اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قضايا شعبنا

مسيحيو العراق المهجرون يروون جرائم ارتكبتها «داعش» بحقهم

 

 الدستور- نيفين عبد الهادي

وجوه تخفي بين ملامحها قصص خوف ورعب قادت اصحابها الى الهروب من ويلات الحرب بوثائق السفر فقط دون الالتفات لأي ممتلكات اخرى، فخرج المئات من مسيحيي العراق ليجدوا انفسهم في ارض الامن والامان مستنشقين رائحة الياسمين بعد رائحة الدماء، تحتضنهم قلوب الاردنيين وارض الاردن بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني.

المسيحيون في العراق وتحديدا في الموصل يهجّرون من حياتهم وبلادهم وتاريخهم الى المجهول حاملين قصصا تشعرك عند سماعها انك تحضر فيلما اقل ما يوصف به انه فيلم رعب!! بعدما اصبحت مدينتهم الموصل واحدة من مدن الدولة الاسلامية (داعش)، فغدت خاوية على عروشها من الحياة الطبيعية ونبض الحب ليكونوا شهود عيان لمجازر، على العالم التنبه لها قبل ان تصل نيرانها لحلقات اوسع ومدن اكثر.

الاردن كعادته ، كلمة الحق والمساحة البيضاء في محيط لم يعد يعرف للحياة سوى اللونين الاسود والاحمر، فسعى لتضميد جراح مسيحيي الموصل واستضافة المئات منهم، حيث قدّر عدد من وصل منهم للمملكة بالالف، وبطبيعة الحال الرقم في تزايد مستمر، فكان ان فتحت ابواب الكنائس لاستقبالهم وتوفير سبل الراحة والحياة الكريمة لهم.

 

«الدستور» حتى تقف على حقيقة ما يجري في الموصل، وهل ما نشاهده عبر وسائل الاعلام حقيقة، من جرائم بشعة ترتكب ضد المسيحيين في الموصل تجعلهم يهربون نساء واطفالا وكبار سن من وطنهم الى الاردن سعيا للامن والعيش الكريم، قامت بزيارة الى كنيسة (مار شربل) للاطلاع عن كثب من خلال لقاءات مع عدد من المهجّرين المقيمين بالكنيسة فكان ما سمعناه اكثر بكثير مما ينقل عبر وسائل الاعلام واكثر خطورة. 

  البحث عن لغة بليغة لنقل واقع حال المهجّرين المسيحيين العراقيين صعب في ظل ما يحدث لهم من سوء معاملة وحرب تستهدف حياتهم ورزقهم وامنهم وحريتهم، تفاصيل يرويها لنا عدد منهم، معتبرين الاردن نقطة الضوء الوحيدة في المنطقة ومساحة الامان التي جعلتهم يشعرون بما فقدوه منذ اشهر وهو الامن على اطفالهم ونسائهم وانفسهم.

عندما توجهت وزميلي المصور باتجاه الكنيسة التي تقع على طريق المطار، اخذت اعد طوال الطريق البدايات التي سأبدأ بها حديثي، ولا انكر ان فضولي المهني كان يسيطر علي بأن ارى واسمع حقيقة (داعش) وما تقوم به في الموصل وهل بالفعل يطلبون الجزية او الاسلام او التهجير، كلها اسئلة دارت في ذهني طوال الطريق، سرعان ما تاهت في زحمة المعلومات التي سمعتها من المهجّرين الذين تحدثت معهم.

كلمة الأطفال

البداية، كانت مع الاطفال الذين كانوا يلعبون في حديقة الكنيسة، هم لا يعرفون بعضهم البعض كحال اسرهم تعرفوا على بعضهم هنا في ارض الامان في الاردن، ويمكن ان تلحظ بعيونهم دون الاستماع الى حديثهم بالسعادة التي يعيشونها والراحة فبعد حالة الخوف التي مروا بها هاهم يلعبون بروح الطفولة.

العابهم كانت تشبه حالهم، فكانوا يلعبون العابا اقرب الى اجواء الحرب والضرب، والعنف، لكنهم في نهاية الامر اكدوا انهم سعداء فقد اصبحوا يلعبون متى يشاؤون بالشارع ويرتدون ما يحبذون من الملابس، ويختارون الالعاب التي يريدون دون خوف او قلق.

ومع حركة الاطفال واللعب بقي طفل يلتزم الصمت لنعرف لاحقا انه يعاني من مرض نفسي نتيجة الصدمات التي تعرض لها قبل تهجير اسرته من مدينة «قرقوش» قضاء الموصل، وعلاجه يتطلب اكثر من عامين ليعود الى طبيعته كباقي الاطفال.

جو،  الذي لم يتوقف عن اللعب لكنه اخذ يتحدث لنا عن سعادته انه لم يعد يستمع لاصوات التفجيرات واطلاق النار، واصبح ينام طوال الليل دون ان يطرق الباب احدهم منتصف الليل لأي سبب او حاجة.

ليلى احتفظت بلعبتها التي احضرتها معها من الموصل، وقالت انها تشعر بالراحة والفرح كونها تجد والديها دائما بقربها، ولم تعد والدتها تبكي كما كانت في الموصل.

جميل الذي اخذ من اسمه الكثير فهو الطفل الذي يتمتع بجمال طفولي رائع تحدث لنا وضحكاته تعلو، مؤكدا ان العيش في الاردن اجمل بكثير من الموصل، كونه لم يعد هناك خوف من اطلاق النار، ولم يعد هناك ما يهدد حياتنا، بل على العكس نحن هنا نجد كل ما هو جميل ومريح وسعيد.

هروب للأمن والسلام

هي محطتنا الاولى مع الاطفال، لعلها بداية وردية لما كنا نسعى له، ولكن حتما التفاصيل والنهاية لم تحمل سوى الاحزان، ودموع السيدات التي عبرت عن حال مأساوي يعيشه مسيحيو الموصل، مناشدين العالم التدخل لحل مشكلتهم فما يحدث حالة تهجير خطيرة.

جسّام (33) عاما تحدث عن واقع الحال في الموصل، وقال هذه المدينة التي ولدت بها انا واسرتي واسسنا حياتنا وتراكمت منجزاتنا بها، تحوّلت الان الى واحدة من محافظات «داعش» والمفاجئ بالامر ان قواتها عندما دخلت الموصل اكدوا لنا ان وضعنا جيد ولن يقترب منا أحد على الاطلاق، وبعد مرور ايام بدأ التحرك العملي للقضاء على المسيحيين في العراق بحرفية هذا المعنى!

فبعد تاريخ العاشر من حزيران الماضي انقلبت الموازين، وبدأنا نعاني من الاضطهاد الذي بدأنا نواجهه تدريجيا منذ عام 2003، ليأتي العاشر من حزيران ويشكل مرحلة جديدة لحياتنا بالموصل، ويخلق حالة من الرعب.

بالبداية قدم ثلاثة اشخاص لمنزلي ووضعوا حرف (ن) على الباب وكتبوا الدولة العراقية الاسلامية، وعند سؤالهم عن السبب وراء ذلك قالوا انها علامة تبين ان من يسكن المنزل مسيحي وهو اجراء احترازي لحمياتنا، بعد ذلك قدموا الى عملي حيث املك عددا من المكاتب وقاموا بذات الاجراء.

وبعد ذلك وفق جسام قدموا لي وطلبوا ان اعلن اسلامي انا واسرتي، او ان ادفع الجزية، التي قدروها بأن يتم دفع (150) دولارا لمن هو فوق سن (18) عاما، و(85) دولارا لمن هم دون سن (18) شهريا، بمعنى انه ترتب علي دفع (470) دولارا كل شهر جزية عن افراد اسرتي وهو ما رفضته، اضافة الى انهم كانوا يتقاضون من المستأجرين الذين كانوا يستأجرون من املاكي نصف الاجرة، ورفضت ايضا هذا الامر، كما رفضت التخلي عن ديني فبدأوا يطلبون مني تسليم املاكي لهم ومغادرة الموصل، لا سيما وانهم يتخذون وسائل وحشية تجبرنا على مغادرة الموصل وترك كل ما نملك كونهم الى جانب الضغط المالي يحضرون للاستيلاء على النساء وتزويجهن.

وكان قراري الذي اجبرت على اتخاذه في السابع عشر من تموز الماضي الخروج الاجباري من الموصل الى اربيل، ولك ان تتخيلي بشاعة الحال في المخيمات التي هجّرنا لها، وسوء الخدمات والامراض التي انتشرت بين سكان المخيم وتحديدا الاطفال، حتى كهنة الكنائس في الموصل تم تهجيرهم بعد ذلك وفور استلامنا وثائق السفر قررنا ترك العراق والقدوم للاردن.

ولا يمكن الا ان نشكر جلالة الملك عبد الله الثاني، والاردنيين كافة على كل ما قدموه لنا من حسن استقبال وضيافة، حتى ان العراق ترفض اخراج اي مواطن دون وثائق ثبوتية، فيما قبل الاردن بذلك مراعاة لحالنا، اضافة الى اننا لا نشعر بحاجتنا لاي شيء فكل ما نطلبه يوفر لنا على الفور، وكما تشاهدين كل الخدمات متوفرة لنا.

واكد جسام انه غادر العراق ولم يحمل معه سوى النزر اليسير من ملابس طفلته وجواز سفره وسفر زوجته، ووالدته، تاركا خلفه ثروة تقدر بآلاف الدولارات، وممتلكات لكن للاسف كله ذهب مع ريح الارهاب والارهابيين، ولم نأبه بشيء سوى سلامة افراد اسرتي.

رشا زوجة جسام التي جلست تحتضن طفلتها وتبكي بصوت منخفض، اكدت ان الاوضاع سيئة جدا، فكيف يمكن لاحد ان يكون لاجئا في وطنه، هذا ما حدث لنا ولا يمكن ان ننظر للامر الا انه مؤامرة علينا مسيحيي العراق، فنحن رأينا انواع الظلم والاضطهاد بشكل لا يمكن وصفه الامر الذي دفعنا للهروب من نيران كل ذلك، الى ارض السلام الاردن.

وقالت رشا لم يكن دخول «داعش» في بدايته مقلقا للموصل، لكن الامر لم يستمر طويلا، لتتحول الامور الى مجزرة، وحالة خوف على الانفس وتحديدا النساء اللاتي كن الوسيلة المقلقة لداعش حتى تخيف الاسر، فكانوا يدخلون المنازل ويأخذون النساء لتزويجهن او التجارة بهن، فما كان منا الا ان اتخذنا قرار الهروب.

السيدة ماجدة والدة جسام قالت انا سيدة كبيرة ومع ذلك لم اسلم من ويلات «داعش» فقد استولوا على جميع املاكي، حتى اني كنت املك شقتين ما تزالان تحت الانشاء، فطلبوا الانتهاء منها بالسرعة الممكنة ومن ثم استولوا عليها.

واضافت ماجدة كانوا يدخلون المنازل وفي حال وجد به اكثر من فتاة على سبيل المثال اربع فتيات يأخذون ثلاث منهن، ويتركون واحدة لاسرتها ويجبرونهن على الزواج بطرق مؤذية، وغير انسانية، اضافة الى محاولاتهم لاقتناص الفرص لغايات الكسب المالي بكل الوسائل الممكنة، والضغط على العائلات لتهجيرها، انها مؤامرة.

واشارت ماجدة الى ان المشكلة الكبرى ان العراق يرفض خروج اي من مواطنيه دون وثائق، وهذا الامر غير متوفر الان على الرغم من ان الاردن يقبل باستقبالهم، لكن للاسف العراق يرفض اخراجهم، وهذا ما اخر وصول ابني حتى الان حيث ان احد ابنائه لا يملك جواز سفر وهو طفل لم يتجاوز الاربع سنوات، وهو بانتظار اصدار هوية له ومن ثم جواز سفر، ليت الامر ينتهي بسرعة حتى اطمئن عليه وهو بيننا على ارض الاردن.

ولم تندم ماجده بحسب قولها على ترك املاكها كما انها لا تشعر بالامل مطلقا بالعودة الى الموصل، وقالت لقد تركت املاكي واموالي في الموصل وحتما هي الان سلبت بالكامل ولا اشك ان الشقق التي املكها دمرت، وعليه فاني لا اشعر بالامل مطلقا بحل اشكالية المسيحيين في العراق، ولا اشعر للحظة اني سأعود الى منزلي وحياتي وبدأت افكر ببدء حياة نتمتع بها انا واسرتي بالامن والسلام وافكر بالهجرة الى اوروبا او اميركا هو ما اسعى له الان على الرغم من كبر سني الا انهم لم يحترموا ذلك.

وليد لم  يختلف واقع حاله عن اسرة جسام، فهو الانسان البسيط الذي يعيش في (قرقوش) احدى محافظات الموصل، مع زوجته وطفله الذي اصبح يعاني من مرض نفسي بعدما حاول بعض الاشخاص اخراج والدته رغما عنها من المنزل، قال كنا الاكثر امنا في الموصل وكنا ندعو اصدقاءنا كافة للعيش في مدينتنا ولكن هذا الحال لم يدم، حيث دخلت «داعش» واجبرونا على التخلي عن كل ما نملك، ونهرب بحثا عن الامن.

خرجنا من قرقوش لنعيش في المخيمات التي لم تكن مؤهلة ان يعيش بها الانسان مطلقا، وكنا نقف لانتظار دور المياه والطعام بشكل مهين سيما واننا جميعا من اصحاب الاملاك ووضعنا المالي جيد، وباتت الحياة مستحيلة في المخيمات تحديدا لاطفالنا حيث انتشرت الامراض ومن ابرزها «الجرب».

ونحن عندما اتخذنا قرار الهجرة كان بعد اضطهاد من «داعش» واستيلائهم على املاكنا واموالنا، حتى ان الامر بات يصل لنسائنا، وكذلك قتل الشباب فلم يكن امامهم في حال رفض مطالبهم سوى الرمي بالرصاص، فكان قرار الهجرة والوصول للاردن الذي حقق لنا حلم الراحة والاطمئنان بعدما حسبنا اننا لن نعيشه يوما من الايام.

أميره زوجة وليد لم تتمالك مقاومة دموعها التي تفوقت على الكلمة في حديثها معنا، فأخذت تبكي وهي تقول لقد وصلوا للنساء وكانوا يجبروهن على الاسلام، ومن ثم الزواج بشكل غير انساني ولا ينسجم مع اي من الديانات السماوية.

واضافت اميرة لقد صنفوا النساء من خلال الزي، فكانوا يجعلون الارامل يرتدين لونا، والمطلقات لونا، والمتزوجات لونا والفتيات لونا ، ويضعوهن في الشوارع للتجارة بهن، هو واقع مرير لا يمكن وصفه بالكلام بل هو اجرام بحق الانسانية، ويطلقون النار على من يرفض الالتزام بمطالبهم، واخذوا في بداية الامر موضوع الجزية وسيلة للشعور بالاطمئنان بعد ذلك اخذوا يعتدون حتى على من التزم بدفعها.

واكدت اميرة هو حال خطير ومرعب، يجب التعامل معه بشكل سريع، رافضة ان تعود الى وطنها لانها وفق ما قالته لن اشعر بالامان مطلقا، كما انها بلد لم تعد قابلة للحياة ولم يعد بها اي شكل من اشكال الحماية، وكما ترون اطفالنا اصبحوا مهجّرين واصيبوا بامراض الامر الذي يجعلني لا افكر للحظة بالعودة الى وطن دمره الارهاب.

أمّا كرم (22عاما)، فالتزم الصمت طوال فترة حوارنا  مع من قاسموه المكان وعندما بدأت اتحدث له قال انا اشعر بالخوف والقلق فاسرتي ما زالت بالعراق، ذلك ان والدي اصيب بمرض عندما سمع بتفجير المصنع الذي نملكه وهو مختص بصناعة الاصباغ حيث تم تفجيره واستخدمت البراميل الموجوده به للتفخيخ، وتجاوزت خسائرنا المليون دينار نتيجة للاعتداء من «داعش» عليه وتفجيره، واستولوا على منزلنا وحولوه الى محكمة شرعية.

واشار كرم الى انه بانتظار اسرته، وقال نحن الان لا نملك شيئا وفي حال استمرت بنا الحياة سنبدأ من نقطة الصفر كحال كل المسيحيين الذين هجّروا من الموصل، بعدما كنا من اصحاب الاملاك والثروات سنعود الى البدايات دون ذنب اقترفناه ولكن المهم الان ان نشعر بالامن والسلام الذي طالما حلمنا به وهو ما حققه لنا الاردن.

واضاف كرم تحدثت لاسرتي ومن المفترض ان تصل الى الاردن الاسبوع المقبل، الى حين تحسن وضع والدي الصحي، وحتما سيكمل علاجه هنا في الاردن فنحن نجد كافة التسهيلات لكل احتياجاتنا، مثمنا ما يقدمه الاردن للعراقيين بشكل عام والمسيحيين المهجّرين بشكل خاص خلال الفترة الحالية.

 

ومع نهاية حديثنا الذي اخذنا بكلمات من التقيناهم الى عالم مختلف لا يشبه شيئا ، ليصل متحدثو «الدستور» الى قناعة بأن الاردن لا يمكن وصف عطائه الا بأنه ملائكي، مثمنين ما قدم ويقدم لهم مبتهلين لله ان يحمي الاردن وقيادته ويديم نعمة الامن والاستقرار عليه فهو واحة الامان والاستقرار للكثيرين.

قضايا شعبنا

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.