اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

ماذا نعرف عن موارد تمويل الميليشيات المسلحة؟// سعد السعيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سعد السعيدي

 

 

ماذا نعرف عن موارد تمويل الميليشيات المسلحة؟

سعد السعيدي

 

يتسائل الكثيرون وبحق عن مصادر الموارد المالية الهائلة التي تحوز عليها الميليشيات في العراق. إذ تمتلك هذه المجاميع المسلحة فضائيات وعقارات وجمهور من المنتفعين. ولا يمكن لهذه المجاميع من الصرف على كل هذا من موارد التمويل الخارجي فقط.

 

وقد قام الاعلام بكشف اجزاء من طلاسم هذا الموضوعبفترات متقطعة. المرة الاولى كانت في خبر من الاعلام العالمي اشار الى تقرير للامم المتحدة في حزيران 2005. إذ ذكر في هذا التقرير تحذيرا من بدء العراق منذ الغزو الامريكي العام 2003 بالتحول سريعا الى ممر للمخدرات من افغانستان الى الشرق الاوسط واوروبا. ثم اورد التقرير خبرا قصيرا عن القاء القبض على مجموعة مهربين في محافظة النجف كانت تروم ادخال اكثر من 700 كيلوغرام من الحشيشة الى السعودية.

 

لاحقا بعد سنوات طويلة بدأت تفاصيل اخرى بالظهور في الاعلام المحلي. إذ كشفت ماجدة التميمي عضو اللجنة الماليةالنيابية في العام 2017 وبالأرقام عن عمليات فساد بمليارات الدولارات في المنافذ الحدودية. فقالت بان 99 بالمئة من رسوم الكمارك تذهب الى جيوب الفاسدين. وأوضحت التميمي بانحجم الإيرادات فيمنفذ الصفرة على سبيل المثال قد بلغ في شهر شباط مليار و293 مليون دولارا. لكن بعد أن تم تشكيل لجنة من رئاسة الوزراء سيطرت على المنفذ ، ارتفعت الإيرادات في آب إلى 11 مليارا ووصلت في تشرين الأول إلى 20 مليارا.

 

واشارت التميمي الى ان الفاسدين يشكلون مافيات خطرة تتألف من سياسيين وأحزاب وميليشيات تسيطر على المنافذ الحدودية ولا يوجد من يستطيع الحديث معهم كونهم يهددونه. كما أنهم يسيطرون على مواقع التواصل الاجتماعي ويقومون بتسقيط من يتحدث عن الكمارك وتوجيه اتهامات باطلة له. وتابعت التميمي قائلةبانهم قد اكتشفوا وجود نواب ووزراء سابقين وحاليين يتوافرون على موظفين في المنافذ الحدوديةيجبون لهم الأموال. وإذا ما تم ضبط شاحنة مخالفة بالكمارك من قبل نائب يقومون بالضغط عليه لترك الموضوع. وقد اكدتانه إذا كان عملهميجري بشكل صحيح فمن الممكن الحصول على 15 مليار دولار من الإيرادات الجمركية سنويا.وأردفت التميمي برسالة وجهتها إلى العبادي رئيس الوزراء وقتها طالبة منه الاهتمام بالمنافذ الحدودية كون القضية تتعلق بالصحة والأمن والأموال، منوهة إلى ان الأجهزة الرقابية غير مفعلة بشكل صحيح بسبب الفساد، مع مشاركة اغلب الأحزاب في قضية المنافذ.

 

بعد سنتين من كلام النائبة في آذار 2019 تحدث النائب حسن العاقولي رئيس كتلة سائرونفي مؤتمر صحفي عقدهبمبنى البرلمان عن تقرير آخر قدم من اللجنة المالية النيابية حول المنافذ الحدودية. وقدكشف فيه عن وجود منافذ غير رسمية وأخرى تعمل بلا وثائق ، مع عدم امتلاك اغلب العاملين فيها على تراخيص للعمل بالمنافذ.واضاف بان التقرير اشار ايضا الى عدم التزام المنافذ بقانون حماية المنتج الوطني مع تدخل بعض الجهات المسلحة في عمل بعض المنافذ البرية والبحرية، مشيرا الى أن هذه نقاط تمس بسيادة البلد.

 

وقد جرى تأييد كلام النائب العاقوليفي نيسان اللاحق حين كشف كاظم العقابيرئيس هيئة المنافذ الحدودية بان العراق يخسر المليارات شهرياً بسبب فساد المنافذ وبالأخص ميناء أم قصر. وقد بيّن انه منذ تسلم هيئة المنافذ مهامها في منتصف العام 2018 تضاعفت إيرادات المنافذ قياساً بالأعوام التي سبقت تشكيل الهيئة. بعد هذا التصريح كشف مسؤول عراقي رفض ذكر اسمه عن وصول تقرير مشترك من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية إلى حكومة بغداد، يؤكد تكبد البلاد خسائر باهظة نتيجة الفساد في المنافذ الحدودية ويشتمل على تمرير بضائع غير قانونية أو تغيير نوعها لإعفائها من الرسوم او تخفيضها والتلاعب بالكميات التي تدخل البلاد.وقد أكد المسؤول بان العراق يخسر مليارات الدنانير شهريا بفعل عمليات الفساد تلك التي ثبت تورط جهات مسلحة وأحزاب فيها.

 

وحسب رامي السكيني النائب عن تحالف سائرونفإن تقرير اللجنة المالية هذا قد كشف بان الكثير من المنافذ الحدودية قد أصبحت خارج سلطة الحكومة الاتحادية. وقد اكد بان مليشيات مسلحة لها نفوذ سياسي في بغداد تهيمن على الكثير من المنافذ، مع عدم التزام منافذ كردستان بالتعرفة الكمركية وغير خاضعة للحكومة الاتحادية.

 

وقد دعت لجنة الأمن النيابية إلى إبعاد المليشيات عن تلك المنافذ. وقال عضو اللجنة محمد رضا بوجود فساد كبير وسيطرة للمسلحين عليها وعلى كل منافذ العراق من البصرة إلى كردستان. وتابع رضا بانثمة منافذ تدخل البضائع بدون تأشيرة. وان لديه معلومات عن منفذ في ديالى ادخلتمنه سيارات بشكل غير قانوني من دولة مجاورة بدون ختم وبلا تأشيرة أو حتى فحص. ويحدث الامر نفسه كذلك في المنافذ الأخرى.

 

وذكر المستشار السابق في هيئة المنافذ الحدودية محمد الموسوي بان العراق يستورد سنويا عبر منافذه مواد مختلفة تبلغ قيمتها أكثر من 40 مليار دولار، من إيران وتركيا والكويت والأردن إضافة إلى الموانئ البحرية والمطارات. وقدّر مبالغ الرسوم التي يجب أن تدخل موازنة الدولة ما بين 2.5 الى 3 مليارات دولار سنويا. لكن ما دخل للعراق العام الماضي لم يتجاوز 700 مليون دولار فقط.

 

وكان مسؤولون وبرلمانيون قد اكدوا في تصريحات سابقة تدخل الأحزاب والمليشيات في شؤون المنافذ الحدودية. وان كل حزب وفصيل مسلح له دور ومهام تختلف عن البقية. فثمة أحزاب متورطة في تهريب وبيع النفط في الخارج، وأخرى مرتبطة بتهريب المخدرات من إيران، ونشاطات تتعلق بالحصول على إتاوات من تجار الخضار واحتكار المنتجات الغذائية وطرق توزيعها في المحافظات الجنوبية بحسب مراقبين. ولا يختلف الأمر كثيراً في المنافذ الحدودية الشمالية في إقليم كردستان العراق. إذ تتقاسم السيطرة عليها مليشيات مسلحة تابعة للحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.وحسب تقديرات اللجنة المالية، فإن خسائر العراق جراء الفساد وضعف الرقابة في السنوات الاثنتي عشرة الماضية قد بلغت نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية.

 

وقد كشفت اللجنة الامنية في مجلس محافظة ميسانفي تموز 2019 بالتفاصيل عن الفساد المستشري في منافذ المحافظة. فذكر سرحان الغالبي رئيس اللجنة حقائقاً عن منفذ الشيب الحدودي. وقال بانهعلى الرغم من انخفاض النزاعات العشائرية ونفوذها الى نحو 60 الى 70% بالمحافظة ، إلا أنها ما تزال مسيطرة بالإضافة الى جهات حزبية على المنفذ الحدودي مع ايران.وأضاف بان مجلس المحافظة كان قد أصدر قرارا لمعالجة هذا الموضوع، بيد انه لم يجر تنفيذه. وقد رجح سبب ذلك الى العلاقة بين الجهات المسيطرة على المنفذ وأحزاب لها قوة على الأرض.وأكمل بان لجنته قد طالبت رؤساء الحكومات آخرهم عبد المهدي بان يكون لهم دور حقيقي بهذا الملف، لكن دون اية استجابة.وحول طبيعة سيطرة تلك الجهات (العشائر والأحزاب) على المنفذ، قال الغالبي بان هذه الجهات تملك شاحنات نقل خاصة بها لا تسمح بمرور شاحنات الآخرين دون المرور عليهم ، وتقوم بعرقلة الشاحنات التي تتجاوزهم. وكان الغالبي قد كشف قبل هذا بشهور عن أشخاص من المنتمين لفصائل المسلحة سواء تلك التي ترتبط بالحشد الشعبي او غير المرتبطة به، يمارسون أعمالاً غير قانونية بعيدا عن النشاط الأساسي الذي تكونت من اجله تلك الفصائل وهو الدفاع عن الوطن. وقداشار الى امتلاك جميع الاحزاب فصائل مسلحة وجهات اقتصادية تحصل من خلالها على التمويل.

 

ثم تبع تأكيد لاحق لكلام مجلس ميسان. إذ حذرت اللجنة المالية النيابية من خطورة سيطرة فصائل مسلحة على المنافذ الحدودية في البلاد. وقال النائب جمال كوجر عضو اللجنة بان مفتش عام المنافذ الحدودية قد أكد للجنته وجود ستة منافذ حدودية تكون خارج سيطرة الدولة بعد نهاية الدوام الرسمي، تأخذ مواردها ميليشيات مسلحة.

 

وفي الشهر الاول من السنة الحالية وبعد سنوات من التقاعس والكسل شكل مجلس النواب لجنة نيابية للتحقيق مع كبار المسؤولين في ادارة ملف المنافذ الحدودية. وقد شكلت هذه اللجنةاعتمادا على تقارير اللجنة المالية حول سيطرة جماعات مسلحة وأخرى عشائرية على العديد من هذه المنافذ مما تسببباستشراء الفساد والفوضى في تطبيق القانون في الكثير منها، مع وجود سطوة لأطراف معينة على إدارة العديد من المنافذ. ويقول النائب حسين العقابي عضو هذه اللجنة بانها ستقدم تقريرا وافيا ومفصلا للمجلس بعد الانتهاء من الاستضافات مع المسؤولين المعنيين لافتا إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى وجود ثلاثة منافذ غير قانونية.

 

ويرى النائب العيساوي عضو اللجنة ان عدم السيطرة على المنافذ يمكن الجماعات الخارجة عن القانون من إدخال المخدرات والإرهابيين. وحذر من إمكانية وصول إيرادات هذه المنافذ إلى جهات ليست داعمة للدولة. كما أن فقدان السيطرة على هذه المنافذ يعني فقدان السيطرة على آلية حماية المنتج المحلي.

 

وفيما يخص المخدرات في العراق لا بد في النهاية من ذكر ما نشر في الاعلام حولها مما ندر. إذ افادت مصادر محلية من البصرة في شباط 2018 بان منع بيع المشروبات الكحولية في المدينة قد عزز من انتشار مواد مثل "الحشيش والكريستال والخشخاش". وقال احد هذه المصادر بان المليشيات المسلحة التي تدّعي الانتماء للحشد الشعبي، قد امرت بإغلاق جميع محال بيع المشروبات الكحولية بحيث لا يوجد في البصرة حاليا أي مُتاجر بها. وإن وجد فهذا يعني وجود اتفاق مصلحة مع المليشيات أو أنه يغامر بحياته. وبيّن المصدربان انتشار المخدرات اللافت قد حصل بعد إغلاق محال المشروبات، إذ كثرت المواد المخدرة فجأة وصارت تُباع بطرق متعددة. وأضاف بان المجتمع البصري كله يعرف أن إيران هي مصدر كل أنواع الحشيشة المنتشرة. لكن لا يجرؤ احد على الكلام علناً خشية من استخبارات الحشد الشعبي ومكاتبه التي تعاقب من يسيء لإيران.

 

وكان النائب فائق الشيخ علي قد كشف في تشرين الأول 2017 في مؤتمر صحفي داخل مبنى البرلمان على خلفية إقرار مجلس النواب منع بيع واستيراد المشروبات الكحولية في العراق عدا اقليم كردستان، عن قيام مليشيات مسلحة تابعة لأحزاب إسلامية شيعية بالمساهمة في انتشار المخدرات في مناطق جنوب العراق من خلال زراعة مادة الخشخاش المخدرة، مبينا أن الأحزاب الإسلامية صوتت على منع المشروبات الكحولية كي يُفسح لها مجال المتاجرة بالمخدرات.

 

وقال الشيخ علي بان الحبوب المخدرة وبذور الخشخاش تستورد من إيران.واضاف مؤكداحول سبب ارتفاع أسعار قناني الجعة في مناطق الجنوب مقارنة مع أسعارها في بغداد هوان الفارق الكبير بالسعر يذهب لصالح الأحزاب الشيعية التي تمتلك فصائل مسلحة. ولفت حينها إلى أنهحتى سماسرة البغاء يدفعون أموالاً للأحزاب الإسلامية في مناطق الجنوب وبغداد من أجل تسهيل عملهم. وكان رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي قد دعا في وقت سابق العبادي رئيس الحكومة الى ضرب المجاميع المسلحة والمليشيات بيد من حديد، لافتا إلى انهم يهربون النفط ويسرقون أموال الدولة ويسيطرون على المزارع ويهربون المخدرات، ويجب ملاحقتهم حتى لا يتفاقم الوضع في البصرة.

 

وقد كشف مصدر امني في السياق ذاته اشترط عدم الكشف عن اسمهبأن المهربين الذين يلقى القبض عليهم يتم تهريبهم بعد ايداعهم السجن من خلال دفع أموال لشخصيات أمنية متنفذة. ويدفع تلك الأموال المهربون أنفسهم أو جهات تدعمهم لقاء خروجهم. وبيّن بان أغلب المهربين لديهم علاقات وطيدة مع قيادات في الشرطة المحلية. لذلك يخلى سبيل المهربين وتتلف سجلات إفادتهم واعترافاتهم. وأضاف بان المكاتب الإعلامية لقيادتي عمليات وشرطة البصرة تعمل دائما على تحوير الحقيقة. فهي تنشر بيانات تفيد بأن المواد المخدرة محلية الصنع، لكنها في الحقيقة إيرانية تصل إلى المدينة عن طريق المنافذ البرية بواسطة عصابات مدعومة مادياً ومعنوياً من مليشيات مسلحة.

 

الاسئلة البديهية التي ستطرح مع هذا الكم من المعلومات هو عن سبب التهاون الحكومي عن فرض سلطة الدولة على موارد منافذها وتركها لقمة سائغة بيد ميليشيات الاحزاب الاسلامية. كذلك فمن حقنا معرفة اسباب تكاسل الجهة النيابية التي تكرر ذكر كشوفات نوابها عن متابعة مآل النداءات والتوصيات والدعوات التي وجهتها للحكومة حول امر التجاوزات الخطيرة على مصالح الدولة. إذ ان من صلاحياتها مساءلة اعضاء الحكومة ورئيسها لمعرفة اسباب استخفافهم بدعوات مجلس النواب خصوصا بعد تأديتهم اليمين الدستورية. ومن صلاحياتها الاخرى هي احالة ملفات الفساد الى القضاء والادعاء العام.

 

إن عدم ذهاب هذه الجهة النيابية الى ابعد مما قامت به آنفامع نتائج الصفر على الارض وبقاء الاوضاع على حالها دون تغيير، يثبت تواطؤها مع الجهة النيابية الاخرى التي كشفت عن تجاوزاتها وسرقاتها. وتكون بالنتيجة غير مهتمة إن ضاع المال العام ليسرق ويتحول الى تمويل للميليشيات المسلحة، غير ادخال مواد غير مشروعة يعاقب عليها القانون بشدة والمتاجرة بها في البلد.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.