رؤية كونية بعيون هيجل!// د. ادم عربي

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 28 آذار/مارس 2023 11:48

كتب بواسطة: د. ادم عربي

الزيارات: 895

د. ادم عربي

عرض صفحة الكاتب 

رؤية كونية بعيون هيجل!

د. ادم عربي

"ان الخوض في الفلسفة يشبه الدخول في نفق املا ان نرى الضوء."

كوننا الذي نعيش فيه في مستقبله البعيد جدا لن يكون الا كما كان عليه في ماضيه السحيق، وحسب منظوري الهيجيلي وفهمي لفلسفته واعتمد في ذلك على ان التغيير وكل تغيير حسب هيجل يحتفظ بما هو جوهري منه، وعليه فإن ثمة أشياء في ماضيه السحيق، سوف لن تٌعاد في مستقبله البعيد، وثمة أشياء في حاضره تستمر ولا تزول في مستقبله البعيد كونيا.

إن جدلية هيجل الثلاثية وهي "التركيب" Synthesis ، و"الأطروحة" Thesis، و"النقيض" Antithesis هي ما اعتمدُ عليها في دراسةِ الكون. في جدلية هيجل الفلسفية فإن مرحلة أو طور التركيب Synthesis ، هذا الطور والذي فيه وبه يُلغى التضاد ويُنفي ومن ثم يتغلب الكون فيه على طرفي الصراع او التضاد "الأطروحة" Thesis و"النقيض" Antithesis.

وحسب ما هو متداول علميا من نظريات واعني هنا نظرية الانفجار الاعظم، فإن الطور الاول او الاطروحة Thesis، هي النقطة عديمة الحجم لانهائية الكثافة وهي ما أٌصطلح على تسميتها علميا Singularity

ولتبديد الاوهام الميتافيزيقية في هذا الموضوع في ماهية ومفهوم النقطة Singularity ، فإنني اتحدث عن نقطة كونية حجمها من الضآلة بمكان يمكن أنْ يَعدِل حجماً يقل عن حجم الإلكترون بمليار مرَّة مثلاً، هذه النقطة تتركز فيها كل الكتلة الكونية على انني وبنفس الوقت لا اقول ان هذه النقطة هي نقطة منزوعة الزمان والمكان والفضاء.

هذا الطور والمتمثل بالنقطة وهو طور الاطروحة نُفيت جدلياً مع مراعاة ان النفي الجدلي لا يعني انهاء القديم والقضاء عليه قضاءً نهائيا، وانما يعني جدليا القضاء على القديم والاحتفاظ به بنفس الوقت، وبهذه العملية وبهذا النفي انتقل الكون كوننا وغيره من مرحلة الاطروحة وما اصطلح على تسميتها Thesis الى طور النقيض وما اصطلح على تسميته Antithesis.

في هذه المرحلة وهي مرحلة النقيض Antithesis اتخذ الكون الشكل الذي نعرف، كون مكون من نجوم مضيئة، مجرات وعناقيدها، والكتلة الداكنة او الجسم الاسود، والمادة المضادة وان كانت قليلة المقدار، والفضاء الذي يتسع ويزداد اتساع بفعل الثقوب السوداء.

فلسفيا وجدليا ونحن ما زلنا هيجيلين لا بد لهذا الكون في مستقبله البعيد من ان يدخل مرحلة او طور التركيب Synthesis والذي في هذا الطور وبه يُلغى ويُنفى التضاد، ويتغلب الكون على طرفي الصراع وهما الاطروحة والنقيض، في هذه المرحلة وهذا الطور اي الطور الثالث وهو التركيب، تُستعاد بعض الاشياء من جوهر الاطروحة وتُستبقى بعض الاشياء التي اشتمل عليها طور او مرحلة النقيض، والذي نُفي ولكن استبقي ما هو جوهري منه، ومن ثم نرى تكوينا او جمعا او تركيبا جدليا ولا اقصد المعنى الميكانيكي وانما الجدلي بين الطورين السابقين وهما "الأطروحة"و "النقيض".

في هذا الطور اي طور التركيب Synthesis يمكن لنا ان نتخيل الكون بناءا على الجدلية الفلسفية فيمكن ان نراه مكاناً فسيحاً مظلماً، فضاؤه مستمرٌ في التمدد، وفي هذا الفضاء تنتشر الثقوب السوداء، بشتى أنواعها وأشكالها وحجومها وكُتلها، وكانني احسبها كما في حبة القمح ان النقطة الواحدة Singularity تعددت كما يتعدد القمح في السنبلة.

النتيجة الحتمية لهكذا وضع هو ان كل مادة (كتلة وطاقة) اضعهما بين قوسين لا اينشتاين لم يميز بين المادة والطاقة بل بين الكتلة والطاقة، نعود للقول ان كل كتلة وطاقة في هذا الكون سيتم أسرها في بطون الثقوب السوداء، وبنفس الوقت سيلتهم كبيرها صغيرها، ليهمن العمالقة من الثقوب السوداء على ذاك الكون، مع استمرار التباعد والتمدد الفضائي بين تلك الثقوب السوداء، بسبب استمرار وتعاظم تمدد الفضاء.

لا بد في نهاية المطاف ان ينتج عن هكذا وضع ان كل ثقب اسود كبير وعملاق كونا قائم بحد ذاته، فالكون الواحد اصبح اكوانا، ولو امعنا النظر والتدقيق بعين الفيلسوف لهذا الطور وهو طور التركيب Synthesis لتبين لنا بعيون واضحة كيف جُمعت ودُمجت اشياء منها ما وجد في طور الاطروحة ومنها ما وجد في طور النقيض.

لقد قلنا بما سبق ان كل ثقب أسود عملاق وضخم تكون، ومنفصل فضائياً عن باقي الثقوب السوداء العملاقة كذلك الامر، كل واحد منها يمثل كوناً قائماً بذاته، مع تركيز الملاحظة انه يشبه كوننا في طوره الأول، طور النقطة Singularity.

هذا الثقب الأسود العملاق وغيره من الثقوب العملاقة يشرعون بالتبخر حسب نظرية اشعاع هوكينج، فتعود المادة العادية إلى الوجود، لتبدأ دورة حياة كون جديد.

• < السابق
• التالي >