أسراب الحمائم تنتظرُ خارطة الزمن// كريم إينا
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 16 آذار/مارس 2025 21:51
- كتب بواسطة: كريم إينا
- الزيارات: 614
كريم إينا
أسراب الحمائم تنتظرُ خارطة الزمن...
نقد: كريم إينا
صدرت مجموعة شعرية للشاعر والقاص بطرس نباتي بعنوان: "أنا وأسرابُ الحمائم" باللغة العربية طبعت المجموعة في دار تموز في دمشق سنة 2014. أهداها إلى الأعزاء.... روزالين، رونان ويوهان/ لوكاس، أديلا، الكتاب من القطع المتوسط ضمّ ثلاث عشرة قصيدة يقع الكتاب في (92) صفحة تصميم غلاف المجموعة أمينة صلاح الدين، تبدأ ذائقة الشاعر بطرس نباتي في: منذُ فجر الأزمان ص7 آملاً من حبيبته أن لا تحرمه من القبلة الأولى كي يبقى في لجّة نعيم الجنان تراهُ يخيطُ من ضياء النجوم ألواناً لفجره المنشود يتصور حبيبته في كلّ الأماكن/ اللوحات، جدران الكهوف، أمام هياكل الآلهة القديمة ليخرج منها لحن قيثارة سومر، يطعّمُ ذائقة شعره بضفاف دجلة الخير كالجواهري الذي سبقهُ في أديم الكلمات فتراهُ ينسج ثم يخطفُ قلائد الشعر من المجرات، يظهر السجع عند تصوفه بكلمة ولهان وأجمل الحسان. لحد وصوله على ضفاف الفرات، شبّه نفسهُ بكلكامش وأنكيدو يصارع الوحش خمبابا العنيد يظلّ لحد ص15 يسترسل ليصل ضفة الأمان، يثبت الشاعر جدوى رحلته من مدينة أوروك وهو لا زال يعلّمُ بنات أوروك الرقص والغناء وهو يضع الزمكانية في عنق الزجاجة ليخرج منها الخوف والذعر كالليالي الخوالي عبر النجوم والقمر. في ص20 يقول: وعندما لم يرى لاعشاً/ ولا أغصان/ لم أداة جزم فتصبح ير تحذف الألف المقصورة. يظهر ملك الطوفان أوتنا بشتم وهو ينشر رموزهُ في جهات العالم الأربعة، لا زال الكون يغطي نفسهُ بوشاح بلوري ونتف ثلجية بعدها يغتسلُ بمياه الكهاريز حيث يقول: يسوحُ في ثنايا قرية/ تقبعُ بصمت في زاوية ضيقة/ على خارطة البلدات المنسية/ يصورُ بقصائده مدينة عنكاوا الجميلة وهي تخرخرُ بمياهها المعدنية من ينابيع الكهاريز. لقد صدق حدس الشاعر بقوله: تغفو على مواء القطط وتستقبلُ صباحاتها بصياح الديكة. يوظف في شعره ذكرى حكايات فرج الله القهار من رواية القاص المرحوم سعدي المالح، أيضاً في ص29 تظهر كلمة ولم تخشى الأصح تخش مسبوقة بأداة جزم. وفي ص26 تقع ذاكرة الشاعر نحو أوراق قديمة مستذكراً سركون بولص حامل الفانوس في وسط الذئاب وأسمال جان دمو وحكم أحيقار. أمّا في ص 38 مرّ على ملائكة بغديدا وهم يطوفون حولنا بلا أكفان حيث يقول:/ بدأ العد التنازلي لدقات قلب مريم من عشرة إلى النهاية/ وتاه العاشقان في لجّة الدقات والأرقام/ وتصاعدت النيران/ والدخان ملأ المكان/. أمّا في ص45 تظهر قصيدة بعنوان: من أقوال أحيقار في زمن العشق يحددُ فيها مهارتهُ اللغوية حول فكرته وظروف كتابة القصيدة والأسباب التي دفعتهُ للكتابة حيث يقول: لولا العشق يا ولدي/ لما نزلت عشتار إلى العالم السفلي/ لما إجتاحت ذلك العالم الرهيب/ لتنقذ حبيبها دموزي/ من براثن لايريش كيكال/ ولما تقررت المصائر والأقدار/ بعد تحليل الكلمات الصعبة وصلت إلى معانيها ومن ثمّ الوصول إلى الصور الفنية التي إستخدمها بسلاسة، فهو يوصل فكرتهُ بأسلوب بلاغي مبسط سواء كان حزيناً أو غاضباً لا توجد تناقضات في قصائده. لقد نجح الشاعر في إيصال المعنى المطلوب للمتلقي. أمّا في ص52 تظهر قصيدة فوق رمال البلطيق يقول: أتلك عارية الصدر/ تطفو كسعفة هائجة فوق البلطيق/ تلك الباسقة الساقين/ كأغصان النخيل في بلادي/. لا زال الشاعر يتنبأ ويوقظ الجميع على شاطىء دجلة وهو يفرشُ الموت بألف جناح، في كل منعطف طريق يكمنُ لص أو قاتل أو سفاح وكأنّهُ يرمز إلى زماننا هذا الذي يكوينا بجمراته. لا زال الشاعر في هزيعه الأخير ينزلُ الرعد بعربة الضياء كي يعبر غابات الأرز لقتل الوحش خمبابا حسب ما ورد في نص ملحمة كلكامش الأسطورية. وما نرى في رمال البلطيق سوى الأمواج تتلاطم مع بعضها البعض لتضؤب على شعرها الأصفر الطفولي، ربّما تكون حورية أو يشبهها بالحياة الأزلية يقول: وسيقانهم العارية تتحدى السماء، أي ما زالت الخطيئة تلبسُ وجه الأرض لا تخافُ من ربّ السماوات، لقد مزج الشاعر بصوره حادثة ضرب باصات طلبة بغديدا عند عودتهم من الجامعة إلى بغديدا، وأخذ رمز مريم العفّة التي تقاسم الظلام جسدها بثقوب الرصاص ويؤكدُ بقوله: بأنّ منذُ بدأ التاريخ ما زالت الجراح لا تندمل تبحث عن دواء، قارن بين مريم العذراء ومريم الإنسانة تلك الطالبة التي تناولت كراساتها ودفاتر ذكرياتها، وعند صعودها الباص تخرّق ثوبها الأبيض وتاهت عن حبيبها ليس بينهما سوى خيط مرئي رفيع يحتضنهما بقوة فتتسارع نبضات قلبيهما، وعندما تصعدُ الدخان بيد دافئة الكل يهمس ولكن همسة مريم تختلف عن الأخريات في جعبتها حكايات وقصص مضى عليها الدهر وشرب، تراهُ لا يأبه بالأحاسيس الموحشة بل يمدّ يدهُ نحو الأبدية، وما زالت الأرواح تطوفُ حولنا بلا أكفان، أمّا قصيدة أنا وأسرابُ الحمائم في ص64 التي جعلها عنواناً لمجموعته الشعرية وهو يقول:تطلعتُ نحو العلا/ لم أرَ غير الظلام/ ولكنّي رأيتُ أسراب/ من حمامات بيضاء/ تحطّ حولي.../ تحيطني.. /ترفرفُ بأجنحتها /تظهر كلمة المشئوم في ص76 الهمزة على الكرسي مثلما يكتبها المصريون ولكن في لغة بلاد الرافدين (العراق) تكتب المشؤوم بتكرار الواو. وفي ص82 من قصيدة في البدء كان الطوفان يقول: أرضعتني أمّي اللبن / بزجاج مكسور/ لا زلتُ أضغطُ بشظاياهُ /منذُ عصور /يحملُ الشاعر نفحة من نغمات الشاعر المرحوم نزار قباني. هي محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح، تظهر قصائد أخرى مثل: أنا والقوش، تأملات، رحيل خارطة، متاحف الموت ما زالت لا يختفي بريقها في مجال الإبداع في الشعر لتعزيز المشهد الشعري والثقافي في العراق.
لا زال نداء الشعاع ماثلاً لهُ ليغطي أديم الأرض بإلحاح، وهناك رؤية غريبة لأسراب حمامات بيضاء، ربّما ترمز إلى الخالق نحو مخلوقه الإنسان والمفارقة بينهما والتي تومىءُ إلى طوفان نوح عندما أصبحت الأرض خاوية خربة، لا دبيب يجولُ فيها، فقط الحمامات البيضاء التي إعتبرها الملائكة وستأتي حتماً في يوم الحساب، لا يعرفُ متى تنزوي روحهُ ينتظر وصول شعاع حكمة الله ليطهر الأبدان، كثيراً ما تعجز الرؤية لديه بسبب إرهاصات تعيق اللغة عن تعبيرها، فهو يوحي بفكره إلى التجدد وأنّ الحياة ليست بحياة إذا تجمدت، هكذا تظل قصائدهُ سائلة مائعة لا ترى الثلج الأبيض بل تغطي الأرض، تظهر الأسطورة عندهُ مصدر إيجابي في إنتاج الثقافة وإستهلاكها، ولكن قد يواجه الشاعر أيّه هزّة، وأيّ إنفجار، ربّتما هذا الواقع الجديد الذي يركز عليه نباتي بأنّ المخلوق كائن جديد يأخذ بقدر حاجته، وإذا كان هناك فرق شاسع يقول: وكيف سيعالج الإنسان ذلك؟. حتماً سيلجأ إلى الإهتمام بالفنون والأدب ويظهر التنافس بين بني البشر لإظهار الفروق الفردية والتفوق في القدرات الإبداعية فنراهُ يبحث في الماضي وينشغلُ بما يحيطُ به، ويستشرف المستقبل، فالأساطير عندهُ تقف على قارعة الطريق، تنتظرُ من يدخلها من الشعراء في شعرهم، يستنبط الشاعر نصوصه الممتازة بخواص تكسبها القوة والجمال، وتجعلها قادرة على التأثير والخلود، رغم إنشغالاته وإنفعالاته يكادُ يكون متيقظاً في كل لحظة من لحظات الزمن. فالنقد لا يتوقف عند حدود النتاج الشعري، أنا أعتبر شعر بطرس نباتي بشاعر القضية والتناقضات، الذي لم يتوقف شعرياً بل إعلامياً أيضاً ومن الصعوبة الفصل بين هاتين الصفتين. ربط الشاعر قصائدهُ بالتراث لإستخلاص صور منهجية التي تربطُ بين الحلم والنص الأدبي، وبهذا صنع خطاباً لغوياً يمنح الرغبة في أسلوب خيالي، فهو يمسك بثنائيات ضدية كالحب والكراهية، وثنائية الجسد والروح، إنّ مفردات نصوصه واضحة بيّنة لأنّهُ ذكر أسماء الأعلام والأمكنة ممّا تقوي الشعر، ومن ناحية أخرى حرصه اللغوي تظهر ألفاظهُ بسيطة لا يظهر فيها تكلف أو حشو كلمات، هناك ميزة في ظاهرة الواو التي تبين معاناة الشاعر تعطيه شعوراً بالبعد كقوله: وتصاعدت النيران/ والدخان ملأ المكان/ وهو دائماً مرتحل من مكان قريب إلى مكان ناء، وقد تشكل من كل ذلك ألفاظاً أزادت وهج القصيدة، فيردد لما أنت خائف من العشق؟ ولما تهرب...؟ وإلى أين...؟. وبهذا تظهر كل أسفاره وتنقلاته وغربته. لقد ظلّ الشعرعندهُ روحاً بلا حجاب، فهو قادر على إستعمالات أسمى، أحياناً نكونُ في موقف اللامبالاة بصدد موت عزيز علينا، فكم بالأحرى أن يكون الموت جماعي بحادث ضرب باصات الجامعة، لعلّ الموت في نظر الآخرين قد فقد طابعه السري، فأصبح مجرد واقعة وضع لها تسلسل رقمي، إنّ محاورة الشاعر لذلك ذات طبيعة فلسفية شعرية رائعة، فالروح ترتجف والقلب يتصاعد نحو بياض إمرأة، يفصح شاعرنا بأن لهُ جذور عميقة تمتدّ نحو حضارة صلبة، فيؤكّد موقف مريم الإنسانة الجسور من الموت، يحملُ بين يديه جناحهُ كإيحاء متخيّل وهذا يرجع للنضوج الفكري والوعي الروحاني لديه. أحياناً يتجاوزُ النص ذاتهُ، إنّ فعل الموت الذي يرتعب منهُ القتلى يعتقدون بأنّ موت الإنسان هو موت القضية، لكن المسألة هي بالعكس، هكذا أراد أن يفصح للعالم بأنّنا تحت سلطة غبية، ونصوص أسراب الحمائم مرآة عاكسة لخبرة ذهنية، وعندما ينتفض الحرف يفوقُ مقومات الجمال، هذه المجموعة تنسكب منها مجموعة من المقاصد، الأحداث المجنونة أحياناً تحول الشاعر إلى فيلسوف عظيم. قد يهزّ الجبال ويبحرُ بعيداً في ثنايا الكون كما يقول: في ص85 / وراحت خارطة تبحرُ بعيداً/ تتيه في ثنايا الكون/ تتلاشى رويداً رويداً/ لتظل أبد الدهر/ ملاذاً للغربان/. هكذا نصوصه تستغيثُ بخارطة الزمن لتفصح عن السكون كان أولا يكون منذُ فجر الأزمان. وختاماً يريدُ الشاعر أن يقول: بأنّ خارطة الزمن هذه هي الوطن بحد ذاته، لا زالت تبحرُ بعيداً تتيه في المجهول وهي دلالة وصور شعرية عمّا يحدث للوطن من إنتكاسات بحيث أصبح ناسهُ وكأنّهم سفينة ليس لها مرفأ وستبقى قصيدة عن بغديدا هي الأجمل لأنّها عبارة عن لوحة جميلة لوثتها دماء وجروح الشباب والصبايا.
المتواجون الان
1127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع