اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

المسرح الاستهلاكي// نجيب طلال

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نجيب طلال 

المسرح الاستهلاكي

المغرب

  الموقع الفرعي للكاتب

 

قـَول القول:

مـبدئـيا؛ لـيس هـناك فـن بدون قـضية، والمـسرح باعـتباره أبو الفنون؛ بالمعنى الإبيسـي للكلمة؛ فهو الأقدر على طـرح القـضايا ذات الـطابع الإشكالي المنغرس أو المنبعث من البنـية المجتمعيـة؛ ولاسيمـا أنـه الأقرب؛ إبداعـيـة للتفاعـل بين الجسدي والفكري والروحي؛ بغـية اكـتشاف معـنى الـوجود وما في الوجود؛ من موجود، مـما يسـاهـم رأسيا تـغيير نظـرة الإنسان للكـون وللإنسان؛ وأفقيـا في طباعه وسلوكاته وتطبعه في محيط وجوده.

 

ومـن ثمـة فـهو سلاح حضـاري؛ حاد الزوايا في استنهاض الفكر وانتعـاشة الروح وصياغـة ثقـافة سـليمة وفعالة؛ تدفع بالمكون الثقافي الـذي أساسه الإنسان؛ تجـاه الرقي والسـمو؛ لكن المسـرح [العربي]تبـدلت معـطياته السامية التي من أجـلها انوجَـد؛ وأمسى ضمـن ثقافة الاستهلاك؛ متـحولا إلى [سلـعة] خاضعا لشروط الإنتـاج والتـرويج؛ وهـذا لا ينفي بأن المسـرح الاستهلاكي (أو) التجاري لـمْ يكـُن حـاضرا في الثقافة العـربية! ولكنـه كان يعـيش نـوعا من الحصار الجماهيري؛ وفي نفس الآن كان مدانا ومرفوضا؛ من طرف العديد من القوى الثقافـية/ الإبداعية؛ بحكم طروحاته المـبتذلة والترفيهية الفجة وكذا سطحيتها الـهادفة لتبليـد الفكر والأحاسيس؛ وترسيخ مفهوم – الكاتتريس- بمنظور يذكي المهادنـة والاستسلامية؛ تجاه كل ما هو سلبي؛ وضد أحقية إنسانية الإنسان في العيش والعـدالـة الاجتماعية إلا: أن مضامـين انتشار إيديولوجية ثقافـة الاستهـلاك والمؤسسات الثقافـية والسياسية؛ التي تبنى عليـها في قلب مركزها في العالم الأول والأماكن الأخـرى؛ حيث تبنـتها الأقـليات القليلة المنتفـعة؛ إلى بقـية أنحاء العـالم، هـو تغـيير اجتماعي عـلى قدر حقـيقي من الأهـميـة العالمـية (1) بـداهة التغيير يفـرض نـفـسه؛ بحكـم حـركية المجتمع وما يحيط بـه مـن تحولات طـبقا للسيرورة التاريخـية؛ ولكن ليس من أجل أقـلية ضـد الأغلبية؛ لكـن منظور العولمة يسيـر في الاتجاه المـعاكس؛ وذلك بـغية تقـليص قـدرات الشعـوب؛ في الـحراك المضاد وايجابية في الحراك الاستهلاكي؛ بحيث يلاحظ الآن التسابق اليومي نحـوَ مـحلات [الهـومبورغـر/ الماكرو تجاري] من أجل [الأكل/ التسوق] فحتى الأسـر ذات الدخل المتدني أو التي تعيش في هـوامش الـمدن أو الأرياف؛ أو الـذين هاجروا من القـرى والمداشر؛ ولـم يـتـكيفـوا بعْـد بمظاهر المدينة والـمدَنـيَّة، تتسابق وتتلفـظ ب [shopping]  بـدل [التـسوق] أو [ الاقتناء] فمن وجهة نظري: مـن حقها؛ وتلك قناعات ذاتية كاختيارات؛ ولكن الأمـر يترك نـوعا من الارتجاجات النفـسـية؛ التي تـؤدي للجنوح والانحراف؛ ومـا الشذوذ والجرائم المحيرة للعقل التي طفت في عدة دول عـربية؛ ماهي إلا مؤشر نفـسي ومدى علائقه بالاستهلاك؛ الذي يـعد إيديولوجية العولمة إضـافة لانتزاع سـيادة الدولة في الضبط والاحتراز حول السلع والبشـر وتدفـق المعلومات والأفكار؛ وطبيعي جـدا أن الدولة [العربية] ستتراجع وتتقـلص قدرتها لاعـتبارات داخلية أهمها؛ عدم تجدد شرايين الأنظمة والتناوب والحسم في إشكالية التنمية؛ وخاصة الاقتصادية والفكرية, أما العامل الخارجي فـهو الأقـوى وخاصة في التـدفق الهائل في مجال المعلومات والإعلام؛ التي اخترقت الحدود؛ وساهمت في تغيير الجغرافية السياسية؛ وكـذا الـتوظيف العملي للتـكنولوجيا والتحكم في الأقمار الاصطناعية؛ وبالتالي ف [الخوصصة] استراتيجية لتجاوز نظام الدولة والشعب وتـقليـص أدوارهما؛ وهاته المعطيات سائرة في التطبيق؛ مما تم تهميش المجال الثقافي الفاعل في كيان الأمـة؛ وانحصر الفعـل الثقافي والإبداعي؛ في الزاوية الترويجية/السياحية [فلكرة الثقافة] وتشريع بوابة الشراكات الأوربية والمؤسسات الدولية غـير حكوميـة؛ وهـذا الانفـتاح من طبيعته أن يغـير أساليب الإنتاج ؛ ليظل تابعا للعرض والطلب وبالتالي: إن قـفـز المجتمعات العـربية إلى الاستهلاكية من دون أن يرافق هذا القفز تحولات داخلية فــيها ضاعف النتائج السلبية لهذه الأنماط, مما حول النتاجات الفـنية والإبداعية؛ إلى مواد وسلع واستهلاك.. هـذا هو الانهيار الكبير الذي نشهده ونشاهده ونعيشـه؛ على مستوى الفـن, وهـذا التراجع الرهـيب لكل ما هـو خارج النمط الاستهلاكي؛ مما تحول المجال – المسرحي- بكل تنويعاته وتفريعاته؛ إلى سلعة استهلاكية إعلامية, وتخلّي عـن موقعه في مواجهة الواقع وتجاوزه، كيف يمكن له ذلك ولقد أضحـى: سلعة مرتبطة بمختلف التعابير المتخلفة والمتراجعة, فبدل أن يتجاوز المنحى الاستهلاكي الذي جرف ما يسمى وسائل الاتصال توقف عـندها فأصبح المسرح الاستهلاكي الذي يستغل مآسي الناس وقـضاياهـم وهـمومهم وتناقضاتهم والواقع لأهـداف تجارية بحتة (2) فهاته الـوضعيـة فـرضت إقـحام الشركات؛ لعـرض منتوجاتها التجارية؛ بشكل مباشر؛ وذلك بحكم أن العديد من الفرق التي كانت شعلة في العطاء الإبداعي/ الفكري/ تحولت إلى شبه  مقاولات؛ أو مقاولات تتحكم فيها المقايضات سواء بين المنتجين والمستشهرين والممثلين والأطراف المساهمة في العرض [المسرحي] وبالتالي تمـيع المجال المسرحي؛ وأمسى سوقا للمضاربات والصراعات؛ من هـنا افـتقـد الوجه الأسمى للمسرح؛ جماليا وفكريا وسياسيا: كأنما لم يبق من المسرح السياسي العربي أثر يذكر, هـذا الانطباع تكرس سواء عبرالمهرجانات أو العروض المنفردة في (مهرجان القاهرة التجريبي وقرطاج والمهرجات الخليجية وعمان) كأنما تراجع المسرح السياسي أدي إلى حد كبير إلى تراجع المسرح ككل كما لو أنهما توأمان وكأنما الجمهور بابتعاده عـن الحالة المسرحـية كان يسجل ارتباطاً بالسياسي(3) فـطبيعة الجـدل تـفـرض هـاته الصـورة القـاتمة عـن نـوع من الفعـل المسرحي الراقي والفعال في البنية المجتمعية؛ وبالتالي فالعولمـة فـي بعـدهـا العام هـجمـة وحـرب ثـقافـية؛ مفـادها تهـجين العـالم الـعربي؛ وتجـريده من خصـوصيته؛ عـلى أسـاس فـرض وترسيخ مـفاهـيم ثقـافـية و سلوكات وتقـاليد[ الآخـر] عـبر آلـيات ثـقافـية؛ تمارس الغـزو والفـتك؛ لتشويه الهـوية ثـم القـضـاء عـليها؛ وذلك مـن خلال تـمرير مصطلحات وتقـديم النماذج؛ ولـنا الآن (مثال) في [الـجـنـدر »sexe » (ليعـوض مصطلح [التفـريق بين الذكـر والأنثى] وذلك لشـرعنة الشـذوذ الجـنسي؛ وبالتالي فمدخل القـطب  الـثقافي لـن يتم إلا عـن طريق القطب السياسي؛ ولاسيما أن الـوضع السياسي العـربي، أمسى متهلهلا وسلبيا سواء في قـضاياه المحـلية أو القـومية  أو الدولية؛ ولم يـعـد يسيطر إلا عـلى ما أراده [ الآخـر] أن تتم السيطرة عـليه؛

 

ونلاحظ  عـبر الخـريطة العـربية؛ ليست هنـالك [معارضة/ احتجـاج] حول أخطار أوسـلبـيـات الـعولمة؛ ;عـلى البنـي المجتمعـية[عـربيا] كما هـو الـشأن في الـحراك المـدني والسياسي في /أوربا/ أمريكا/ شرق آسيـا/ ومـن البدهي؛ أن يسهـل التأثيـر؛ وإن كان المنطق يقـتضي؛ بأنـه لا يمكـن لأي مـجتمع أن يعـيش بدون سلطة؛ التي هـي شرط تماسك الجماعة؛ سلطة ليست بالمفـهوم القـمعي والاستبدادي؛ والتي تبدأ منذ التنشئة الاجـتماعـية (الوالدين) مرورا بالتعلـيم الأولي والرسمي ؛؛؛ إلى غــير ذلك؛ لكـن في سياق التحـولات؛ أمست السلطة متراخـية أو بالأحـرى مـغـلوبة عـلى أمـرها؛ مـما يـقـع/ وقـع انفلات ؛ أحـدث فـجوات أعـمـق تهـدد القـيم والتـصورات؛ التي أدت باستـفحال [الجـنس] كـقـيمـة استـهلاكـية في بـعـدهـا السلبي والإبتذالي:

 

صفــوة القــول:

وعـليه؛ فـنحـن أمـام مـخطط أعـد لـه سلـفا ومنـذ عـقـود؛ مـن لـدن جهابذة الاخـتراق والاستراتيجيات منـطلـقـيـن مـن أرضيـة فـكرية بـعـيدة المـدى؛ ومـا أطـروحة المعـرفة والتواصل التي تـلوح فــي فضائنا وخطاباتنا؛ ماهي إلا غـطاء لـمفـهوم العولمة ذات البـعد الهـيمني؛ التي يعـبرعـنها [صموئيل هـنـتجـتون] صراع الحضارات ؛ والتي هـي فـي الـواقع صـراع قـيم؛ نظـرا أن الحـضارة مـلك إنساني؛ ولكن أطـروحة الصراع وجـه لخلق نـوع مـن الانفـتـاح الفـكري والسلوكي نحـو الآخر؛ مـما يـفرض عـدم الانغلاق على الـذات؛ مـن أجل نبـد التـعـصب الفـكري والثـقافي؛ الذي يهدف ضمنيا إلغـاء الآخـر؛ وفـعلا؛ مـا وقـع ويـقع من حـروب واستعمار للعَـديد من الدول العربية/ الإسلامية؛ فأوضح نموذج [العراق] ومخـطط التـهويـد لبيـت الـمقدس الذي يعتـبر الروح الـحية والنابضـة للحضارة الإسلامية/ العربـية؛ وفي السـياق ذاته فالـقـوى [العربية] المناهـضة؛ لكل مـا يحاك حولنا؛ بكل أسف شديد تتخبط في صراعاتها الداخلية؛ والبعض يبحـث عـن تخريجات لإثبات انوجاده؛ عــبـر مسالك محتشمة؛ وبعض البعض انهـارت معـنويته؛ إثـر الحصار والقـمع الممنهـج؛ مـما تهـلهل ـ الإبداع ـ الـمتميـز وَ الفاعـل في النسيج الاجــتماعي ؛ بحـكم أنه كان يلازم ويتغذى ويتقـاطع وخطاب اليسار أو المعارضة لكل خطاب أو ممارسة مهادنة واستسلامية ؛ وبالتالي انـجـرف وراء [ ثقافة الاستهلاك]

 

الإحـالات :

1) من الحداثة إلى العـولمة؛ تأليف ج تيمونز روبيرتس  أيمي هايت ترجمة سمر الشيشكلي /عالم المعرفة عـدد310/ ديـسـمبر/2004 ـــ ص 247

2) المجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقـدية ذاتية / حوار مع بول شاؤول في الملحق الثقافي لجريدة الثورة أجـراه ايفـلـين الأحـمد في 8 /02/2005

3) نــفــس الحـــوار مـع بـول شــاؤول

     

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.