اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تل حفيظ الغموض والإسطورة// حيدر الحدراوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حيدر الحدراوي

 

تل حفيظ الغموض والإسطورة

حيدر الحدراوي

 

مرتفع أرضي في عمق من أعماق أهوار محافظة ميسان ، اكتسب شهرة واسعة النطاق ، تعدت حدود العراق والوطن العربي واجتاحت الساحة العالمية ، كونها من أكثر الأماكن غموضاً ورعباً ، حالات غريبة تحدث ، نيران بلا دخان في الليل ، ودخان بلا نار في النهار ، أضواء ، أصوات غريبة غير مفهومة ، غناء ، دبكات ، رقص وكتل سوداء تتحرك في المكان ، هذا في الليل ، أما في النهار تعود الأمور الى مجراها الطبيعي وكأن شيئاً لم يكن ، لم يتمكن لا العلم ولا المنطق من إيجاد أي تفسير لها ، ما ترك لها الأبواب مفتوحة لتدخل ضمن عالمي الجن والأرواح ، وهو الميدان الذي يلقى فيه كل ما لم نجد له تفسيراً .

 

تل حفيظ ، بقعة أثرية غير منقبة ، تتناثر فيها بعض القطع الأثرية هنا وهناك ، تظهر بشكل واضح للعيان بعد تساقط الأمطار ، وأيضاً تظهر الكثير من الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة كالحلي الذهبية والفضية ، ثم تعود الى الاختفاء مرة أخرى ، الى درجة يصعب إيجادها .

 

الشائع في المنطقة وما يدور الحديث عنه بين سكان القرى المجاورة إن أحداً لا يمكنه أخذ أي شيء قد يجده في المكان مهما حاول لن يفلح ، وكأن حارساً خفياً يقوم بمراقبة المكان ويمنع أي سرقة من اي نوع ، دون أن يلحق الأذى بالسارق أو بكل من يتجول في المنطقة ، تروى في ذلك الكثير من القصص والحكايا ، وإن كانت غير موثقة لكنها مشهورة الى درجة القطع ، لعل أبرزها قصة القارب الذي تجول أصحابه في المكان ، لم يجدوا شيئاً ولم يتعرضوا الى أي نوع من الأذى ، لكن عندما راموا المغادرة بعد نهاية الجولة ، تجمد القارب في الماء وكأن قوة خفية تمسكه ، لم يتمكنوا من تحريكه قط ، فهموا جميعهم هذه العلامة ، فهي تدل على إن أحدهم قد وجد شيئاً ثميناً فاحتفظ به ، لذا لن يتحرك القارب ما لم يقوم بإعادته ، لكن ذلك الشخص كان مغرماً بما وجد ولم يرغب في التنازل عنه ، بعد المداولة بينهم ، اقتنع أخيراً وأعاد ما وجده ، فتحرك القارب بشكل طبيعي وانطلقوا بطريق العودة دون أن يمس أحدهم أي أذى ، هذه لعلها من أشهر الحوادث التي يتناقلها سكان المنطقة ، واقعاً ، لا يمكن توثيق هكذا حوادث بشكل علمي أو منطقي ، لأنها تحدث بشكل مفاجئ ، وتنتهي بشكل غامض .

سكان المنطقة ليسوا الوحيدين ممن شهد هذه الظواهر ، بل شهدها أيضاً الصيادين الذين يجوبون المنطقة لصيد السمك أو الطيور ، وغالباً ما تستدعي مهامهم المبيت في المنطقة ، لاحظوا مثل الظواهر وتعرضوا لها ، لا وبل تعايشوا معها ، دون أن تسجل أي حادث اعتداء ، بالإضافة الى سكان المنطقة والصيادين هناك أيضاً الجنود العراقيين (الجيش العراقي السابق) الذين تنتشر وحداتهم حول التل ، هم بدورهم وعلى كثرتهم وتغيرهم بإستمرار عايشوا وتعايشوا مع هذه الظواهر الغريبة ، لم يجدوا بدورهم أي تفسير لها سوى المتهم التقليدي (الجن) .

لا توجد آراء حول تل حفيظ غير المتناقلة بين السكان البسطاء ثقافياً وبدورهم يرمونها في عالمي الجن والعفاريت ، وربما توغلوا في التاريخ ونسبوها الى مملكة سليمان "ع" ، فرددوا ان النبي سليمان "ع" اخفى فيها كنزاً ثميناً ، وقد أوكل مهمة حراسة هذا الكنز الى عفريت يدعى "حفيظ" ، لكن هناك أخرين لا يوافقونهم الرأي ، ويعتقدون إن النبي سليمان "ع" سجن فيها المتمردين من الجن والشياطين وأوكل مهمة حراسة السجن الى أحد ملوك الجن والذي سمي "حفيظ" ، ومن هنا جاءت التسمية "تل حفيظ" ، كلاهما اتفقا على تسمية الحارس الأمين "حفيظ " واختلفا في العين المحروسة هل هم سجناء من الجن أم كنز ؟! ، لا يوجد أي دليل أو وثيقة تثبت ذلك ، مجرد أعيرة في الهواء ، لكن الغريب البساطة الثقافية لسكان المنطقة وتوصلهم بجهودهم المتواضعة الى مثل هذه المعلومات المتناقلة أباً عن جد ، أم هو ضرباً من الخيال ! .

في فترة الحرب العراقية الايرانية ، كانت تشتر وحدات الجيش العراقي بشكل كبير في كل بقعة أو جزيرة وسط الأهوار ، تستخدم كمقرات أو مخازن للسلاح والعتاد وكذلك الطعام ، منطقة تل حفيظ تعتبر ذات أهمية خاصة لما تتمتع به من إنبساط الأرض وسهولة التحرك بها بسبب عدم نمو القصب والبردي فيها ، وهذا يضاف الى جملة غرائب المنطقة حيث تحاط بكتل هائلة من القصب والبردي الا انها لا تنمو حول تل حفيظ ، الظلام الدامس سيكون سيد الموقف في الليل ، وقلة الإنارة خشية أن يكتشف الموقع من قبل العدو ، فيضرب بالقنابل أو يتعرض الى هجوم مباغت ، بالإضافة الى الرعب والهلع الذي ينتاب الجنود الذين لم يألفوا العيش في الأهوار ودور الشائعات حول المنطقة المسكونة ورؤية الأطياف تتحرك ليلاً زاد الطين بله ، ظلام دامس + عدو + إشاعات الأشباح وأيضاً الحيوانات البرية والزواحف والحشرات الطائرة والهوام ، كل ذاك يجعل المقاتل في حالة هيستيرية ، توتر نفسي شديد ، فيتخيل ويرى ما لا يراه غيره ويسمع أصواتاً تصدر من هنا وهناك ، تزيد قلبه نبضات الى نبضاته الطبيعية ، فهو يواجه مجموعة من الأعداء في وقتٍ واحد (عدو بشري ، خنازير برية ، أفاعي ، عقارب بالإضافة الى البعوض المزعج) ، ليس الأمر هيناً لجندي جاء من وسط العراق أو شماله ، ولا هو بالأمر الهيّن لجندي جاء من جنوب العراق لم يعتد على المواجهة في عدة جبهات في آن واحد ، وقد تدرب على مواجهة جيش بجيش ، جندي بجندي ، وتمرن على كافة أساليب القتال العسكرية ، لكنه لم يتلقى دروساً حول تلك الزواحف الصامتة أو العقارب الكامنة ، ولا حتى عن الخنازير البرية القاتلة ، وتلك الحكايا التي تبادلها مع رفاقه عن الأشباح ، يجعل الأمر أكثر سوءً ، يحلق نظره تجاه تلك التلة المرتفعة ، فيتخيل شبحاً عملاقاً واقفاً هناك ، أو يتحرك جيئةً وذهاباً ، أو قد يرى كتل سوداء في كل مكان لكن خارج أسوار الوحدة العسكرية ، في صبيحة اليوم التالي ، سوف يروي ما شاهده من تخيلات الى رفاقه وقد يوافقونه الرأي .

 

يروي سكان المنطقة وغيرهم من الصيادين إنهم شاهدوا مروحيات أمريكية حامت حول المنطقة ولعدة ساعات ، بعد الإحتلال ، فاعتقدوا إن الأمريكان هم بدورهم يسعون نحو الكنز ، وأغفلوا أو لعل هوسهم وولعهم أنساهم إن المنطقة عسكرية وفيها تنتشر الكثير من القنابل والصواريخ والمعدات العسكرية الأخرى التي تركها الجيش العراقي وانصرف ، لازالت هذه القنابل والصواريخ غير المستخدمة بادية للعيان حتى هذه اللحظة ، ومن جهة أخرى موقع المنطقة وامتداده الى الجارة الجمهورية الاسلامية الايرانية ، فلا غرابة ان تحوم الطائرات الأمريكية المحتلة المكان .

 

أجمل ما في منطقة تل حفيظ ولعله من غرائبها الجمة ، السلام والأمان ، حيث :

1- إن أحداً لم يصب بسوء ، رغم الشائعات حولها بانها مسكونة ، وغالباً ما يرافق المناطق المسكونة أصابات بالجنون أو حدوث عمليات خطف الجن للبشر كما يزعم عادة ، أو أن يعتدي الجن على البيوتات المجاورة كما ينقل في روايات الرعب .

2- ظاهرتي المد والجزر لم تؤثر فيها اطلاقاً ، فلم تغرق المنطقة قط .

3- لم تسجل أحداث اعتداء حيوان بري على انسان ، ولا حتى زواحف وهوام فيها ، إلا في ما جاورها .

4- رغم إنتشار البعوض والحشرات الأخرى ، لم يسجل فيها تفشي أي وباء .

5- صيادي السمك والطيور لم يتعرضوا الى اي اعتداء من أي نوع كان ، وربما إتخذوها مكاناً للراحة والمبيت .

6- رغم توغل الجيش الايراني في أعماق الأهوار العراقية ، وتمكنه فيها ألا إنه لم يصل الى منطقة تل حفيظ ، ولم يشن هجوماً على القطعات العسكرية العراقية فيها ، عدا اشتباكات خفيفة من حولها ، وفيها أيضاً لم يخسر العراق قتيلاً ولا جريح ولا أسير ، فقط في المناطق من حولها.

7- والأغرب من كل ذلك ، إن المهربين بين العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية ورغم كثافة القطعات العسكرية العراقية والإيرانية في المنطقة يتجولون بحرية تامة ، ويتمكنون من إيجاد طريقاً بين الجيشين ، وربما تبادلوا رشقات رصاص مع هذا الطرف أو ذاك .

"حفيظ" أي تحفظ من عليها ، محفوظ من فيها ، لسبب غير معروف ، رغم الحالات والظواهر الغريبة التي قد تصل درجة الرعب والهلع ، وبالخصوص ظهور تلك الكتل السوداء الضخمة نسبياً ، كل كتلة تحمل مشعلاً نارياً ، بين واحدة وأخرى عدة أمتار ، تضرب سوراً حول التل ، كأنهم حراس أشداء ، ومن خلفهم ، مقابل التل تتصاعد السنة النار واللهب ، والدخان يخيم على المنطقة ، وتعلو أصواتًاً غريبة غير مفهومة ، لا هي صراخ ولا هي غناء ، لا هي اصوات بشر ولا هي اصوات حيوانات ، وتسمع بعدها اصواتاً أشبه بقرع الطبول ، ثم تظهر كتلة سوداء تعلو التل ، كأنه الملك أو الرئيس ، تستمر هذه الحالة حتى وقت السحر وتبدأ بالتلاشي المقنن المنظم ، فأول ما ظهر تلك الكتل السوداء حملة المشاعل ستكون أخر شيء يختفي ، أما الكتلة السوداء فوق التل هي اخر ما يظهر وأول ما يختفي ، هكذا بشكل منظم وليس بشكل عشوائي ، وعندما تشرق الشمس لم يبق من الحفلة سوى الدخان ، وعادة ما يظهر من ثقوب دائرية حفرت بدقة عالية في الأرض ، وكأن الجميع خلد الى النوم.

 

هذه الظاهرة تحدث عدة مرات في الشهر أو الأسبوع ، لم يحاول أحداً الاقتراب في الليل قط ، أما في النهار لا مشكلة ، كأن الليل ممنوع ، وفي النهار مسموح ، لولا إن الشهود أكثر من واحد ومن مختلف الأعمار ، لم نكن لنصدق هذه الروايات وغيرها الكثير ، كما وإن اختلاف الشهود يدعو لتأكيد هذه الظواهر ، فمن الشهود سكان المنطقة وصيادو السمك والطيور وكذلك جنود جيش العراق السابق والذين هم بدورهم جاؤوا من مناطق مختلفة .

 

لا أعتقد بوجود شيء غير قابل للتفسير العلمي أو المنطقي ، لكن الموضوع بحاجة الى تقنيات علمية وخبرة بشرية إبداعية لتفسير وتحليل هذه الظواهر ومن ثم الخروج بنتيجة منطقية ومقبولة ، تشبع وتنعش فضول الإنسان المتعطش بطبيعته لفك رموز الغموض في هذا العالم .

شهرة منطقة "تل حفيظ" عربياً وعالمياً جعل منها مصدراً لجذب السواح ومحبي المغامرة والغموض من كل انحاء العالم ، وفعلاً قد زارها الكثير من الأجانب نهاراً فقط ، ومن دول مختلفة ، لكن الخدمات سيئة لا ترقى لمستوى الطموح ، فالسائح بحاجة الى الشعور بالأمان ، وتوفر الفنادق والمطاعم الجيدة ، وانسيابية النقل جيئةً وذهاباً ، وهو بحاجة الى أدلاء أو مرشدين ومترجمين ، ما يوفر فرص عمل كثيرة للمنطقة التي تعاني من الفقر وقلة فرص العمل ، كما ويأتي هنا دور الإعلام والإعلان الترويجي ، إذا علمنا إن أغلب العراقيين لم يسمعوا بها قط ، بسبب الاهمال الإعلامي وتغاضي النظر إلا ما ندر .

 

كل دولة في العالم تستغل أي ظاهرة غريبة على اراضيها يروجوا لها محلياً وعالمياً بغية جذب أنظار السواح والمهتمين بالظواهر الغريبة ، ومن ثم تبدأ بجني الثمار ، بعض الدول تصطنع ظواهر غريبة وتحاك حولها أساطير ليست حقيقية بغية جذب الأنظار كمدينة الأشباح الصينية والقرية المسكونة في الأمارات العربية ، موارد رزق هامشية لإثراء المنطقة وتوفير فرص العمل لسكانها ، احسنوا إستغلالها وإستثمارها بصورة صحيحة .

 

في العراق ، لا إهتمام بالجوانب السياحية ومصادرها ، رغم كثرة المواقع الأثرية التي يتوق لرؤيتها الملايين حول العالم ، تركت مهملة يعبث بها العابثون ، وتدفنها كثبان الرمل في بعض المناطق ، كان يمكن أن تكون دخلاً للدولة ومصدراً للرزق للسكان المحليين ، لكن السياسات غير الصحيحة دمرتها كما دمرت كل شيء جميل !.

 

حيدر الحدراوي

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.