اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

في المرأة وفلسفة القهوة – النص24 // د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

في المرأة وفلسفة القهوة – النص24

الدكتور سمير محمد أيوب

 

 عطر برائحة القهوة

عصرَ يومٍ مشمسٍ دافئ، مِنْ مقهى على كتف الطريق الهابط من أم قيس، بإتجاه قرية المخيبة الساكنة على الضفة الشرقية من نهر الأردن، كنتُ بِحيرةٍ أرقبُ، الأرض العربية السورية- الفلسطينية المحتلة، الممتدة أمامي. مَسَّني الضُّرُّ، فَهَمْهَمْتُ كثيرا وتَمْتَمْتُ مُطَوَّلا. لأُخْمِدَ شيئا من إنفعالاتٍ تتوالدُ وتتشظى في صدريَ، حاولتُ تناولَ لُفافةٍ مِنْ علبة التبغ أمامي، فوجِئتُ بنفاذها. فاضطرمتُ حُنْقاً.

 

وعَبَقُ الساحرة يتراكم تِباعا في رِئتَيَّ، إنْخرطتُ في تأمل طقوس إعدادِ القهوة. مِقلاةٌ سميكةٌ، تُراقِصُ تارةً ما تحتها من  لهبِ جمرٍ أحمرٍ، وتارة تُراقص ما فوقها من حبات خضراء. على وقعِ دقات مِهباشٍ، كان يُرتِّلُ تقاسيمَه بإغواءٍ مُذهلٍ، سَكبتُ ما تبقى في الدَّلَّةِ النحاسية اللامعة، في فنجالي. وما أن إحتضنته كفاي، مُغمضَ العينينِ أرتشفتُ بتلذذ وتأنٍّ, كأنما كنتُ أتذوق القهوةَ اليمانية لأول مرة.

 

وما أن رحتُ أدندنُ مُترنِّحا، مُحاولا ترتيبَ وجداني، مع ما تيسر لي من الفيروزيات والدرويش، هاتفتني صديقةٌ صبيةٌ في العقدِ السادس من عمرها، وفي صوتها تأتأةٌ محببَّة، تسألني عما تجيب به شريكها الباحث لها، عن أحبِّ عطورها.

 

فقلت لها والنشوة تسري في كياني: العطرُ يا سيدتي كالقهوة تماما. لغةٌ ككل اللغات. لها مفرداتُها، وحروفُها، وأبجدياتُها. والعطورُ أصنافٌ وأمزجة. منها ما هو تمْتَمَةٌ. ومنها ما هو صلاة. ومنها ما هو غزْوَةٌ بربريَّةْ.

 

وللعطر المتحضر روعته. كما للعطر المتوحش روعته أيضاً. يتوقف هذا بالطبع، على الحالة النفسية التي نكون فيها، عندما نستقبل العطر. وعلى طابع المرأة أو الرجل، التي توظف العطر. يلعب كلاهما، لعبته في تقييم العطر. بمعنى، أن أنف الواحد منهم، مرتبطٌ بثقافته، وتجربته، ومستواه المعرفي.

 

هناك رجالٌ وهناك نساء، يفضِّلونَ العطور التي تهمس. ومنهم من يفضَّل العطورَ التي تصرخ. ومنهم من يفضِّل العطورَ التي تغتال.

 

ثم إنَّ نوعية علاقتنا ببعض، تلعب دورها في تحديد نوع العطر الذي يُقنعنا. فعطر الوالدين شيء يا سيدتي. وعطر الأحبة شيءٌ آخر. وعطر الطالبة ذات السبع عشر ربيعا شيء. وعطر السيدة في الأربعين شيءٌ مختلف، وعطر من هي في المرحلة الذهبية او الماسية من العمر، حدِّث كثيرا، ولا حرج.

 

وهنا قاطعتني سائلة بلهفة : بالمناسبة ما عطرك المفضل يا شيخي؟

 

قلت مقهقها: بالنسبة لي، يتغير العطر الذي أحبُّ، بتغير حالتي النفسية. ففي بعض الأحيان، أحبُّ العطر الذي نَسِيَ أو أُنْسِيَ الكلام. وفي بعض الأحيان، أحبُّ العطرَ الذي يدخل في حوارٍ طويلٍ معي. وفي بعض الأحيان أحب العطر المُسالم. وفي بعض الأحيان أحب العطر المتوحش أو العدوانيّْ.

 

على أن خياري الأول والأخير، في مسألة العطر، هو أنني أحب المرأة ـ الغمامة، التي تخرجُ وهي لا تحمل على جسدها إلا رائحةَ الصابون وقطرات الماء.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.