اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أحافير في الحب– 64,, كالخديجة أجيء..// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

أحافير في الحب– 64,, كالخديجة أجيء..

الدكتور سمير محمد ايوب

 

وخريف العمركعادته، لا يُمْهِلُ ولا يمشي الهوينا، تتضارب في ذهني اسئلة مُلِحَّة شتى، أبرزها: هل ابقى بتفاصيلي الكثيفة ارشيفا محايدا وعدادا منحازا للزمن؟! وهل الزمن معي ام ضدي، وما هو سلاحي الأمضى فيه، أهو تراكم الصبر او التمني العاجز، ام ان هناك سبلا اخرى يا شيخي؟!

 

هذا ما بادرتني به زميلتي في مجلس النقابة، ونحن نغادر قاعة الاجتماعات في طريقنا الى مكتبها هناك، وما ان استقر بنا المقام، ومع اول فناجيل القهوة ، تابعت: في ظل واقعي واسئلته المتشققة، كنتُ وأنا استعيذ بالله من حياة بلا حب، اقاتل حَزَني لوحدي،  وبي رغبة مشروعة لا تَجاوُزَ فيها على أحد، رغبة ترى أني بحاجة لقلب يَسَعُ أسايَ وأحلاميَ المجهضة.

 

ولأن بعض الوحدة وكر ذئاب في ملابس خراف، قررت إعادة ارتداء الثوب الأبيض من جديد، في حضن على مقاسي تماما. وتماديت في نقش تفاصيل الفارسٍ الذي تمنيت أن يُلبِسُني إياه ، عَلَّ حقولي تُعاود الاخضرار من جديد، وعلّ َطيّات أيامي تبتسم تماما مثل ملامحي.

 

ولأكثر من سبب، أهمها فهمي أن الزمن هو الفارق بين الذكي والأحمق ، فما يدركه الذكي في الوقت المناسب لا يدركه الأحمق إلا بعد فوات الأوان، وضعت في اعتباري الوقوف عند فاصل زمني مهم، هو مرور ربع قرن على وفاة زوجي وبلوغي الخامسة والستين من عمري. وبعد أن اندلعت شرارة الرغبة، تلاشت تماما حيرتي القبيحة، إستردَّيت قراري وسيطرتي المباشرة على ظروفي وِفق تقديري أنا، فاسقطت من حساباتي الكثير من إشكاليات الآخرين، وعلى طريق الخروج مما أنا فيه من وحدة ظالمة، قررت مضاعفة انغماسي في مروحة من الأنشطة الطازجة المختلفة.

 

بالأمس كانت الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل زوجي والذكرى الخامسة والستين لميلادي، وأنا لا أدري هل أبكي ماضٍ لن تعود صياغاته أم أبتسم لمستقبل تلوح بعض تباشيره في الأفق؟!

 

مع عقدي السابع كنت قد قمت باسفار طويلة مع الحُزْنِ، وبِتُّ أحسّ أنني أفضل من أي وقتٍ مضى، لأنني أعرف من أنا وما الذي أريده وما أستطيع أن أعطيه وما الذي تعلمته. أشعر أنني واثقة من نفسي ولا أخشى الوحدة التي تحيق بي، وإن كنت لم أتحرر بعد من رهبتها ولا من مخاطرها.

 

جحظت عيناي دهشة واستغرابا مما اسمع، وصبري بدأ ينفذ، عاجلتها بسؤال: كل هذا جميل يا سيدتي، ولكن أين الحكاية فيه؟!

 

قالت مبتسمة، تمهل يا شيخي، فقبل عام جاء حلو الشمائل مندوبا عن وزارة الصحة ، ووقع معي كشركة تنفيذ عقد تجديد جناح في احد مستشفياتها، منذ أن ارْتَطَمتُ بِطلَّتِهِ ألِفَتْ عينايَ تفاصيل وسامته الخارجية، ومع تراكم يوميات العمل وتفاصيل الانجاز، كان قلبي يسارع في التقاط تضاريسه الداخلية الاكثر اناقة فيه وحنانا.

 

وقبل أيام، بعد حفل تسليم المشروع مُنجزا، دعاني إلى وليمة عشاء في مطعم أنيق على الحافة الغربية للعاصمة، ما أن جلسنا قبالة بعض هناك، تسلّلت أصابعه وأمسكت بأصابعي ورفع كفيَّ اليمنى وقبَّلها احتراما، وأنا أتمنى أن يعاود، وجدتُها فرصة لأقول له بلا تردد: قد لا يعنيك يا صديقي شيئا مما سأقوله لك الان، وقد لا تفهم مغزى جُرأَتي، أو قد تُسيء الظن بمقاصدي، ولكن من المؤلم أن تَشعر بِحاجَتك لبوحٍ، ولا تدري لمن تبوح وكيف، فمن اكثر الأشياء ارهاقا للنفس كتمان ما أنت بحاجة لقوله.

 

ولأني أعلم ان لا أحد سواي يُحِسُّ بألم حذائي وقد ضاق، احتراما لقلبي وعقلي حسمت ترددي، ووجدت لزاما على لساني أن يقول لك، علّك تُدرك مما سأقول شيئا، وابتسمت بأريحية قبل أن أتابع: لا اخفيك أني قد مللت التَّسكُّعَ فيَ زواريب الوحدة، وأنا التي يغريها منظر العشاق وهم يلوحون بشغف لبعضهم. ولكني قبل أن ألقاك كنت قد قطعت عهدا لقلبي، أن لا يدخله أحد إلا مُحْتلا.

 

 وهنا أجد لزاما عليّ أن أخبرك، بأنني وإن كنت لست من أنصار التماهل في البوح، إلا أنني لست أنثى تبحث عن جائزة ترضية هشة، ولا عن نصف آخر، فأنا لست نصفا لأحد، بل قبيلة نساء كاملة الأوصاف، قادرة على جعل شريكي طفلا وان بدا سيد قومه. لا تَعْجب فالأنثى وإن بدت خجولة، فان التمرد عند العناق يكسرها ويبعثرها، وهي قادرة على جعل المساحة بين ذراعي من لا يشبهه أحد، باتساع الكون كله.

 

لا أريدك ثريا أو شاعرا او متنفذا، مع أنك كل هذا قد تكون، أتمناك رجلا بقلبٍ وعقلٍ يُتقن مراقبة ملامحي ليطمئن على سعادتي، يفهم عينيَّ إذا ما شابهما حَزَن، فيشير لصدره وهو يقول هنا موطنك. أريدك حُضنا جميلا أنام فيه وأنا في قمة التعب، وكتِفا أجمل يتكئ عليه قلبي المُثقل بالهموم.

 

لأنك إنسان فَطِنٌ ثَقِفٌ، لن أُشتِّتَ انتباهك بهوامش عابرة، لذا أسارع فأقول: كلّمَــا نَظَــرْتُ إلـيْــك أجد نفسي قد أحْـسَنْـتُ الإخْتيـَـار، أنيق وأنت تكلمني عن حياتك الخاصة، نبيلٌ وأنت تشركني ببعض خصوصياتك. ولأن ما بي ليس حلم صيف، جئتك مباشرة وبي من الجرأة أكثر مما يسمح لي به عقلي، ولأني لا أريد أن أترك نفسي مبعثرة مشتتة دون عنوان، أتمنى ان أستبدل وسادتي بكتفك، وقبل أن أكمل يا شيخي تسللت اصابعه العشر وأمسكت بأصابعي، وهو يكرر على مسمعي وعيناه تومضان: أتقبلين بي زوجا يا الخديجه ؟! وقبل ظهر اليوم التالي، كرر في المحكمة الشرعية نفس السؤال، وهناك كررت موافقتي، واتفقنا وأنا أتأبط ذراعه اليسرى، على ان نُبقيَ حبنا خارج كل حساب.

 

وقد ألقت بكامل حمولتها من الحيرة، تنهدت مطولا قبل أن تشعل لنفسها

 

لفافة وتناولني أخرى وهي تقول: ما بال الصمت يحتلك يا شيخي؟ قل لي بربك أرأيت من هي أجنُّ مني وأكثر رعونة ؟!

 

قلت : يا إمرأة أشهد انها ليست من تلك الحمقاوات، اللواتي لا يدركن اهمية الزمن ويدفن رؤوسهن في رماله، لا شيء يدهشني من جرأتك، فالمرء عندما يتخلى عن تردده، لينسجم موضوعيا مع معطيات واقعه، نتوقع منه كل شيء جميل.

 

أدرك جمال تلك الأصابع وهي تخبرك بكل ما كان قلبك يتمناه. تلك لحظه تساوي كل ما قد مضى من العمر واكثر، لا يعرف سحر ذاك السؤال الا من كان بمثل حالتك من التميز والشغف الصادق. ومن ثم أقول: ان احكم النساء هي التي قبل ان ترسم احلاما تسعدها على جدار شخص ما، تتاكد من صلابة ذاك الجدار. لا تسأل مطولا عما جعلها تحبه، ففي كل شريك مزايا لا يراها الا مُحبٌّ صادق.

 

صحيح ان كلمة احبك تستغرف ثوانٍ لنطقها وساعات لشرحها، ولكن اثباتها يستغرق العمر كله. فالحب الحقيقي يا سيدتي كالقفز من مكان مرتفع، العقل يحذر وينهر والقلب يغوي ويشجع. السعاده وفق الخديجة ليست تمن أبكم او دعاء أصم أو تلقيح رعد بغيم، إنها انتقاء وقرار وإصرار. وأنت بإرادة حرة واعية، إنتقيت وفق أسباب، وقررت بوعي وتابعت التنفيذ بصبر فلا تقلقي، ولست بحاجة للتبرير والتفسير .

 

فقط انصحك بأن تخبئيه تحت وسادتك، بعيدا عن كل متواليات النق والخنق واجعلي بينكم واستفزازات سوء الظن سبعين عذرا. وأختمُ، بعيدا عن عناقيد الحساب والتدقيق والتحقيق والتضييق، وأبعد عن جنون الغيرة العابثة، أقول اعلمي ان العتاب في قانون الأوفياء مرتان فقط ، والثالثة رحيل يا سيدتي.

 

الاردن – 30/3/2023

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.