اخر الاخبار:
سقوط طائرة مسيرة ثانية في ذي قار - السبت, 14 حزيران/يونيو 2025 10:59
الأردن يعترض مسيّرة "إيرانية" - السبت, 14 حزيران/يونيو 2025 10:57
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ظلّ صديق- قصة قصيرة// كريم إينا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كريم إينا

 

 

ظلّ صديق- قصة قصيرة

كريم إينا

 

وحدهُ كان يتجوّلُ في أزقّة حي المربعة في بغداد، وهو بسن الثالثة عشرة.. خرج نحو شارع الجمهورية وبيده عجلة باسكليتة، كانت تشوبهُ عزلة مطمئنة غير مرئية، وهو يركضُ وراءها بواسطة قضيب ملتوي من النحاس، وراءهُ حديقة طويلة تكفي لأن تستعيد الأشياء فتنتها، كان يراقبهُ صديقهُ الأكبر منهُ بسنة، خائفاً قلقاً عليه، كانت العزلة بالنسبة لهُ إكتشاف متأخر، أمضى وقتهُ يلهثُ وراء حدث كبير يتوقّعهُ بأصدق تأمّل وبأعظم إبتهاج، ويتمنّى لهُ أن تكلّل حياتهُ بالنجاح والموفقية دوماً، لقد إنزاحت عنهُ الكراهية، ويحلمُ بوقوع عتمة مارقة قد تزيلُ منهُ وفاءهُ لصديقه، وحين حان موعد الحدث، لا يهدأ إلاّ على زغب، نسي كل تداعيات الذاكرة، ليتجهّد بها في ذلك الفجر اللعينْ، إنطفأت عيناهُ من سخام تبثّهُ المدفأة، فتنكمش أطرافهُ من البرد، تحدّث بلسان خاشع كي يبعدهُ عن ملابسات الحادث، ولكن دون جدوى، تراودتْ في حلمه أصصاً لرياحين ناعمة تسري في تقاويم وحشته، حانت الساعة منذُ سنين طويلة، وهو ينتظرها بدقة حين تشاجر مع أحدهم. ومنذُ ذلك الوقت، بدأ يتعرّض لنوبات محمومة على ذاته، وهو يخلو بنفسه لذلك المشهد البهي، فجأة سقط بعجلته أمام سيارة الإطفاء، فضربتهُ عنها بضع خطوات فقد الوعي، ركض صديقهُ إليه والدموع تذرفُ من محيّاهُ، صعد معهُ في سيارة الإسعاف التي نقلتهُ إلى المشفى، وهو في تلك الصورة المأساوية تأوّل نعاسهُ في هواء كثيف، حتى أصبح الوجع والأنين ظلّ وجدانه المتفرّد، كان ينظرُ في تواتر مستمر، نحو إمرأة من خزف، في تلك اللحظة حضرت إمرأة جميلة يُقال: أنّها والدتهُ، أقسم لها بأنّهُ نصح إبنها بعدم النزول إلى جادة الشارع، ربّما سيمرُ القمر على مضض هنا، ككرة ترتطمُ في وجهه، وحتماً قد بالغ في نظرها فنون اللياقة والمنطق، بهذا المنطق لم تكتملُ أصوات أحلامه، وهي تعزفُ أنين زميله، ظلّت الأشباح بمخيلته تنسلّ في سماوات نفسه، رغم تفاؤله بكل ما كان يعكّرُ صفوهُ، فسادت أمامهُ رؤىً مشرقة بنجاة صديقهُ ربّما قد يهدي لهُ عربون المحبة. يروحُ ويجىءُ والأشباح تطوفُ في مخيلته. ويقول: دمٌ جاف، نزّ منّي في جنازة ماضية، لم يكن صعباً الحديث مع والدته، بل جعلها تؤمنُ بالمرأة التي تعكسُ أفعال إبنها المحزنة. وبدأت الحياة تأخذ هويتها من الفشل إلى عالم الأحلام المغلوط..  من يعمّق مفاهيم الصداقة؟، ويتسرّب في حنايا الليل المرتحل إلى دروب الفجر، بين حين وآخر تربتُ أمّهُ على كتفه بإطمئنان، وحدهُ وقع على سكّة الموت فخلطت دماؤهُ بنفحة مترجرجة، صارت فجيعة أخرى موجعة شهدت جلباب الهيبة، والدموع تتسرّب بقسوة لحجم أنانية الإنسان، ومنذُ ذلك الصباح.. وأنا أشعرُ لذنبي اليتيم الذي لا يعرفهُ أحد إلاّ هو، النهارُ والليل مرعبان بحوادثهم، صار الغيظ يُعشّشُ فيّ إلى حدّ الإنهيار، كيف سمحتُ لنفسي بأن يحدث ذلك؟. هذا العالم الوقح الغريب الذي ركلني بقدمي إلى موقف يعلو حدود طاقتي، حاولتُ أن أشغل نفسي بإستمرار، كي أهرب من ذكرياتي ببساط من ريح، وحتى إن حاولت.. فلن أسمح لنفسي يوماً ما بأن أقتصّ منها ووجداني، كنت دائماً أحبُّ المغامرة بكلّ شيء يعكّرُ خلوتي، فقد أغلقتْ كلّ الأبواب بوجهي، ولا زالَ صديقي في غرفة الإنعاش.، فقلتُ: في نفسي متى أعيدُ شتاتي؟. بدأتُ أراجعُ صور الماضي الجميل وكيف كنّا وإلى أين أصبحنا؟.  وا.. عجبي! هل هذا زمنُ الخسارة؟، لم أفطنُ يوماً لما أعتزمُ به، بعد الإعتزام والإطمئنان على صحة صديقي، بدأت نظرتي عنهُ تخفّ مع بعض الشرود الآني. صعدت رؤياي إلى نافذة من رخام فلم أر شفافيتها العذبة، ربّما هذا عقابُ الله لي عندما أدركتُ أنّ مغالاتي هذه قد تجلبُ لي أضحوكة للآخرين، وبحزن حارق لم أتمكّن يوماً ما من شراء حمقي المتلاشي، وفي كلّ مرة أرى حلمي رافعاً إيّاهُ في أفئدة السخرية. عاش صديقي في دوّامة الحلم، ما بين الحياة أو الموت، وأنا لم أستطع أن أحقّق لهُ أيّ رغبة للنجاة، كان رأسي لا زال يوجعني بسبب الضربة، ورعب شمل أطرافي في ذلك اليوم الموحش، كنتُ أستبسلُ دفاعاً عنهُ، رغم قناعات الأصدقاء الآخرين بفلسفتي العجيبة، لماذا أتعذّبُ هكذا؟.. وضوءُ النهار يغادرُ غرفتي الحمراء، كان الظلام يحنو عليّ في إشفاق غريب،.. أعتقدُ أنّي تعثرتُ في الدروب التي ليس فيها من مجيب ليهدي لي الطريق، وما زال غدر الزمان بي، بعد إصابتي بخيبة أمل والثقة العمياء على تحقيق المستحيل، فقمعتُ دموعي وكففتُ نشيجي، إذ ناهزتْ الساعة الرابعة، وإنحدر بصري نحو الغسق، وسمعتُ المطر وهو ما يزال يصفعُ زجاج النوافذ بلا إنقطاع، لم أتنازل أبداً لصفعة القدر، أذكرُ بعد ذلك أنّني أفقتُ وأنا أحسّ كأنّني كنتُ في كابوس مخيف، بعثرتُ أحلامي المنبوذة، وصغتُ لي قلائداً مزخرفة. شعرتُ براحة لا توصف، وبإحساس لطيف ينبىءُ بالحماية والأمان، أمضيتُ سنوات من عمري وأنا أبحثُ عن ظلّ صديق، كان إكتشافي لتلك الظلال النائية بأنّها تهربُ من أصحابها أيضاً. وحلمي الوحيد كان إسترداد صديقي من قبضة الموت، حتى ولو كان ذلك آخر ما أفعلهُ في حياتي، كان صبري لتلك الحادثة كباب مفتوح، أستطيع الدخول من خلاله مسروراً، لستُ أدري.. فكرتُ مرّة ومرّة، بتلك الصداقة، فكان تصريحي العجيب يهبطُ  كعادته في باحة النسيان، بدأتُ أتلوّى في نفسي ودمائي تغلي في عروقي، قلتُ كلماتي الأخيرة، وعيوني محدقة نحو السماء الصافية بإستغراب، وكانت الساعات تبدو طويلة، وأنا أترقبُ شفاء صديقي، وأحاولُ أن أستبين معالم صورته على الحائط.. إنقضى الليلُ سريعاً، وكنتُ من التعب بحيث لم يواتني أي حلم في نومي، ربّما جرحتُ كبرياء أمّ صديقي.. عندما سألتني عن إبنها، وشعورها كان بعدم الرضا لما يمتدّ في نفسي من أحاديث مستترة، حينها سرتُ ورأسي مرفوع، كان الحديث كلّهُ يدورُ حول الدرس الذي أخذهُ صديقي في تلك الحادثة، لم أستطع تصديق ما أرى، والد صديقي المصدوم، واقفاً أمام الباب ينظرُ إليّ بعين جاحظة، لم أتمكن من ترجمة نظراتهُ الصامتة، خجلتُ منهُ وقلبي يدقُ كجرس الكنيسة في صباح الآحاد والأعياد، كانت كلّ العيون ترمقني من بعيد، فشعرتُ مراراً وتكراراً بأنّ هذه النظرات لا تبشرُ بخير، لا بل رقصت روحي،  وعيناي تلمعان بوميض منارة يبزغُ شررها بهيئة إنسان. إقترب إليّ بحنان وقال: لي هل أنت صديق إبني الحميم؟. قلتُ: لهُ بهمس مطبق نعم، حينها زال إرتباكي وشعرتُ بدفىء كلماتي، التي كانت حينها لا تنسجم قبل لحظات، إبتسم فتلألأت أسنانهُ، وقال: لي بنبرة فاخرة أنت إبني الثاني، قل: لي كيف أجعلك إبناً سعيداً وأخاً لإبني، سمعتُ هذه الكلمات والفرحة لا تسعني، حقاً هذه المرة صدّقتُ وزلزلتُ جدران ذاكرتي، فتسمّرت حيادية مشاعري، لو يدري صديقي كم أنا فخورٌ بأبيه، صار أطلالاً وكبرياءً يمنعهُ من التأنّي، قلتُ: نحنُ البشر مجرّد ضحية لمجتمع مكتوف اليدين، والشيء الأهم تأكدتُ من إستعادة صديقي إلى أبيه، والأفتخار بالأبوّة بقلب نابض وملامح حنونة وظلّ دافىء، لقد أزجيتُ لهُ إجابات تساندهُ في عصرنا هذا، أرى السماء تلوحُ في عقابها لهذا الحدث الغريب، تعافى صديقي الودود، وعادت الضحكة ترتسمُ في وجهه وقال: لي هيا نلعبُ يا صديقي سوية رغم غدر الزمان بنا. وسرعان ما تناولنا وجبة عشاء سوية، بدأ اليوم التالي كسابق عهده، ينيطُ لنا بواجبات منتظمة، وجدنا أنّ ساعة العمل هي أفضلُ حلّ للإستقرار يستحقّ الإطراء، لذا صرنا نقضي ساعة في الهواء الطلق، ونفكرُ دائماً بأن نستجمع قوانا، لمواجهة أسوأ ما يأتي به الظرف، مرّت سنوات عدّة على صداقتنا، وشعورنا تجاهنا يبعثُ الطمأنينة، نبحثُ لأنفسنا أموراً تساعدنا، رحتُ أذرعُ الغرفة معظم الوقت، والتفكير في تعويض الخسارة التي لاحت صديقي، وكان ثمّة بيانو لي في الحجرة، عزمتُ على بيعها وإضافة بعض المال عليها من أجل شراء سيارة ، كهدية لصديقي بمناسبة عيد ميلاده. وشعرتُ بأنّ تصرفي هذا كان في محله، وهذا ما جعلنا نمضي في الحياة قدماً، إنّ إصابة صديقي بحادث السيارة، جعلتهُ يفكرُ بعمق نحو صديقه الصدوق، وهذا ممّا وفرّتُ لهُ كل أسباب الراحة تجاهي، رغمْ كلّ الشكوك والمخاوف!، إنّهُ لشعور عجيب أن يرى الشاب نفسهُ، وهو لم تصقلهُ التجارب بعد، وقد تقدمتُ تقدماً محسوساً في دراسة أفكاره، فأظهر نحوي حبّاً متوثباً، وهنا أقولُ:- بين قوسين- أنّ هذا الأسلوب كان فائزاً في علاقتنا مع بعض، ومن العبث القول: بأنّ على البشر أن يقنعوا بالطمأنينة والسكينة. إذ لا بدّ لنا من العمل والحركة، قد نحتاج إلى تدريب لمواهبنا، ربّما يملكُ صديقي نفس خصالي، ولكنّي أكبرُ منهُ بسنة، لذا تكونُ معرفتي بالأشياء أوسعُ منهُ،. ومهما يكونُ شعوري نحوهُ تافهاً وقصير الأمد، إلاّ أنّهُ كان إيجابياً بصورته الجديدة، كنتُ أنا في طفولتي وحيد في الحياة، بلا أسرة، بلا مال، ولا جمال!.. حرصتُ كلّ الحرص بأن أعوّض حرماني من تلك الأشياء بواسطة ظلّ صديق، وقضيتُ في المدرسة ثمان سنوات، وكنتُ تلميذ مجتهد، وأتقنتُ في تلك الأثناء العزف على (البيانو)، الذي بعتهُ ووهبتُ ثمنهُ لصديقي الصدوق، كنتُ وقتها أعزفُ- في خلواتي مقطوعات رهيبة، تجلجلُ سامعيها، وأحياناً أخلو بنفسي عبر نافذة الغرفة، كالمثل القائل: الصديق عند الضيق، وصديقك كتابك، لذا حاولت قراءة كتب علمية وقصص بوليسية، إستمتعتُ كثيراً بها، وتوسع فكري من خلالها بنواحي كثيرة، رغم أنّي لم أكمل دراستي البكالوريا، ولكن صديقي بدا أشطرُ منّي، ما زال مستمراً في الدراسة، أشعرُ شيءٌ ما ينقصني، ربّما يقودني ذلك الماضي إلى التأنيب والتجريح، ذات مساء ذهبنا أنا وصديقي إلى إحدى دور السينما، عسى ولعلّهُ تسرّ أنفسنا، ونتعلمُ أشياءً كثيرة قد تدهشنا بما نراهُ، وأخيراُ بعد إنتهاء الفيلم، تأثرنا بتلك القصة المحزنة، عبرنا الطريق المؤدي إلى دورنا، رأينا طفلة صغيرة تبكي وتصرخ، مرمية على قارعة الطريق نائمة على القش، أخذناها بسرعة الفهد، تحاورنا أنا وصديقي، قلتُ: لهُ ماذا نفعل بها؟. هل نذهب بها إلى الشرطة، أم نأخذها للبيت، مجرّد تساؤلات تقرعُ في جلباب أفكارنا، قال: صديقي الأصغر منّي، إذا ذهبنا إلى مكتب الشرطة، سوف يدخلوننا في س وج، ونحنُ لا نتحمّل تلك المسؤولية بتاتاً، قلتُ: لصديقي إذا لنذهب بها إلى دار الأيتام، عسى ولعلّهُ يجدون حلاً لها، نحنُ الإثنان تورطنا بهذه المسألة، ولكن ما باليد حيلة، لنعمل الخير حتى لو حصدنا شراً من ذلك. وفعلاً ذهبنا إلى دار الأيتام، إستقبلنا المدير، حكينا لهُ القصة من طأطأ لسلام عليكم، ممّا أبدى إعجابهُ بسلوكنا الفريد، وافق على الفور بأن تبقى الطفلة في الميتم مع صديقات لها، ربّما تحضى بعائلة لا تملكُ طفلاً لتربيها، ولم يكن بوسعنا إلاّ أن نتصرف بأناقة مثل تصرفنا حيال تلك الطفلة، لقد أزادنا ذلك الشعور بوجود ثقة عالية بأنفسنا، ممكن أن نستغلها في أيّ وقت وأيّ زمان، فلم نعد نفكرُ إلاّ بالسعادة التي غمرتنا، بعزمنا الراسخ وتفكيرنا السديد قد نصل مبتغانا، سوف أضع يدي بيد صديقي، لنبحثُ عن عمل نسترزقُ منهُ، بعد البحث والدوران في أماكن عدة، إستطعنا أن نعمل في معمل لخياطة الألبسة الجاهزة، أصبح مدير المعمل مبسوطاً منّا لأمانتنا وإخلاصنا في العمل، تشاورتُ مع صديقي عن فكرة الزواج، قلتُ: لهُ هل لديك رغبة بالزواج؟. قال: لي صديقي الأصغر منّي، تزوج أنت أولاً، كي أعرف سرّ الزواج ومكنوناته، ثمّ بعد ذلك أعتزم للزواج. قلتُ: على بركة الله.. تزوجتُ من فتاة صالحة، أنجبت لي توأم ولد وبنت، أسميتُ الولد يوسف والبنت سارة، وبعد مرور ثلاثُ سنوات، قررتُ بأن أصارح صديقي الأكبر برغبتي بالزواج من فتاة تسكنُ في حيّنا، فرحتُ كثيراً بهذا الخبر، علّهُ الإنسان يكملّ نصف دينه، تم عقد القران على الفتاة، وبدأ حفل الزواج، وبعد سنة من الزواج، خلّف صديقي بنت أسماها نداء، عشنا كلّنا في تبات ونبات، واحدنا يساعد الآخر في السرّاء والضراء، دامت الصداقة بيننا سنين طوال، إغرورقت أعيننا بالدموع، عندما رأينا فلذات أكبادنا يكونوا صداقات حميمية فيما بينهم، فالصديق كما يقال: ربّ ولد لم تلدهُ أمّهُ، ونحنُ في هذا الزمن الصعب، عصر السرعة والأنترنيت والشبكات العنقودية ووسائل التواصل الإجتماعي، كلّها تساعدُ الإنسان بأن يكوّن صداقات مختلفة، كالحب، والزواج، والعمل، والسفر...إلخ. كلّها تيمنات الإنسان لأخيه الإنسان. والصداقة هي كلمة محببة كالصدقة، تحوي بمكامنها، قيم ومبادىء سامية، المهم في هذا الزمان كنّا أصدقاء مخلصين لبعضنا البعض، وحتى أولادنا قد سمو بنفس المنحى الجميل، أحياناً نخطأ.. وأحياناً ننفعل.. ولكن الجميع يدورون في حلقة واحدة، تسمّى " الصداقة". التي تبعثُ الدفىء والراحة والإطمئنان، سنجدها بأنفاس أولادنا، سنبذل قصارى جهدنا لتعليم أولادنا، وإيصالهم إلى أعلى درجات العلم، على الأقل يعوضوا ما فقدناهُ نحنُ الآباء في تلك الظروف الصعبة. اليوم سنعلن سويداء القلب المتقدة، ونقتحمُ الظلام بأشعة من نور، لقد هرمنا وما على أولادنا، إلاّ أن يكملوا مسيرة الطريق، كل هذا الحب نحنُ الأحياء نعملُ من أجله، لقد حظينا بنعم كثيرة، وما زالت الأحلام أمامنا، تغمرها سعادة حقيقية، كنّا أنا وصديقي منذُ زمن بعيد، نتسلّقُ جدار الأمل، فيقبلُ النهار إلينا، كغيمة مشعّة لا تتبدّد، وإنقضت أيام وأشهر وسنوات على صداقتنا، فلم نشبع منها ولا هي تشبع منّا، فالصداقة كنز ينهمرُ مدراراً. فكيف نعيشُ بدون أصدقاء؟. حمداً لله فإنّهُ يقصرّ عمر الشر ويزيدُ من عمر الخير، كي تبقى الصداقة قائمة بين كل سائر البشر. لقد فارقتنا الأحزان، وآنسنا الحب السعيد برباطه المقدس. وأنقضى الصباح بهدوء تام، مهما إندفعنا وراء العاصفة، لا بدّ بأن يكون الصديق لنا بمثابة الشجرة التي توزع ثمارها للأغنياء والفقراء، هذا ما حدث فعلاً في دار الأصدقاء، من هدوء الروح والنفس، وهكذا عرفتُ الصداقة بأنّها عنوان المحبة، ولكنّي لا أخدعُ نفسي، رأيتُ أن أجيب بصراحة، إنّ السيطرة على إغراء النزوات، لم يكن فيه عيبٌ أو نقص، بل يمهد للإنسان كيفية التصرف تجاه الصديق، شعرتُ أنا وصديقي بأنّنا محبوبين تجاه الناس بفضل صداقتنا، وهذا يرضيني بأن تكون صورتي في جرأة مستمدة من حسن النية، رحتُ أتفرّسُ بصداقة الآخرين، وأدونُ مذكراتي الماضية في كتاب جميل، يقرأهُ كلّ الناس، يتأثرون به، ويتأثرُ بهم إلى ما لا نهاية، وهذه مفاجأة جديدة لك عزيزي أيّها القارىء. 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.