع السياسي المحتقن، في ظل الانقسام الحاد القائم بشأن الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، وخاصة من قبل حزب نداء تونس الذي عجز عن الإطاحة به (مع أنه ينتمي إليه في الأصل)!.

ويزيد من هذا الاحتقان، دخول قضية «الجهاز السري» لحركة لنهضة قفص الاتهام القضائي بعد الحيثيات التي كشفت عنها هيئة الدفاع عن المناضلين اليساريين، شكري بلعيد ومحمد البراهيمي، اللذين جرى اغتيالهما في عام 2013.

نجاح سياسي وتعثر اقتصادي واجتماعي

وإذا كانت تونس قد نجحت في عملية «الانتقال الديمقراطي» ما بعد «ثورة 2011»، إلا أنّ هذا لم يترافق مع نهوض اقتصادي واجتماعي؛ في ظل ارتفاع نسب البطالة ومعدّلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية لدى الفئات والشرائح الدنيا وحتى المتوسطة من التونسيين، هذا فضلاً عن تفشي الفساد وتعثر الإصلاحات الموعودة!.

وكان الرئيس الباجي قائد السبسي نفسه أقرّ في خطاب سابق له، (ألقاه في 20/3/ 2018)، أنّ 79,9 % من التونسيين يشعرون بالإحباط وإن الشباب في المقدمة منهم. وفي تأكيده على صعوبة الوضع الذي تعيشه البلاد، اعتبر الرئيس التونسي أنّ «الوضع الاقتصادي تأخر في العديد من المجالات، مقارنة مع ما كان عليه قبل الإطاحة بنظام بن علي». ويفسّر الخبراء انتشار الإحباط في صفوف التونسيين بأنه «ناجمٌ عن سنوات من الآمال الضائعة والأحلام المجهضة والمحطمة»!.

وفي ضوء تفاقم الضغوط الاجتماعية والمعيشية، شهدت وتشهد تونس العديد من الإضرابات والاحتجاجات. فبعد احتجاجات قادها اتحاد الشغل والنقابات المتفرعة عنه خلال الأيام الماضية، بدأت رقعة الاحتجاجات تتوسع لتصل إلى الشباب الساخط جرّاء أوضاعه المتدهورة، حيث أعلنت مجموعة منهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن إطلاق حملة «السترات الحمراء» (9/12)، على غرار «السترات الصفراء» في فرنسا، كـ«حركة احتجاج سلمية للمطالبة بالتغيير».

استلهام «السترات الصفر»

وتأتي هذه الخطوة وفقا للنشطاء، رداً على «الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج»، ومحاولة منهم لـ«إنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي»، كما ورد في بيان صادر عنهم.

وتتزامن هذه الحملة مع احتجاجات يقودها مدرسو التعليم الثانوي منذ أيام، وهي تأتي امتداداً لأشكال احتجاجية متنوعة نفذها هؤلاء منذ نحو عام. وقد وصف رئيس نقابة التعليم الثانوي، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، تحرك المعلمين باحتجاج «السترات البيضاء» على خلفية موقف الحكومة السلبي من مطالب المعلمين، وخاصة تهديدها باتخاذ إجراءات عقابية بحقهم، وذلك رداً على مقاطعتهم للامتحانات.

ويمثل تحرك المدرسين وحملة السترات الحمراء، ضغطاً إضافياً على الحكومة التي تواجه ضغطاً غير مسبوق من الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نفذ في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إضراباً عاماً في الوظيفة العمومية، شمل أكثر من 650 ألف موظف إثر تعثر المفاوضات مع الحكومة بهدف رفع الأجور. كما قرر الدخول في إضراب عام آخر في القطاع العام والوظيفة العمومية يوم 17 كانون الثاني/ يناير القادم.

وفي هذا السياق، دعا محللون الشاهد إلى «الاتعاظ» مما يجري في فرنسا، وخاصة أنه ينتمي إلى نفس «المدرسة» التي ينتمي إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ والتي سرعان ما كشفت عن قصورها وفشلها في حلّ المشاكل والأزمات المطروحة، سواءً لجهة خلفيته «التكنوقراطية»، أم لجهة تبنيّه لطروحات المدرسة «النيو ليبرالية»، التي تدعو إلى «استقالة الدولة من تحمّل أعباء القطاع العام والعاملين فيه، وكذلك التعليم المجاني والعديد من الخدمات الاجتماعية الأخرى التي توفرها، مقابل إفساح المجال على نحو أكبر أمام اقتصاد السوق وتعظيم دور القطاع الخاص وأصحاب الاستثمارات والشركات الخاصة»!.

وعلى ذلك، فقد كانت «الوصفات الاقتصادية» المستخدمة في فرنسا، هي ذاتها في تونس تقريباً. أيّ مزيد من الضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، واستهداف قضايا الضمان الاجتماعي والصحة والتعليم وغيرها، كما كانت الأطراف الناقمة والغاضبة من هذه الإجراءات هي ذاتها أيضاً، أي الشباب والنقابات والمنظمات الحقوقية وقوى المجتمع المدني الحيّة.