اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قضايا شعبنا

وفاة اخر الناجيات من الإبادة الجماعية وأكبر المعمرات الأرمنيات في العراق

بغداد/ تللسقف كوم

توفيت في بغداد المرحومة اراكسي بابازيان ارشاكيان وهي أحدى اكبر المعمرات الارمنيات في بغداد والناجيات من الابادة من مجازر العثمانيين الاتراك عن عمر ١٠٧ سنة .

توفيت هذه السيدة قبل 4 ايام في بغداد وكانت اخر معمرة ارمنية قد شهدت المذابح الارمنية... وبوفاتها انتهى كل من تبقى من المذابح الارمنية في العراق التي حدثت في عام 1915 على ايدي القوات العثمانية والتي تعتبر واحدة من اقسى حركات الابادة الجماعية. وكانت المرحومة قد وصلت الى مدينة تلعفر غرب العراق وهي طفلة.. واحتضنتها عائلة عربية في تلعفر... وشبت لدى العائلة.. وكان رب العائلة قد قطع عهد على نفسه بان يزوجها من شاب ارمني.... وفعلا زوجها من شاب ارمني من الموصل ومن ثم انتقلت الى بغداد... وهؤلاء الذين سكنوا بغداد منذ اواسط القرن الماضي اذا يتذكرون خياطة ارشاك في ساحة حافظ القاضي، فهذه السيدة تكون والدة المرحوم الخياط ارشاك.... الف رحمة على روحها وارواح الملايين الذين قتلوا غدرا وظلما اينما كانوا ومهما كانت جنسياتهم واديانهم...

 

وادناه مقال بحق المعمرة اراكسي للكاتب سعد سلوم

تجاوز عمرها المائة وخمسة أعوام، هذه اكبر معمرة ارمنية ما تزال ذاكرتها تتنفس قصصا محفورة على وجهها وبين ذراعيها.

"اراكسي بابازيان" كانت تبلغ الخامسة اثناء الإبادة التركية للأرمن، قطعت الف ميل في طريق التهجير القسري (أيار -أيلول ١٩١٥) مشيا على الأقدام، تساقط إفراد عائلتها بسبب المرض والجوع وغارات العصابات في طريق الموت فردا تلو اخر ، وصولا الى الصحراء السورية. كان الارمن يتبعون استراتيجية حاذقة للحفاظ على ما تبقى من نسلهم: يتركون فتى او فتاة تجاوز الثامنة مع الأطفال الذين يتم التخلي عنهم في الطريق للقبائل العربية، كانوا يزودونهم بأشجار النسب والذكريات لكي لا ينسى هؤلاء الأطفال عندما يكبرون أسماءهم الأرمنية ودينهم وتحدرهم الاثني، كان هؤلاء الأطفال الكبار مثل حافظات ذاكرة تلقى على طريق العذاب لترسم في ما بعد علامات صالحة للم الشمل بين الأحياء واستدعاء الذاكرة المفقودة.

التقط "اراكسي" رجل عربي ظنا منها انها ولد صغير يدعو للشفقة، وحين اكتشف انها ليست سوى طفلة صغيرة، تخلى عنها لعجوز فضلت تربيتها مع بناتها العربيات الأكبر سنا.

حملت اراكسي منذ الان اسم "فاطمة"، او "فطومة" كما تناديها أمها العربية. تعلمت فطوم تقنيات البدو في حلب الأبقار والطبخ وطريقة سرد الحكايات، حتى ان لهجتها اليوم لا تختلف عن لهجة احدى جداتنا في جنوب العراق.

وفي احد الأيام ارادت تقليد الفتيات الكبار فوشمت وجهها وذراعيها. اكتشفت أمها العربية ذلك فلطمتها على وجهها : كيف تجرؤين على تشويه وجهك، انت ارمنية ولست عربية لكي ترخرفين وجهك بهذه الرسوم؟

كانت أمها العربية تريد الحفاظ على عذرية وجهها ودينها وانتماءها لملتها. ورفضت تزويجها لأي عربي مسلم، قالت : يجب ان تتزوجي رجلا من ملتك، وهذا ما كان.

"فطوم" لا تستطيع بعد مرور قرن ان تنسى أمها العربية ولهجتها، تتناول تفاصيل حياتها بين العرب وكأنها حدثت البارحة، مفتخرة بوشومها،أصبحت هذه الوشوم واللهجة دلالة على هويتها المركبة. وحين تنظر الان الى صورها بين عائلتها المتكونة من ثمانين شخصا من الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد، لا تملك سوى التفكير بعدد الارمن الذين كانوا من الممكن ان يعيشوا بيننا او على حدودنا لو لم تحصل الابادة، ملايين لم يولودوا بسبب قرار سياسي لخلق هوية تركية متجانسة ، فالجريمة ما تزال مستمرة.

قصة "اراكسي"تثير فينا الشجون ايضا، اذ ان الجريمة ترتكب اليوم في عراقنا من اجل خلق هويات اثنوطائفية صافية، تفجيرات انتحارية، قتل عشوائي، تطهير عرقي وابادت، وتهجير قسري. طشر العراقيين في أنحاء العالم كما طشر الارمن من قبلهم قبل قرن من الزمن.

قصة "فطوم" تثير فينا ايضا رائحة حب وتعايش مفقود، لقد احتضن العرب الارمن بعد الابادة، وحفظوا نساءهم ومعتقدهم الديني من التحول، وعاشوا معهم كأخوة، كيف تحول كل ذلك وأصبح مجرد ماض لا يشير الى وجه الحاضر القبيح، نبيد بعضنا البعض ولا نتقبل الاخر الذي يسكن داخل حدود الجلد؟

اي لعنة حاقت بنا في زمن الكراهيات العميقة؟

 

حفظك الله يا "فطوم" وبارك زمنك وشعبك ورحلتك التي تختصر مفارقات زمننا الغريب.

 

 

سعد سلوم : بغداد

قضايا شعبنا

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.