اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

أمراء المؤمنين وثقافة التوحش// صالح الطائي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صالح الطائي

 

عرض صفحة الكاتب 

أمراء المؤمنين وثقافة التوحش

صالح الطائي

 

حدثتنا كتب التاريخ عن تفشي ظاهرة اللهو الماجن بين الخلفاء وأبنائهم وأقربائهم وأصدقائهم، وقادتهم وكبار جندهم، فضلا عن أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء والطبقة المترفة من المسلمين، ومن المتعارف عليه أنه لا يمكن دراسة ظاهرة ما بمعزل عن العصر الذي نشأت فيه، مثلما لا يمكن دراسة عصر بمعزل عن الظواهر المجتمعية التي كانت فاشية فيه. ومن يتابع مجريات أمور المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين سيجد توحدا باهرا بين تلك العصور وظواهرها بشكل يدعو للغرابة والدهشة. أما المدهش في الأمر فهو سرعة الانقلاب الذي حدث في مجتمع قريب عهد بعصر البعثة وزمن النبوة، وقد جايل وعاصر الكثير منهم نزول الوحي وعبقات أحاديث الرسول، بل وأسهم بعضهم في خوض الحروب الشرسة التي خاضها المسلمون لنشر الإسلام، من هنا، أكد "جوستاف فون جروبناوم" على انتشار ظاهرة المجون وتفشيها في العصرين الأموي والعباسي، وكان من عوامل ظهورها وانتشارها: الخلفاء أنفسهم والشعراء والجواري والغلمان والقيان ومجالس الخمر. وقد تبدت هذه الظاهرة في المجون والزندقة والخمريات والغزل بالمذكر، والغزل الفاحش(1). مع هذا التبدل الذي جايل نوعا من النهضة الفكرية والحضارية، كان أثر التطور الحضاري محدودا، فالأكثر تأثيرا منه كانت روح المؤامرة التي مرت بسهولة على الحكام المذهولين بالجنس واللهو، ممن أصعدهم إلى سدة الحكم نسبهم العائلي وليس الكفاءة والتحصيل العلمي، حتى أن كثيرا منهم لم يكونوا يحسنون القراءة والكتابة، ومنهم من لم يقرأ في حياته كلها كتابا واحدا، والحضارة كما هو معلوم تحمل في طياتها عوامل الانحلال، حيث كان أثر الغزوات والفتوح التي خاضها المسلمون تحت عنوان الفتح ظاهرا، ورغبة في إشباع نهم سيرورتهم الحضارية سببا في الانهيار، فقد ذُهل قادة الجند بالصور الأنثوية الجميلة والمبهرة والبراقة التي وجدوها في نساء وغلمان البلاد المفتوحة، فأكثروا من جلب هؤلاء إلى عاصمة الدولة، ووزعوهم ضمن مواصفات طبقية خاصة على الخليفة أولا ومن ثم الأقرب فالأقرب للخليفة وصولا إلى الطبقة الوسطى. وقد تعرض هؤلاء ـ نساءً وغلمانا ـ للاستغلال الجنسي البشع، وسلبت وامتهنت كرامتهم، وامتهنوا واهينوا وذلوا، وبيعوا في سوق النخاسة كالخراف، وهم الذين كانوا في بلدانهم سادة وأبناء سادة ونبلاء، وأبناء وبناة حضارة لها قيمها وسننها وعقائدها ودياناتها، حيث استعبدوا باستثناء من اعتنق الإسلام منهم، وحتى هؤلاء لم يرفعهم إسلامهم إلى مصاف المسلمين العرب، حيث أطلق عليهم اسم الموالي.

 

والموالي: جمع مولى، وللمولى معانٍ عديدةٍ، منها المولى في الدين وهو الوَليّ أي الناصر، وذلك في قوله تعالى: {ذلكَ بأنّ اللّهَ مَولَى الذينَ آَمَنوا وأَنّ الكافِرينَ لا مَوَلى لَهم}(2) والمولى: العصبة، ومن ذلك قوله تعالى: {وإِنّي خِفتُ المواليَ مِنْ ورَائِي}(3) أي ورثة الرجل وبنو عمه، وقال اللَّهَبيّ يخاطب بني أمية:

مَهْلًا بني عمنا مهلًا موالينا               لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

 

ومنها المولى الحليف، ومولى الحلف أو مولى الاصطناع، يقال له أيضًا مولى العَقد، فيكون بانتماء رجل إلى رجل بعقد، أو قبيلة إلى قبيلة أخرى بحِلف، والمولى المُعتَق: هو الذي انتسب بنسب مُعتِقِه ولهذا قيل للمُعتَقين الموالي. وذكر بعض أهل الأخبار، أن الموالي ثلاثة: مولى اليمين المحالف، ومولى الدار المجاور، ومولى النسب ابن العم والقرابة.

 

خلافا لهذه المعاني، أُطلق الفاتحون العرب على من أسلم من غير العرب اسم المولى، وكان هؤلاء يضعون أنفسهم تحت حماية أفراد من وجهاء المجتمع أو بعض العشائر ليوفروا لهم الحماية والدعم، أما من يؤسر في الحروب، فيتحول إلى عبد، فإذا أسلم، اعتقه سيده، وهؤلاء كانوا يسمون موالي العتاقة، فهم حتى مع عتقهم بسبب إسلامهم، يبقون مرتبطين بساداتهم كنوع من التبعية أو العبودية المخففة.

 

ولم يقف الأمر عند العبودية وحدها سواء كان مشهرة أم مقنعة، إذ كان الأمويون متعصبين ضد الموالي، فاستغلوهم واضطهدوهم واحتقروهم، وقد أشار لذلك كبار قدماء المؤرخين مثل أبي الفرج الأصبهاني في كتابه الأغاني وابن عبد ربه الأندلسي في كتابه العقد الفريد، وأشار لها كبار المستشرقين مثل: فون كريمر، وفان فلوتن،  وإدوارد براون، كما أشار لها باحثون معاصرون كبار مثل: جرجي زيدان، وفيليب حتي، وحسن إبراهيم حسن، وعلي حسن الخربطلي وآخرون غيرهم.

وهذا بحد ذاته أشعر هؤلاء الموالي بالإهانة لأن المفروض بإسلامهم أن يرفعهم إلى مصاف إخوتهم في الدين من العرب، وهو الأمر الذي لم يحدث بتاتا، وهو ما أشعرهم بعقدة النقص التي زرعت فيهم روح الانتقام. فضلا عن ذلك، بقي أغلبهم ضمن طبقة العبيد والخدم ولم يرق إلى طبقة عامة الشعب. أما النساء اللواتي أسلمن، فتحولن إلى ملك يمين، وإناء متعة للمسلم، يعاشروهن معاشرة الأزواج، ويعاملوهن معاملة العبيد، يبيعوهن ويهدوهن ويمتعون ضيوفهم بهن، يضربوهن ويهينوهن ويجيعوهن ويعروهن، ولا يسمحوا لهن أن يتمثلن بباقي نساء المجتمع حتى بالملبس والمأكل، بل حتى بالحجاب الإسلامي المفروض على الحرائر، فعاشت طبقات الموالي أعلى مراحل الاستغلال الطبقي والاجتماعي، واستفحل بينهم الفقر الذي تزامن مع تشكل طبقة أرستقراطية مقربة من السلطة، استحوذت على أهم الموارد الاقتصادية مستغلة مكانتها لدى السلطة ونفوذها. وبالتالي عاش  أغلب الموالي منذ ساعات تواجدهم الأولى في المجتمع الإسلامي حياة استغلال جشع وذل وحرمان وعبودية وسخرة وانحطاط دائم بعث فيهم روح الكراهية والرغبة بالانتقام. فباستثناء نادرة منهم، كانوا يمتازون بالعلم والثقافة من الذين صعب على الحكام الجهلة والقادة الأميين تجاوز ما لديهم، فبزغ هؤلاء في المجتمع، واشتهروا وعلى شأنهم، ذل كل الموالي الآخرين وتعرضوا للاستلاب الجسدي والأخلاقي بشكل وحشي فيه الكثير من الغرابة.

 

من هنا حاول بعض من أهين وأستعبد منهم الانتقام إما عن طريق نشر الرذيلة في المجتمع وتلويث فطرته، وإما عن طريق الالتحاق بالثوار، فعلى مدى سنين طوال، نشبت الكثير من الثورات الشعبية ضد حكم الأمويين وتسلطهم وظلمهم، وكان الموالي بقسميهم المخلص والمنتقم هم السواد الأعظم في جيش هذه الثورات، التحق بعضهم لنصرة الحق، والتحق الآخرون لينتقموا لكرامتهم المسلوبة وأهلهم المسبيين، وقد ترجموا الكمد الدفين في طريقتهم البشعة التي قتلوا من خلالها الخليفة الأموي مروان بن الحكم، وطرق الإذلال التي مارسوها ضد الخلفاء العباسيين في العصر العباسي الثاني.

 

والملاحظ أن الخلفاء العباسيين الذين كانت أغلب أمهاتهم من الموالي، كانوا أخف وطأة من الأمويين على مواليهم، فقربوهم وأكرموهم ووفروا لهم الحماية، ومكنوهم من رقاب الناس، ذكر ابن قتيبة في تاريخه أن المنصور غضب لما سمع أن والي البصرة، مسلم بن قتيبة، عاقب واحدا من موالي الخليفة وعدَّ ذلك تجاوزا عليه، فقال: "علي تجرأ، لأجعلنه نكالا".

 

لكن ما يعاب على العباسيين هو انغماسهم في عالم الموالي إلى حد الترهل، حيث تقاطرت أخبار تناولهم الخمر وتعلقهم بالغلمان الحسان والجواري المستوردات خصيصا لحضراتهم، وتقريبهم بعض الموالي وتسليطهم على أحرار العرب بل على الشعب المسلم كله.

 

والجواري أنواع: منهن السراري للفراش ومنهن للخدمة وعمل البيت ومنهن لخدمات الحمام والإحاطة بالسلطان وملء المكان ومنهن لمرافقة زوجات الخلفاء، وفضلا عن القيان أو المغنيات. والغريب أن الأحاديث التي أوردوها حول هذه المسميات فيها الكثير من الغرابة مثل حديث القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن رسول الله(ص)، قال: "لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام"(4). ومع ذلك ذكرت كتب التاريخ قصصا عن أعداد غفيرة وأنواع كثيرة من القيان اللواتي اشتراهن خلفاء المسلمين في عصري الامبراطورتين الاموية والعباسية، وأسهبت تلك الكتب في الحديث عما دار بينهن وبين الخلفاء إلى درجة صعب معها تصديق حدوث ذلك على أيدي خلفاء أطلق على أغلبهم لقب (أمير المؤمنين) ممن كان المفروض بهم أن يكونوا قدوة للأمة، بينما تجدهم قد ابتعدوا عن الدين وأوامره ونواهيه إلى درجة يصعب معها هي الأخرى أن تقنع بسيطا ساذجا أن هؤلاء كانوا مسلمين من أصله.

 

إن هذا التبدل الرهيب يدل بما لا يقبل الشك أن الإسلام منهجا وعقيدة وسلوكا خضع إلى تغيير ممنهج منذ الأيام الأولى لعصر ما بعد البعثة، وان هذا التغيير تغوّل وتضخم كثيرا في عصور الدولتين الأموية والعباسية، وأن ذلك خلق إسلاما جديدا فيه الكثير من البعد عن الإسلام الأول، وأن هذا التغيير هو الذي تسبب في تضخيم روح التوحش لدى المسلمين، وهي الروح التي ورثها المسلمون كابرا عن كابر، وخلدت في أجنداتهم التربوية حتى وصلتنا، واستسغنا ممارستها على أبناء جلدتنا وعلى أهلنا بل وحتى على أنفسنا، ففشي بيننا القتل، وانعدمت الرحمة!.

 

الهوامِــــش

(1)  جوستاف فون جروبناوم، حضارة الإسلام،  ترجمة: عبد العزيز جاويد، مكتبة مصر، القاهرة، 1956، ص121.

(2)  محمد: 11.

(3)  مريم: 5.

(4)  سنن الترمذي، ج5/ص322ـ323

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.