أوراق الخريف- رواية: الفصل السابع// د. آدم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 12 أيار 2024 20:46
- كتب بواسطة: د. آدم عربي
- الزيارات: 1956
د. آدم عربي
أوراق الخريف- رواية: الفصل السابع
د. آدم عربي
في محاولة لاستكشاف أغوار الذات والوجود، كان أحمد يجوب بين طيات الحيرة، يسبر أغوار السؤال الأزلي: “ما الذي يحدث لي؟” كانت رحلته في البحث عن الإجابات تأخذه إلى عوالم متعددة من المعرفة، يقلّب الصفحات بنهم، يتلهف للكشف عن الأسرار المدفونة بين السطور.
بدأ أحمد رحلته في عالم الكتب، يقرأ من كل فن ومضمار، يتنقل بين العلوم والآداب، الفلسفة والتاريخ، وكأنه يبحث عن مفتاح خفي يفتح به أقفال الغموض التي تحيط به. ومع مرور الوقت، استقر به المقام على شرفات الروايات، حيث القصص تحاكي الواقع، والشخصيات تنبض بالحياة، والأحداث تسرد بلغة تخاطب الروح.
وفي أثناء غوصه في بحر الروايات، لفت نظر أحمد مقطع بارع الصياغة، محمل بالدلالات والرموز، وقف عنده طويلاً، يتأمله، يحلله، وكأنه وجد ضالته المنشودة. كان المقطع بمثابة مدخل لعالم جديد، يفتح أمامه أبواب الفهم والإدراك، وكأنه يقول له: “ها هو العالم يكشف لك عن وجهه الآخر، فتعال واستكشفه”.
يقول الكاتب:
أمات أخي الآخر نفسه مثل كثبان الصحراء المحترقة تحت الشمس، دخلت الشمس في رأسه يوم كان طفلاً ينتظر الملك على رصيف جهنم لاستقبالٍ دامَ ساعاتٍ طويلة كلفته العذاب مدى سني حياته. "ضربة شمس" كما كنا نقول. فتحوا رأسه ليرسموا على جمجمته الجزيرة البريطانية وأرخبيلات الشمال، ليبعثوا حركة الموت التي بدأت في ذراعه وانتهت بذراعه. لم يصبها الشلل ذراعه، كانت ذراعه ترقص بكتفه على إيقاع موسيقى الحياة. وبعد ذلك مع الحياة أدركنا كلنا أن الشمس في رأسه ولدت ابنًا اسمه السرطان ما عدا زوجته من الجهل لا من التفاؤل كانت واثقة من الخطأ، فطلقها من الغضب، كان واثقًا من الصواب، قبل أن يميت نفسه تحديًا لنفسه، فلا تقول الشياطين المعاقة عنه "استسلم للمرض". كان بلدًا صغيرًا يتحدى قارة كبيرة ومجنونًا أسود من مجانين الصومال. في المنجرة الحديثة، نشر ذراعه بالمنشار الكهربائيّ، ثم ألقى بجسده بين الأسنان المفترسة، والمنشار الكهربائي يقهقه في برلين، وقهقهاته تُسمع من اسطنبول.
في مقهى بيروت من الشارع المزدحم بسوقه الرائجة، كنت على موعد مع آينشتاين صديقتي الأمريكية. كانت القاعة مفتوحة على الرصيف، والرواد كثيرين، يشربون القهوة مع قطعة بقلاوة، وأنا كذلك. نقلت قطعة البقلاوة بأصابعي، وقضمتها، فذاب تحت لساني ملح البحر.
- تأخرت عليك، قالت لي امرأة ملتفة بالنقاب انتصبت فجأة أمامي، أنا آينشتاين، أضافت أمام حيرتي وهي تجلس.
- آينشتاين هذه أنت؟! تلعثمتُ وأنا أبلع حلواي المالحة بصعوبة.
- لم أقل لك على الهاتف كي لا أصدمك.
- منذ متى؟
- منذ آخر زيارة لك للندن.
- أنا لن أستطيع إنهاء قطعة البقلاوة اللذيذة التي سكرها مالح.
- هل تسألني لماذا؟
- لأن في رأسك مسًا.
- تمامًا، في رأس مس، جميل أن يكون في رأسي مس كشاعرة.
- ليس هكذا، الشعر ليس هكذا.
- أوقفتني امرأة ترتدي النقاب في بيكاديللي ، وقالت لي كنت أرتدي الفساتين القصيرة التي تبين نصف فخذيّ مثلك وأكشف عن صدري حتى منبته، كنت مومسًا أقف في زاوية غير بعيد من هنا.
- أنتِ لست مومسًا.
- بعد أن أفرغت قنينة ويسكي بأكملها اتخذت قراري.
غرفة آينشتاين الكولوكيشن كانت تقع بين الطابق الأرضي والطابق التحت الأرضي، أقول غرفة بينما هي زنزانة، لكن ما يغري فيها السطح الذي خرجنا نجلس حول طاولة عليه من النافذة.
- لا تخلعي نقابك، قلت لآنشتاين.
- ومن قال لك إني سأخلعه، أنت غريب عني، أجابت آينشتاين.
- أنا هنا كي أعلمك كيف تكتبين القصائد.
- وما علاقة كتابة القصائد بنقابي؟
- اتركيني أنا أخلعه.
- لماذا؟! لا تنس أننا أصدقاء، فقط أصدقاء، لم نمارس...
- لا لا لا ليس هذا.
- ماذا بالله عليك ماذا؟
- إذا كنتِ بمثل هذا العمى وأنت تتنزهين بين آياتك أنت لن تفهمي.
- آياتي إلهامي.
- في الواقع أنا أريد أن أكتبك.
- أن تكتبني؟!
- أنا أريد أن أخلع نقابك فثيابك قطعة قطعة، هل تفهمين؟ أنا أريد أن أخلق منك القصيدة التي تبحثين عن كتابتها ولا تجدينها.
في الصيف أمطرت نيويورك على ثديي آينشتاين، في الشتاء أشرقت باريس في ظل ردفيها، في الخريف أورقت لندن بالذهب من أذنيها وكتفيها، في الربيع جاءها العشاق من جميع أنحاء العالم.
- سأطبشرك آينشتاين، قلت لها، فلا تقلقي.
- لماذا؟ سألت الشاعرة.
- مسودة قصيدة.
- وبعد ذلك؟
- سأشحبرك.
- مسودة قصيدة كذلك؟
- مسودة قصيدة.
- الآن سأصبغك بكل الألوان والمعاني.
- أوه! هل أنا جميلة إلى هذه الدرجة؟
- نعم أنت جميلة إلى هذه الدرجة بألوانك ومعانيك في كل مكان في لندن في أحيائها الفقيرة وفي أحيائها الغنية.
- وفي نيويورك؟
- وفي نيويورك، وفي مدن أمريكا كلها. لكن... بيضاء لا، سوداء لا.
- وعندما أضع النقاب؟
- تغطين جمالك.
- أنا لن أسير في الشوارع عارية لجمالي.
- قصيدتك بلى، شعرك نعم، ينتقل بين الناس، ويبقى في العقول إلى الأبد.
وأنا أتمشى في شارع الهاي كينسينجتون ستريت كانت بعض النساء المحجبات ينظرن إليّ ويبتسمن وبدوري كنت أنظر إليهن وأبتسم، وأتساءل لماذا أساطيل المارينز لا تبحر في شوارع لندن؟ أين هم الجنرالات الذين لا يقرأون القصائد؟
في البب ذي هاند آند روز، طلبتُ كأس بيرة، وطلبت آينشتاين عصير برتقال.
- أريدكَ أن تقرأ قصائدي الجديدة.
- أرِنِي.
- كتبتها دفعة واحدة في ليلة واحدة.
- ..........
- هل أعجبتك؟
- أنتِ نسيتِ شيئًا لتكتبي قصائد جميلة.
- ما هو؟
- عامل الزمن.
- ............
- ابن الشمس في الرأس الذي يتحول إلى سرطان.
يتبع في الفصل الثامن.......
المتواجون الان
565 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع