قضايا شعبنا

سهل نينوى بلا سكانه: تناحر حزبي ومليشياوي يمنع العودة

 

بغداد ــ العربي الجديد

على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تحرير منطقة سهل نينوى، المعقل التاريخي والأكبر للعراقيين المسيحيين في محافظة نينوى بعد العاصمة بغداد، إلا أنّها لا تزال رهينة التجاذبات والتناحر الحزبي والسياسي والطائفي والفصائلي. إذ إنّ تحرير سهل نينوى من سيطرة تنظيم "داعش"، بعد خسارته لأبنائه من جراء جرائم التنظيم المروعة، أو نزوح السكان منه، لم يكن نقطة انطلاق نحو الأفضل، إنّما شهد قفز فصائل مسلحة في سبيل الاستيلاء عليه وعلى خيراته وأصوات ناخبيه، في الوقت نفسه الذي استمرت فيه حكومة إقليم كردستان بالمناورة في سبيل "اقتلاع" المنطقة من أيدي عناصر "الحشد الشعبي"، وتحديداً "الحشد الشبكي" الذي يسيطر عليها، من أجل ضمها إلى مناطق الإقليم. وقد انعكست نتائج هذه التجاذبات بشكل واضح أخيراً، ولا سيما خلال فترة الأعياد نهاية العام الماضي والتي تمثّل مناسبات دينية هامة للمسيحيين في تلك المنطقة، وهم شريحة من سكان السهل الأصليين. إذ بدت مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية معدومة، نظراً لعدم السماح بعودة المكوّن المسيحي الذي نزح بسبب العمليات العسكرية التي قادتها القوات العراقية ضدّ تنظيم "داعش".

 

وأعلن العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، تحرير سهل نينوى بالكامل من سيطرة "داعش"، بعد عمليات قادتها القوات الأمنية العراقية بمساندة طيران الجيش و"التحالف الدولي" ضمن عملية استعادة الموصل من قبضة التنظيم. وبعد كل ذلك، شهدت منطقة سهل نينوى التي يقطنها خليط من المسيحيين والأيزيديين والعرب، تطورات خطيرة، بعد استيلاء "حشد الشبك" عليها (وهم مكوّن بسيط بالمقارنة مع المسيحيين في نينوى)، بفضل ارتباطهم بهيئة "الحشد الشعبي" التي يقودها فالح الفياض، لتتحول المدينة إلى ساحة صراعات محلية ودولية.

 

وبعد أن كان المسيحيون في سهل نينوى، من الكلدان والسريان، ينتشرون في ثلاثة أقضية هي تلكيف، والشيخان، والحمدانية، ويبلغ عددهم نحو مليون ونصف المليون عراقي، بحسب الإحصاءات ما بين عامي 2003 و2014، انخفض هذا العدد بعد عام 2014 إلى أقل من 400 ألف، فيما لا توجد إحصائية رسمية لأعدادهم في عام 2019، لكنّ مسؤولين محليين قالوا لـ"العربي الجديد"، إنّ "أعداد المسيحيين في نينوى اليوم لم تعد تتعدى بضعة آلاف، بسبب الترحيل والتهجير والتخويف، الذي مارسه تنظيم داعش والفصائل المسلحة والحشد الشعبي".

 

في السياق، قال مسؤول محلي من سهل نينوى يدعى عامر متي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراعات داخل السهل لا تتمثّل بمناورات الحشد الشبكي وقوات البشمركة الكردية فقط، إنما هناك أيضاً إرادات خارجية تعمل في سبيل السيطرة على المنطقة الاستراتيجية. فإيران تسعى إلى بناء معسكر طائفي قوي يواجه مناطق الشمال ويسيطر على الموصل من خلال السهل، وأميركا تزعم حماية المكوّن المسيحي في المنطقة. إلا أنّ وجهتي النظر الخارجيتين تمثلان مأزقاً للأهالي". وتابع متي: "لذلك لم ترض غالبية المسيحيين الذين هجروا السهل بالعودة إليه بعد تحريره، وخصوصاً في ظلّ وضوح سيناريو الفصائل المسلحة التي تعمل على تحصين مصالحها في كل نينوى من خلال الاعتماد على موارد السهل".