أوراق الخريف!- رواية: الفصل الثاني والعشرون// د. آدم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 01 آب/أغسطس 2024 19:35
- كتب بواسطة: د. آدم عربي
- الزيارات: 1335
د. آدم عربي
أوراق الخريف!- رواية: الفصل الثاني والعشرون
د. آدم عربي
في صباح يومٍ غائم، استيقظ دينيس ليجد نفسه مستلقياً في فراشه بعد ليلة أخرى مضطربة. كانت الغرفة هادئة إلا من همسات الماضي التي لم تتركه. يتعافى ببطء من إدمانه القمار، مستجمعاً قواه ليواجه يومه الجديد. لقد قطع شوطاً طويلاً منذ قراره المصيري بالتخلي عن عالم الرهانات والخسائر.
عاد دينيس إلى العمل في الشركة التي ترأسها جينا، المرأة الصارمة التي لا تقبل إلا بالتميّز. كانت تتذكر جيداً كيف كان دينيس، المندوب النشيط والمتحمس الذي لا يكلّ ولا يملّ، يحقق أعلى المبيعات ويحصد الجوائز عاماً بعد عام. لقد كان فخر الشركة، رمز التفاني والإبداع.
لكن الأمور تغيرت. دينيس الآن ليس كما كان. تحولت طاقته الحماسية إلى كسَل مُزمن، واكتفى بما ينتجه دون أي رغبة في التميز أو التفوق. كانت عيناه الزجاجيتان تعكسان روحاً انهكتها المعارك الداخلية، وروحاً لم تعد تجد في العمل ملاذاً أو تحدياً.
جينا لم تكن مرتاحة لهذا التغيير. كانت تراقبه بصمت، تتابع أرقام المبيعات التي كانت تتهاوى مع تراجع أداء دينيس. الشركة كانت تعتمد بشكل كبير على نجاحاته السابقة، وكل جائزة أفضل مندوب مبيعات حصل عليها كانت دليل على ذلك. كانت تشعر بثقل المسؤولية وهي ترى الركيزة الأساسية لفريقها تتداعى ببطء.
في أحد الأيام، قررت جينا أن تواجه دينيس. دعته إلى مكتبها وأغلقت الباب خلفه. نظرت إليه بعينين حادتين وقالت بهدوء: "دينيس، ما الذي حدث لك؟". كان صمت الغرفة ثقيلاً، ولم يرد سوى صوت الساعة وهو يتكّ.
نظر دينيس إلى الأرض، محاولاً جمع كلماته، ولكنه لم يستطع. فقط شعر بيد جينا توضع بلطف على كتفه، وبصوتها يهمس: "أنا هنا لمساعدتك، لكن عليك أن تجد شغفك من جديد".
نظر دينيس إلى جينا بعينين مُرهقتين وقال: "أنا أعمل بكل طاقتي، كما كنت دائماً". كانت نبرته هادئة لكنها تحمل في طياتها الكثير من الألم.
جينا لم تكن مقتنعة، فابتسمت بسخرية خفيفة وقالت: "مبيعاتك الآن عادية كغيرك من المندوبين. أين تميزك الذي كنا نعتمد عليه؟".
سكت دينيس ولم يجيب. كان يعلم أن كلماتها تحمل حقيقة مؤلمة، لكنه لم يكن قادراً على تفسير حالته لها.
اقتربت جينا منه بخطوات واثقة وقالت بجدية: "إن بقي الحال كما هو عليه، لن نحصل على الجائزة هذا العام، ولن تحصل أنت على مكافأتك كأفضل مندوب مبيعات".
ظل دينيس صامتاً، وكانت عيناه تهربان من نظرات جينا الحادة.
تنهدت جينا بعمق، محاولة كسر الصمت الثقيل وقالت: "لم يبقَ إلا ستة أشهر، يا دينيس، للاجتماع السنوي للشركة. آمل أن تكون جديراً بالصدارة والجائزة كما كنت دائماً".
رفع دينيس رأسه أخيراً، ونظر إليها بعينين تملؤهما الحيرة والحزن، وقال بهدوء: "سأحاول...".
كانت كلماته تحمل وعداً مبطناً بالأمل والخوف. جينا لم تكن تعرف إذا كان سيستعيد شغفه السابق، لكنها كانت تعلم أن المحاولة كانت البداية التي يحتاجها. خرجت من المكتب تاركةً دينيس ليواجه تحدياته الداخلية، آملةً أن يعود ذلك الرجل الذي كان يضيء سماء الشركة بنجاحاته الباهرة.
في مساء هادئ، كانت جينا تجلس في مكتبها تعيد ترتيب أوراقها ببطء، ولكن ذهنها كان منشغلاً تماماً بدينيس. رفعت سماعة الهاتف واتصلت بأحمد، الذي تثق به كثيراً.
"أحمد، أحتاج إلى أن أتحدث معك عن دينيس. أشعر بالقلق تجاهه"، قالت جينا بنبرة ملؤها الحزن.
أجاب أحمد بصوت مطمئن: "أعلم، وتوقعت ذلك منذ زمن. دينيس فقد الدافعية للعمل. كان سابقاً يعمل من أجل توفير المال الذي كان دائماً بحاجة إليه من أجل لعب القمار. الآن، هو مكتفي بما يحصل عليه".
تنهدت جينا وقالت بسخرية: "وهل يجب علينا تعيين مدمني المخدرات والقمار كي نحصل على أفضل مندوبي مبيعات؟".
ضحك أحمد بصوت عالٍ وقال: "يبدو كذلك".
ابتسمت جينا للحظة، ولكنها سرعان ما استعادت جديتها وقالت: "هذا العام لن تتميز مبيعاتنا، وستكون مثل غيرها من الفروع. ماذا أفعل يا أحمد؟".
تنهد أحمد وأجاب: "اسمعي يا جينا، أريد أن أنصحك نصيحة".
قالت جينا بشغف: "قل يا أحمد، أنا أصغي لك وأثق برأيك".
أجاب أحمد بحماس: "الحل بالمهاجرين".
تسائلت جينا بفضول: "ماذا تقصد يا أحمد؟".
تابع أحمد: "المهاجر يملك أربعة أضعاف نشاط غير المهاجر. فقد ترك بلده أملاً في تحسين وضعه المالي، ويقتل نفسه من أجل مزيد من الدخل".
فكرت جينا للحظة وسألت: "وماذا أفعل في دينيس؟".
أجاب أحمد بسرعة: "دعيه يعمل معك في الشركة ودعيه يدرب قادم جديد على العمل مندوب مبيعات".
شعرت جينا ببعض الأمل وسألت: "لكن كيف أجد مهاجراً جديداً يا أحمد؟".
أجاب أحمد بثقة: "تضعين إعلاناً في مراكز قدوم المهاجرين، وتقابلين مجموعة منهم وتختارين أفضلهم لغة وطموحًا".
أغلقت جينا الهاتف وهي تشعر بنوع من التفاؤل. كانت تعرف أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكن مع بعض التغييرات الذكية والإصرار، يمكنها إعادة الشركة إلى مسار النجاح. كانت تعرف أيضاً أن دينيس لا يزال لديه الكثير ليقدمه، وأنه يمكن أن يجد الشغف من جديد من خلال مساعدة الآخرين على النجاح.
وترحب به ويبدا المقابلة .....
في اليوم التالي، وبينما كانت جينا منهمكة في أوراقها، رن هاتفها. كان أحمد على الخط، صوته يحمل نبرة من الحماس.
"جينا، لقد وجدت شاباً طموحاً. يعمل حالياً في شركة نظافة، ولكنه دائم البحث عن عمل أفضل. يحمل مؤهل تسويق من بلده الأصلي"، قال أحمد.
ابتسمت جينا وقالت: "هذا عظيم يا أحمد. أعطني اسمه ودعه يأتِ لمقابلتي غداً".
ضحك أحمد وقال: "من غير إعلان يا جينا؟ هاها".
ضحكت جينا أيضًا وأجابت: "نعم، من غير إعلان يا أحمد".
سألت جينا: "ما اسم الشاب، يا أحمد؟".
أجاب أحمد بسرعة: "نادر".
قالت جينا بحماس: "دعه يحضر غداً".
في صباح اليوم التالي، وصل نادر إلى الشركة، يسأل عن مكتب جينا. كان يحمل في عينيه بريق الأمل والتفاؤل. استقبلته مديرة مكتب جينا بابتسامة ودية وأخذته إلى المكتب.
دخل نادر المكتب، حيث كانت جينا تنتظره. قامت من مكانها ورحبت به بحرارة. "مرحباً، نادر. تفضل بالجلوس"، قالت بابتسامة لطيفة.
جلس نادر وشعر ببعض الارتياح من استقبالها الودي. بدأت المقابلة بأسئلة حول خبراته السابقة وأهدافه المستقبلية، وكانت جينا تستمع بإمعان لكل كلمة يقولها. شعرت بصدق طموحه ورغبته في تحقيق النجاح.
"أخبرني يا نادر، لماذا ترغب في العمل معنا؟"، سألت جينا بنبرة مشجعة.
أجاب نادر بثقة: "أبحث عن فرصة لتحقيق ذاتي وتطوير مهاراتي. لديّ طموح كبير وأؤمن بأنني أستطيع تحقيق الكثير إذا ما أتيحت لي الفرصة المناسبة".
ابتسمت جينا وقالت: "نحن نبحث عن أشخاص مثلك يا نادر. لدينا تحديات كبيرة ولكنني أرى فيك الشخص الذي يمكن أن يساعدنا في التغلب عليها".
بعد انتهاء المقابلة، شعرت جينا بارتياح كبير. كانت تعرف أن نادر يحمل في داخله الشغف والإصرار اللذين تحتاجهما الشركة. اتفقت معه على بدء التدريب تحت إشراف دينيس، على أمل أن يكون هذا التعاون نقطة تحول للشركة ولهم جميعاً.
يتبع في الفصل الثالث والعشرون.....
المتواجون الان
363 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع