اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

البعدُ الدستوري والقانوني في رفعِ علمِ الشواذ في بعض البعثات الدبلوماسية في العراق// د. حسن الياسري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. حسن الياسري

 

البعدُ الدستوري والقانوني والدولي في رفعِ علمِ الشواذ

في بعض البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق

د. حسن الياسري

بغداد

١٨ أيار ٢٠٢٠

 

لقد أثارت بعثة الاتحاد الأوروبي جدلا واسعًا في العراق، بعد رفعها، بالاشتراك مع سفارتي كندا وبريطانيا، علم الشواذ للمرة الأولى في البلاد، للاحتفال باليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية والتحول الجنسي. وبغية تسليط الضوء على الجوانب الدستورية والقانونية والدولية الكامنة وراء هذا الفعل سنبيّن الموقف بإيجازٍ عبر أبعادٍ ثلاثةٍ ، دستوريةٍ وقانونيةٍ ودوليةٍ.

 

أولاً : البعد الدستوري :

١- يُعدُّ الدستورُ القانونَ الأعلى والأسمى في البلاد، وكل تجاوزٍ له يعدُّ خرقاً دستورياً يتسبّب في بطلان الفعل، وينزله بمنزلة العدم!!

 

٢- إنَّ حرية التعبير مكفولةٌ دستورياً، ما لم تتعدَّ النظامَ العام والآدابَ العامة، فإذا تعدّّتها حُظِرتْ، وتحولت الحرية إلى جريمةٍ. وهذا ما سار عليه الدستور العراقي، وكذا الدساتير العربية والاسلامية، بل وبعض الدساتير الأجنبية أيضاً. فالحرية مقيدةٌ دستورياً لا مطلقةً.

وعليه لا يمكن التسليم من الناحية الدستورية بشرعية حركة الشواذ المثليِّين مطلقاً، ولا بأفعالهم وسلوكياتهم قط.

 

٣- لقد أوجبَ الدستورُ الحفاظَ على هوية العراقيّين الإسلامية ؛ كونها تمثل هوية الأغلبية الساحقة. ومعلومٌ كم هي تتنافى تلك الأفعال الشاذة مع هذه الهوية، وكم تخرق المنظومتين الدستوريةِ والقيمية!!

 

٤- وليس بخافٍ القول إنَّ المادة الثانية من الدستور التي أعقبت المادة الأولى المخصصة لاسم الدولة قد جعلت الاسلامَ ديناً للدولة، جرياً على عرف الدساتير العراقية والعربية والاسلامية؛ وهو -الإسلام- مصدرٌ أساسٌ للتشريع.

فكيف يُرفعُ علمٌ للشواذ في دولةٍ دين دولتها الإسلام، وهو مصدر تشريعها الأساس!!

 

ثانياً : البعد القانوني :

وليس القانون ببعيدٍ عن الدستور في حظر هذه الأفعال، إذ تعدُّ أفعالاً مُحرّمةً، بل مُجرّمةٌ، ويمكن أنْ تُصنّفَ في بابِ العقوبات من حيث المبدأ بكونها جرائمَ مخلةً بالأخلاق والآداب العامة، بل ومن الجرائم الماسة بالشعور الديني، كونها تتنافى مع منظومة المجتمع القيمية والدينية، وتضربها بالصميم.

 

ثالثاً : البعد الدولي:

١- بمقتضى المادة الثالثة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام ١٩٦١، وهي الاتفاقية الدولية المعنية بتحديد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وبيان الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، فإنَّ البعثة الدبلوماسية ترمي إلى تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها -التي تتواجد فيها-، وحماية مصالحها، وتعزيز علاقات الصداقة والمصالح المشتركة بين الطرفين، وليس من شأنها التدخل في شؤون الدولة المعتمد لديها ، ولا القيام بأي عملٍ استفزازي ضدها.

 

 ٢- إنَّ على البعثات الدبلوماسية الأجنبية احترام ومراعاة المنظومة الدستورية والقانونية والقيمية في الدولة المعتمد لديها -التي تتواجد فيها-.

وهذا ما نصت عليه المادة الحادية والأربعون من اتفاقية فيينا، إذْ ورد فيها الآتي:

 (مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها ، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة ... لا تستعمل مباني البعثة في أغراضٍ تتنافى مع أعمال تلك البعثة التي ذكرت في هذه الاتفاقية أو مع قواعد القانون الدولي العام أو مع الاتفاقيات الخاصة القائمة بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها).

وأيُّ عملٍ متنافٍ مع عمل البعثة أكثر من استفزاز مشاعر العراقيين في شهر الصيام برفع علم الشواذ!!؟؟

 

٣- إنَّ أيَّ تجاوزٍ من هذه البعثات على المنظومة الدستورية والقانونية والقيمية في الدولة المعتمد لديها يكون جديراً بعدِّ رئيس البعثة شخصاً غير مقبول، ما قد يتسبّبُ في إنهاء عملهِ الدبلوماسي.

 

٤- إنَّ العراق لا شأن له بالمركز القانوني للشواذ في كندا وبريطانيا وغيرهما من دول الاتحاد الأوربي ، فذلك شأنٌ داخلي.

بيد أنه لا يجوز للبعثات الدبلوماسية أن تروِّج، في العراق وغيره من الدول المشابهة، لما تراه جائزاً في دولهم، ما دام النظام العام والآداب العامة في العراق لا يُقِرّان ذلك، كما أنَّ العراق ليس بوسعهِ الترويج، لما يراه جائزاً ضمن حدود الدستور والقانون العراقيَّين، في دولهم، متى كان النظام العام والآداب العامة عندهم لا يُقِرَّانهِ .

 

٥- لا ريب في أنَّ تطاول البعثات الدبلوماسية المتكرر منذ سنين ، يعكس ضعف المنظومة الرسمية العراقية وخارجيتها ؛ ولا أدلّ على ذلك من توجيه السؤال الآتي للحكومتين الكندية والبريطانية وبعثة الاتحاد الأوروبي:

هل تجرؤون على رفع علم شواذكم في بعثاتكم الدبلوماسية في أيران أو السعودية!!؟؟

بل هل تجرؤون على فعل ذلك في ماليزيا وباكستان  !!؟؟؟

 

٦- إنَّ بيان الشجب الصحفي الذي أدلت به وزارة الخارجية لا يكفي لردع هذه الممارسات، ولا بدّ من موقفٍ شجاعٍ وحازمٍ؛ لئلا تتكرر هذه الانتهاكات، بعيداً عن المواقف الانفعالية.

 

 وفي هذا السياق نحن نحتكم إلى القانون الدولي العام وإلى الاتفاقية الدولية المعنية بهذا الشأن المشار إليها آنفاً، وفي هذا المورد للعراق أنْ يعدّ رؤساء البعثات الذين تورطوا في هذا الفعل القبيح أشخاصاً غير مقبولين في العراق، وتحديد أمدٍ زمنيٍ قصيرٍ لمغادرتهم العراق، ومجيء من يحلُّ محلَّهم؛ لكي لا يتطاول أحدٌ غيرهم في المستقبل، فإنْ لم تستطعْ الخارجية فِعلَ ذلك، ولن تستطيع، فلا أقلَّ مِن القبول باعتذارٍ رسميٍ تحريريٍ، مذيَّلاً بإمضاءِ رئيسِ البعثة المعنية؛ وبخلافه ستكون الخيبة والخسران.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.