اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الشاعر الراحل حامد بدرخان من شعراء قصيدة النثر في سورية// حواس محمود

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حواس محمود

 

الشاعر الراحل حامد بدرخان من شعراء قصيدة النثر في سورية

حواس محمود

 

يعتبر الشاعر حامد بدرخان من الأصوات المهمة والبارزة في قصيدة النثر في سوريا إلى جانب شعراء آخرين لهم باع في هذا المجال؛ محمد الماغوط، رياض الصالح الحسين، بندر عبد الحميد، سليم بركات... إلخ.

 

ولد الشاعر حامد بدرخان عام 1924 في شيخ الحديد وهي قرية تابعة لمنطقة عفرين في سوريا، هاجرت عائلته في أواخر الثلاثينيات الى تركيا، وهناك مارس حياته الفعلية، إذ أكمل دراسته الجامعية في استتنبول، قسم الأدب التركي، ليعمل في جريدة "صباح الخير" في مدينة أضنة التركية، لكن بسبب انتمائه للحزب الشيوعي يتم إعتقاله، ليكون– فيما بعد- هذا الحدث، أهم محطة من حياته الانسانية ومسيرته الابداعية (الشعرية) ، إذ أنه تعرف على الشاعر الكبير ناظم حكمت، عابد دينو، ممدوح سليم، الا ان الظروف الاضطرارية من ملاحقات واعتقالات ، جعلته يستطيع الفرار من تركيا والعودة الى سوريا (1) 

 

يقول عنه الشاعر الكردي السوري لقمان محمود " الشاعر الكوردي حامد بدرخان، الذي أسس لخطاب شعري متبادل للمضامين الانسانية، كوسيلةٍ لإخضاع اللامرئي للمرئي. حيث حقق - هذا الشاعر- القيم الملموسة في مقاصدها الدلالية والتعبيرية، وفق صياغة المفهومات المحددة للحقيقة الشعرية " . (2)

 

للشاعر ديوانان مطبوعان هما: على دروب آسيا، وليلة هجران.

من خلال هذين الديوانين يطل الشاعر من أرضية قصيدة النثر إلى فضاء وحقول العالم الخارجي بأفق معبأ برائحة المعاناة وطين العذاب، وعطر الإنسانية، ويرتحل في عوالم الكون الرحبة بكل شفافية وعذوبة، يتوغل في كل ما هو شريف ونبيل وسامي، قلبه مضمخ بحب الوجود وحب الحياة وحب الديمومة البشرية الخالية من الزيف والابتذال، تتخمر القصائد في ذاكرته المبدعة فتخرج لوحات جميلة من ألق الروح وصدق القلب وعافية العقل.

 

في ديوانه «على دروب آسيا» نقرأ مقطعاً من قصيدة «أفتش عن قاتل لوركا»:

«واستيقظت باكراً

حصدت الشعير والعدس

والقمح

وبأصابعي الشاعرية

قطفت القطن

قلعت الجلبان

وفتشت عن قاتل لوركا» ص82

 

يمتزج الهم الخاص بالهم العام ويرتبط الجزء بالكل في رحلة دائرية محيطها عالم حامد بدرخان الشعري، وهو يتمركز في عمق الدائرة التي تحمل تناقضات الواقع الاجتماعي المحيط وهموم وأحداث ووقائع الأمور في العالم والكون من حوله.

في مقطع آخر من القصيدة نفسها يقول:

«وبدأت الرحيل

من بابه العريض

إلى أغوار التاريخ

كنت أنكيدو

بنيت برج بابل» ص80

 

إنها الرحلة التاريخية والجغرافية المطبوعة بالطابع الإنساني الشامل، يدور في فلكها الشاعر وهو موجود في داخلها وأعماقها، يعايشها ويتألم لشقاء الكادحين، ويفرح لانتصاراتهم، وذلك كله في نسيج لغوي تمتزج فيه الشاعرية مع عمق الفكرة وجماليتها يقول في قصيدة «ربيع آسيوي»:

«لن يضللنا وميض البرق المفاجئ

إني موقن خلاصنا لن يأتي من الفراغ

ومن البطولات والأعناق المطوقة

بالسلاسل الذهبية

من سارقي خبز الفقراء» ص42.

 

يلمس القارئ ذلك الإيمان الراسخ بلا جدوى المظاهر البراقة والأمجاد الأسطورية البعيدة عن الواقع الاجتماعي وتناقضاته، إن ديوان الشاعر هذا «على دروب آسيا» وبحق تلخيص لمرارة الحياة في هذه المنطقة، وانعكاس لإخفاقات الشعوب في نشدانها للحرية والتوق باللحاق بركب الحضارة العالمية، إنه ديوان يحفر في عمق السيرورة البشرية على منطقة حساسة من العالم مليئة بالبطولات والانتصارات والإخفاقات والهزائم، ومليئة أيضاً بالخصوبة والعفوية والعذوبة، لغة الشاعر لغة جميلة بسيطة تعبر عن طهر المشاعر ودفء العواطف وصدق التوجع وحيوية الفكر.

 

ليلة هجران:

في ديوانه الثاني «ليلة هجران» يستمر الشاعر في رحلته الشعرية، في سفر غير ممل، وفي توغل دائب لمكنونات التاريخ وملامسة لطيفة لسطح الجغرافيا مستخدماً أسماء تاريخية ومعالم طبيعية وحياتية، وهو في رحلته هذه لا يريد إلا أن يكون ذلك الشاعر الذي يبدع ببساطة مفهومة نسبياً من القارئ، ينجح الشاعر في تقديم فكرة قصيدته للقارئ على الرغم من ولوجه في رموز ووقائع قديمة وحديثة متفرقة ومتنوعة، وذلك بحفاظه على الصفة النوعية المميزة لمضمون القصيدة:

«أنا آت إليك

من أساطير الشرق القديمة

من «درويش العبدي»

ومن الوادي الحزين

المروي بالدماء

في جبال «سيبان»

في صوتي أنين «سيامند»

وقلبي ممزق مثل أطفال الخليل وصفد

ونساء بيت لحم»

 

إنها سيمفونية آسيا العذبة، الشاعر يلملم هموم شعوب الشرق ويجسدها قطعة شعرية شفافة تلامس نبض المتألم قهراً من سطوة التاريخ وخيانة الجغرافيا، وفي تعبير صادق عن ألم الشاعر بقصيدته التي تخرج بعد مخاض طويل من التوق الممزوج بعذوبة الاحتفاء بمولد الشعر، يؤكد الشاعر معاناته المريرة، ونزفه الدائم مع القصيدة ويعتبرها نزيفاً ممزوجاً بدمه:

«ليست «ماجينو» أو «سنيفريد»

قصائدنا

ليس جبالاً من الإسمنت المسلح

من دمنا هي

من صدورنا

أطفال هي قصائدنا سوف تكبر»

 

والشاعر متعلق بديمومة الحياة إلى حد كبير، يكره الحزن بالرغم من أنه حزين، ويحاول أن يبعد أجواء الحزن والتشاؤم من سمائه، وينشد التفاؤل والفرح بكل اندفاع، وبحيوية ورباطة جأش:

«ما هذه الطيور الكوالح

فوق سماء وطني

ولماذا السواد

وهل يمكن لظلمة المساء

أن تنحر الحياة»

 

حامد بدرخان... مفعم بالشعر... مفعم بالحياة، ومعبأ بجبال من المعاناة، وأنهار من الخصوبة وأكوام من التفجر، عالمه عالم غريب عجيب، يحب العزلة والوحدانية، يحب المرأة حباً جماً يصل إلى درجة القداسة، إبداعه ليس مستمراً، تجده في فترة من الفترات غزيراً في إنتاجه، ولكنك تجده في فترة أخرى وقد نضب إبداعه، ولعل أن يكون السبب في ذلك هو مرضه الذي عانى منه طويلاً وأدى في النهاية إلى وفاته في 29 أبريل 1996م.

 

إن حامد بدرخان وبحق لا يقل شاعرية عن ناظم حكمت وبابلو نيرودا وبول إيلوار ومحمود درويش، ومشكلته أنه متقطع الإنتاج ومهمل لمسألة التواجد في ساحات الثقافة كالأمسيات الأدبية والمناقشات والندوات، وحتى النشر فهو مقل فيه، لا ينشر إلا قليلاً وكان رأيه فيما مضى ألا يطبع أي ديوان من ديوانيه الاثنين، ولكنه عدل عن هذه الفكرة في اللحظة الأخيرة لتأكده من أن الشاعر نفسه عليه أن يقوم بتقديم قصائده في دواوين لدور النشر، لا أن يترك نشرها- بعد أن يرحل - للزمن والأصدقاء.

 

وأخيراً يمكن القول بأن حامد بدرخان قامة من قامات الشعر العالمية، ومن الأهمية بمكان دراسة شعره لأنه يعتبر مدرسة في قصيدة النثر، وهو بارع في عملية «التكنيك الشعري» وإخراج القصيدة متكاملة فكرياً وجمالياً، مضموناً وشكلاً، قصائده مضمخة بقيم إنسانية نبيلة، نحن أحوج ما نكون إلى إستشفافها وإرتشافها للاغتسال في طهر المعاني وصدق العواطف ونبل المشاعر .

......................................................................

الهوامش : 

(1) ، (2) : لقمان محمود "الشاعر الكردي حامد بدرخان ( 1924 – 1996) الذي نكاد ننساه" جريدة التآخي ،  2012/1/4

.....................................................................

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.