اخر الاخبار:
السوداني يدشن مطار الموصل الدولي - الأربعاء, 16 تموز/يوليو 2025 11:02
سقوط طائرة مسيرة قرب حقل نفطي في كركوك - الأربعاء, 16 تموز/يوليو 2025 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مفارقات قريبة لإندماج السينريو مع الهايكو بأسلوب الهايجن سرهد هوزايا// كريم إينا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كريم إينا

 

مفارقات قريبة لإندماج السينريو مع الهايكو

بأسلوب الهايجن سرهد هوزايا

نقد: كريم إينا

 

صدر للهايجن سرهد هوزايا ديوان جديد بعنوان: "أصّيص البيبون" هايكو... سينْريو الطبعة الأولى سنة 2025، طبعت المجموعة في مطبعة دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، الإمارات العربية المتحدة – الشارقة، يقع الكتاب بـ (122) صفحة إحتوت المجموعة على (104) قصيدة للهايكو والسينريو، والكتاب من الحجم المتوسط ، ظهرت لسرهد هوزايا توطئة، ثمّ تقديم من قبل الأستاذ علي محمد القيسي رئيس رابطة هايكو سومر، إنّ الحداثة أفرزت نتائج ومضامين عن الشعر في العصر الحديث، ينظر إلى هذا النوع من الشعر من خلال إطار فلسفي لأنّهُ يركز على العقل والمنطق، بدلاً من الإعتماد على العواطف والمشاعر، شعر الهايكو هو شكل جديد شاع في اليابان وشرق آسيا منذُ القرن السابع عشر، ووصل إلى كندا وأمريكا، يقوم الهايجن على تقديم صورة واضحة ومنطقية للعالم بعد إعتماده على مفاهيم كانتيه (المعرفة والواقع)، أحاولُ أن أركزُ على مستويات ثلاثة: المستوى الصوتي، والتركيبي، والدلالي. فلكل كاتب أسلوبهُ في النظم والتعبير، وبهذا تظهر بصمة سرهد الشخصية التي لا يمكن الأخذ منها أو تقليدها، وبهذا فإنّ منهج الأسلوبية يعتمد على المتغيرات اللسانية، يأتي بعد ذلك المستوى الصوتي، ولكل دراسة رمزية الحروف وتكويناتها الموسيقية من "خبر، ونغم، وإيقاع"، أمّا المستوى التركيبي يقومُ على الدلالة لأنّهُ يدرس الجملة وتراكيبها، كالتقديم والتأخير وكشف العلاقات النحوية بين الكلمات في الجملة، ومن هذا المنطلق أحاولُ بأن أكشف الخصائص الجمالية في نصوص الهايجن سرهد، لنفهم من ذلك بأنّ الهايكو قصيدة كاملة مستقلة في سبعة عشر مقطع فقط ، فالسطر الأول: خمسة مقاطع، والسطر الثاني: سبعة مقاطع، والسطر الثالث: خمسة مقاطع، يسمى الشاعر في الإنكليزية بالهايجست يخاطب قصائدهُ بالعين أكثر ممّا يخاطبها بالأذن، وأغلب صوره بصرية وليست سمعية، تراهُ يلتقط الصور من الحواس الخمس التي تحملُ صورة واحدة أو صورتين، بمشهد واقعي ذهني مخزون في الذاكرة لا يعتمد على الخيال أو السريالية، فيكشفُ الضوء في الأشياء الحاضرة، ليخلط الأشياء الموجودة كالفصول، والأزهار، والضوء، والحشرات، والجداول، والأنهار، والرياح، لكل ما يدورُ حولهُ كالبرق والثلوج والمطر، وخلاصة قولي: بأنّ الهايكو شكل شعري في كلمات بسيطة لفظاً وقليلة عدداً، وقد تحملُ القصيدة صورتين متناقضتين، واحدة توحي بالزمان والمكان، وأخرى هي تصوير واضح لصورة عابرة، من السهل الوصول لدلالات قصائده لبساطة أسلوبه، لأنّ مصطلحهُ الدلالي يدرس العلاقة بين الكلمة ومعناها، ففي ص17 يقول: / قيلولة، على الجفون الغافية / تتلاعبُ  ظلال الأوراق /، أحياناً نأخذُ قيلولة لمدّة عشر دقائق تعوّضنا لبضع ساعات، والجفون تتلاعبُ كظلال أوراق الشجر المتراقصة، وهي بمثابة قيمة صحية وفنية بنفس الوقت لأنّها تعتمد على تنظيم الزمكانية، أمّا في ص18 يتكلم هوزايا عن العرس المدمّى الذي حدث في قاعة الهيثم في مدينة بغديدا، وكان سبب أكفان المدعوين شراشف المناضد المحترقة، حيث يقول: /قاعةُ الأعراس، شراشفُ المناضد/ أكفان للمدعوين/، وفي حفل تأبينْ يرمزُ إلى الحزن الذي إنبعث بموت أحدهم الذي سقط بسقوط أوراق الكاتالبا، وفي ص19 يقول: / حفلُ تأبين، تسقطُ معاً/ حفنة أوراق الكاتالبا /، وفي ص20 يقول: / على الغصن الخارج من بيته/ يُعلّقُ كيس شطائر،/ لعابر السبيل/، يذكرني هذا (البيت) بالبيت العراقي عندما يزدادُ الخبز لديه يضعهُ في كيس ويعلّقهُ بالباب الخارجي علّهُ من عابر سبيل، يوحي لنا الشاعر بأنّ هامتهُ شامخة لا تنحني بأوراق الشجر وهناك يكونُ طريقهُ، مثلما يقول: في ص21 / حيثُ تلامسُ هامتي أوراق الشجر، هناك أتمشّى/، إنّ لغة العيون تكونُ أقوى وأعتى من لغة الجسد عندما يقتضيها الجوع، ربّما حرارة الصيف قد تثبطُ عزيمة الحيوانات عن الحركة، نرى في ص24 يقول: /ما ذنب الزهور الطرية تدفنُ مع الكفن؟/، هناك طقوس غريبة في مجتمعاتنا الشرقية مثلاً وضع وردة أو فراشة في كتاب أو مع الكفن أو تزرع الزهور أمام القبر، دلالة لوجود نبض وحياة وفسحة أمل بعد الحزن واليأس. في ص25 يقول: /شهادة الماجستير يوفي الطالب الغني/ ديون لجنة المناقشة!/، الشهادة التي حصل عليها الطالب لا يستحقها لأنّهُ حصل عليها مقابل المال وليس من كدّه أو تعبه، أمّا في ص26 يقول: / شرنقةٌ ممزقةٌ، بين القبور/ فراشة بيضاء/، بعد كلّ موت حياة وكلّ ظلام نور، وكلّ سواد بياض، كتلك الفراشة التي خرجت من شرنقتها وهنا تكمنُ الولادة الجديدة، وفي ص27 يقول: /قدّاس الصوم، خلف النافذة/ سقسقات فراخ الدوري/، الناس صائمة ليس لديها بقايا طعام لها، فهو كتبها سقسقات بـ ( السين) ليؤكّد للقارىء بوجود عصفور ضعيفْ الذي يترادفُ في معناهُ مع الجوع في النص، كلّ التجارب الحسيّة تبدأ بالحدس ضمن مفاهيم مسبقة، كالوعي الذاتي للشاعر الذي يستند في النهاية إلى مفهوم مسبق كالإدراك، لهذا ينطلق الهايكو كومضة في صعيد الكتابة العربية، مثال في ص30 يقول: /أمواج دافئة، تبرّد جسدي/ قطرات المطر/، يستلهم الهايجن سرهد الصور الشعرية من الطبيعة كي يتأثر بها القارىء، يأخذ من الطبيعة ولا يؤثر عليها مثل النحلة التي تمتصّ الرحيق من الزهرة لتصنع عسلاً، ولكن رغم ذلك مهما كانت الأمواج دافئة، لا بدّ من مسبّب في برودتها ألا وهو المطر، يدخل المتعة أو الضحك أحياناً في مقاطعه الشعرية، أو في حالات هزلية يتقصّد السخرية، مثال: في ص31 يقول: /رطوبة عالية /تلتصقُ بالسياح - أيادي المدلّكات /، هناك تضاد بين الدلالتين: الإطمئنان، وعدمه، وفي ص33 يقول: /عيد الأم /أضعُ وردة أمام شاهدة لأمّ وأبنها، /لا أعرفهما /، إنّ شعر الومضة كما أطلق عليها الأستاذ: صدام أبو مازن مكونة من عناصر خمسة: التكثيف، المفارقة، الإيحاء، الإدهاش، الختام المباغت.. وبعد ذلك تطورت قصيدة الهايكو بعد تجربة الأستاذ عزّ الدين المناصرة من فلسطين، هذه القصيدة واكبت حركة، وسرعة، وإيقاعاً.. وبمعنى آخر جاءت لتختصر الوقت والمسافة، وفي ص34 يقول: /بعد عيد الحب /دبٌ أحمر /مخدّة المتشرّد /، المخدة التي تأخذُ شكل أو رمز الدب للمتشرّد الذي يضعُ رأسهُ أينما حل، وذلك بسبب ما حصل من مكافآت في ليلة الحب، وهذا التأويل المفرط سواء كان مفرداً أو مركباً، أو سواء كان ذهنياً أو حسياً قد يخلق للمتلقّي التفكير في ثيمة وصول هكذا حيوان عدائي لأناس يفرحوا ويمرحوا بالعيد، لا بدّ من ترك فراغ للتأمل، لما أوتي من القدرة على توليد المعاني العميقة والمساهمة في تطوير وتعزيز الأنظمة الثقافية في اللغات، ويقول: أيضاً في ص36 / طقسٌ بارد، /شهر العسل طويل.. طويل /لكلبة العروس /، للكلاب ميزة غريبة في قدرتها على رؤية الأشباح، إضافة إلى أنّها أول الحيوانات التي تشعر بقدوم المطر فتضع أذيالها بين أرجلها، والشيء الذي يقصدهُ الهايجن سرهد، بأنّ كلبة العروس إبتعدت عن صاحبتها لفترة طويلة ممّا ألمّ بالحيوانة كثيراً حدّ المرض والكآبة، فلابدّ حصولها على فسحة لترجع كما كانت مع صاحبتها، وفي ص38 يقول: /تينٌ ناضج /يقفزُ الدوري من غصن لآخر - /ألم في الركبة /، يربطُ علاقة جدلية بين طير الدوري وأغصان الشجرة وكيفية التحرك إليها بسرعة، عكس الأنسان الكبير في السن الذي لا يطال التين، يركّزُ أيضاً على الخريف القارص، ما جعل الطيور ترتفعُ وتهبطُ /وهي تعبّرُ بداخلها عن البرد، ويقول: في ص40، /سماءٌ غائمة، /يبتكرُ محل كوي الملابس /غيوماً مُهلهلة /، هو محق في ذلك، في فصل الصيف تقلّ حركة كوي الملابس، ولكن في الشتاء الناس تهرع إلى محلات الكوي لإزالة الأوساخ المتراكمة على الملابس التي عبّر عنها بالغيوم المهلهلة، تعتبر هذه الكتابة نقطة التحول نحو الحداثة، لم يترك الهايجن شيء ولم يقصدهُ أو يطرقهُ، سواء كان إنساناً أو جماداً، أو حيواناً، وحتى نباتاً، ممّا جعلهُ يتنصّت للحشرات وحركاتها كالصراصر في الليلْ، مثل: ص41 يقول: /إنقاذ الصرصور من الماء صباحاً، /لمْ يفلح بتدنّي الصرصرة ليلاً /، يفصح عن علاقة غير حميمة بين الصرصر والصرصورة، وهذا يشير إلى حرية الكتابة والتخلص من قيود اللغة، كالوزن والقافية، وفي ص43، يقول: /زلزالْ، /تبلعُ الأرضُ /مصّاصة رضيعْ /، أعتقد هذا الزلزال كان في تركيا عندما ذكرتهُ نشرة أخبار الأناضول بسقوط مصّاصة رضيع عند حركة الهزّة الأرضية بدرجة (6) على مقياس ريختر، تراهُ هنا يعلن مدى الخوف والقلق ناجمان عن مأساة فقدان ملهّي أو طعام لطفل رضيع بحركة زلزال، حيث يكشف منظراً عن الطبيعة المتوحشة التي تحملُ بشاعة الجمال، وهذا الموقف من شاعر قد يستذكر الحادثة بكل أحاسيسه وجوانحه، لا ينسى كتلة الشمس أيضاً وهي إذا كانت عمودية تولّد الحرارة فتظهر إنعكاسات كالسراب مياة راكدة في وسط الطريق لا حياة فيها، ينوهُ الهايجن أيضاً إلى قانون الجاذبية لنيوتن، ولحظة سقوط التفاحة بإستعارة الزهور من الشجرة، قسم يطيرُ في الفضاء، والقسمُ الآخر يلامسُ الأرض، وفي ص47، يقول: /أحد الشعانين، /كمّامة عالقة /بكومة أغصان الزيتون /، يفصح عن قدوم عيد الشعانين بأنّهُ لم يكتمل العيد في تلك السنة بسبب تفشي مرض الكورونا والذي حسب قوله: حتى إلتصق بأغصان الزيتون كمّامة، وتحتَ ظلّ شجرة كبيرة بين الآباء والأجداد يتمّ لم شمل العائلة، يصوّر لنا ظاهرة الهايكو بأنّها كمنظر للمتسوّل النائم تحت رحمة شمس الخريفْ، فتنهالُ الرزايا على بسطته، وفي ص50 / يقول: قدّاسٌ على روح شاعر، /تُكمّلُ الريحُ هبوبها /بإتجاه البحر /، بمعنى الريح كانت حاضرة في التأبين على حد قول القيسي، وصورة أخرى يصوّرُ لنا مدى قدرة الله في إنماء الأشجار العارية، مجرّد لمسها بومضة برق تلمعُ الأغصان كحروف من ذهبْ، وفي ص54، يقول: /ناطحات السحاب، /على أكواخ الفقراء /قوس قزح /، يسقطُ الشاعر الفرق الكبير بين ناطحات السحاب وأكواخ الفقراء البسيطة بإعطاء رمز قوس قزح الذي يعلو فوق العمارات، وهنا موقف الفقير يكونُ أقوى من الغني معنوياً وليس مادياً، ويعلنُ بأنّهُ كلّما حفرنا في الترب نكتشفُ أشياء جديدة جامدة ومتحركة، أحياء وأموات نتعرّف عليها وتتعرفُ علينا، ومن صوره أيضاً ص56، يقول: /مساءٌ ماطر،/تنطّ الذبابة /في صحن عدس زوجتي /، لا يستطيعُ الذباب العيش في البرد والمطر بل في الدفء، ما زلنا نرجع للماضي، ونعتمد على حكايا الأجداد ونصائحهم، ويلمّح إلى سارقوا المحلات يخلقونَ فوضى ولا يراعون أهمية للزهور النضرة، وتظهر في ص64، صورة وهي تقول: نافذة الطائرة، / يرسمُ على بخار أنفاسه/ حدود الوطن /، يفسّر ذلك بأنّ الراكب داخل الطائرة على بخار أنفاسه الحزينة والثقيلة يرسمُ خارطة وطنه الذي قد هجّر منهُ قسراً، وأحياناً أخرى يضعُ جدلية بين الفارس والحصان، كوضع الحافر للحصان ونبض القلب للفارس، وكلاهما يضعان الفوز بلا كلل، ومن صوره المفارقة أيضاً يقول: في ص66، /حركات المصارع / تُهيّجُ الثور، /التنورة الحمراء / الشيء الذي يثيرُ الثور هو اللون الأحمر، وهذه اللعبة المشهورة موجودة في إسبانيا تعرف بمصارعة الثيران، أحياناً لاعب الشطرنج يضحّي بالقلاع والأحصنة من أجل الوصول إلى الملك وإسقاطه وهنا تكمنُ البطولة، ويحكي أيضاً عن شجرة الرمان يقول: / أول برد قارس، / آه لشجرة الرمان / العارية تماماً /، مثلما يشعر الإنسان بالبرد كذلك تشعرُ شجرة الرمان أيضاً، وتعبّرُ عن ذلك بنفض أوراقها النضرة، يستمر هوزايا بصوره الجميلة تراهُ يقودنا بصورة هذا المشهد بأن كيفَ يتحسّرُ العجوز وهو يحلمُ بأكل قطعة لحم، ولكن أسنانهُ ليست كما كانت في السابق، حيث يقول: ص94 /  أمام دكان القصاب / عجوز يحرّكُ فكّيه، / طقم أسنان جديد /، ويسهب في إمتاع المتلقّي بإفصاحه عن اللون الأسود الذي يحملهُ الغراب يرمزُ للشؤم، وكأنّهُ بهيئة إسفلت الشارع الأسود، يسعى الهايجن سعياً حثيثاً نحو عالم مستتر لا يهمّهُ الإشارات المرورية، بلْ يحاولُ سحق كل من يمرّ أمامهُ، بمعنى فقدت الرحمة من العالم، وفي ص108، يقول: / حكايات الجدة، / يترجمها الطفل / بولاً في المنام /، نعم حكايات الجد والجدّة من ألف ليلة وليلة وغيرها، كانت تتركُ أثراً بالغاً في نفسية الطفل، فكان يترجمُ خوفه بالبول في فراشه، لما للراوي من قدرة في المحاكاة في متن القصة لشخوص مخيفة كالغيلان والحنافيش إلخ... وفي هذه المجموعة صوراً كثيرة لم أتطرّق إليها كلّها وهي تكاد لا يخفتُ البريق فيها، ويكاد سرهد يسيرُ على خطى معلّمه الياباني: " ماتسوو باشو" ليجرّب مختلف أشكال التجريب، مزوّداً بثقافة كافية ورفيعة، وهي بمثابة مغامرة تجتاحُ المشهد الثقافي العربي.         

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.