مقالات وآراء

تأملات في القرآن الكريم ح9// حيدر الحدراوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حيدر الحدراوي

 

تأملات في القرآن الكريم ح9

حيدر الحدراوي

 

سورة البقرة

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{97}

كان من جملة ما اعترض واحتج به بنو اسرائيل على نبوة محمد (ص واله) هو عداوتهم لجبريل (ع) , فاليهود عامة يعتبرونه عدوا لهم , فيرد عليه عز وجل بلسان المصطفى (ص واله) ان كنتم تتخذون جبريل (ع) عدوا لكم من بين الملائكة , فأنه قد انزل القرآن الكريم عليك , ومصدقا بما جاءت به الرسالات السابقة , وكذلك هو هدى وبشرى للمؤمنين .

 

مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ{98}

زعم اليهود ان جبريل عدوا لهم , واتخذوا ميكال وليا لهم , في نفس الوقت , فيبين الحق تعالى ان من عادا احد الملائكة فهو عدوا للاخر , فلا يصلح اتخاذهم ميكال وليا , بعد معاداتهم لجبريل , وبالتالي سيعادون الله تعالى , فتتحصل النتيجة (فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) .

وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ{99}

يخاطب الحق تعالى نبيه الكريم , ويخبره بأن ما انزل اليك من آيات بينات هي الحق من ربك , وما يكفر بها وما ينكرها الا الخارج من دين الله تعالى .

 

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{100}

من اقبح عادات بني اسرائيل , واشدها شناعة , نقضهم للعهود , فكلما عاهدوا عليه نقضوه , فصح عنهم انهم شعب بلا عهد او ميثاق , وهكذا هو حالهم , منذ نشأتهم الى يوم القيامة , لذا من الممكن اعتبار هذه الاية الكريمة من ايات تحذير المسلمين منهم , وعدم التصديق بوعودهم وعهودهم , التي سرعان ما سنقضوها . المتامل في هذه الايات الكريمة , يجد ويشاهد عدة امور جميلة وبعضها قبيح , الجميلة صادرة منه تعالى , والقبيحة تصدر من الانسان , من اجمل ما في تلك الامور , هو ارساله تعالى رسله وكتبه لبني البشر , ذلك المخلوق الضعيف , الحقير المسكين المستكين , دون غيرهم من خلقه , وخصهم بكلامه واتخذ منهم ادم صفيا , نوح نجيّا , وابراهيم خليلا , وموسى كليما , وعيسى روحانيا , و محمد حبيبا , واتخذ منهم اهل بيتا . اما اعمال الانسان القبيحة , تكذيبه برسالاته تعالى , وقتله للنبيين , ونقضه للعهود والمواثيق , واتخاذ بني ادم آله غير الله تعالى .

وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101}

يشير الحق تعالى الى ان بني اسرائيل , نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم , عندما جاءهم النبي الموعود , نبي اخر الزمان , الذي يجدونه في توراتهم , بأسمه حرفيا , ويعرفونه كما يعرفون اباءهم وابناءهم او اكثر , الا انه قد ثبط عزائمهم , كونه النبي الذي لا يرغبون به , ومن امة يستحقرون امرها , ويستصغرون شأنها ( العرب ) , فما كان منهم الا ينبذوا ويتركوا كتاب الله وراء ظهورهم , خشية من تبيان الحق . وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ اتبع بنو اسرائيل سحرتهم , وما يحدثونهم به من خزعبلات , فجعلوها عوضا عن كتاب الله , وما كان سليمان (ع) ليكفر , فقد سخر الله له الجن والشياطين بقدرته , وعلامة من علامات نبوته , على عكس السحرة الذين استعانوا وعبدوا الجن والشياطين , واتبعوا توصياتهم . الملفت للنظر , ان بني اسرائيل قد تمسكوا بما تتلوه عليهم الشياطين , والتزموه , وآمنوا به ايمانا بالغا , وكفروا بما انزل الله جملة وتفصيلا ! .

يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ{102}

بل ذهب اليهود الى بعد من ذلك , فلم يقتصروا على الاتعاظ بمواعظ الشياطين , بل عبدوهم , و اطاعوهم في كل امر , وتعلموا منهم السحر , وراحوا يتهافتون على الملكين ببايل هاروت وماروت , بغية تعلمه , واتقانه , بالرغم من نصح الملكين لهم , ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ) , فيصرون على تعلم ما يفرق بين المرء وزوجه , وما شابه من تعاليم شيطانية . يطمئن الله عز وجل المؤمنين , بأن هذه الاعمال لا تضر الا بأذنه , ويصف تعلم اليهود , بأنهم يتعلمون ما يضرهم , ولا ينفعهم , وكانوا يعلمون جيدا , ان كل من تعلم هذه وعمل بهذه الامور (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) , فقد تاجر هؤلاء بالتجارة السلبية , التي ليس فيها غير الخسارة .

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ{103}

ولو انهم قد آمنوا بمحمد (ص واله) والرسالات التي سبقته , وتحسبوا للثواب المدخر عند الله عز وجل , لكان خيرا لهم , خيرا لهم من كل ما تعلموه , وامضوا حياتهم في اكتسابه .

 

حيدر الحدراوي