اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

غميضة// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

غميضة

حسين السنيد

 

في ذلك اليوم شعر للمرة الاولى بانه جاهز للموت. لم يكن قبل هذا يخاف الموت, بل كان غير مهيئ له فقط. كيف يمكن للمرء ان يخاف الموت وهو يولد معه ثم يعيش ويكبر معه كاخ توأم يلعب معك الغميضة, يمكنك ان تختبئ اينما شئت.. تحت السرير ..خلف باب غرفة الضيوف.. في مخزن الملابس الشتوية ..اختبئ في مكان لايستطيع ان يجدك واحبس انفاسك ولاتتحرك, ستخرج اخيرا بارادتك وانت تقهقه فرحا. وسيمسك بك ..وستسلم نفسه لك راضيا ضاحكا فرحا وانت لاتشعر بالهزيمة. نفس هذا الشعور سيجتاحك يوم تسلم نفسك للموت بارادتك. سيكون الموت مجرد لعبة غميضة طفولية استمرت طيلة عمرك.

 

في ذلك اليوم الذي شعر بانه جاهز للموت ..كان يوم عرس ابنته الصغرى. لم تعد له ثمة مهمة لم ينجزها و هو يشعر بالارهاق. ربى ابنائه الاربعة و ادخلهم الجامعات ثم زوجهم ويرى انهم سعداء في حياتهم. ثم راحوا الاحفاد يكثرون من حوله .يحب زوجته وسيترك لها بيتا ومرتبا تقاعديا جيدا .ولم ينس اخويه الصغار اذ رباهم ايتاما صغارا و هم الان رجلان ولهم مهن يسترزقون منها. لم يبق امامه الشيئ الكثير ولم يعد احد بحاجة ماسة له.

استلقى على سرير خشبي في حديقة البيت ..بين النخلة وشجرة الليمون التي غرسها والده قبل موته باشهر. شاهد السعفات يتهدهدن مثل ام تحاول تنويم طفلها.

اثقلت جفونه .

-      هل نلعب الغميضة الليلة ؟

قام من السرير مضطربا ..

-      من انت؟

-      انا اخوك التوأم ..ماهذا الكلام , هيا لنلعب الغميضة..

واستغرب الرجل من سماع هذه الجملة ودبت رعشة خفيفة وباردة تحت جلده ,اذ لم يكن له اخا توأما الا ذلك الذي مات اثناء الولادة  حسبما قالا له والديه. فهل عاش هذا الاخ التوأم في مكان لايعرفه احد ! ثم اخذ ينظر بعمق في وجه ذلك الطفل. لم يكن وجهه غريبا عليه ابدا, مثل تلك الوجوه التي تحس انها مئلوفة عندك لكنك لاتتذكر اين و متى رأيتها.

-      هيا ..لنلعب ,ساغمض عيوني وساجدك الليلة حتما .

ثم وضع راحة كفيه على عيونه المتوهجة و بدأ بالعد :

-      واحد ..اثنين ..ثلاثة .. اربعة

ما كان من الرجل الا ان تسلق النخلة برشاقة ومهارة كانت مفاجئة حتى لنفسه ثم غطى نفسه بالسعف.

-      تسعة ..عشرة .. انا قادم

بدأ الاخ التوأم ..ذلك الغريب القريب يفتش بالحديقة ,ثم تحت السرير و خلف شجرة الليمون, بين ورود ملكة الليل, الباحة الخلفية للبيت ,في السيارة وكل مكان.

سمعه ينادي :

-      اين انت ؟ ساجدك الليلة حتما ..

دخل الاخ التوأم الى البيت ,فتش الغرف والحمامات, حشر نفسه تحت الاثاث والكراسي والطاولات, وجد الدمى والكرات الصغيرة الملونة القديمة التي اضاعوها تحت الاسرة ثم لم يجدوها ابدا.

بدأ الاخ التوأم يصيح : انا قادم ..انا قادم  ..

لكن الرجل لم يجب واكتفى بمراقبته من على النخلة بصمت واجم.

استمر لساعتين او ثلاث, ثم خرج من البيت وبدأ يفتش في الشارع المقفر المظلم ولم يجد شيئا ايضا ,لكنه استمر بالبحث دون هوادة و هو يصرخ بين الحين والاخر : ساجدك ..ساجدك حتما.

 

عند الفجر ..دب التعب في الاخ التوأم فجلس وطفق يبكي .

-      اخرج اخي ..اخرج فانا خائف ومتعب. انظر لاقدامي متعبة من كثر بحثي عنك. وانا نعسان واريد ان انام.

وفكر الرجل ان لعبة طفولية مثل هذه لاتستوجب بكاء اخي التوأم .

-      انا هنا .. واطلق  قهقهة و نزل من اعلى النخلة و فتح ذراعيه. قال فرحا : انا هنا .. انا هنا

اندفع الاخ التوأم نحوه اندفاعا و احتضنه بقوة و هو يبكي و يضحك .  وشعر الرجل بدفئ الاخوة يسري بين قلبيهما.

نظر لوجه اخيه التوأم تحت اولى شعاع الشمس ..بدا له واضحا جدا هذه المرة و ادرك انه عرفه وميزه.

-      هذا انت يا حبيبي ..كنت بانتظارك

احكم اخيه التوأم ذراعيه بقوة اكثر والصق صدره بصدر الرجل و خده بخده ثم قبله.

 

حين صار الضوء شمسا  كانت النخلة محنية الظهر و الورود مقطوعة الرأس وشجرة الليمون اسقطت كل اوراقها واصبحت عارية والرجل يستلقي على السرير الصدئ بوجه باهت اللون ..وابتسامة ملونة قوس قزح.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.