مقالات وآراء

لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟!// هايل المذابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

هايل المذابي

 

لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟!

" اللوغوس" وأثمن أنواع المعرفة

هايل المذابي

اليمن

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

=======

• " اللوغوس" كلمة يونانية تعني العقل أو الذهن ..وقيل :" اللوغوس " خزان يتسع "  ولعل أشهر ماقيل عن هذا الخزان مقولة الأديب العملاق غسان كنفاني :" لماذا لم يطرقوا جدران الخزن ؟ "أي لماذا لم يحكموا عقولهم؟، والمعنى أن العقل يظل يتسع دائماً بالعلم والمعرفة، وطبياً فإن الإنسان يتوقف نمو أعضائه وجسده في سن العشرينات إلى الثلاثينات، بيد أن ثمة شيء واحد فقط لا يتوقف عن النمو وهو " اللوغوس" حيث يظل دائم الاتساع والنمو حتى آخر لحظة يعيشها الإنسان ، إذ كلما زادت تجارب الإنسان وزاد علمه ووعيه كلما اتسع عقله الذي يشبه الخزان المرن، وهذا النمو لا يتوقف إلا إذا أراد الإنسان نفسه ذلك ، ولعل هذا هو مبعث داروين في نظريته النشوء والارتقاء، والتي زعم فيها أن أصل الإنسان كان قرداً، والسبب في قولهِ هذا هو ذلك التشابه الكبير بين عقل الإنسان وعقل أو بالأصح المخ والجمجمة له وللقرد، إلا أن القفص الذي يحيط بعقل القرد يضطر نظراً للحاجز العظمي الموجود في تركيبة جمجمته أن يتوقف عند سن الثالثة أو الرابعة من عمره، أما الإنسان فلا يوجد أي حاجز عظمي في جمجمته يمنع اتساع " اللوغوس" وهذا " الذهن " أو " العقل "، فيظل يكبر ويكبر ويتسع حتى نهاية عمره، ولعل ما نجده من قبيل ما يسمى بالإعاقة والتخلف ناشئ عن توقف النمو في الفصين للمخ، أو ضمور العضلات، أو اختلال نمو الخلايا وإفرازاتها، فيتبع ذلك البلادة، والخبل، والجنون أيضا، وكذلك قصور في الفهم والوعي لدى الإنسان.. وهناك حالات أخرى يكون قصور الوعي فيها نتيجة التخلف المعرفي والعلمي ، فينمو العقل ويتسع ولكن ببطء شديد ..

- أما نظرية داروين من حيث التطور النشوء والارتقاء فلا تنطبق إلا على الأنواع الأدبية والعلمية، من حيث التطور، أما غير ذلك فيستحيل، وقد نجد لها تصاريف أخرى من قبيل المجاز وثمة قصة في إطار هذا السياق تقول أن مجموعة من العلماء و ضعوا خمسة قرود في قفص واحد و في وسط القفص يوجد سلم و في أعلى السلم هناك بعض الموز في كل مرة يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز, يقوم الباقين بمنعه و ضربه حتى لا يرشون بالماء البارد بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات خوفا من الضرب بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قرد جديد فأول شيء يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم ليأخذ الموز ولكن فوراً الأربعة الباقين يضربونه و يجبرونه على النزول بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب، قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد و حل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه الضرب و هو لا يدري لماذا يضرب و هكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدا و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب.!!

لو فرضنا .. و سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟ أكيد سيكون الجواب : لا ندري ولكن هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا..!!

هكذا عملياً هذا ما نطبقه نحن في أعمالنا وحياتنا اليومية نبقى في الروتين خوفاً من التغيير أسرى لغباء متراكم يزداد مع مرور الأيام ومفتخرين بهذا "الغباء" الذي خدعنا بتستره تحت عباءة إسمها “العادات والتقاليد" .. وهنا يجوز لنا اعتبار وجود علاقة بين الإنسان والقرد وصحة فرضية داروين .. قال إينشتاين : "هناك شيئين لا حدود لهما ... العلم و غباء الإنسان ".

• وعليه فإن "اللوغوس" خزان يتسع ويتسع كلما نهل الإنسان واغترف من بحر العلم والمعرفة وللجاحظ قول في هذا مؤداه :" أن الحكماء أجمعت على أن العقل المطبوع والكرم الغريزي لا يبلغان غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب ومثّلوا لذلك بالنار والحطب، والمصباح والدهن، وذلك أن العقل الغريزي آلة والمكتسب مادة، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك .." ما معناه أن المعرفة لها طبيعة خاصة، فهي تستطيع أن تُغني المتلقين لها دون أن تفقر المانحين لها . ولكن أثمن أنواع المعرفة لا يمكن تعلمها ولا نقلها للآخرين، حتى ولو قلنا أن المعرفة إنسانية ومن حق الجميع في هذا العالم، مثلما نادى بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق " جون كنيدي" :" إن اكتساب العلم والتسلح بالمعرفة حقٌ لجميع الناس في هذا العالم ويتساوون فيه مثله مثل الهواء الذي يتنفسونه " ومثله أيضاً الثورة العلمية والمعرفية التي قام بها وتزعمها عميد الأدب العربي طه حسين حين تولى منصب وزير التعليم والمعارف ..

• رغم ذلك فثمة حقيقة بسيطة، وهي أن ليس كل ما هو قابلٌ للتعلم قابل للتعليم، وليس كل ما يتعلمه الإنسان يتعلمه بعقلهِ الواعي، فالطفل يصرخ من الألم عند لمسه للفرن الساخن، وقد يزول الألم بالتدريج، مع قليل من الرعاية ، ولكن يبقى أثر صغير، وعند عودة الأب في المساء ، عندما يسأل طفلهُ عما تعلمه في هذا اليوم، ستكون الإجابة البريئة " لا شيء " ، ولكن التجربة التي تعلمها الطفل لن يزول أثرها أبداً ( رغم عدم إدراك عقله الواعي لذلك ) ، فهو لن يلمس الفرن الساخن أبداً مرةً أخرى، حتى وهو بارد، بل سيكون دائماً في غاية الحرص عند لمس الفرن الساخن . وعليه فإن أثمن أنواع المعرفة هي تلك التي لا تُعلّم ولا نستطيع نقلها إلى الآخرين .. رغم ذلك فعدم إدراك الإنسان لنقاط القوة في ما يتقنه وكذلك نقاط الضعف حتى ولو كان مجرد خبير لا يستطيع نقل خبرته ومعرفته للآخرين فذلك لن يقلل من شأن مهارته وخبرته ومعرفته ، بيد أن عدم إدراكه لمواطن القوة والضعف ستعيقه من أن يستطيع أن يطور مهاراته .