حقدٌ دفين- قصّة قصيرة// عامر عودة
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 02 تشرين1/أكتوير 2025 19:32
- كتب بواسطة: عامر عودة
- الزيارات: 741
عامر عودة
حقدٌ دفين- قصّة قصيرة
عامر عودة
قاعةُ الأفراح مليئة بالمدعوّين للاحتفال بزفافِ قريبهم وصديقهم سليم. وسطَ القاعة تجمّع بعضُ الصّبايا والشّباب مُشكّلين حلقة دائريّة يقفُ العريس في وسطها، يُصفّقون ويَرقصون احتفالًا بهذهِ المناسبةِ السّعيدة. أمّا المطرب فقد كان في قِمَّةِ إبداعه في هذهِ اللّيلة، فيبدو أنَّه قد تأثَّر بالجوِّ العامِ السّائد، فأبدع في أدائه ليزيدَ المحتفلين نشوةً وسرورًا...
وراءَ إحدى الطّاولات، جلستِ امرأة خمسينيّة تنظر بعيون حاقدة إلى كلِّ هذهِ البهجة مِن حولها، مُتَعَجِّبة كيف يفرحون ويرقصون بسجيّة لعريس فقير من عائلة فقيرة. كانت تنظر بتفاهة إلى أطباقِ المأكولات على الطّاولةِ الّتي أمامها، وتقول في ذاتها: "في عرس ابني قبلَ شهريْن، كانتِ المأكولات أفضل وأكثر تكلفة وتنوّعًا، والمشروبات أكثر جودة. لكنَّ المدعوّين لم يفرحوا بِسَجِيَّة كما هم فرحون الآن. والبعض كانت ضحكاته مبتذلة وابتسامته مصطنعة وفرحُه شكلي. أنا أعرفُ النّاس جيّدًا وأستطيع أن أقرأ ما بداخلهم." وأكملت شابكة أصابعها بعصبيّة: "أمّا المطرب فقد كان يغنّي دون إحساس، لا كما يغني اللّيلة بفرح عارم وكأنّه هو صاحب العرس". وبعد أن نَقَّلَت عينيْها بينَ الرّاقصين وأطباقِ الطّعام والفرقةِ الموسيقيّة، لمحت جاكيت بدلةِ العريس مُعَلَّقة على الكرسي، فَغَرَزَت عينيّها فيها قائلة في سِرّها: "حتّى بدلته تلك اشتراها له زوجي"
إنّها زوجة عمِّ العريسِ، الّذي يمتلك زوجها متجرًا كبيرًا، ويعملُ العريس عنده سائقًا على إحدى الشّاحنات. وقد أصابتْها الدّهشة، كيف أنَّ النّاس تُعطي قيمة لعامل بسيط، بينما ابنها الّذي يعمل محاسِبًا للشّركة وعدَّة شركات كبيرة أخرى، لم تبتهج النّاس بعرسه كما يليق بمكانته. وتنظر مرّة أخرى إلى الجاكيتِ المعلَّقة على الكرسي وتقول في نفسها: "إنّها لا تليق به!"
لم تصحُ من أجيج حِقدها إلّا على صوتِ أمِّ العريس وهي تدعوها لترقص معها. فتقوم من مقعدها مجبرة، وكأنّها جسد بلا روح، وتبدأ بتحريك يديْها بحركات تمثيليّة راقصة، مبتسمة ابتسامة صفراء، ناظرة نظرة فوقيّة إلى الفستانِ الّذي ترتديه أمُّ العريس، فهو ذو قيمة ماديّة أدنى من فستانها الّذي ارتدته يوم فرحِ ابنها. وقبل أن تعود إلى مكانها، لم تستطع إلّا أن تغرز عينيّها مرّة أخرى على الجاكيتِ المعلّقة على الكرسي، قائلة في ذاتها، وقد بدأَ السُّمُّ يغلي تحتَ أنيابِ حِقدها وغيرتها: "لولا زوجي لَما لَبِسَ العريس مثل هذهِ البدلةِ الثّمينة، ولما استطاع أن يتزوج أصلًا."
وعندما يبدأ سمّ هذهِ المرأة بالغليان فلا بدَّ لها من أن تحقنه في أحد ما...
...قبل انقضاءِ الحفل، تقدمت نحوَ العريس عاضّة على شفتها السّفلى. في طريقها التقطتِ الجاكيت ورَمتْه على كتفيْه قائلة بصوت فحيح يقطر سمًّا:
- لا تنس جاكيت بدلتك الّتي اشتراها لك زوجي فثمنها غال يا... يا عريس.
فوجِئَ العريس بتصرف زوجةِ عمّه وسبح في ذهوله... امتقع وجهه واحتار في كيفيّةِ التّصرّف. فعلى الرّغم من أنّه كان يعلم أنَّ زوجة عمّه لا تُحِبّه، والكلُّ يعرف أنّها حقودة لكنّه، رغم ذلك لم يتوقع منها هذا التّصرّف في ليلة فرحه. وأراد أن يمسكَ بالبدّلة ويرميها في وجهها، إلّا أنَّ احترامه لعمِّه من جهة، واحترامه للمدعوّين من جهة أخرى، منعه من ذلك. وبعد لحظة صمت وذهول، قام أحد أقربائه بأخذها من على كتفيْه، معلقًا إيّاها على أحدِ المقاعد، ناظرًا بغضب إلى قريبته قائلًا:
- عريسنا أجمل بدون بدلات.
وأردف آخر رافعًا العريس على كتفيْه:
- وأغلى من كلِّ البدلات.
وانطلقتِ الأصوات بالغناء من جديد، وكأنَّ السّهرة قد بدأت للتوِّ.
(عامر عودة)
المتواجون الان
435 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع



