مقالات وآراء

حول بيان مكتب المرجع السيستاني بعد استقباله بلاسخارت// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

حول بيان مكتب المرجع السيستاني بعد استقباله بلاسخارت

علاء اللامي

 

"انتخابات مبكرة" بإدارة نظام الفساد تعني إخراجه من أزمته وإعادة إنتاجه!

 

 هذه مجموعة ملاحظات حول البيان الأخير الذي صدر عن مكتب المرجع السيستاني، القصد منها مناقشة أفكار وردت فيه وتتعلق بالشأن السياسي العام والأزمة المعقدة التي يمر بها العراق بعد إفلاس وفشل نظام المحاصصة الطائفية الفاسد والتابع للأجنبي. إن من حق كل عراقي أن يقول رأيه ويسجل ملاحظاته ببيان لجهة ذات تأثير مهم وعميق سلبا وإيجابا وحسب في الوضع الجيوسياسي العراقي أصدرت بيانا يخص هذا الموضوع، بل هي أصبحت - شئنا أو أبينا، مؤسسة من مؤسسات النظام الرديفة والساندة، وربما تكون أقوى من غيرها من المؤسسات بغرض النظر عن المقولة الرائجة والتي تقول "الساسة الفاسدون لا يستمعون لكلام المرجعية" والسؤال هنا هو: من أوصل هؤلاء الساسة الفاسدين إلى ما وصولوا إليه ورسخ نظام حكمهم وأبقاهم فيه رغم سيول الدماء البريئة التي سفكوها؟

 

إذن، القصد من هذه الملاحظات ليس  التدخل في شؤون المرجعية الفقهية، ولا في علاقتها الدينية بجمهور مقلديها "المقتدين بها"، وهم مواطنون عراقيون بالملايين، لهم ولإيمانهم الديني وخياراتهم الفقهية كل الاحترام، فالشأن الديني والفقهي خارج نطاق البحث السياسي الذي نحن بصدده، ولي شخصيا موقفي الرافض لتدخل أي جهة دينية أو عشائرية في الشأن السياسي العام، مع ضمان حق رجل الدين والزعيم العشائري في تعاطي الشأن السياسي كمواطن عادي كسائر المواطنين وليس كزعيم  لجمهور عريض فهذا من شأن القادة والزعماء السياسيين ذوي النشاط المشروع والقانوني. أما مَن سيحاولون خلط الأوراق والدفاع عن قدسية ما لطروحات سياسية لأنها صادرة عن جهة يوالونها ولاء دينيا، ويعتبرون أي نقد لأفكارها نقدا لمقدسهم فهم لا يختلفون عن سائر التكفيريين، ولا رد لي عليهم، لأن الخطاب ليس موجها إليهم بل لمواطنين ولاؤهم لوطنهم أولا.

 

نفهم ونستخلص من بيان مكتب المرجع السيستاني حول استقباله الممثلة الخاصة للأمين العام للأم المتحدة بلاسخارت الآتي:

 

1-جاء البيان موقعا بعبارة بسيطة هي "مكتب السيد السيستاني (دام ظله) ـ النجف الأشرف" وخاليا تماما من العبارة التقليدية التي شاعت بعد الاحتلال الأميركي والتي نصها "المرجعية الدينية العليا". ولا يمكن الجزم إنْ كان ذلك يعكس توجها جديدا بالعودة الى صفة المرجع المعهودة أم إنه تعبيري تلقائي اقتضته المناسبة ولا ينطوي على أية دلالات.

 

2- إنَّ اجتماع المرجع السيستاني بالمسؤولة الأممية "الهولندية الجنسية" المذكورة، يعني أنه ما يزال على تماس مباشر وتدخل فعليين في الوضع العام والشأن السياسي وليس مستقلا أو منقطعا عنه. وهذا الدور ليس جديدا، فقد بدأ مع احتلال أميركا للعراق سنة 2003، واستمر حتى الآن. وكانت له محطاته المهمة ومنها إحجام المرجع عن إدانة الاحتلال أو الدعوة لمقاومته خلافا للمعهود من المرجعيات الدينية الشيعية في بدايات القرن ضد الاحتلال البريطاني للعراق مثلا. ومحطة تأييده لكتابة الدستور في عهد الاحتلال ودعوته الجمهور إلى التصويت عليه بنعم، وتلك كانت بداية الكارثة التي نعيشها اليوم. مرورا بمحطات أخرى كدعوة الجمهور والحاضنة الشعبية الشيعية لانتخاب قائمة التحالف الحزبي الشيعي الموحدة أكثر من مرة. صحيح أن بيانات وفتاوى وخطب الجمعة الصادرة عن المرجع السيستاني تترك مسافة بينها وبين التدخل المباشر في التفاصيل السياسة، وهذا أمر مفهوم وخلافه ليس منطقيا، ولكنه يبقى حاسما في التأثير على مسار الأحداث والتطورات السياسية في العراق التي انتهت بترسيخ وتكريس الطائفية السياسية ونظام المحاصصة بين المكونات، وهذا هو جوهر المشروع السياسي للاحتلال الأميركي منذ البداية. فمثلما كان للاحتلال مشروعه العسكري التدميري كان له مشروعه السياسي وهو إقامة نظام حكم طائفي يضعف ويفتت العراق.

 

3-يمكن ان نستنبط من صدور هذا البيان أيضا أن سماحة المرجع يواصل التشاور والتنسيق مع الممثلة الأممية بلاسخارت (وللتذكير فهي كانت وزيرة الدفاع الهولندية السابقة وأن هولندا كانت إحدى دول التحالف الأميركي الذي احتل ودمر العراق إضافة إلى أن هولندا من الدولة الموالية جدا للكيان الصهيوني).  ومعلوم للمتابعين أن المرجعية وبلاسخارت قد أطلقا فكرة "الانتخابات المبكرة" في خضم انتفاضة تشرين وفي ذروة مأزق نظام الحكم الفاسد وفيما كان دماء المتظاهرين السلميين تسفك بكل وحشية وبرودة دم. وقد أطلقت هاتان الجهتان هذه الفكرة كنوع من الحل المقترح لتهدئة الأوضاع، وكمقدمة إجرائية لإعادة انتاج النظام نفسه بعد إخراجه من أزمته، ودون المساس بالدستور الاحتلالي والقوانين الرجعية المعمول بها.

 

بيان المرجع نفسه يكاد يقول ذلك حرفيا حين يركز على أن (الانتخابات المبكرة ليست هدفاً بحد ذاتها، وإنما هي المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد نتيجة لتراكم أزماته سياسياً واقتصادياً وأمنياً وصحياً وخدمياً وغير ذلك).

 

4-طرح المرجع شروطا عدة لتكون نتائج الانتخابات التي دعا إليها ذات (درجة عالية من المصداقية، ليتشجع المواطنون على المشاركة فيها بصورة واسعة) ومن تلك الشروط: إن تجرى وفق (قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية) ومراعاة (النزاهة والشفافية في مختلف مراحل اجرائها) و(ويتم الاشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة). أما تعديل قانون الأحزاب السياسية ومعه الدستور وهل ستكون الانتخابات إلكترونية بأجهزة التسريع المخترقة أم بالوسائل البسيطة واليدوية، ووجود القوات الأجنبية المفروضة فهذه أمور لم تذكر في البيان ولا دارت بخَلَدِ مصدريه كما هو واضح.

 

5-حذر المرجع، ولأول مرة، وبصراحة، من خطر يتهدد وحدة ومستقبل العراق في حال تأخر إجراء الانتخابات، أو لو أنها أجريت من دون توفير الشروط اللازمة التي ذكرها البيان لإنجاحها. وقال إن ذلك (سيؤدي الى تعميق مشاكل البلد والوصول ـ لا سمح الله ـ الى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه، وستندم عليه جميع الأطراف المعنية الممسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر). إن التحذير من هذا المآل الخطر لن يمنع وقوعه حتى في حال أجريت الانتخابات بالمزيد من الكلام الانشائي والالاعيب الإعلامية حول الشفافية والمراقبة وإجراء تعديلات شكلية على قانون الانتخابات من قبل الحكومة، والإصرار على عدم تعديل قانون الأحزاب الطائفي ومع السماح للفاسدين وحتى للمحكومين أو المتهمين أمام المحاكم بالفساد بالمشاركة في الانتخابات وبمشاركة قيادات الصف الأول والثاني من نظام الفساد. وعليه فإن التحذيرات من انهيار الوضع العام وضع وحدة البلد ومستقبله في خطر حقيقي لا معنى لها ولا جدوى منها بل هي مشاركة غير مباشرة في صنعه ثم محاولة لتبرئة الذمة منه بالقول "لقد سبق لنا وأن حذرنا"!

 

6-الخلاصة التي يمكن ان نستشرفها من الأحداث هي أن الانتخابات المبكرة ستُجرى، ولكن بإدارة حكومة الفاسد، ووفق أنظمة وقوانين وترتيبات النظام نفسه، وقد تجرى عليها بعض التعديلات لرفع الحرج. وإنها ستنتهي إلى إعادة انتاج النظام التابع الفاسد بوجوه قد يكون بعضها جديدا ولكنه لن يختلف عن النظام القائم الآن، فما قام على باطل يبقى باطلا ولو غسل بمياه بحار العالم اجمع وعلى المرجعية ان تتحمل مسؤوليتها منذ الآن عما ستقود إليه استراتيجية الانتخابات المبكرة ولن ينفع أحدا التبرؤ اللاحق من الأحداث فإما أن يكون هناك تغيير جذري وحقيقي وشامل لأسس النظام، يتم خلاله إخراج القوات الأجنبية وخاصة الأميركية، وإنهاء الهيمنة الإيرانية، واستعادة استقلال العراق، وإعادة كتابة الدستور العراقي على أساس المواطنة وليس على أساس المكونات الطائفية والعرقية، وإلا فلا معنى لإضاعة الوقت في إجراء التجارب على الشعب العراقي... ليس من حق أحد أن يُغرق العراقيين في معاناة جديدة لعشرين عاما أخرى بالوعود والإجراءات الترقيعية. ولعل أفضل ما تفعله المرجعيات الدينية هي أن تكف يدها نهائيا وبشكل قاطع عن الشأن السياسي لتحافظ على موقعها الإيماني والروحي المحترم لدى جمهورها لأن خيار التدخلات المستمرة لإخراج النظام من أزماته واختناقاته ليس في مصلحتها أبدا إذا وقع المحذور الذي حذرت هي نفسها منه وانهار الوضع بالكامل.

 

لا انتخابات نزيهة يديرها الفاسدون بمنظومة رقمية مخترقة ومفوضية محاصصة!

لا انتخابات بمشاركة قيادات الصف الأول بأحزاب الفساد إلا بعد إثباتهم لبراءتهم!

لا لتدخل أية جهات دينية أو عشائرية في الشأن السياسي والانتخابي والتشريعي!

لا انتخابات ديموقراطية بوجود قوات أجنبية مفروضة ومليشيات مسلحة!

لا انتخابات وطنية قبل تعديل قانون الأحزاب وحظر الطائفية السياسية نهائيا!

 

*رابط يحيل إلى بيان المرجع على صفحته الرسمية:

https://www.sistani.org/arabic/archive/26461