اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

المغرب للجزائريين حبيب (3)// مصطفى منيغ

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مصطفى منيغ

 

عرض صفحة الكاتب 

المغرب للجزائريين حبيب (3)

مصطفى منيغ

الرباط : المغرب

 

المغربي في انتمائه لبلده مغربي يبقى  حتى وهو يحيا أدقّ الظروف وأخطرها على حياته ، يستَصغِر الصِّعاب ، ويفتِّت سماكة اليأس ، ويُبخِّر هواجس الخوف   ليندثر من حياله بلا هوادة ، فيزرع بدلاً منه في كل خطوة إلى الأمام ،  بصمة الرجولة الموروثة عند المغاربة أبا عن جد ، وحينما أعود بالذاكرة لتلك المواقف الرهيبة ، أفهم عمق الحب الكبير الذي يحمله الإنسان لوطنه ، فلا الشَّدائد تصرف المُخلِص عن مُبتغاه ، ولا العذاب ينسيه استمرارية النضال ، ولا المغريات المادية تقدر على إيقاف الواهب كيانه ووجوده فداءً لوطنه . قمنا بواجبنا ونقشناها جملة مقروءة على جبين الجزائر الرسمية "المسيرة الخضراء" ، حينما أرادتها هذه الدولة برئاسة الهواري بومدين ، والمعزوزي وزير العمل ، وكاتب ياسين الكاتب المسرحي والأديب العالمي ، ومن خلفهم أجهزة ثلاث ، لتكون " مسيرة حمراء" . الهدف تجلَّى أقوى وأمتن خارج الوطن إذا كانت المبادئ راسخة في الوجدان والعقل متحمِّس لمواجهة كل المغريات بما يحتفظ من عهود هي أساس هذا التَّرابط وهذا التّلاحم بين المواطن ووطنه ، والمسيرة الخضراء كامنة عظمتها في منح الفرصة الثمينة لجيل ما بعد الاستقلال ليخَلِّد اسمه في معركة استرجاع جزء من أرض الوطن، كما خلَّد جيل ما قبل الاستقلال اسمه في معركة طرد المحتلين الفرنسيين كالإسبان من أرض نفس الوطن .

 

ما عاشه البعض منا نحن المغاربة في تلك الديار  الجزائرية التي بقدر ما احترمناها وأحببنا أهلها ، كانت تخفي بين جنباتها أناساً تنكَّروا للجميل وحاولوا جرّ بعض ضعَّاف العقول ومرضى النفوس إلى إلحاق الضَّرر بكل رابطٍ منَّا مصيره بمصير وطنه المغرب ، أو أظهر تدمّره عمّا يُحاك في الخفاء من أعمال أقل ما يُقال عنها أنها منافية لتضحيات الشهداء المغاربة الذين ضمتهم التربة الجزائرية وهم يدافعون عن حرّيتها وانعتاقها واستقلالها .

 

إنها الصورة الحقيقية للكفاح المرير الذي خضناه نحن بضع مغاربة في الجزائر مساهمة منا في تلبية النداء الملكي للمشاركة في المسيرة الخضراء المظفرة ، أسترجعها اليوم وكأنني أعيشها من لحظات فقط متضمّنة حقائق تُنشر لأول مرة ، تضع بعض النقط على بعض الحروف ، لكل مقصد نبيل وتبيانا لما طُمِس لأسباب عرفتُها بمصادرها والمستفيدين منها ، حتى يأخذ تاريخ القضية مجراه الطبيعي ويتخطَّى التوقف عند الخطوط العريضة متوجها لفروع تعطي لكل ذي حق فيها حقه لا أقل ولا أكثر .وجدتُ نفسي وحيداً بعدما ودَّعت آخر شبر من التراب المغربي في اتجاه "للامغنية" أول خطوة لي في البلاد الجزائرية الشاسعة الأطراف ، أواجهُ سكوناً لا يعكِّر صفوه إلا هبوب ريح ينبئ بمقدم ليلة ماطرة باردة الطقس ، وكم هو صعب قطع أي مسافة مشياً على الأقدام ، صاعدا هضاب بلا أنيس أحتمي بدفء الدردشة معه في مثل المواقف العصيبة ، وطرداً لكل صورة يلتقطها الخيال وقد أمسكت بي دورية شرطة الحدود أو درك أو عناصر من الجيش الجزائري في تلك الفيافي شبه القاحلة إلاّ من دُورٍ متواضعة منتشرة هناك على مرأى البصر يتجاهلها كل مارّ مثلي تفادياً للمساءلة المتبوعة بما لا يُحمد عقباه ، وحتى أشغِل نفسي بأي شيء أستأنس به في وضعيتي تلك ، تذكرتُ القائد الراشدي العلوي (الكاتب العام لعمالة إقليم مولاي يعقوب ، وعامل إقليم أزيلال سابقا) وهو يسألني داخل مكتبه بمقر باشاوية وجدة ، حينما أخبرته بتوجهي للجزائر،عن السبب الذي جعلني أفكر في القيام بذلك ؟؟؟، ابتسمتُ وقلتُ له بالحرف الواحد : " قد أعود يوماً ما من هناك وأطلعك بجواب قد ينفعك مستقبلاً فيهديك لمعرفة أن المغربي المؤمن بقضية تخدمه وبلده إذا عزم على شيء ليس بمقدور أحد منعه سوى خالقه " . كان القائد الراشدي شاباً أنيقاً معتزاً بنفسه جد مقرَّب للباشا بنعودة عصمان الشقيق الأكبر والأب الروحي للسيد أحمد عصمان  الوزير الأول السابق ، ممَّا أعطاه حضوراً على صعيد السلطة المحليَّة ، مَن رَضِيَ عليه أصبح مطمئناً ، ومن ضايقه بسماع مباشرٍ لمثل الكلمات التي واجهته بها ، عليه أن يحتاط من أي غضب قد يشمله ، لكنني أكبر من ذلك بكثير ،  لا يهمني إلاَّ ما أُظهِرهُ أو أخفيه من مواقف أتخذها عن حق ، والأيام كفيلة بإنصاف تلك المواقف وجعلها نبيلة تستحق الإعجاب والاحترام . لم أشعر بالعياء لكن القلق ازداد بازدياد الظلام الكثيف مانعاً الرؤية الواضحة لاجتياز أنسب المسالك ، حتى وإن تدربت في قرية "عين بني مطهر" على المشي ليلاً وفق مقاييس معيّنة ، إذ الجو ما كان مُسعفا ولا معترفاً ، لا بتقنيات المشي ليلاً ولا بخرائط ، المهم لا مناص من الحالة إلاَّ بالصبر والتبات والتضرُّع إلى المولى جلَّ وعلا ، وبالتالي عدم التوقُّف عن المسير ، وأن اتخذ البطء وسيلة بصلابة إرادة لا تُقاوَم .

 

...قبل الاسترسال استرجاعاً لتلك المواقف المشهودة في حياتي خدمة لوطني المعرب ، مع التدقيق قدر المستطاع في وصف الأحداث التي تعرَّضتُ لها ، وفق منظور صادق يقرِّب الأشقاء بعضهم لبعض ولا يُفرِّق ، إذ الشعب الجزائري في نظري المتواضع شيء ، ونظامه المُتحكِّم مُطلقا المُدبِّر شأنه العام محلياً ودولياً شيء ثاني تماماً ، هناك استثناءات لكنها تبقى بسيطة غير مؤثرة في غالبية الشعب ، أصحابها أناس  تجاهلوا النضال البطولي المرير الذي خاضه المغاربة الأحرار ، جنباً لجنب مع المجاهدين الجزائريين الأبرار ، ضد المستعمر الفرنسي المشترك لبلديهما . ربوع "وجدة " وهذه الطريق التي أقطعها في اتجاه "للامغنبة" في مواقع كثيرة منها ، حافلة بما يرمز لتلك المرحلة التي أتمنى أن لا ينساها كلا الطرفين ، إذ مصيرهما لا زال مشتركاً وسيظل . الإنسان مهما بلغت قوته لن يستطيع تغيير الجغرافية ، ومَن يعرف المنطقة مثلي يصعب عليه التفريق بين هذا مواطن مغربي وذاك جزائري.

 

المُتحدث عن الجزائر من الواجب عليه التوفّر على شروط يتجاوزها حتى التِّعْداد الخاص التالي :

 

-عاشراً ، أن يكون مُدركاً عمق الإقبال وفي هذا الظرف بالذات والبلدين المتجاورين بحكم الطبيعة والتصوير من الفضاء ما لا يتركا أدنى شك أن مدينة "بور سعيد" مجرَّد امتداد لمدينة "السْعِيدِيَّةْ" و خلفية لا يحدها سوى حُكم بشر دون الدخول في تفاصيل أخرى ، انطلاقاً من "عين الصفراء" إلى "بني وِنِّيفْ" إلى "زُوجْ بْغَالْ" ، أصحاب الأراضي المعنية لا يخفى عليهم سر ما أقصد ، خاصة إن كان المُتحدِّث كما سأفعل يعتمد الحياد الايجابي الذي لا تسوقه العاطفة الجوفاء في تفضيل هذا الجانب على ذاك إلاَّ مُدافعاً عن الحق متمسِّكاً بإنصاف كل الزَّوايا وإن كانت إحداها سياسية بالطبع .

 

- تاسعاً ، أن يكونَ دارساً لتاريخ الجزائر قبل وبعد الاستقلال ، خاصة وأن الشعب الجزائري لم يقف ولن يفقد مقومات تشبّثه بما يلج في خصوصياته الفريدة من نوعها ، حيث العقلية المتوارثة جيلاً بعد جيل ، ونكهة اللغة المُخاطِب بها عربية عامية أو فُصحى كانت ، أو أمازيغية قبائلية بلُكْنَةٍ لا تتكرّر إلاّ في الجزائر طولاً وعرضاً  ، وتلك هوية أراد الاستعمار الفرنسي على امتداد قرن  و نيف طمسها ولم يجد لذلك سبيلاً ، وقبل الفرنسيين حاول الأتراك ذلك ولم يتركوا غير ألقاب وأسماء أعظمها تبدّدت من تلقاء نفسها ، وأخرى ما أن عثرت على موقع قدم أكتفت برسمٍ للذِّكرى لا أقلَّ ولا أكثر .

 

- ثامناً ، أن يكون مُختلطاً بصيغة المستقبل ، مع المجتمع الجزائري شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً ، مؤهلاً لذلك انطلاقاً من "كان" الماضي ، ما دامت المسافة بينهما تتواصل بمتابعة يومية يغوص الفكر أثناءها مع ما يجري على أرض الواقع لإنتاج إجابات على " لما ، ومتى ، وكيف؟؟؟" ، واضعاً في اعتباره أن  مدن "وَرْكْلاَ" و"تلمسان" و "وهران" و"عَنَّابَةْ" و"سيدي بلعباس" ، جزائرية كعشرات أخريات مزروعة على خريطة الجزائر ، لكلٍ منها خاصية تميِّزها عن شقيقاتها بما يضفي  جمالية موقف كل واحدة منهن على حدة ، أو معلمة جليلة ترمز لعبقرية ما ، تصارع الزمن لجدارة ما تمثله حقاً ، لتظل شاغلة حيِّزا في موروث ثقافي شعبي داخل محيط نظيف من شوائب التقليد الأعمى المستورد من بلاد لا تعترف بالأصالة الأهلية المحلية ، ولا تحترم البداية.

 

- سابعاً ، أن يكون على توافق أكيد مع ضميره ، ما دامت كتاباته مَبنيَّة على ضوابط علمية ، وأسس قواعدها عليمة بمصادر تشييدها مرجعاً موثوقاً فيما يكتنزه من معلومات صادقة المضامين ، متكاملة الدلائل ، واضحة الحجج ، تخص ركناً من أركان يحيا الإنسان معها ، يستنبط منها الدفاع عن عالمه الخاص ، لترسيخه كأمانة حَمَّل إياها عند الاقتناع  عن إيمان، السَّلف الصالح للخلف الطامج ، مدوّنة في وثيقة لا يحصرها زمان ولا يضبطها تبار سياسي دون آخر ، منطلقة عبر الهواء المُستنشق والشعور بالكرامة كأهم احتياط  مُصان داخل وجدان تربَّى صاحبه على قناعة أن الأمس كاليوم كالغد لا يساوي في الجزائر أية قيمة مَن فرَّط في "العمامة" الجزائرية المشهود برونقها ، وذاك "الجلباب" الذي زاد الأمير عبد القادر الجزائري البطل هيبة على هيبة ، وهو يرتديه مندفعاً في شجاعة نادرة ، يخاطب الند للند قادة اعتي قوة استعمارية آنذاك فرنسا ، أن للرجال الشرفاء الأحرار في الجزائر هدف أسمى إما المَجد أو اللَّحْد.

 

... ما تبقَّى من شروط لا تعتني إلاَّ بإشكالية التحاور انطلاقاً من إدراك مُفصَّل بمعلومات صحيحة عن مضمون عقليتين وما تنحصر فيهما بعيداً عن بعضهما البعض من خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها بالمُطلق إن الوسيط الدبلوماسي (ومن الطرفين) عديم المعرفة المعمَّقة بما هو مقبول لديهما معاً .

 

... وصلتُ والخيوط الأولى لفجر يومٍ لن أنساه ما حييت ، رحَّب بي خلاله القدر لأدخل في أمن وسلام المدار الحضري لمدينة "للامغنية" ، وحتى أصل لأبعد نقطة عن الحدود ، فكرتُ في مواصلة الطريق صوب مدينة "سيدي بلعباس" حيث أقمتُ فيها لأستريح داخل بيت أحد الشرفاء المُشيَّد فوق مسجدٍ ، بتوصية من صديق جزائري يقطن "عين بني مطهر" ، بعد ثلاثة أيام كنتُ وسط العاصمة أسأل أحد المواطنين عن عنوان مقر الإذاعة والتلفزة الجزائرية ، فلم يكتفي بالإشارات المعهودة أتمِّم على إثرها مسيري إلى الموقع الهدف ، بل ألحَّ عليّ أن يوصلني بسيارته لغاية مدخل تلك المؤسسة ، لمَّا علِم أنني مغربي غريب عن الديار ، لم أكن أعرف أحدا ً، بل تركتُ حارس الباب أن يُرشِّحَ لي أحد المسؤولين لأتناقش معه ، عسى أن يكون لي نصيب في وظيفة تُمكِّنني من الإقامة رسمياً في تلك العاصمة ، التي سبق أن سمعتُ عنها الكثير موقعاً وتاريخاً وبيئةً ومجتمعاً ،وما يدخل في سريَّة معلومات عن أجهزتها النافذة وهيكلتها البشرية ، وعن بعض مغاربة وجدوا فيها ملجأ يحمي توجّههم الجديد ولو لحين ، وما هي إلاَّ لحظات حتى وجدت نفسي وجهاً لوجه مع الرجل الثاني ، من حيث النفوذ المُخَوَّل به أن يلحقني بتلك المؤسسة الإعلامية العملاقة أو يقطع علىَّ الطريق ، يتعلّق الأمر بالأستاذ عبد القادر نور الذي مدَّ لي ورقة بيضاء وقلم حبر أحمر ، طالباً مني أن أكتبَ خاطرة أو أي شيء يبني بعد القراءة قراره في حق طلبي بالرفض أو القبول ، كانت لحظة رغم قصر زمنها ، حسبتُها طويلة ومقلقة للغاية ، ساد أثناءها صمت غريب انتهى بتحقيق غاية شكَّلت في الواقع أول خطوة اقطعها داخل تلك البناية المكونة من طبقات ثمانية ، الكائنة بشارع الشهداء رقم 21 بالعاصمة الجزائر ، لم يكتفِ الأستاذ نور بإبلاغي قرار الموافقة بل اصطحبني لقسم شؤون العاملين لأوقِّع داخله على عقد عمل رسمي ، وأتوصل بمبلغ مالي محترم تحت الحساب .

 

... دفعة واحدة شعرتُ براحة لم أعهدها منذ مغادرتي وجدة ، فسلّمتُ أمري لنوم فوق سرير ناعم وثير في حجرة لها قيمة الأناقة المتناغمة مع نزل له فخامة حضور تاريخي لنزلاء لهم وضعية الرّيادة كل في تخصصه ، دخلته ولا أملك غير ما ارتديه من ثياب بلَّل أجزاء منها عرق تعب المسير الممزوج بخوف من مصير مجهول يبدأ صاحبه من الصفر بطموح امتلاك الدنيا ، انتبهتُ جيداً لنظرات الفاحصين أصحابها منظري الذي يقربني لمسؤول ما ، متنكر في ذاك الهندام لأسباب ما ، ساعدهم على هذا التصور مرافقي المكلّف بإتمام إجراءات الإقامة في تلك المؤسسة الفندقية ، الظاهر أنه معروف لدى البعض من تلك الطبقة المحسوبة على حكام الدولة الجزائرية. (يتبع)

 

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.