اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

وثيقة ملك قمبر إلى عصبة الأمم 1924// د. رياض السندي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. رياض السندي

 

عرض صفحة الكاتب 

وثيقة ملك قمبر إلى عصبة الأمم 1924

د. رياض السندي

 

مقدمة

قام الأثوريون وعلى إختلاف فصائلهم باللجوء إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة عصبة الأمم التي أنشئت عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى. وجاء هذا اللجوء بعد أن إكتشف الأثوريون خداع الدول الإستعمارية وفي مقدمتها بريطانيا (ألإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وتنكُّرِهِم لوعودهم التي قطعوها لقوميات عديدة، وفي مقدمتهم الأثوريين في الدولة العثمانية. لذا، فقد حاول البعض منهم بالبحث عن دولة أجنبية أخرى تحميهم وتدافع عن حقوقهم، وتلبِّي مطالبهم وطموحاتهم في العيش على أرضهم معَززين مكرَمين، يحيَّون فيها هم وأبنائهم بحرية.

ومن بين الوثائق المحفوظة في أرشيف الأمم المتحدة، عثرنا على وثيقة باللغة الفرنسية مقدمة من ملك قنبر بعنوان " قضية الأشوريين-الكلدان أمام مجلس عصبة الأمم". فمن هو ملك أو مليك قنبر؟ وما مضمون هذه الوثيقة؟ وما ملابساتها؟ وما دور الإستعمار الفرنسي فيها؟

 

من هو ملك قمبر؟

المعلومات التي بين أيدينا شحيحة عن قمبر، والذي نعرفه إنهسليل رؤساء إحدى العشائر الأشورية في الدولة العثمانية سابقاً. وكان يُطلَق على رؤساء العشائر لقب (ملك أو مليك أو مالك) وما زالت التسمية مستخدمة حتى الآن.

إختلفت عائلة قمبر مع الرئاسة الدينية للأثوريين وهي عائلة مار شمعون التي توارثت الرئاسة البطريركية للأثوريين منذ عام 1318 ولم ينتهِ هذا التوريث الديني إلا في عام 1976، وفق نظام وراثي كنسي سُمّي بنظام (ناطر كرسيا - حارس الكرسي 1 )، تناوب على رئاستها بطاركة من عائلة (أبونا) حصراً، إبتداءً من البطريرك طيمثاوس الثاني (1317-1332)، وإنتهاءً بالبطريرك مار شمعون إيشاي (1920-1975). إلا أن قرار التوريث البطريركي النسطوري أتخذه البطريرك مار شمعون الرابع باصيدي (1437-1397) في عام 1450 الذي جاء تكريساً لواقع قائم منذ 120 عاماً (1317-1437)، فقد سبقه خمسة بطاركة لذات الكنيسة ومن نفس العائلة، وذلك بعد وفاة تيمورلنك عام 1405. وعُرف منصب الخليفة المحتمل للبطريركية بناطر كورسيا "حارس الكرسي".  وتلقبوا جميعا بلقب (مار شمعون) إبتداءً من البطريرك شمعون الثاني (1365-1395)، وحتى إغتيال مار شمعون إيشاي عام 1975. وكان هذا النظام الوراثي سبباً رئيسياً في تصدع هذه الكنيسة الأصيلة.

وخلفاً لأسرة شكمير توارث الكرسي الرسولي لبطريركية كنيسة المشرق ثلاث وعشرون بطريركاً شمعونياً ولمدة تقارب الـــ 650 عاماً (1328- 1975 م).2

وترجع قصة هذا الخلاف بين عائلة مار شمعون وفرع أخر من نفس العائلة يدعى رئيسها نمرود بك، وهو إبن عم البطريرك بنيامين مار شمعون إلى عام 1903 نتيجة إنشقاق عائلي قاد إلى صراع دموي مرير3 ، وإنشقاق مذهبي لاحقاً، كما ترويه المصادر الأشورية، وتفصيل الحادث كما يلي: -

"كان البطريرك مار شمعون روئيلقد سقط من على ظهر فرسه في شهر تشرين الثاني 1902. وأصابه الشلل النصفي نتيجة النزف الدموي الذي أصابه. ولم يُشْف البطريرك من هذه الإصابة بالرغم من جلب الدكتور أوشانا في ربيع 1903 من أورميا إلى قوذشانوس لمعالجته. لكن البطريرك مار روئيل شمعون توفي متأثراً بإصابته يوم 29 آذار 1903. كان البطريرك في يوم 15 آذار 1903 قد قام برسامة بنيامين إلى درجة المطران فوليط، رافعاً إياه من هيبذياقنا (الشماس الرسائلي) إلى مطران في يوم واحد. كان الهدف من هذه الرسامة السريعة ليؤمن ويؤهل البطريرك أحد أفراد العائلة للدرجة ناطر كرسي خوفاً من حدوث فراغ، لأن مار أوراها ميطرافوليط القلاية البطريركية كان في الموصل آنذاك مع بقية أفراد آل نمرود ومار يهبألاها أسقف برواري لبحث إمكانية الاتحاد مع الكنيسة الكلدانية. 4

 

وقد أورد الكاتبين يوسف ملك خوشابا وملك لوكو بيت بداوي في كتابيهما المنشورين عن تفاصيل هذا الصراع المأساوي الذي قاد إلى مقتل العديد من أفراد عائلة نمرود على يد رجال العشائر الأثورية بدفع أو بتغطية من البطريرك وعائلته. ويذكر خوشاباإن عدد القتلى قد تجاوز 28 شخصاً بالإضافة إلى نمرود وأبنه وأبن شقيقته5 . بينما يذكر لوكوإن عدد القتلى 8 أشخاص، كما جرى تعذيب وتهديد عدد من الأشخاص، ذكرهم بالأسم وعددهم 24 شخصاً من الرجال والنساء، إستناداً إلى وثيقة نشرتها بالفرنسية شوشان (إبنة نمرود) وزوجة ملك قمبر في بيروت عام 1949 6.

 

وبعد أن تقرر تنصيب مار بنيامين شمعون بطريركاً بحسب الأصول المتـّبعة في قانون كنيسة المشرق (مار بنيامين هو إبن أخ البطريرك مار روئيل الذي توفيَ في 29/آذار/1903)، وبالتحديد في 04/شباط/1903 توجه نمرود وإبن عمه يوخنا، ويوسف إبنيوخنا إلى الموصل وتفاوضوا مع بطريرك الكلدان حول انضمامهم إلى الكثلكة فرحّب بطريرك الكلدان بذلك وانضمّ نمرود وأتباعه وبينهم مار إيشوعياب أسقف منطقة دوري. 7

 

وكان ملك قمبر بنيامين وردا الملك قمبر وردا من جيلو، صهر نمرود المار ذكره، آشوري كاثوليكي (كلداني) تلقىّ وعداً من فرنسا الكاثوليكية في سوريا، بإقامة حكم ذاتي آشوري في الجزيرة السورية،وأحد المنشقين عن عائلة مار شمعون، وقد إعتنق المذهب الكاثوليكي، وأقام علاقات مع فرنسا التي ساعدته للقيام بخطة مماثلة للخطة البريطانية في إنشاء قوة من الآشوريين مع الوعد بإقامة حكم ذاتي أشوري في الجزيرة السورية، كون فرنسا كانت بدورها تريد سحب مهمة ما يسمى "حماية الآشوريين" من الإنكليز في العراق. فبدأت إتصالاتها مع الملك قمبر عام 1918، وفي 7 تموز/يوليو 1920 إلتقى الملك قمبر بالجنرال غورو في قصر سُرسُق في بيروت، وخلال ذلك الاجتماع أبلغه غورو بأن فرنسا قررت أن تعطي منطقة ماردين والجزيرة السورية إلى الآشوريين وبانه قرر تسليم المهمة إلى قمبر، الذي قام بمراسلة آغا بطرس وبقية الزعماء الآشوريين للانضمام للمشروع الفرنسي، فأعجبت الفكرة آغا بطرس.

وكان آغا بطرس قد وجّه رسالة أخرى إلى نفس الجنرال في بيروت باللغة العربية، وقد سرقت من السفارة الفرنسية من قبل صديقة الجنرال نفسه وهي فتاة آشورية من ولادة روسيا كانت تعمل جاسوسة لصالح الإنكليز، وأرسلت نسخة من الرسالة المسروقة إلى المسؤولين الإنكليز في بغداد، وكان في هذا سبباً لطرد آغا بطرس من العراق.

وبعد أن علم الإنكليز بهذا التحرك الذي قام به الفرنسيون، بدأ القلق البريطاني الذي عبّر عنه المفوض السامي البريطاني في العراق برسي كوكس (Percy Cox) في رسالته السرية إلى المسؤولين البريطانيين بتاريخ 22 نيسان/أبريل 1921والتي يعرب فيها عن إحتمال تورط آغا بطرس وأخرين مع الفرنسيين بقوله: " لديّ شكوك بأن الحكومة الفرنسية ستطلب من الآشوريين الإنتقال إلى منطقة الجزيرة وماردين، وهناك ما نسمعه عن بعض القادة الآشوريين الذين تمت رشوتهم من أجل ذلك" وبعدها بدأ التضييق على الجنرال آغا بطرس والأسقف مار سركيس (أسقف جيلو، قبيلة الملك قمبر) من قبل الإنكليز خوفاً من أن يأخذوا منهم الآشوريين إلى الفرنسيين، ثم بعد أشهر نُفي الأول والتجأ الثاني إلى الحكومة العراقية ليصطف إلى جانب بعض الزعماء المعارضين للقيادة الآشورية المتمثلة بعائلة المار شمعون.

 

-    الإستخدام الفرنسي للأثوريين

لم تكن فرنسا بعيدة عن الصراعات الدولية مع الدولة العثمانية، كما إنها لم تكن خالية من الأطماع حال أي غربي ينظر إلى الشرق على إنها الأرض التي (تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً)8 . وتعود بدايات التدخل الفرنسي في شؤون العثمانيين إلى عام 1535 عندما وقعت اتفاقية تجارية (سنة 1535م) بين السلطان العثماني وفرنسا منحت من خلالها فرنسا الكثير من الإمتيازات داخل أراضي السلطنة، من بينها السماح لها بإرسال البعثات التبشيرية الفرنسية. وكان من نتائجها الأولية إنقسام الكنيسة الشرقية بعد 18 سنة من عقدها، حيث إنضم قسم منها إلى الكنيسة الكاثوليكية عام 1553. وفتحت هذه البعثات الطريق إلى إنشقاقات أخرى حتى داخل العائلة الواحدة، والعشيرة الواحدة، والقرية الواحدة، والمنطقة الواحدة، وأخيراً الدولة الواحدة. وغدت هذه البعثات ملاذاً آمناً لكل متمرد وباحث عن الحرية خارج إطار سلطة الدولة.

وتعود بدايات ظهور المبشرين الكاثوليك في الإمبراطورية العثمانية إلى عام 1220، حيث إن أقدم الكاثوليك الذين قدموا إلى القسطنطينية "إسطنبول" كانوا من الرهبنة الفرنسيسكانية التي أسسها الراهب فرانسيس الأسيزي. وكان الغرض من قدومهم هو دمج كنيسة الشرق "بيزنطة" مع كنيسة الغرب في روما، وتحويل الكنيسة الشرقية إلى كاثوليكية. ثم تبعهم الرهبان الدومنيكان، وهي رهبنة أسسها القديس الإسباني دومينيك عام 1215م، ثم الرهبان اليسوعيين "الجزويت" عام 1583. 9

كان البريطانيون قد سبقوا الفرنسيين في تعاملهم مع الأثوريين، وكالعادة، فقد كان الترشيح لمنصب البطريرك سبباً للخلاف بين عائلة مار شمعون وعائلة نمرود. وكان البطريرك مار شمعون روئيل قد سقط من على ظهر فرسه في شهر تشرين الثاني 1902، وأصابه الشلل النصفي نتيجة النزف الدموي الذي أصابه. وفي يوم 15 آذار 1903 قد قام برسامة بنيامين من درجة شماس رسائلي إلى درجة المطرابوليت (أي مطران)،10  دفعة واحدة في يوم واحد. كان الهدف من هذه الرسامة السريعة ليؤمن ويؤهل البطريرك أحد أفراد العائلة لدرجة ناطر كرسي خوفاً من حدوث فراغ، وكانت الأحقية لهذا المنصب، للمطران مار أوراها ابن أخ نمرود أو ابن عمهم الثاني القس يوسف. وقد تنافس البريطانيون والفرنسيون على مرشح البطريركية. فبينما وقف ممثل بريطانيا المبشر براون إلى جانب بنيامين الشاب (16 سنة) للمنصب، وقف ممثل فرنسا المبشر الدومينيكي المعروف بلقب "الأب الفرنسي" نائب القنصل الفرنسي في ولاية وان إلى جانب المطران أوراها للمنصب. وكانت الغلبة للجانب البريطاني، حيث تمت رسامة مار بنيامين إلى السدة البطريركية لكنيسة المشرق النسطورية في كنيسة مار شليطا في قوذشانوس صباح يوم الأحد 12 نيسان 1903، من قبل مار اسحق خنان يشوع ميطرافوليط روستاقا، بينما كان مار أوراها مطرابوليت القلاية البطريركية في الموصل آنذاك مع بقية أفراد آل نمرود ومار يهبألاها أسقف برواري لبحث إمكانية الاتحاد مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية رداً على حرمانهم من المنصب. وكانت نتيجة ذلك، صراع دموي ذهب ضحيته نمرود عميد الأسرة، والمطران أوراها المرشح البطريركي الخاسر، بالإضافة إلى 28 شخصاً من العائلة ذاتها.  11

وقد إستغل الفرنسيون هذه الحادثة، وإنضم إلى الكثلكة نمرود بك، ويوخناإبن عمه، ومار إيشوعياب أسقف منطقة دوري في برواري بالا، وآخرون. ورغم إلإدعاءات الفرنسية بحمايتهم بإعتبارهم "كلدان المستقبل" أو الكاثوليك الجدد إلاّ أنه جرى تصفية نمرود وعائلته في عام 1914 على أيدي رجال البطريرك الجديد بنيامين مار شمعون، ويبد أن ذلك جرى بدفع من البريطانيين للتحضير لدور كبير وخطير ستلعبه عائلة مار شمعون وفقاً للتوجيهات البريطانية.

وهكذا إنقسم الأثوريون إلى قسمين متصارعين: الأول يوالي بريطانيا ويضم عائلة البطريرك مار شمعون. والثاني يوالي فرنسا ويضم عائلة نمرود. وعندما قرر مار شمعون الإنضمام إلى جانب الحلفاء ضد الدولة العثمانية، عارض نمرود ذلك القرار، وفضل البقاء إلى جانب الأتراك، ورفع العلم التركي فوق داره. إلا أن ذلك لم يحميه من مصيره المحتوم.

بعد وفاة نمرود تولى النشاط السياسي صهره قمبر أبن الملك بنيامين وردا من جيلو، وهو أشوري (كلداني-كاثوليكي) من الأشوريين المهاجرين إلى روسيا عام 1918، وإستقر في جورجيا مع 170 عائلة من عشيرته.

كان ملك قمبر من أوائل منتقدي عائلة مار شمعون وفي مقدمتهم سرمه عمة مار شمعون التي غادرت العراق إلى لندن بقصد حضور المؤتمر المذكور إلاّ أنها لم تصل إلى باريس للمشاركة فيه، فقد كتب في 30/12/1920 إلى ممثلي الأشوريين في مؤتمر باريس للسلام لعام 1919 12  قائلاً: "لقد باعوا أمتهم وملأوا جيوبهم على حساب أطفالنا وأقاموا في الغرف الفخمة في لندن". 13

 

-    ترجمة الوثيقة

وهذه هي الترجمة الحرفية لنص الرسالة المذكورة.

 

قضية الأشوريين- الكلدان أمام جمعية عصبة الأمم

يتشرف مندوبي الأشوريون- الكلدان بأن يتقدموا لعصبة الأمم، محكمة العدل الدوليةالمهيبة، مطالبات الشعب الأشوري-الكلداني

منذ نهاية الحرب الكونية رأينا أن كل الأمم والشعوب المظلومة قد حصلت على وطنها وإستعادت أمنها. في غضون ذلك، فقد سُمِحَ بحرمان أقدم شعوب العالم، وكذلك أكثرها مسيحية، وهم الأشوريون-الكلدان من حقوقهم وحريتهم. وسُمِحَ لشعبهم بالتشتت في العالم كما لو لم يكونوا يملكوا وطناً أصلياً لهم.

وفي جميع مؤتمرات السلام، تقدم مندوبينا بدعواهم، مطالبين بإعادة جزءٍ محدد من وطنأسلافنا. ولكن دائما ما كانت مطالبهم تؤجل.

واليوم نرى إن جمعية عصبة الأمم مجتمعة لتحقيق السلام العالمي وإحلاله، والتعامل مع الشعوب المضطهَدة، لذا نستميحكم بأن نقدم مجدداً طلبات الأشوريين-الكلدان ونأمل أن تؤخذ قضيتنا بعين الإعتبار وأن يتم منح حقوقنا أخيراً لكي نتمكن من الإبقاء على وجود شعبنا وعِرقنا.

ومن أجل الحفاظ على لغتنا الأم والتمتع بحقوقنا بشكل قانوني، فإنه يجب أن تُمنَح لنا العدالة، ويتضرع مندوبونا وممثلونا أن تُدرَس قضيتنا، وتُفحَص بدقّة للحكم عليها، وإعادة وطننا الأم الذي ضحى من أجله رجالنا، ونساؤنا وآلاف الآلاف من أطفالنا الأبرياء.

وهذه ليست نعمة أو صدقة نطلبها منكم هنا، بل هي العدالة التي ننشدها، لإننا قاتلنا من أجل الحصول عليها، وكل غصن أزهر في أرضنا قد إرتوى من دماء البعض مِنَّا. وسيكون إنكار عظيم للعدالة حرمان شعبنا الشجاع، وشهداء عِرقه، ورفضاً لندائه في قانون عادل وفي العيش في العالم، ونسِيَّاناً من حلفائه السابقين المنتصرين في الحرب.

لقد كافح وعانى الأشوريون-الكلدان من أجل الحلفاء، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، سفك شبابنا دمائهم من أجل حماية وطننا وإستعادة أراضيه. وفي عام 1915 إضطر سكاننا التعساء إلى الهجرة والفرار وتهجّر الجميع. ومنذ ذلك الحين تشتت 500,000 من الأشوريين والكلدان على نطاق واسع في روسيا واليونان وفرنسا وأمريكا وبلاد فارس ومناطق أخرى حول العالم، ينتظرون في صبرٍ لا يطاق لكي يتمكنوا من العودة إلى وطنهم. وكان الوعد الذي قطعه لنا أصدقائنا الحلفاء بإعادتنا للبلد الذي نحبه منذ زمن طويل، هو الذي ساعدنا على تحمل مصائبنا ومعاناتنا.

فالجميع يعرف إن الأراضي الممتدة من شارغات (الشرقاط)، إرويل (إربيل)، وسولدوز14  (حدود فارس)، ساري 15 ،چاخ16 وكيسان حتى سنجار17 ، كما هي الموصل، بولايتها، فإنها تنتمي للأشوريين-الكلدان. هذه الأراضي ليست عائدة للعراق ولا إلى تركيا. فغالبية سكانها هم من الأشوريين-الكلدان.

والكل يعلم تماماً، إننا قاتلنا إلى جانب الحلفاء ضد الأعداء المشتركين. والحلفاء، وإعترافاً منهم بمساعدتنا، قد منحونا وعداً بإعادة هذه الأراضي التي إفتديناها بالكثير من التضحيات.

إن الشعب الأشوري- الكلداني المشتت يطالب إذا بما هو حق له. بينما عصبة الأمم، وبغض النظر عن رغبات وطموحات تركيا والعراق، فإنها قد إستبعدت الوعد الذي قطعه الحلفاء لنا. إن هذه الأراضي يجب أن تعاد إلى الأشوريين-الكلدان. فشعبنا الفقير الذي عانى كثيراً، يستحق هو أيضاً أن يعيش، وأن يقيم، إن لم يكن على أرض أجداده، فعلى الأرض التي إنتمى لها دوماً.

إننا مجرد أمة صغيرة غير قادرة على نيل الحقوق التي ندَّعيها؛ ولكننا واثقون من روح عدالة عصبة الأمم، ونأمل أن تسمع نداءنا وترحب به بشكل إيجابي.

ونحن نطلب منها أن تأخذ بعين الإعتبار طموح الأشوريين-الكلدان، من الحرب التي خُضناَها، والتضحيات التي قدمناها، وكل الذي فقدناه.

إن ما نطلبه ليس إقامة إمبراطورية أشورية، أو مملكة كلدانية، بل نطالب بحريتنا تحت الحماية المباشرة لسلطة مسيحية.

              تقبلوا أيها السادة، أسمى التقدير والإحترام

              الوفد الأشوري- الكلداني

              الرئيس: الأمير مليك قمبر

 

-    ملاحظات على الوثيقة

يمكن إبداء بعض الملاحظات على الوثيقة المذكورة، وكما يلي:

1.   إن الوثيقة مكتوبة باللغة الفرنسية، وبلغة رصينة، ونعتقد بأن ملك قمبر وإن كان يعرف اللغة الفرنسية نتيجة تعامله مع الفرنسيين، إلا إنه يتعذر كتابة هذه الرسالة بنفسه، وربما ساعده الفرنسيون في ذلك، وهذا لا يخل بقيمة الوثيقة إطلاقاً.

2.   تتكون الوثيقة من أربع صفحات دون ترقيم.

3.   إن الوثيقة جاءت خالية من التوقيع بخط اليد، كما جرت العادة في المراسلات الدبلوماسية بين الوفود والعصبة.

4.   جاء لقب ملك قمبر بصفة (أمير)، ولا نعلم ما أهمية ذلك لدى العصبة. وربما كان ذلك تعبيراً مخففاً للقب (ملك) الذي يتمتع به رؤساء العشائر الأثورية.

5.   أحال أمين عام العصبة بتاريخ 11/9/1924 طلب قمبر إلى السيد بول مانتو18 الفرنسي الذي كان يشغل مدير القسم السياسي في سكرتارية عصبة الأمم.

 

-    التنافس المذهبي في قضية الأثوريين

بدأت فكرة التخلي عن بريطانيا بعد تنصلها من وعودها للأثوريين منذ عام 1925 بعد تحديد خط الحدود الفاصل بين تركيا والعراق (خط بروكسل) بموجب قرار مجلس عصبة الأمم في كانون الأول 1925، والذي ألحَقَ معظم مناطق الأثوريين في جبال حكاري بدولة تركيا، والذي قبِلتهُ واعترفت به كل من تركيا والعراق بموجب معاهدة أنقرة المعقودة في 5 يونيو/حزيران 1926.  19

وقد جاء ذلك في أولى مراسلات مار شمعون إيشاي إلى عصبة الأمم والتي حررها في الموصل بتاريخ 23 تشرين الأول 1931 (باللغة السريانية) حملت إلى جانب توقيعه، تواقيع عدد من رؤساء العشائر الأثورية (ملوك)، جاء فيها: "لذا فإني أستعطفكم بالنظر إلينا ونقلنا إلى إحدى الدول تحت حكم إحدى الممالك الغربية، وإذا ما ارتأيتم بأن ذلك غير ممكن، نرجو الطلب من حكومة فرنسا أن تقبلنا في سوريا وتشملنا برعايتها، وذلك بسبب عدم قدرتنا على العيش في العراق أكثر من ذلك، وسنخرج منه".  20

وهكذا كان التنافس على أشده بين إنكلترا وفرنسا وأمريكا حول إستغلال الأثوريين وضحاياهم التي قدّموها في الحرب العالمية الأولى، فقد إستمرت عائلة مار شمعون تنفذ ذلك حتى النهاية.  21

كما يجب أن لا يغيب عن الأذهان تخوف المسيحيين -على إختلاف تسمياتهم- من الأتراك راجع إلى الإضطهادات التي لحقتهم أيام الدولة العثمانية والتي طُبِعَت بطابع ديني، مما دفع المسيحيين إلى طلب الحماية من سلطة (مسيحية).

كان التنافس الديني-المذهبي واضحاً في هذا الصراع، فإذا كان الطابع المذهبي لمشروع النساطرة المنضوين للمعسكر البريطاني يركز على مشروع إقامة الدولة الأشورية، بدعم من الكنيسة الأنكليكانية في بريطانيا التي تمثل المذهب البروتستانتي، بينما كان النساطرة المنضوين تحت المعسكر الفرنسي يركزون على مشروع إقامة الدولة الأثورية -الكلدانية، وكانت العبارة المستخدمة لدى الفرنسيين في الإشارة لقضية الأثوريين هي القضية الأثورية-الكلدانية (La Question Assyro-Chaldéenne) في إشارة إلى المذهب الكاثوليكي. وهذا ما كان يشير إليه أغا بطرس وملك قمبر في التعريف بوفده إنه وفد الكلدو-أشوريين أو الأشوريين-الكلدان.

إن مثل هذا التنافس المذهبي كان سبباً في إضعاف طلبات الأثوريين مطلع القرن العشرين أمام المجتمع الولي وعصبة الأمم. وما زال هذا الإنقسام أكبر عائق في طريق حصولهم على حقوقهم المشروعة حتى يومنا هذا.

ومع ذلك، فإن الوثيقة تشكل جهداً دبلوماسياً للأثوريين والكلدان لدى عصبة الأمم في زمن ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهي في كل الأحوال، محاولة فردية للحصول على حقوق أمة قُدِّر لها أن تكون ضحية على مسرح الأحداث في زمن صعب من تاريخ البشرية.

 

د. رياض السندي

كاليفورنيا في 25/10/2020

 

1  تذهب البطريركية الكلدانية إلى ترجمة عبارة ناطر كرسيا إلى (حامي الكرسي)، ولكننا نرى إن ترجمتها إلى حارس الكرسي هو الأصح، بأعتبار إن كلمة ناطر، هي صفة الذي يحرس، ومنها جاءت كلمة الناطور أي الحارس.

2  الدكتور: بطـرس تشابا، مار إيشا شمعون آخر الشهداء الشمعونيين وشهيد آخر في قافلة شهداء كنيسة المشرق والأمّة الآشورية، موقع

http://marmari.dk/.

3 لمزيد من التفاصيل عن هذه الحادثة، راجع كتاب يوسف ملك خوشابا، حقيقة الأحداث الآثورية المعاصرة، بغداد 2001، ص 26 وما بعدها.

4 The Church of the East and The Church of England By J. F. Coakley PP 261 – 263.

5 يوسف ملك خوشابا، مصدر سابق، ص 26-28.

 6 Malik LokoShlimoond'bit Badawi, Assyrian Struggle for National Survival, USA 2012, p.128-131.

7P. 259.

 J. F. Coakley, op. cite.,

8 العهد القديم، سفر الخروج 3:33.

9 إيمان عبد الرحمن هياجنة وحنان سليمان مكاوي، التبشير الفرنسي الكاثوليكي في ولاية الأناضول في القرن التاسع عشر (النشاط التعليمي نموذجا)، مجلة العلوم الإنسانية والإجتماعية، المجلد 41، ملحق 2، 2014، ص729.

10 في الكنيسة الأثورية هناك تسع درجات مقسمة على ثلاث مجموعات وهي من الأعلى: مجموعة الأحبار، وتضم ثلاث درجات هي (البطاركة، المطارنة، الأساقفة)، تليها مجموعة الكهنة، وتضم ثلاث درجات أيضاً وهي (الأركذياقون، الخور أسقف، الكاهن)، وأخيراً مجموعة الشمامسة، وتضم ثلاث درجات أيضاً وهي (الشمامسة الإنجليون، الشمامسة الرسائليون، القارئون)، أنظر كتاب، سرمه بيث شمعون، Assyrian Church Customs - SurmaD'bait Mar Shimun, London 1920.

11 الاركدياقون د. خوشابا كوركيس، نافذة على تاريخ كنيسة المشرق، موقع كنيسة المشرق القديمة، حلقة (1)، www.karozota.com.

12  'مؤتمر باريس للسلام' كان اجتماعاً للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قرروا فيه كيف يقسمون غنائم المنهزمين، وكيف يحددون أسس السلام القادم معهم عقب هدنة عام 1918. عقد في باريس سنة 1919 وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكياناً سياسياً. وكان من أهم قراراته إنشاء عصبة الأمم. وقع المشاركون خلاله على خمس معاهدات مع المنهزمين (بما فيها معاهدة فرساي مع ألمانيا)، وقسمت أملاك الدولة العثمانية، ومستعمرات ألمانيا خارج أوروبا، وقسمت ألمانيا نفسها، ورسمت حدود جديدة لبعض الدول وأنشئت دول لم تكن من قبل. وفرضت تعويضات على ألمانيا للدول والأمم المتضررة من الحرب. افتتح المؤتمر في 18 يناير 1919. وشاركت فيه وفود من 27 دولة قسمت إلى 52 لجنة، عقدت 1646 جلسة لإعداد التقارير، بمساعدة العديد من الخبراء، حول مواضيع شتى من أسرى الحرب، إلى الكابلات تحت البحر، إلى الطيران الدولي، إلى المسؤولية عن الحرب. وانتهى المؤتمر في 21 يناير 1920 مع افتتاح الجمعية العامة لعصبة الأمم. أنظر، مؤتمر باريس للسلام 1919، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

13 آشور كيوركيس، حركة التحرر الآشورية والتدّخل الفرنسي (1919-1922)، موقع عنكاوا الإلكتروني في 23/2/2014.

14 سولدوز هو الأسم القديم لمدينة نقدة (بالفارسية: نقده) هي منطقة سكنية تقع في إيران. يقدر عدد سكانها بـ 121,975 نسمة.

15 ساري من المدن القديمة في إيران في شمال جبال البرز وهي عاصمة محافظة مازندران. بلغ عدد سكانها سنة 2016 م 347402 وتقدر مساحتها ب 5089 كيلومترا مربعا

16 چاخقرية من قرى دهستان خوشابر التابعة لمقاطعة رضوان شهر، هي إحدى مقاطعات محافظة غيلان في إيران. عاصمة المقاطعة هي رضوان شهر. حسب تعداد 2006، بلغ عدد السكان 64,193 نسمة.

 17سنجار هي بلدة صغيرة تقع غربي الموصل في الصحراء العراقية قرب الحدود السورية، وتبعد عن مدينة الموصل 80كم، كان يسكنها السريان المسيحيون والايزيديين منذ القدم يحيط بها القبائل العربية، على جبل سنجار يوجد قرى صغيرة معظم سكانها من الايزيديين، سبب التسمية سنجار لتعود لاحد فروع قبيلة شمر (سنجار) التي قطنت في هذه المنطقة وحولها. أنظر، سنجار، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

18 بول مانتو (MANTOUX Paul)، ولد في باريس وتوفي في 14 نيسان/أبريل 1877- 12 كانون الأول/ديسمبر 1956؛ مؤرخ، ولكن متعاون من ألبرت توماس في وزارة التسلح خلال الحرب العالمية الأولى.دخل بول مانتو، ابن أحد الصناعيين، المدرسة العادية العليا واستقبله في تجميع التاريخ والجغرافيا. درّس في عام 1904 في مدرسة تورغوت الثانوية، ثم في عام 1906 في كلية تشابتال وفي عام 1913 أصبح أستاذًا للتاريخ الفرنسي المعاصر في جامعة لندن التقى ألبرت توماس، الذي كان آنذاك يساعد لوسيان هير في مكتبة المدرسة العادية. بعد أن قدَّم أطروحته في عام 1906، ابتعد بول مانتو عن الاشتراكية، على غرار العديد من المثقفين حتى الحرب العالمية الأولى، وكرس نفسه خصيصا للبحث والتدريس. وهو متذوق جيد للعالم الأنجلوسكسوني، وكان يتحدث الإنجليزية المثالية.وفي يناير 1915 أصبح مترجمًا مع فوج المشاة البريطاني الثامن والعشرين. أصيب في حادث حصان. وقد دُعِي مانتو كمترجم شفوي لمعظمهم، وكان المترجم الوحيد لمؤتمر السلام حيث أعد "الأربعة" (كليمنصو، لويد جورج، أورلاندو، ويلسون) معاهدة فرساي والمعاهدات الفرعية. وقد نشر مانتو في وقت لاحق هذه المداولات.ومن عام 1920 إلى عام 1927، كان مديراً للقسم السياسي في أمانة عصبة الأمم، ومن عام 1927 إلى عام 1951، مدير المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف. وقد أودع جزء من مكتبته وأوراقه الشخصية في مكتبة الوثائق الدولية المعاصرة (BDIC) في نانتير.تزوج في عام 1911 إلى ماتيلدي دريفوس، وكان بول مانتوس أب لثلاثة أطفال، إتيان، فيليب وجاك. ابنه إتيان (ولد عام 1913، توفي في الجبهة في ألمانيا في 29 أبريل 1945) هو مؤلف كتاب السلام الافتراء أو العواقب الاقتصادية للسيد كينز، باريس، غاليمار، 1946، 330 صفحة.في 23 يناير 1954، أسس شركة "ذكرى ألبرت توماس" وتولى منصب رئيسها.أنظر سيرة حياته بالفرنسية، على الرابط:

 https://maitron.fr/spip.php?article119898

19  من أهم النقاط التي نصت عليها "اتفاقية أنقرة" ما يلي:

- تبعية ولاية الموصل للعراق وتنازل تركيا عن أي ادعاءات بشأنها.

- ترسيم الحدود بين البلدين بشكل نهائي طبقا لما يسمى "خط بروكسل" واعتبارها غير قابلة للانتهاك (أعلنت تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15 مارس/آذار 1927).

- حصول تركيا على نسبة 10٪ من عائدات نفط كركوك في الموصل لمدة 25 سنة.

20 وثائق أرشيف عصبة الأمم والمحفوظة في مقر الأمم المتحدة في جنيف، برقم 338 في 23/10/1931.

21 رياض الحيدري، الأثوريون في العراق 1918-1936، مصدر سابق، ص 89.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.