اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

ثرثراتٌ في الحبِّ – الثرثرة 41: إنَّا راغبون في الحبِّ// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثراتٌ في الحبِّ – الثرثرة 41: إنَّا راغبون في الحبِّ

د. سمير محمد ايوب

 

كنتُ أعبر سيراً على الأقدام، الحديقة الجميلة الفاصلة مبنى مدرجات التدريس في كلية الطب ، والمجمع الرئيس لإدارة الجامعة ، حين سمعتُ صوتاً هاتِفاً يُناديني، إلتَفَتُّ إلى مصدر الصوت ، فوجدتُ حفيديَ طالب السنة الأخيرة في كلية الطب يُلَوِّحُ ليَ فَرِحاً . توقفتُ لأردَّ التحية. فأحاط  بي حفيدي ورهطٌ  ممن كانوا برفقته من الطالبات والطلبة في زيِّ التَّخرج. أجلسوني بينهم على كرسي، وافترشوا جميعا عشب الارض. علمت وأنا أشاركهم طقوس فرح التخرج، والأمل في الحياة وأحلامها ، أنهم من مَواطِنَ عربية عديدة ، نهلوا لسنوات معا علوم الطب والصحة ، في هذا الصرح الأردني العريق.

 

قبل أنْ أستأذنَ ، تقدمتْ مني صبية تلبس الروب الأبيض والسماعة الطبية حول رقبتها ، وقالت وابتسامتها تتسع: عرفناك يا سيدي قبل أن نلتقيكَ الآن، فقد سبق لحفيدك أنْ حدَّثنا عنك كثيرا . غامَزَت زميلاتَها وزملائَها ، وأكملتْ تقولُ لي: بالنيابة عن الحضور، أستأذنك في كمشة أسئلة عن فقهِ الحبّ . قَهْقهتُ مُطوَّلا وأنا أجيلُ النَّظرَ فيهم ، وهُمْ جلوسٌ أمامي على عشب الحديقة.

 

تقدم مني حفيدي وأمسك بكف الصبية، وقال وعيناه تومض رجاءً : الحياةُ دونَ حبٍّ يا جدي عاصفةٌ مُغْبَرّةٌ لا يليق بنا العيش فيها. جِئْتناكَ وكلٌّ مِنَّا شابات وشباب ، يجري حثيثاً إلى مُستَقَرٍ له مع شريك. أوصِنا يا شيخَنا ، خُذ بِأيدينا، جُلُّنا غارقٌ في غِيطانِ الحبِّ أو يَكاد. 

 

أجلستُ حفيديَ وزميلته وهما في الزي الجامعي الأنيقِ أمامي مباشرة، في صحنِ الحديقة حيثُ كنا جميعا نجلس، والشمس تجري وحيدة الى مستقرلها. أدركتُ حين نظرتُ لهما، أنَّ حفيدي وقد بَرَزَتْ شارباه حديثا، قد رزقه الله حبَّهُ الأول كغيره من الحضور . مازَحْتهم لأبدِّدَ شيئا من قلقٍ رجراجٍ، كان يجوسُ في عيونهم العسلية والزرقاء والخضراء والسوداء. وقلتُ مبتسما: خاصةً وأنَّكم لم تعودوا صِغارا يا شباب. لستم بمراهقين، ولستم راشدين، بل مقبلبن وفي أجمل سني العمر. تجمعون براءة الصبا، وطيش الشباب مع رزانة نضج مبكر. نعم ما أصعب التيهَ في مثلِ هذا العمر ، فأكثركم يجوس  في الحب بلا خبرة أو كثيرِ معرفة.

 

وسطَ الكثير من التنهدات، وارتعاشات الرموش وارتجافات الشفاه، تَقدَّمَتْ مني صبية وشاب كلاهما في زِيِّ التخرج، ممتلئان فرحا ، تبادلا النظرات المُشفَّرةِ ، قبل أن يسألني الوسيمُ  : كيفَ يُقرأ الشريكُ يا شيخنا؟

 

قلت بجدية رزينة: بالعقل تغزون قلاع بعضكم، وبالقلب تتسللون إلى حصون بعض . وفي الغزو أو التسلُّلِ لستم بحاجة إلى استئذان أحد. إنْ أحسنتَم توظيف مفاتيح القلوب، فإنَّ شمسَ الحبِّ ظليلةٌ ومِهادَهُ ذليلة. لنْ يَحجُبَ نورَهُ غِربالُ الحياءِ أو الوقار. فليس على القلوب النبيلة سلطانٌ إنْ تَجَرَّأتْ. فالحبُّ حاجةٌ لا تَحَجُّج ، وضرورةٌ فطريةٌ غازيةٌ غيرَ مُحتلَّة ، قد تغفو ولكنها لا تموت. لا تُحْسَبُ فيها الخطوات ، وأسمى ما  يُحسب فيها لَكَ أو عليكَ تصرفاتك . لا تتعجلوا الحبَّ فهو موجودٌ متى أردتم. ليس شرطا أنْ تَروا خطوَ أقدامِه . فهو يسعى إليكم في الخفاء وفي العلن . ولكن ، ليتَكم قبل أن تبحثَوا عن أنوثةٍ عَفْويّةٍ مفرطة ، أوعن رجولة شهمة أصيلة ، أن تبحثوا في أنفسِكَم عن الانسان الحقيقي أولا وثانيا وثالثا.

 

ما أن أتممتُ إجابتي، انتصب من بين الحضور ثنائيٌّ آخر، عرَّفَتْ عن نفسها أنها شقيقةُ بلقيس من اليمن السعيد، وهو من نشامى الكرامةِ في غور الأردن،  قالَ بعد أن استئذنها : كيف نُبقي الشريكَ محظوظاً بنا يا سيدي؟ 

 

أكملتُ واصابع كفي الأيمن تتسلل إلى شيب شعري تربِّتُ عليه: ليبقَ الشريكُ محظوظا بكِ وبهِ ، إمتلئوا ببعض. لتتشبَّعَ أرواحكم بأفراحِ بعضِكم وأحزانه، أكثرَ من تضاريس أجسادكم .أتْقنوا كلَّ أبجدياتِ الحب ومهاراته ، وتفنَّنوا بتطبيقاتها. لوْ سمعتُم نداءَ الشريك ، إجعلوا مجيئَكم إليه طرفةَ عَيْنٍ . كونوا شيئا يخصه وقتما تشاءان . خذوا بعضكم معكم في كل الدروب، وتَمْتِموا لبعضٍ بكلِّ الكيفيات وفي كلِّ الأماكن: أحمد الله أن رزقني بك. ولكن ، وأنتم تلامسون أحاسيس من تحبون  ، إياكم وحماقاتِ الغياب . عليكم أن تجيدوا فنون الانتظار والصبر الجميل دائما . وإياكم أن تحيلوا قلوب بعضكم إلى فنادق . أكملت وانا أشير مبتسما الى الشباب ، تذكروا يا معشر الشباب ، أنَّ النساء على العموم ، لا يُحبِبْن مقابرَ الحب.

 

نظرَ الجالسُ على يساري إلى الجالسة بالقرب منه، ثم وقف وإياها. قالت الفتاة أنا ربداوية يا سيدي ، وزميليَ حيفاوي. وسألتني بصوتٍ يشبهُ التأتأة : وهلْ يتغيرُ الحبُّ يا شيخنا؟

 

قلتُ مُنتشيا بفرحهما ولكن بحسم: نعم. لا تعجبوا يا أصدقائي، فجميلُ الحبِّ مُمتعٌ. وإذا ما إتسع لشريكيه، يصيبُهم حتما بَلَلُهُ وَطَلَلُه. حتى وإن إرتطمَ بشيءٍ عابر، من توابل العيش المشترك ونكهاته. وأنا أتناولُ فنجالاً ورَقيا من قهوةٍ أُحْضِرَتْ لنا جميعا، أكملت قائلا: طُرُقُ الحبِّ طويلةٌ ممتدةٌ يا شباب، شاقةٌ ومتشعبة. مواصلةُ السيرِ فيها حتمية. وليتكم تعلمون منذ البدء، أنَّ الأيَّام تُغيِّرُ كلَّ شيءٍ ، وتبُدِّلُ التضاريسَ والمشاعرَ ، لا معالمَ الأرضِ وحدَها.

 

بَهَتَ البعض وتعلق بصرهم بشفتيَّ، مشدوهاً ومُتمتما بما لَمْ أسمع وبِما لَمْ أتبيَّن، ولكني ظننتُ أني أسمع وسط التمتمة، صوتا جمْعِيّا جليّا يسأل: ما العمل ساعتها؟

 

قلتُ بلا تردد وبحزم: إجعلوا لمشاعركم أقداما تَسْعون بها إلى الشريك. واصلوا المسيرَ إليه  بشوقٍ ، مَهما نبتَت على حوافِّ معارجكم مِنْ أشواكٍ, التوقف في المُنتصفِ أو دونه أو بعده، موتٌ زؤام محتم. وليتكم لا تبالون بغضبكم وأنتم تتقدمون من الشريك. وإنْ تمنَّعَ، إجعلوا من أصابعكم مايسترو، يحركُ كلَّ شيءٍ يميلُ للتوقف أو للتباطؤ.

 

تهللتْ أساريرٌ. وإبتسمتْ أعينٌ واتسعتْ، وضاقت أخرى على اتساعهما. وتراقصتْ رموشٌ طويلةٌ وحواجبٌ كثيفةٌ وأخرى مُشذبةٌ مُهذَّبة، وهُمْ يحدِّقونَ في وجهي برجاءٍ وحنانٍ يافعٍ. وقفتُ لأستأذنَهم، خِلتهم يقولون لي شيئا، وهم منتصبين حولي كالرماح . فأكملت سعيدا بينهم فخورا بهم: تذكروا يا أصدقائي الشباب، أنَّ الحبَّ مشاركةٌ نشطةٌ مستدامة، تقتضي توازنا في الحقوق وفي الواجبات . منه تبدء كلُّ النسائمِ والرياح والزوابع . وما بين أبيضه وأسوده تقيم تلاوين قزح . نعم قد تغشاه بقعٌ مُحزنَةٌ موجعة، جراء محاصرته بضرورات تصريف الأعمال وخدمة العلم والمَواسمية. عليكم أن تتذكروا دائما ، أنَّ حبَّ الحقوقِ أعمى، وبالتأكيد أنَّ حبَّ الواجباتِ أعمى هو الآخر.

 

الاردن – 20/8/2019

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.