مقالات وآراء

الواجد والموجود// حيدر الحدراوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حيدر الحدراوي

 

الواجد والموجود

حيدر الحدراوي

 

يعيش هذا الانسان غير مباليا بما كان, وكيف سيكون, من اين والى اين؟, يعيش هائما غير مكترثا لوجوده بين الموجودات, متناسيا حكمة وجوده, من اوجده؟, ولم وجد؟, يعرف القليل عما كان, يعرف انه تكون من لقاء زوجين, التقاء ماء رجل وماء انثى, نما جنينا في بطن امه, فمكث في رحمها تسعة شهور, حتى رأي النور, نور الحياة, ( تسعة شهور في بطن امي, كفيل ان يجعل مني انسانا ضعيفا ) "جان بول سارتر" , وشم الهواء , ( لم اسأل احدا ان يلدني ) " جان بول سارتر" .

يجهل تماما مستقبل الامور, اما لعيب فيه, او خوفا من المجهول, فيتصور ان في الموت الفناء, نهاية قصة حياته, بكل ما فيها من مسرات وافراح, بؤسا وأتراح, ختاما لتلك المسرحية التي اتخذ له مكانا فيها, ولعب دوره بكل ما استطاع من امتياز, ففاز بأشياء, وخسر اشياء اخرى متناسيا او لعله غافلا, ان في الموت الحياة, يدرك عندها ان فيه يقظة الغافل, وصحوة النائم, فيدرك ان الموت بوابة لعوالم جديدة, ربما قد سمع بها, وربما لم يسمع, لكنه بالتأكيد يجهلها, تستهل حين الاحتضار, فيعاني من سكرات الموت, وشدة نزع الروح, وما يصاحبها من الم فراق الاهل والاحبة, المال والاملاك, بعدها تبدأ عملية انفصال الروح عن الجسد, فيحلّ في هول المطلع, يرى انه انقسم الى شطرين, شطر جامد لا حراك فيه, شيء مادي ثقيل, لا يختلف عن باقي الاشياء من حجر ومدر وغير ذلك, وشطر هوائي متحرك, يرى ويسمع وينطق, خفيف, يكلم الناس حوله ولا يكلمونه, يسمعهم ولا يسمعونه, يسألهم ولا يجيبونه, يراهم ولا يرونه, فأما ان يكون عندها صارخا باكيا, او فرحا مسرورا.

 

يرفع الجثمان بعد ذلك للمغتسل, غسل وتحنيط وتكفين وما الى ذلك, ثم يلقون عليه النظرة الاخيرة, نظرة الوداع, يحفرون له حفرة, وهو يكتفي بالنظر مرعوبا, يصرخ (لا تفعلوا ذلك.. فأنا حيّ ها هنا!.) , يضعونه فيها, يهيلون عليه التراب, وينصرف كل الى حال سبيله, يواجه عندها معاناة جديدة, سمع او لم يسمع بها, يواجهها وحيدا فريدا, عاجزا ضعيفا, القبر ووحشته, ضغطته وظلمته, ديدانه وحشراته, عقاربه وحياته.

 

تهجم عليه الديدان والحشرات, تنهش جثمانه نهشا, فلا تبقي منه سوى العظم, لا لذته وحسن مذاقه, بل لتخلص هذا العالم من نتن جيفـته, ثم تأتي حشرات اكبر تقتات عليها, فتجتمع العقارب والفئران لتنال منها, عندها تحضر الحيات لتأكلها, وهكذا يتفرق لحمه في تلك البطون, وتبقى العظام للتراب, تندرس بمرور الزمن.

 

هل يقف الامر عن هذا الحد؟, وان كان لكفى, ام ان في الموضوع اخذ ورد؟, وان اختلفت الرؤى , حساب وعدّ, رضوان او حتى عدم الرضى!.

 

ام ان للامر بقية؟, يكمل فيها الميت مشواره في عوالم الوجود الحقيقي, فيعيد الكرة ليخرج من قبره, مطأطأ الرأس, مرعوبا, فزعا, يسارع ( برغبته او قسرا ) الى مجهول اخر, حتى يصل الى مكان توزن فيه الاعمال, ويسمى الميزان او القارعة, حيث تقرع فيه القلوب من شدة الهلع والفزع والخوف والرعب, فيستلم كتابا خاصا, كتاب حياته, بكل التفاصيل, لم يغفل شيء الا وذكر, مهما كان صغيرا وتافها, ويخضع راغما مرغما لعملية الحساب.

 

في مكان ما, ينصب جسر من نوع خاص, يكون ادق من الشعرة, واحد من السيف, واحمى من النار, فيعبر عليه الاموات الاحياء, فأما الطيب فيعبر بيسر وسلاسة, واما الخبيث, فيهوي الى مجهول اخر, واد عميق, مخيف ومرعب, مؤلم وموجع, لا ينفع عندئذ لطم الخدود, ما لم تكن قد لطمت قبل ذلك في حدود, ولو لم يكن فيه من الم وعذاب سوى هول الوقوع فيه لكفى!.

 

اما من تمكن من العبور, يتوجه الى مكان اخر جميل, فيرى الاشياء اللطيفة, هناك, وفي مكان ما, شديد الخصوصية  يلتقي الواجد الحق بالموجود الحقيقي!.

 

حيدر الحدراوي